التغيير القادر على وضع السلطة بيد الشعب الأردني كفيل بحل المعضلات التي تواجهه
بقلم موسى الشقيري
من كتاب “سياسة التقسيم: الملك عبدالله، الصهاينة، وفلسطين” للمؤرخ آفي شلايم
“عندما بدأت الاشاعات تتسرب بأن الحكومة في شرق الاردن قررت أن تنضم للدول العربية الأخرى في اجتياح فلسطين الهادف السيطرة على البلد بأكملها، بعثت جولدا مائير رسالة إلى عبدالله متسائلة إذا كان وعده الأصلي لها ما زال سارياً. بحسب رواية جولدا مائير نفسها فإن الرد من عمان جاء سريعاً وإيجابياً. شعر الملك عبدالله بالصدمة والألم من سؤالها. طلب منها أن تتذكر ثلاثة أشياء: بأنه بدوي يفي بوعده، وأنه ملك، سبب ثاني لجعل كلمته محل إحترام، وأخيراً، أنه لا يمكن أن يكسر وعداً قطعه على نفسه أمام سيدة. وبالتالي ليس هناك أي سبب محتمل يبرر شعورها بالقلق.”
حقيقة تاريخية
لا يكاد يخلو كتاب عن تاريخ المنطقة أو تاريخ الصراع العربي الصهيوني من قصة أو معلومة أو موقف تكشف لك حجم التنسيق، لا بل حتى الاتساق الكامل بين النظام الاردني الهاشمي والمشروع الصهيوني، منذ نشأة الإمارة وحتى هذه اللحظة، وما بعدها. يتلقى المواطن الاردني هذه المعلومات بصدمة كأنه يسمعها للمرة الأولى مهما تكررت، كنتاج لسنوات من التعبئة على شكل كتب اجتماعيات وتربية وطنية واخبار وبرامج تلفزيونية مجترة وذاكرة جمعية خجلت/خافت من نقل الحقيقة.
لقد ثبت وبما لا يدع مجالاً للشك وكمسلمة تاريخية أن هذا النظام المذكور أعلاه متناغم (باستخدام أقل التعبيرات قسوةً) مع المشروع الصهيوني إلى درجة جعلت البعض يصوّر حقيقة وجوده بالشكل الحالي ضرورة استراتيجية أو حتى نتيجة إضافية (باي برودكت) للمشروع الصهيوني، (على الأقل بحسب آفي شليم في كتابه الحائز على جائزة أفضل كتاب في الدراسات السياسية “تواطؤ عبر النهر” والمقتبس من طبعته المختصرة النص أعلاه). فحتى مؤرخي النظام وكتبته لا يملكون دحض هذا التعاون الوثيق، فتراهم يلجأون إلى التبرير وخلق الإعذار (بعد أن أصبح الإنكار غير مجد)، فيقدمون “التعاون” على أنه “سياسة” و “تكتيك” و”توازنات” و”لعب أوراق” وهو أبسط من هذا بكثير: “شراكة” في أحسن حالاته، وفي أسوأها، وبحسب “المتطرفين”، “خيانة”.
أما الرافض لهذه الحقائق التاريخية المثبتة فهو إما اكتفى بما سمعه من كتب الاجتماعيات (على مستوى الصف الخامس) ولم يكلف نفسه البحث عن مصادر بديلة لتاريخ وطنه، أو اختار أن يريح رأسه وضميره، فيكذب كل ما يسمعه ويراه بأم عينه، مفضلاً اعتماد الروايات الرسمية الموثوقة كمصدر مطلق للحقيقة، نفس الروايات الرسمية للتاريخ التي ما زالت تؤكد مثلاً أن النقيب علي بن زيد “استشهد” في أفغانستان في مهمة “إنسانية”، أو أن خالد مشعل أصيب في هوشة بين سياح كنديين في خلاف على موقف سيارة بالجاردنز.
استنتاج وخيار في موضوع المواطنة
يتحمل الشعب الأردني تبعات هذه العلاقة التاريخية. فالشعب الاردني لم ينسق مع الصهاينة منذ الأربعينات، والشعب الأردني رفض للمشروع الصهيوني في فلسطين وفي الأردن بكلتا ضفتيه، والشعب الاردني لم يوافق على معاهدة وادي عربة، ولم يوقعها ولم يرضَ ببنودها… بعكس نظامه الحاكم.
وبالتالي فإن الشعب الأردني أمام خيارين:
-قبول هذا النظام بالرغم من علّته الكبرى، والعمل على إصلاحه، بالحد من صلاحيات صانع القرار الأوحد، والوصول إلى سلطة تمثل الشعب، وتمثل مصالحه ورغباته وتطلعاته وخاصةً فيما يتعلق برفضه للمشروع الصهيوني. هذا الخيار مبني حصرياً على قبول فكرة أن هذا الشعب الأردني شعب واحد، شعب المملكة الأردنية الهاشمية، بشكلها الحالي. شعب لا فرق بين أحد من مواطنيه وكل من يحمل جنسيته.
-أما الخيار الآخر فهو رفض هذا النظام ومشروعه وقوانينه ومعاهداته، والدعوة لقيام نظام جديد يحافظ على الهوية الأردنية الخالصة (الهوية التاريخية من أيام المماليك التي تمخض عنها مؤتمر أم قيس) في دولة اردنية خالصة على شاكلة جمهورية أحمد عويدي العبادي، يحدد فيها فريق يرأسة العبادي (وضابط التنسيق تبعه) وبعضوية نخبة من جماعته المماثلين من رجال الدوائر الأمنية من هو الأردني الذي يحق له التمتع بجنسية جمهوريته.
أما هذه الرقصة السخيفة التي تطبّل للنظام المتواطئ (وتطالب بخفض سقف نقده)، ثم تعود وفي نفس الوقت تطالب جزء من الشعب الأردني بمواجهة الصهاينة، كأفراد، بالتنازل عن حقوقهم كمواطنين اردنيين (!) فقد أصبحت بنفس مستوى سخف الحكومة التي تحرمك جنسيتك ثم تطالبك بمباطحة الصهاينة للمطالبة بهوية، قام النظام نفسه بمقايضتها بوجوده لا بل حتى وطمسها. إن منظري هذه المصطلحات (من طرفي الاستقطاب الوهمي) ليسوا سوى أداة رخيصة من أدوات النظام (إما بإرادتهم (وحسب اعترافهم) أو بجهلهم) تعمل على شرخ الشعب الأردني (المتفق تماماً على اولوياته في هذه المرحلة) كلما أحس النظام أنه يواجه خطر اندماج الشعب نحو هدف واحد، فتقوم الطفيليات الانتهازية باللعب على مشاعر الأردنيين ومخاوفهم، لاهثين وراء كسرة من السلطة الوهمية كمكافأة على تبنيهم لعبة النظام المفضوحة والتي باتت موضع سخرية.
لا يوجد مواطن أردني حضري أمام مواطن أردني بدوي، ولا مواطن أردني شركسي مقابل مواطن أردني عربي (على سبيل الأمثلة)، هناك في الأردن نموذج تقليدي مثل نماذج الكتب والمسرحيات والافلام والقصائد والدول الفاشلة التي حفظناها عن ظهر قلب: شعب منهوب ومقموع أمام حاكم أوحد مستفيد من تناقضات الشعب الطبيعية، فينشغل الشعب بالإجابة على اسئلة عبثية، بينما يقوم الحاكم بمراكمة الثروة براحة وسرور.
يتبع: من يمثل من؟