الصور التعبيرية: استخفاف وتضليل

بقلم سوسن زايدة

ترفق الصحف والمواقع الإخبارية صوراً تعبيرية مع أخبارها وتقاريرها في حالات أكثرها شيوعاً عدم توفر صور واقعية للحدث أو سهولة الحصول على صور تعبيرية أو أرشيفية تؤدي الغرض: جذب قراء يفضلون نصوصاً قصيرة وصوراً كبيرة.

أخبار الجرائم من الموضوعات التي يصعب فيها الحصول على صور حقيقية، كما يصعب نشرها بلا صور لما فيها من إثارة وتشويق تعول عليه وسائل الإعلام لزيادة عدد زوارها. فاشتهرت بعض الصور التعبيرية التي تظهر في مقدمة محرك البحث غوغل وتتداولها معظم المواقع الاخبارية بغض النظر عن مدى تعبيرها عن الخبر أو القضية، مثل صورة السكين التي تقطر دماً في معظم أخبار جرائم القتل، أو صورة ظلال رجل يضرب امرأة في تقارير العنف ضد المرأة. صور تتكرر إلى أن يصبح وجود صورة وعدمه سيان.

وتجانب مواقع الكترونية الدقة باستخدامها صورا تعبيرية تتعارض مع مضمون الأخبار المرافقة لها، مثل إرفاق صورة الرجل الذي نفذ انتحاراً وقفز من سطح البناية مع أخبار محاولات انتحار لم تحدث.

وقد تصل عدم الدقة والاستخفاف في اختيار الصور إلى نشر صور تعبيرية كرتونية هزلية مع أخبار انتحار، اقتحام وسرقة. فتتحول الحوادث الخطيرة والمؤسفة إلى أخبار مسلية ومضحكة.

ومن الصور التعبيرية ما تستخدمه الصحف ببساطة لملء صفحاتها في يوم هادئ قليل الأحداث والمستجدات أو لملء أقسام ثانوية بلا مضمون. ففي ملاحق “أبواب” الرأي، “حياتنا” الغد، “شباب” الدستور و”دنيانا” العرب اليوم، تكثر صور تعبيرية ملونة وكبيرة، قد تصل إلى نصف صفحة، لأشخاص ذوي ملامح أجنبية لا تشبه ملامح القارئ الأردني، إلى جانب بضعة سطور عن “الشباب والتنمية” و”التوتر والحياة المعاصرة”، ويعلوها عناوين عريضة، من مثل “زلازل الحياة لا تقاس بمقياس ريختر” و”الحليب مكون أساسي للأجبان وأنواعها”.

من أكثر الصور التعبيرية ضررا تلك التي تستخدمها وسائل الإعلام للتأثير على رأي القراء وتوجيه موقفه من الحدث أو القضية. أبرز النماذج تلك التي رافقت تقارير وأخبار المواقع الإخبارية عن قضية ما عرف بـ”عبدة الشيطان” من طلاب جامعة آل البيت. نشرت بعض المواقع ما تيسر لها من صور تظهر بمجرد وضع عبارة “عبدة الشيطان” في محرك البحث غوغل، بل واختارت منها أكثرها إثارة وتنفيراً للقارئ. صور لأشخاص بملامح أجنبية في أزياء غريبة، قدمتها المواقع لتمثل طلاب أردنيين متهمين بما يسمى “عبادة الشيطان”. وبذلك ساهمت هذه المواقع في تحريض رأي عام ضد قضية طلاب جامعيين منظورة أمام محكمة عسكرية.

ويوظف الإعلام الصور التعبيرية الموجهة بشكل عام في التغطيات التي تمتاز بالعنصرية ضد فئة مجتمعية ما، مثل التي رافقت أخبار وتقارير بعض المواقع الإخبارية عن وجود “ظاهرة دعارة” بين اللاجئات السوريات. فنشرت صور لنساء بملامح وأزياء لا تعكس الواقع الأردني ولا واقع اللجوء السوري، إلى جانب أخبار غير مدعمة بمعلومات أو مصادر، تفبرك أو تضخم ممارسات تبدو وكأنها مقصورة على اللاجئات السوريات في بلد يخلو من الدعارة، خلافا للواقع الموثق بتقارير عن دعارة بين الأردنيات ونساء من جنسيات أخرى.

استخفاف المواقع الاخبارية في استخدام الصور التعبيرية يعكس استخفافاً بعقول وذائقة جمهور يعطي للصورة وزنا كبيرا في اختيارات تصفح وسائل الإعلام على الانترنت، وقد يساهم في تضليل القراء. كما يفقد الخبر الالكتروني أحد عناصره المهمة، أي الصورة، فالأصل أن مكونات الخبر أو التقرير (عنوان، صورة، نص، فيديو أو صوت) تكمل بعضها وتضيف قيمة للمادة الإعلامية.

اختيار الصورة التعبيرية المناسبة في حالة عدم وجود صورة واقعية مرتبطة مباشرة بالحدث أو القضية، يقيس مدى موضوعية الصحفي وقدرته على التعبير الدقيق عن مضمون الخبر. فعوضا عن نشر صور لأشخاص أجانب في سياق غير أردني، في تقارير قضيتي “عبادة الشيطان” و”الدعارة”، على سبيل المثال، كان يمكن نشر صور تعبيرية تعكس أجواء طلاب جامعة آل البيت وواقع اللاجئات السوريات في الأردن.

Lina:
Related Post