علي محافظة: من الكتاتيب إلى أول جامعة أردنية

علي محافظة: من الكتاتيب إلى أول جامعة أردنية

الخميس 09 أيار 2024

مرّتان ارتبط فيهما اسم الشيخ علي الخليليّ، معلّم الكتاتيب بدايات القرن الماضي في قرية المغيّر بإربد، وصاحب الكرامات الذي يزور طيفهُ أحلامَ المكلومين في قرى الشمال، باسم جامعتين في لندن وباريس؛ الأولى حين حصل عبد الكريم الغرايبة من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن على أول درجة دكتوراه في شرقي الأردن، والثانية حين عاش علي محافظة ليصل إلى جامعة باريس الثالثة ويعود منها حاصلًا على درجة الدكتوراه.

كان الغرايبة قد بدأ مشواره التعليمي بتعلّم قراءة القرآن والأحرف الأبجدية وعمليات الحساب البسيطة في كتّاب الشيخ في الثلاثينيات من القرن الماضي، وفي العقد نفسه زار طيف الشيخ أحلامَ والدة محافظة شامخة العناقرة حين كانت حاملًا فيه بقرية كفر جايز.

حدث ذلك في ليلة نامت شامخة فيها وحيدة بعد سفر زوجها مفلح المحافظة إلى عكا لبيع محصوله، وخائفة على مصير حملها بعد موت ثلاثةٍ قبله. جاء طيف الشيخ في الحلم وهدّأ من روعها وبشّرها بأن حملها سيكون بخير، والأهم أنه سيكون مولودًا ذكرًا كما تمنّت، وهذا ما حصل، فسمّيَّ المولود الجديد على اسم الشيخ علي.

كان الشيخ الخليلي مثالًا على صورة المُعلّم المنتشرة في تلك الفترة في قرى الشمال، حيث يجمع بين تعليم الأطفال قراءة وكتابة الحروف الأبجديّة وحفظ سور القرآن وتعليم الناس شؤون الدين وقضاء حاجاتهم، ومنها أعمال الحُجب وزيارة الناس في أحلامهم.

مع قيام الإمارة أخذت المدارس بالانتشار، بعد أن كانت شحيحة في عهد الدولة العثمانية، فالتحق بها الطلبة. وهنا خاف شيوخ الكتاتيب على مصدر رزقهم، فقالوا للناس: إن المدرسين في هذه المدارس طبيعيون؛ يعتقدون ويعلّمون الطلّاب أن الأرض والقمر يدوران حول الشمس، وهذا كفر لأن الأرض واقفة على قرن ثور والشمس والقمر يدوران حولها.[1]

في السنة التي تقرّر أن يَدرس فيها محافظة، تقاعد شيخ الكتّاب في القرية، وجاء محلّه محمد باير المحافظة، شاب متخرّج من الصف الثامن من مدرسة ثانوية إربد، التي ظلّت لسنوات -مع مدرسة السلط الثانويّة– المدرستين الثانويتين الوحيدتين في شرقيّ الأردن. ولسنتين درس محافظة في الكتّاب الأحرف الأبجدية وحفظ سور القرآن، ثم انتقل صيف العام 1946 إلى مدرسة سما الروسان الابتدائيّة التي يدرس فيها طلاّب من مجموعة قرى في إربد مثل: تُقْبل وإبدر وملكا وحريما والخريبة وأبو اللوقس وحكما بالإضافة إلى كفر جايز.

لشهرين عمل محافظة في واحدةٍ من العطل الصيفيّة درّاسًا؛ يخرج منذ شروق الشمس وينتهي مع غروبها، فتقشّر جلد وجهه من حراراتها، وحفر الحبل الذي يوجه به الفرس باطن يديه، فعافَ العمل في الفلاحة وتولّدت لديه فكرة لا رجعة فيها: مهنة الفلّاح صعبة وقاسية، وعليّ أن أبذل كل ما في وسعي في المدرسة حتى لا أعود إليها، والنجاح في امتحان الابتدائيّة يعني التحرر من مهنة الفلاحة الشاقة إلى الأبد.[2]

شكّل إكمال التعليم بالنسبة لمحافظة وجيلهِ انتقالًا من طبقة اجتماعيّة تعمل في الزراعة وذات دخولٍ متذبذبة إلى طبقة أخرى من الأعيان والمثقفين تعمل بعد إكمال الثانوية في وظائف جهاز الدولة الحديثة مثل التدريس أو الجيش. لكنّ الأحداث السياسيّة في المنطقة ومنها الأردن قادت محافظة إلى أبعد مما أراده ليكمل تعليمه في ثانوية إربد، ثم في جامعات سوريا ومصر وألمانيا وفرنسا، ويعود إلى الأردن مدرسًا في أول جامعة أردنيّة في قسم التاريخ إلى جوار عبد الكريم الغرايبة.

هذه الأيّام، من بيته في عمّان، يجلس محافظة في عمر السادسة والثمانين ويواصل عمله في الكتابة التاريخيّة، كأكبر مؤرخٍ أردنيّ، ويتذكّر مسيرته الطويلة.

مؤلفات علي محافظة في مكتبه في عمان.

وعي سياسيّ يتشكّل في ثانوية إربد

لاحظَ محافظة الفرق بين مدرسيه في المدرسة الابتدائيّة في سما الروسان ومدرسيه في ثانوية إربد حيث درس فيها في الأعوام بين 1951-1955؛ إذ درّسه أساتذةٌ أردنيون متخرجون من جامعات بغداد والقاهرة والجامعة الأمريكية في بيروت ممن درجت الحكومة على ابتعاثهم بدءًا من العام 1926، إذ لا جامعات في الأردن.

كان معظم المدرسين حزبيين في أحزاب قومية ويسارية أو أحزاب دينية، ومثلهم طلبة الثانوية العليا، وقد اختلط محافظة بهم في البداية بواسطة قريب له. اقترب بداية من جماعة الإخوان المسلمين، وحضر اجتماعًا في واحدة من حلقاتها لكنه ابتعد عنهم لأنه لم يرَ فرقًا بين الأفكار التي طرحت وبين الخطب الوعظية التي يسمعها من خطيب مسجد القرية في صلاة الجمعة في حين كانت الأحداث السياسيّة ساخنة من حوله. فقد عاينَ وفود اللاجئين الفلسطينيين على قريته كفر جايز بسبب النكبة، وشهد تجمّع مجموعة من شباب القرية للتوجه نحو سمخ عند ملتقى نهري اليرموك والأردن للمشاركة في قتال العصابات الصهيونية. لكن الأهم -كما يقول- موقع المدرسة المطلّ على مخيم إربد الذي يذكّره بالهجرة والأذى الذي لحق بهذه الفئة من الناس، والإهانة التي لحقت بالعرب لأنهم لم يستطيعوا الدفاع عنها.

في بداية سنته الدراسية الثانية شرح له طالب ينتمي لحزب البعث العربي عن الحزب وبعد أيّام دعاه إلى بيته مع مجموعة طلبة آخرين، فانسجم محافظة مع مجموعة الطلبة البعثيين من أبناء قرى إربد كونهم منحدرين من واقع اجتماعي واقتصادي قريب من واقع أسرته: «شعرت أنني مع مجموعة من الطلبة ننتمي إلى الطبقة نفسها، ولها ثقافة وقيم اجتماعية وأخلاقية مسلكية مشتركة».

فتح انتماؤه للحزب عينه على قراءة الكتب السياسيّة مثل مؤلفات ساطع الحصري وكتب خالد محمد خالد «من هنا نبدأ» و«لكي لا تحرثوا البحر»، بالإضافة إلى كتب أخرى في القومية العربية حرص على قراءتها حتى يكون قادرًا على محاججة الطلبة المنتمين لحزب التحرير وجماعة الإخوان المسلمين. وقد شارك محافظة مع طلبة المدرسة في المظاهرات المعارضة لسياسات الحكومة مثل الانضمام إلى حلف بغداد، أو تلك التي طلبوا فيها تدريبهم على السلاح بسبب اعتداءات الجيش الإسرائيلي على قرى الضفة الغربية في قلقيلية وحوسان واستشهاد جنود أردنيين هناك.

يتذكّر محافظة ما جرى يومها؛ استجابت إدارة مدرسة إربد الثانوية وبعثت قائد فرقة عسكرية في الجيش الأردني، بريطاني الجنسيّة هو اللواء كوجهيل (Coghill) للقاء الطلبة، وطلب مدير المدرسة منهم مقابلته، وما إن بدأ بالكلام حتى غادر الطلاب، وقال عريف الصف للمدير الذي حضر اللقاء مترجمًا: نرفض أن نستمع لهذا العلج المستعمر ليعطينا درسًا في الوطنية.[3]

سوريا: دراسة التاريخ والقوميّة العربيّة

من أجل تلبية حاجة الإمارة لسدّ النقص الحاصل في الأساتذة والمعلمين، ابتعثت الحكومة منذ العام 1926، الحاصلين على المرتبة الأولى والثانية في امتحان شهادة الثانوية العامة في إمارة شرق الأردن إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة مرحلة البكالوريوس ولاحقًا توسّع الابتعاث إلى جامعات بغداد والقاهرة وعين شمس والإسكندرية في مصر.[4]

ساهم حدثان سياسيّان رئيسان في المنطقة في تغيير نظام الابتعاث إلى هذه الجامعات، الأول دخول الضفة الغربيّة والقدس تحت حكم الأردن منذ منتصف العام 1950، فارتفع عدد المبتعثين إلى الجامعات العربيّة ليشمل الأربعة الأوائل في امتحان الثانوية في كل لواء من الخليل، والقدس، ونابلس، وإربد، وعجلون، والبلقاء، والكرك، ومعان.

والثاني تشكّل حكومة وحدة وطنية في سوريا من أحزاب سياسية مختلفة بعد الإطاحة بأديب الشيشكلي عام 1954، وانفتاحها على العالم العربي ومن ضمنها الأردن، وتوقيعها اتفاقية مع الأردن تنصّ على استقبال الجامعة السورية 13 طالبًا من الأردن. وكان محافظة في أول بعثة أردنيّة تدرس في الجامعات السورية على نظام هذه البعثة عام 1955 لدراسة تخصص الرياضيات والفيزياء والكيمياء في كلية العلوم.

وبعد شهر اتضح للطلبة الأردنيين تدني مستوى ما تعلموه في الأردن من الرياضيات والفيزياء والكيمياء بالمقارنة مع المدارس السورية، فغيّروا تخصصاتهم، واختار محافظة تخصص التاريخ. وقد ساهمت لقاءاته مع شخصيات بعثية وقومية مثل ميشيل عفلق وشفيق إرشيدات، وحضور محاضرات شخصيات قومية واشتراكية ويسارية مثل كمال جنبلاط وكلوفيس مقصود وخالد بكداش وأكرم الحوراني، بترسيخ توجهه القوميّ وتعميق وعيه السياسيّ واطلاعه على المسائل السياسيّة العربية والدولية.

اُنتخِب محافظة عام 1958 في قيادة شعبة الحزبيين الأردنيين في جامعة دمشق في حزب البعث، وشهد مع جيل الشباب العربي قيام الوحدة المصرية السوريّة، ونمت عنده الروح القومية الوحدوية التي ستؤثر لاحقًا في اختيار مواضيع كتبه في التاريخ.[5]

كما أسهمت المقررات الدراسية في الجامعة في تعميق وعيه السياسي في تاريخ الحراك السياسي في أوروبا والعالم العربي. ولعب دورًا في ذلك مدرّسه عبد الكريم الغرايبة الذي كان قد التحق مدرسًا في الجامعة السورية.

الجامعة السوريّة (دمشق لاحقًا) في العشرينيات. المصدر: ويكيميديا.

من السلك الدبلوماسي إلى الجامعة الأردنية

بعد تخرجه، عاد محافظة إلى عمّان صيف 1960 والتحق بالتدريس في ثانوية رغدان لخمس سنوات بدل البعثة التي حصل عليها للدراسة في الجامعة السوريّة (الاسم السابق لجامعة دمشق). لم تعد الأردن كما تركها، إذ حلّ الملك حسين حكومة سليمان النابلسي التي شكلتها الأحزاب العام 1957 وفُرضت الأحكام العرفيّة في البلاد، وتغيّر فضاء المدارس الثانوية من مشاركة في الحياة السياسيّة فترة دراسته فيها، إلى مكانٍ «مشبع بالخوف والقلق والرعب».

سيكتب محافظة في مذكراته «انتشرت ظاهرة التجسس والمخبرين بحيث كُمّت أفواه الناس وفقدت الثقة بينهم، وانعكس هذا على العلاقات بين المعلمين في ثانوية رغدان ولم يجرؤ أحد على الحديث بصراحة عن الحالة السياسية في البلاد، كان بيننا الشيوعي والبعثي والقومي العربي والتحريري الإسلامي والأخ المسلم والمستقل، وكنت حريصًا على عدم القيام بأي نشاط سياسي أو ثقافي يؤدي إلى اعتقالي، فقد كانت أحوال أهلي المالية سيئة جدًا واعتمادهم على راتبي يقتضي مني الحيطة والحذر الشديدين».

كُلّف وصفي التلّ بتشكيل الحكومة بدايات العام 1962 وأجرى إصلاحات في الجهاز الحكوميّ كان بينها التخلي عن المبدأ الإداري في التوظيف الذي ساد منذ 1957 بتقديم الولاء السياسي على الكفاءة، وإدخال الكفاءات الجامعيّة إلى الإدارات الأردنية.[6] وقد وفّرت قوائم الخريجين في جامعات العراق ولبنان وسوريا ومصر على نظام الابتعاث الأساس الذي أقام عليه التل -المتخرج نفسه في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1941 في تخصص العلوم والطبيعيات والفلسفة-[7] الإصلاحات في الوزارات ومنها الخارجية. فاتخذ قرارًا بألا يعيّن في السلك الدبلوماسي الأردني إلا من كان حاصلًا على شهادة جامعية وحول الدبلوماسيين غير الجامعيين إلى موظفين إداريين في الوزارة، وأجريت الامتحانات لهذه الغاية ونجح محافظة في الامتحان ليباشر عمله في آذار 1962 في سفارة الأردن في بون عاصمة ألمانيا الغربيّة، وانتقل بعدها إلى سفارة الأردن في تونس حيث تعلّم الفرنسية في مدرسة بورقيبة، ثم انتقل إلى الجزائر المستقلّة حديثًا عن الاستعمار الفرنسيّ قائمًا بأعمال السفير الأردني فيها.

شهدت الجزائر في تلك الفترة خطة تعريب التعليم في مدارسها، فوُجدت فيها جالية من المدرسين الأردنيين المتعاقدين مع الحكومة الجزائرية ساهموا في تعريب التعليم، بالإضافة إلى طلبة مبتعثين من وزارة التربية والتعليم الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية يدرسون في جامعاتها. هناك تعرّف محافظة على واحدة من المعلمات الفلسطينيات في هذه المدارس هي فوزية جودت شقو، وتزوّج منها في باريس حيث نقل للعمل في السفارة الأردنية هناك.

أكمل محافظة دراسة اللغة الفرنسية في باريس، وتقدّم لدراسة الدكتوراه مقدمًا رسالة بعنوان «العلاقات الأردنية البريطانية من 1921-1957»، ثم انتقل للعمل في السفارة الأردنية في القاهرة لأشهر، ثم نقل للعمل في مقر الوزارة في عمّان عام 1971 وقد وصل إلى رتبة سكرتير أول في الوزارة براتب 57 دينارًا، فتقدّم بطلب للخارجية لإعارته للتدريس في الجامعة الأردنية، الوحيدة في الأردن آنذاك والتي تأسست عام 1962، وعيّن في قسم التاريخ فيها براتب 120 دينارًا، وكان يُدرّس في القسم مدرس أردني وحيد هو عبد الكريم الغرايبة، والذي عارض تعيين محافظة في الجامعة، معتبرًا مجيئه من وزارة الخارجيّة وبقرارٍ من رئيس الوزراء تدخلًا حكوميًا في شؤون الجامعة التي سعت الهيئة التدريسيّة فيها للتمتّع بالاستقلاليّة.

علي محافظة في الجامعة الأردنية.

الجامعة الأردنية وكتابة التاريخ الأردنيّ

شهدت السنوات الأولى من وجود محافظة في الجامعة توترًا في العلاقة بين الهيئة الإداريّة وعلى رأسها الرئيس عبد السلام المجالي والهيئة التدريسيّة، تطورت على خلفية إجراء تعديلات على قانون الجامعة تتيح للرئيس فصل أي عضو هيئة تدريس دون إبداء الأسباب.

شكّل أعضاء الهيئة التدريسية الثمانون لجنة فيها محافظة للتصدي للقرار. قابلت رئيس الجامعة ثم رئيس الحكومة دون التوصل إلى حل. وتطورت الأزمة وتدخل الديوان الملكي فطُلب أعضاء اللجنة لمقابلة الملك في قصره.

كان مع الملك رئيس الديوان مضر بدران، وزيد بن شاكر القائد العام للقوات المسلحة، ورعد بن زيد كبير الأمناء في الديوان. بعد عدة استيضاحات ألغى الملك التعديل يوم 10 حزيران 1976 وفي اليوم نفسه أُقيل المجالي وعيّن إسحاق الفرحان القريب من الإسلاميين بدلًا منه.

درّس محافظة في هذه الفترة تاريخ العرب الحديث والمعاصر، وتاريخ الأردن المعاصر. وقد اعتمد قسم التاريخ في الجامعة في بدايات تأسيسه على مدرسين عرب من سوريا مثل عبد الكريم رافق وأحمد محمود بدر ومحمد محفل ونبيه عاقل، وعبد الحميد البطريق من مصر، ونقولا زيادة من لبنان، وعبد العزيز الدوري من العراق. بالإضافة إلى مدرسين أردنيين متخرجين في جامعات غربيّة مثل عبد الكريم الغرايبة ومحمد عدنان البخيت وعلي محافظة.

علي محافظة في الجامعة الأردنية مع ناصر الأسد.

وقد وُجد جيل جديد من المؤرخين الأردنيين ممن درسوا عند هؤلاء الأساتذة في الثمانينيات والتسعينيات يعتمدون البحث العلمي في كتابة التاريخ، منهم هند أبو الشعر وعليان الجالودي ومحمد الطراونة وجورج طريف ونوفان الحمود السوارية. بعد أن «كان الاهتمام بالكتابة التاريخية عن الأردن ضعيفًا جدًا منذ عهد الإمارة 1921 و[حتى] نهاية الأحكام العرفيّة 1989 لأسباب عديدة لها صلة بتطور البلاد علميًا وأدبيًا وثقافيًا، وعدم توفر المعاهد والجامعات،[8] وغياب حريّة التعبير والنشر، وعدم توفر دور النشر والطباعة».[9]

كتب محافظة عشرات الكتب في تاريخ الأردن والمنطقة العربيّة، بشكل منفرد ومشاركًا، برزت منها الكتب الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربيّة حول المنطقة العربيّة ونظرة القوى الاستعمارية لها من مثل الكتب التي تناولت مواقف فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الوحدة العربية في فترات مختلفة.[10]

ساهمت توجهات محافظة القوميّة والوحدويّة بشكل أساسيّ في اختيار موضوعات كتبه هذه، وهو يؤكّد: «أنا قومي، عواطفي مع الأمة العربية، واهتمامي بمستقبل الأمة وماضيها. كنت متأثرًا جدًا في جميع مؤلفاتي بموضوع الوحدة العربية ومواقف الدول الكبرى منها».

كذلك الأمر، كتب محافظة في تاريخ إمارة شرق الأردن[11] وتاريخ المعارضة السياسيّة في الأردن،[12] وكتابًا يتناول فترة الأحكام العرفيّة منع من التداول هو «الديموقراطية المقيّدة: حالة الأردن 1989-1999»[13] مع كتاب آخر هو «مذكرات الرئيس سليمان النابلسي» الذي كتبه العام 1976.

علي محافظة خلال فترة ترؤسه جامعة مؤتة.

لأكثر من نصف قرن، واصل محافظة أمرين؛ التدريس في الجامعة الأردنيّة التي لم يغادرها إلّا لسنوات قليلة ترأس فيها جامعة مؤتة كأول رئيس جامعة عسكرية في الأردن، وجامعة اليرموك، ومشاركًا في مؤتمرات إصلاح التعليم 1985 والتعليم العالي 2004 بتجارب مؤلمة لم يؤخذ بمخرجاتها. أما الأمر الآخر فهو الكتابة في التاريخ، وكان آخر كتابٍ له «المؤرخون الأردنيون وكتابة التاريخ في مئة عام» قد وضع فيه مع المهدي الرواضية سيرة كتابة التاريخ في الأردن.

بعد هذا العمر الطويل، يجلس محافظة في بيته الذي اختاره قريبًا من الجامعة الأردنية يتابع نشرات الأخبار على مدار الساعة ويكتب بالقلم والورقة بنفس الطريقة التي تعلّم فيها الكتابة قبل قرابة ثمانين سنة في الكتاتيب الصفحات الأولى من بحث جديد يتناول العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة و«إسرائيل».

يردّ محافظة على سؤال كيف يحبّ أن يُعرّف: «أنا رجل مؤرخ، أريد أن يعرف العربيّ بوجه عام والأردني بوجه خاص تاريخ بلده، عواطفي مع الأمة العربية واهتمامي بمستقبل الأمة وماضيها».

صورة مع العائلة في مكتبه في عمان.

  • الهوامش

    [1] فتحي درادكة، مدرسة إربد الثانوية ودورها في الحياة الثقافية العامة الأردنية ص 19 – 20.

    [2] علي محافظة، ذاكرة الأيّام، عُمر من التعلّم والتعليم والعطاء الفكري، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر الطبعة الأولى 2020، ص 31، 35، 40.

    [3] علي محافظة، ذاكرة الأيّام، عُمر من التعلّم والتعليم والعطاء الفكري، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر الطبعة الأولى 2020، ص: 32، 51، 54، 56.

    [4] علي محافظة والمهدي الرواضية، المؤرخون الأردنيون وكتابة التاريخ في مئة عام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 2024، ص43

    [5] علي محافظة، ذاكرة الأيّام، عُمر من التعلّم والتعليم والعطاء الفكري، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر الطبعة الأولى 2020، ص: 60،،70، 73، 76.

    [6] علي محافظة، ذاكرة الأيّام، عُمر من التعلّم والتعليم والعطاء الفكري، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر الطبعة الأولى 2020، ص: 87، 88، 96، 149، 153

    [7] علي محافظة والمهدي الرواضية، المؤرخون الأردنيون وكتابة التاريخ في مئة عام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط1، 2024، ص 156

    [8] علي محافظة والمهدي الرواضية، المؤرخون الأردنيون وكتابة التاريخ في مئة عام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط1، 2024، ص 65

    [9] علي مفلح محافظة، المهدي عيد الرواضيّة، اتجاهات الكتابة التاريخية عن الأردن خلال المئوية الأولى لدى الباحثين الأردنيين دراسة تحليلية في المنهج والمحتوى، المجلة الأردنية للتاريخ والآثار، مجلد 16، العدد 3، 2022، ص 114.

    [10] مثل كتب: «موقف فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الوحدة العربية 1919-1945» ط1، 1985. و«فرنسا والوحدة العربية 1945-2000»، ط1، 2008. و«ألمانيا والوحدة العربية 1945- 1995» ط1، 2002.

    [11] مثل كتاب: تاريخ الأردن المعاصر، عهد الإمارة 1921-1946، ط1، عمان 1973.

    [12] مثل كتاب: تاريخ المعارضة السياسيّة في مئة عام 1921-2021، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط1، 2021

    [13] مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، ط1، 2001.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية