صبيحة العيد، عشرات ما يزالون موقوفين على خلفية مظاهرات السفارة الإسرائيلية في عمّان

الأربعاء 10 نيسان 2024
من المظاهرات في محيط مسجد الكالوتي، قرب سفارة الاحتلال في عمان. أ ف ب

بالتزامن مع الحصار الإسرائيلي لمستشفى الشفاء في غزة واقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى في عيد المساخر اليهودي منذ 24 آذار الماضي، استعادت الاحتجاجات في محيط السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية في عمّان زخمها. حيث طالب المحتجون بوقف العدوان على غزة وعبّروا عن دعمهم للمقاومة الفلسطينية. كما حَمَلت الوقفات مطالب محلية مثل رفض الوجود الأمريكي والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي عبر اتفاقيتي الغاز ووادي عربة ووقف عبور شاحنات البضائع نحو دولة الاحتلال. شارك آلاف الأردنيون في الاحتجاجات يوميًا لأكثر من أسبوع لكن أعدادهم انخفضت بعدها نتيجة موجة من الاعتقالات والتحريض الإلكتروني.

فعلى عكس الاعتقالات منذ بداية العدوان على غزة، والمختلفة من حيث المدد والتهم الموجهة، رافقت موجة الاعتقالات الأخيرة حملة واسعة من التحريض على المتظاهرين لبضعة أيّام، شاركت فيها نخب مقربة من الحكومة، ووسائل إعلام محلية وعربية، إضافة لعدد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي. وبرزت أصوات تتهم جزءًا من المتظاهرين بالتحرك استجابةً لنداءات خارجية، ورفع شعارات «تمس بالسيادة»، كما ركزت هذه الأصوات على المناوشات التي حصلت في عدد من المظاهرات مع رجال الأمن باعتبارها اعتداءً عليهم وإساءة لهم.

منذ اليوم الأول لعودة المظاهرات الواسعة، الأحد 24 آذار الماضي، منعت الأجهزة الأمنية أيّة تجمّعات في الرابية خارج ساحة مسجد الكالوتي والشارع المحاذي له، وأغلقت منافذ الشوارع المحيطة بالمنطقة، وفضّت أي محاولات للتجمع في نقاط أخرى أقرب للسفارة الإسرائيلية، واعتقلت العشرات ممّن حاولوا التوجه إلى السفارة، بالإضافة إلى بعض من يقودون الهتافات. في الأيّام الخمسة الأولى، كانت المظاهرات تبدأ بعد صلاة التراويح وتستمر حتى قرابة الساعة الثالثة فجرًا، وكان بإمكان المصورين الصحفيين، بموافقة الأمن، استخدام أسطح العمارات المحيطة بمكان التظاهر للتصوير. لكن مساء الجمعة 29 آذار مُنع المصورون من استخدام الأسطح للتصوير، وأُطفِئت إنارة الشارع، وفضَّ رجال الأمن المظاهرة في منتصف تلك الليلة. ومنذ ذلك الوقت، حدد الأمن منتصف الليل موعدًا لنهاية التظاهرة.

على خلفية بعض هذه المشاهد التي ظهرت في فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، نفى الناطق الرسمي باسم الحكومة مهند المبيضين في 29 آذار الماضي الاعتقال والضرب والتضييق بحق المتظاهرين تضامنًا مع غزة، وقال إن هناك «من يريد أن يحتكّ بالأمن العام ويمارس عملية ابتزاز واستنفار للأعصاب». كما أصدرت مديرية الأمن العام في 31 آذار الماضي بيانًا تقول فيه إن رجال الأمن «تعاملوا بمنتهى الانضباط مع المشاركين في الوقفات وتحلّوا بأقصى درجات ضبط النفس، خاصة تجاه بعض الفتيات، إلا أنه وفي ضوء إصرار البعض وتعمد الإساءة تم إلقاء القبض على عدد من الأشخاص». وصرّحت الحكومة في 2 نيسان أن «الأمن الأردني مكلف بحماية المتظاهرين وضمان سلامتهم لكن المشكلة بمن يمسون بالأمن الوطني ويخرجون بهتافات غير مقبولة».

ما بين 24 آذار الماضي و5 نيسان الجاري، تقول المحامية هالة عاهد إن الأجهزة الأمنية أوقفت حوالي 200 شخص ممن شاركوا في الاحتجاجات، 98 متظاهرًا منهم وثّقت لجنة الحريات في نقابة المحامين اعتقالهم منذ اليوم الأول «بعد محاولتهم التوجه للسفارة»، أمر المدعي العام بالإفراج عن 95 منهم بدون كفالة بعد توقيفهم لمدة يوم، وأمر بتمديد توقيف ثلاثة منهم لمدة أسبوع بتهمة تحقير ومقاومة رجال الأمن. لكن عددًا ممن أمر المدعي العام بالإفراج عنهم تم تحويلهم للمحافظ، الذي أمر بتوقيفهم إداريًا.

وقد أُفرج عن معظم الموقوفين في الأسبوعين الماضيين بعد توقيفهم ما بين ثلاثة إلى سبعة أيام، وما زال أكثر من 60 شخص قيد التوقيف، بحسب نقابة المحامين، غالبيتهم موقوفون إداريًا رفض محافظ العاصمة طلبات تكفيلهم، وعدد منهم موقوف قضائيًا وجهت لهم بشكل رئيسي ثلاث تهم من قانون العقوبات هي التجمهر غير المشروع وإقلاق الراحة العامّة وتحقير رجال الأمن، وثمانية موقوفون لدى الأجهزة الأمنية. وأطلقت السلطات الأردنية مساء الثلاثاء 6 نيسان سراح ستة أشخاص – منهم ثلاث نساء – بحسب عضو التحالف الوطني للحقوق والحريات عبدالقادر الخطيب، يتعين على بعضهم متابعة جلساتهم في المحكمة. من بين من لا يزالون موقوفين إداريًا الزميل أحمد محسن، الذي اعتقل ليلة السبت 30 آذار أثناء تغطيته الصحفية للمظاهرة لصالح مجلّة حبر. استمر توقيفه ليلتين في مديرية أمن وسط عمّان قبل تحويله صباح الإثنين 1 نيسان إلى محافظ العاصمة، حيث أمر المحافظ بتوقيفه إداريًا بدون تهمة وبدون كفالة، وتم تحويله إلى سجن ماركا. وعلى مدى الأيام التالية، رفض المحافظ طلبات متكررة قدمتها حبر لتكفيله، وتم نقله من سجن ماركا إلى سجن السلط فجر السبت 6 نيسان، حيث ما يزال موقوفًا حتى اللحظة.

يقول عضو لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في نقابة المحامين، بهاء الدين العتلة إن الموقوفين إداريًا لا يشملون فقط الأشخاص الذين أحيلوا للحاكم الإداري دون عرضهم على المدعي العام بل أيضًا بعض الأشخاص ممن قرر المدعي العام إخلاء سبيلهم، بالاستناد إلى قانون منع الجرائم الذي يمنح الحاكم الإداري صلاحيات توقيف الأشخاص ممن يشكل إطلاق سراحهم خطرًا على الناس أو كانوا على وشك ارتكاب اي جرم او المساعدة على ارتكابه أو اعتادوا اللصوصية او السرقة.

تقول عاهد إن شروط توقيف الأفراد لا تنطبق في الغالب على المتظاهرين الموقوفين إداريًا، وأن الحاكم الإداري يخالف حتى الإجراءات المكفولة للأفراد في قانون منع الجرائم وهي الاستماع لأقوالهم وعرض الكفالة عليهم. وسبق أن طالب رئيس مجلس النقباء، نقيب المحامين الأردنيين يحيى أبو عبود، بالإفراج عن الموقوفين إداريًا على خلفية تظاهرات السفارة الإسرائيلية، مضيفًا أن من ضمن الموقوفين محامين اثنين من أعضاء لجنة الحريات في النقابة.

تعرّض بعض المحتجين ممن اعتقلوا بتهم التجمهر غير المشروع لمصادرة هواتفهم وتفتيشها ومن ثم وُجهت إليهم تهم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية. تقول عاهد إنها تتابع مع أربعة أشخاص على الأقل ممن تم تفتيش هواتفهم بعد توقيفهم في المظاهرات رغم أن هذا الإجراء مخالف للقانون لعدم وجود مذكرة رسمية بذلك. بالإضافة لذلك، يقول العتلة إن لجنة الحريات في النقابة رصدت منذ تشرين الأول الماضي ملاحقة سبعة ناشطين بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، وقد تابعت النقابة بعض هذه القضايا، في حين تولت الدوائر القانونية في الأحزاب تمثيل أعضائها، علمًا بأن المحكمة قررت عدم مسؤولية أحدهم، وأدانت اثنين، فيما لا تزال بقية القضايا منظورة لدى القضاء. وكانت أبرز التهم الموجهة للناشطين بموجب قانون الجرائم الإلكترونية نشر الأخبار الكاذبة وإثارة الفتنة أو النعرات أو تستهدف السلم المجتمعي أو الحض على الكراهية أو الدعوة للعنف.

وفي المجمل، بلغ عدد الأشخاص الذين جرت ملاحقتهم منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، بما فيها الاحتجاجات التي رافقت أحداث مجزرة المعمداني، حوالي 1500 شخص، غالبيتهم أفرج عنهم خلال أيام أو قرر القضاء عدم مسؤوليتهم، بحسب بيان التحالف الوطني للحقوق والحريات «فجر».

قد تكون الاعتقالات وحملة التحريض نجحت في تخفيض عدد المتظاهرين بشكل كبير، إلا أنها لم تثنِ المئات عن مواصلة التظاهر في منطقة الرابية يوميًا حتى ليلة العيد، وتكرار الشعارات المعبرة عن دعم المقاومة في غزة وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني ورفض محاولات بث الفتنة. كما طالبوا بالإفراج عن معتقلي المظاهرات. لكن غالبية أولئك المعتقلين ما يزالون حتى اليوم، صبيحة العيد، وراء القضبان.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية