قطر الصغرى الكبرى

تصميم توفيق الضاوي.

قطر الصغرى الكبرى

الأربعاء 03 تشرين الثاني 2021

حين ننظر إلى الحضور الكثيف الذي تملكه دولة قطر في المجال العام العربي، سواء سياسيًا أم ثقافيًا أم إعلاميًا، بالأخص خلال العقدين الماضيين، لا يبدو الأمر بديهيًا تمامًا. فرغم الغنى النسبي لشبه الجزيرة الصغيرة، لا يوجد للوهلة الأولى ما يبرر هذا الدور الجوهري والنفوذ الواسع الذي تملكه في المنطقة. ف​​قطر دولة صغيرة بكل المقاييس، يُقدّر عدد سكانها بنحو 330 ألف مواطن بالإضافة إلى 2.3 مليون من العمّال الأجانب والمُغتربين الذين يمثلون 95% من قوتّها العاملة، وناتجها المحلي الإجمالي صغير نسبيًا بالمقارنة بمعظم دول الخليج، كما أن جيشها صغير نسبيًا رغم الاستثمارات الضخمة في تطويره وتدريبه في العقد المنصرم. 

فكيف تلعب شبه الجزيرة الصغيرة هذا الدور، وما الذي يحفّز سياستها الخارجية، وما الذي يدفعها نحو تبني سياسات تبدو في ظاهرها مؤيّدة لعملية التغيير السياسي في العالم العربي، وهل تموضعها كقوة سياسية صاعدة يجعلها مختلفة عن قوى الخليج الأخرى؟

يمكن القول إن هذه الدولة الصغيرة تُعنى بثلاث مجموعات من القضايا. الأولى؛ أمن نظام آل ثاني وضمان استمرارية حكم الأمير الحالي، تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، خاصة في ظلّ تاريخ طويل من انقلابات القصر داخل الأسرة الحاكمة. والثانية؛ هي السلامة الإقليمية لشبه الجزيرة القطرية الناشئة عن الصراع التاريخي والتدخّل المستمرّ للسعوديين والإماراتيين في شؤون عائلة آل ثاني، وكذلك التنافس التاريخي مع حكّام البحرين، آل خليفة. والثالثة هي المخاوف من إيران ومحاولتها الهيمنة الإقليمية في الخليج، وترابط واتصال المصالح الاقتصادية القطرية مع تلك الموجودة في إيران.

تسعى قطر في سياستها الخارجية لاستخدام قوتها الاقتصادية في إضفاء طابع خاص على قطر على الصعيد الدولي، واستغلال التوترات التقليدية في النظام الدولي، خاصة في العالم العربي ودول الجوار، لدفع أجندتها الخاصة والعمل كسمسار قوى، أي الوساطة والدبلوماسية.

هنا، تندرج مشاريع قطر الساعية لامتلاك أوسع نفوذ ممكن في المجال الإعلامي والثقافي. وعلى رأس هذه المشاريع تأتي قناة الجزيرة، التي كانت رأس حربة في بناء قوة قطر الناعمة في المنطقة، انطلاقًا من فهم قطر بأن المشهد الإعلامي في العالم العربي يُعاني من فراغ، وأن قناة تلفزيونية تبث المعلومات دون عوائق يمكن أن تغير هذا المشهد الأساسي جذريًا، وتلعب دورًا فاعلًا في إعادة تعريف الخطوط الحمراء في العالم العربي. 

في هذا الإطار أيضًا، يمكن فهم تحوّل الدوحة عاصمة سياسية للشرق الأوسط، تستقبل المنفيين والمعارضين والهاربين من قمع أنظمتهم والمثقفين والفلاسفة، وتمنحهم القدرة على التحدث إلى الملايين من خلال شبكة واسعة من المنابر الأكاديمية والإعلامية وتوفير بيئة مادية واجتماعية ملائمة لهم، وفي الوقت نفسه تصقل عبرهم الأجندات البحثية والرأي العام العربي.

من جهة أخرى، سعت قطر من خلال الوساطة نحو ترسيخ مكانتها قوةً سياسية وازنة رئيسية وطرفًا مهتمًا بالاستقرار إقليميًا. كما أن هذا الدور يُمكّنها من تقديم خدماتها السياسية للعديد من الأطراف التي تمتلك مصالح حيوية في المنطقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة. 

في هذه السلسلة من المقالات البحثية المتكونة من ثلاثة أجزاء، ندرس بتعمق هذا الصعود القطري، منذ ولادة الإمارة وإلصاقها نفسها بالقوى العظمى كسبيل للبقاء، إلى التوسع الكبير الذي شهدته عُدّتها السياسية بما مكنها من لعب أدوار متنوعة، من الدبلوماسية والإعلام، إلى الفنون والرياضة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية