انتخابـات الجامعة الأردنية: كيف حصد التيار الإسلامي أعلى الأصوات؟

الخميس 23 أيار 2024
من المشهد الانتخابي في الجامعة الأردنية. المصدر صفحة الجامعة على فيسبوك

تصدرت قائمة «أهل الهمة»، المحسوبة على التيار الإسلامي، نتائج انتخابات الجامعة الأردنية التي أجريت في 21 أيار الجاري بعد انقطاع دام أربع سنوات، بعدما فازت بنصف مقاعد اتحاد الطلبة على مستوى الجامعة. فيما أفرزت النتائج تغيّرات لافتة أخرى في المشهد الذي ساد الجامعة في السنوات السابقة؛ شملت خروج قائمة «العودة»، الممثلة للتيار الوطني الفلسطيني، من المنافسة. ومشاركة قوائم تمثل الأحزاب الجديدة، أبرزها قائمة «لنا المستقبل» الممثلة للتيار المدني، والتي لم تحصد أي مقعد. فيما حافظت قائمتا «النشامى» و«الكرامة»، المنتميتان للتيار الوطني الأردني، على عدد مقاعدهما السابق.

بعكس مخاوف ضعف الإقبال على التصويت، بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات على مستوى الجامعة 52.5% ممن يحق لهم الاقتراع، مقارنة بـ45.4% في آخر انتخابات عقدت في الجامعة الأردنية عام 2019.[1] حيث حثت إدارة الجامعة الطلبة على الإدلاء بأصواتهم، فاحتسبت المشاركة في الانتخابات نقطة نشاط من متطلبات خدمة المجتمع، ولم تعلن إلغاء المحاضرات المقررة في يوم الانتخابات لضمان حضور الطلبة، ومددت الاقتراع لمدة ساعة، واعتمدت الهوية المدنية وإثبات الطالب وسيلةً للتصويت بدلًا من الهوية الجامعية. 

نظرة على النتائج

بلغ عدد القوائم المترشحة على مستوى الكليات 135 قائمة، إلى جانب سبع قوائم مركزية على مستوى الجامعة، هي «النشامى»، و«الكرامة»، و«أهل الهمة»، و«التجديد»، و«العودة»، و«لنا المستقبل»، و«جيل النهضة» التي انسحبت من المنافسة. وبلغ مجموع المترشحين في هذه القوائم السبع 92 طالبًا وطالبة، من أصل 685 هم مجموع الطلبة المترشحين على مستوى الجامعة والكليات، منهم 416 طالبًا و269 طالبة. تنافس هؤلاء الطلبة على 18 مقعدًا على مستوى الجامعة، و93 على مستوى الكليات، ما يعادل 111 مقعدًا لاتحاد الطلبة، وذلك بموجب نظام القائمة النسبية المغلقة الانتخابي، الذي أُقر عام 2012 ويتيح للطالب التصويت بصوت على مستوى كليّته وصوت على مستوى الجامعة.

حازت «أهل الهمة» على 10,431 صوتًا، أي حوالي 45% من الأصوات الصحيحة على مستوى القوائم المركزية، والبالغ عددها 23,091 طالبًا، لتنال تسعة مقاعد من المقاعد الـ18 المخصصة للقوائم على مستوى الجامعة، متقدمة بذلك على قائمة «النشامى» التي احتلت المركز الثاني بستة مقاعد تعادل ما نسبته 33% من الأصوات. بينما جاءت كتلة «الكرامة» ثالثًا بثلاثة مقاعد و13% من الأصوات.

وخرجت قوائم «العودة» و«التجديد» و«لنا المستقبل» دون مقاعد إذ لم تجتز نسبة الحسم البالغة 8% من مجموع الأصوات الصحيحة، والتي تعادل حوالي 1847 صوتًا.[2] وتستند هذه الأرقام إلى فرز مندوبي قائمة «أهل الهمة»، الذي اعتمدته كذلك قوائم أخرى في ظل منع مبادرة راقب من دخول غرف الاقتراع بعدما لم تعلن إدارة الجامعة عن عدد الأصوات الدقيق، مكتفيةً بعدد المقاعد للقوائم الفائزة، في خطوة غير مسبوقة. 

ارتفع عدد الأصوات التي حققتها قائمة «النشامى» على مستوى الجامعة بنسبة 28% عن الانتخابات الماضية، من 5935 صوتًا إلى حوالي 7611 صوتًا هذه السنة، لكنها حصلت على نفس عدد المقاعد البالغ ستة مقاعد. وتكوّنت القائمة من 18 مرشحًا ومرشحة، يمثلون 14 كلية مختلفة، ويشملون 9 طالبات، واحدة منهن جاءت في الترتيب الخامس، ونجحت بذلك. بحسب عضو «النشامى»، عصام الجبالي، فإن الكتلة اختارت أفضل طلبتها في الكليات للتعبير عن تمثيل متوازن للهويات العشائرية والدينية، إضافة لحضور رئيسة الجالية الفلسطينية، الطالبة رنا العايدي من كلية العلوم، في الترتيب التاسع للكتلة على مستوى الجامعة.

أمّا قائمة «الكرامة» التي تأسست عام 2018، وتشارك في انتخابات اتحاد الطلبة للمرة الثانية في تاريخها، فقد حصدت ثلاثة مقاعد على مستوى الجامعة، واحتلت فيها المركز الثالث والأخير في ترتيب الكتل الفائزة بـ2965 صوتًا، مقارنة بـ2815 صوتًا حققتها عام 2019 ونالت عبرها ثلاثة مقاعد أيضًا. حينها حلت «الكرامة» خلف قائمة «العودة» بفارق صوت واحد فقط، بينما خرجت «العودة» من المنافسة هذا العام. وتكونت قائمة «الكرامة» من 18 مرشحًا ومرشحة يمثلون 14 كلية، ويشملون 8 طالبات يبدأ حضورهن من الترتيب السابع. 

قدمت «الكرامة» نفسها ككتلة برامجية عبر المشاركة في المواقف الجمعية للكتل حيال قضايا الحقوق الطلابية، مثل تقسيط الرسوم ونظام تأديب الطلبة والأندية الطلابية، فضلًا عن الانخراط في أنشطة الملتقى الطلابي لدعم المقاومة، وهو مظلة طلابية ظهرت لتنسيق الجهود الطلابية بين عشرات الكتل والفرق والأندية الطلابية من مختلف الجامعات الأردنية حيال الحرب الإسرائيلية على غزة. يقول طالب العلوم ومرشح «الكرامة»، ضياء الوريدات، إن الكتلة حرصت على تقديم قوائم انتخابات تعكس تنوّع الطلبة في الانتخابات وتمثيلهم لشرائح مجتمعية مختلفة، إذ ترشح على القائمة العامة لهذه الدورة رئيس الجالية الكويتية. 

أفضلية «أهل الهمة» رغم الاعتقال

ارتفع عدد الأصوات التي حققتها قائمة «أهل الهمة» على مستوى الجامعة عن الانتخابات الماضية بنسبة 54%، من 6,754 صوتًا إلى 10,431 صوتًا هذه السنة، الأمر الذي انعكس على ارتفاع عدد مقاعدها من ستة إلى تسعة مقاعد. قدمت «أهل الهمة» نفسها على أنها كتلة ذات اتجاه إسلامي وعبّرت عن موقف واضح من دعم المقاومة الفلسطينية في حملتها الانتخابية والدعائية، بالتزامن مع اعتقال رأس القائمة ومفوّضها، طالب الهندسة محمد الخطيب، على خلفية نشاطه المرتبط بالملتقى الطلابي لدعم المقاومة. 

أثّر هذا الاعتقال بشكل جوهري على تشكيلة القائمة التي انتهت بها الكتلة على مستوى الجامعة، وهي قائمة شكلتها الكتلة بشكل مبدئي بهدف حجز الاسم على أن تقوم بتعديلها قبل تعليق الدعاية الانتخابية، وذلك إثر تجارب سابقة مرتبطة بقيام كتل منافسة بالاستحواذ على اسم «أهل الهمة» بهدف دفع الكتلة لطرح اسم جديد وتشتيت أصوات الطلبة. من هذا المنطلق، تواجد أول مرشحي قائمة «أهل الهمة»، محمد الخطيب وزملاؤه في تمام الساعة الثامنة من أول يوم للتسجيل للانتخابات، 3 أيار الجاري، أمام بوابة العمادة لتسجيل القائمة لغايات حجز الاسم قبل أي كتلة أخرى، على أن يتم تغيير أسماء المرشحين لاحقًا. تكوّنت القائمة من 14 مرشحًا وخلت من الطالبات، إذ اعتمدت على ناشطي الكتلة الشبان ممن حضروا على وجه السرعة للتسجيل، ولم تمثّل جميع الكليات، إذ ارتكزت على طلبة الهندسة وتكنولوجيا المعلومات. 

يقول ممثل «أهل الهمة» وطالب الماجستير، زيد الخطيب، إن هذه القائمة التي التزمت بالحدود الدنيا من معايير تسجيل القوائم كان الهدف منها حجز الاسم فقط، وهي لا تأخذ أيضًا في الاعتبار معايير التوزيع المناطقي أو العشائري أو التنوع التي تحرص الكتلة على تمثيلها. «في طلاب منها أهلهم ما بدهم إياهم يترشحوا ولا همه حابين ينزلوا، بس فكرناها شغلة مؤقتة»، يقول الخطيب. في نفس يوم تسجيل القائمة، استدعى الأمن الجامعي محمد الخطيب على خلفية احتجاجات داعمة لغزة كان الملتقى الطلابي قد دعا لها بعد يومين وتزامنت مع احتجاجات الجامعات الأمريكية. وبعد ساعات قليلة من مغادرته للجامعة، تعرّض للاعتقال في منطقة المقابلين. 

نظرًا إلى أن مفوض القائمة هو الشخص الوحيد المخوّل بإجراء التعديلات على المرشحين وتغييرهم، لم تتمكن كتلة «أهل الهمة» من تغيير قائمتها الأولية. يقول زيد إن الجامعة رفضت الحلول القانونية التي اقترحتها الكتلة لحل هذه الأزمة، مثل تقديم كتاب وقّع عليه المرشحون الـ13 يعبرون فيه عن رغبتهم بالانسحاب في ظل اعتقال مفوضهم، أو تعيين من ينوب عنه في هذه العملية. ولذلك توجهت «أهل الهمة» لتشكيل قائمة ثانية بعنوان «الهمة» تضم 17 مرشحًا على مستوى الجامعة يمثلون 11 كليّة ويعكسون شرائح طلابية متنوعة. «هاي القائمة فيها وافد صيني نازل على الانتخابات. أكيد إحنا مش متعاجزين نمثل الطالبات اللي بشكلوا حوالي 50% من قائمتنا الحقيقية، بعكس ما أجبرتنا عليه الظروف وتصيّدته بعض الكتل للتحريض ضدنا»، يقول زيد. 

زعمت الجامعة أن اسم «الهمة» تعرض لطعونات بسبب التشابه مع قائمة موجودة، أي «أهل الهمة»، ولذلك اضطرت الكتلة لاختيار اسم «جيل النهضة» بدلاً عنه. لكنها سحبت القائمة لاحقًا بعد تمديد اعتقال الخطيب أسبوعًا إضافيًا، مخافة خسارة الأصوات التي ستُشتت بين القائمتين، وضيق الوقت الذي لن يُمكّن من تعريف الطلبة بالقائمة الجديدة. يقول زيد إن الجامعة أجبرتهم على التضحية بكفاءات عالية «كان بدنا إياهم يوصلوا للاتحاد من سنوات، مقابل إني أحافظ على قائمتي الانتخابية اللي بتحمل اسم الكتلة. بس الحمد لله هذا ما أثّر على نتائجها سلبًا»، إذ حصلت كتلة «أهل الهمة» على أكبر عدد أصوات في تاريخها ونصف أعداد مقاعد الاتحاد على مستوى قائمة الجامعة. 

كانت «أهل الهمة» الكتلة الطلابية الأكثر تنظيمًا للفعاليات خلال عام 2019، بحسب مبادرة راقب. وفي السنوات الأربعة اللاحقة، استمرت الكتلة على نفس المستوى. شملت ملفات الكتلة الحقوقية خلال حملتها الانتخابية الأخيرة قضية المنح والقروض، وتأهيل المرافق العامة بما فيهم المواصلات، وحل مشاكل سكن الطالبات، وتحسين الكافتيريات الجامعية. وبلغ عدد لجانها الأكاديمية 35 لجنة تتوزع على مختلف الكليات لمساعدة الطلبة دراسيًا. ساعدت هذه التحركات الكتلة في تعريف نفسها للطلبة ونيل قاعدة شعبية واسعة، إذ تمركز ثقل التصويت لمرشحي «أهل الهمة» على مستوى الجامعة في كليات الطب والهندسة واللغات والشريعة.

قوائم خارج المنافسة

يقول عضو قائمة «العودة» -فضل عدم التصريح باسمه- إن الكتل الأخرى لم تفلح في المحافظة على هذا القدر من التنظيم الداخلي مقارنة بـ«أهل الهمة» التي حصدت مقاعد في كليات لم تكن بها بهذه القوة سابقًا، مثل الأعمال والزراعة وتكنولوجيا المعلومات، والتي لطالما شكلّت مراكز ثقل التصويت لـ«العودة» قبل تراجع عمل فرقها الأكاديمية،[3] وكان ذلك مصدرًا واحدًا من بين عدة مصادر لتقدم «أهل الهمة» في الأصوات. ولذلك، امتلكت «أهل الهمة» الموارد البشرية الكافية لتنظيم الوقفات والتنسيق مع الكتل عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة، فيما لم تفلح قائمة مثل «العودة»، التي تعرّف عن نفسها بارتباطها بالقضية الفلسطينية، في قيادة المشهد بأكثر من الانضمام للملتقى الطلابي لدعم المقاومة والدعوة لتحركاته وتنظيم بعض المعارض الموسمية، بحسب قوله. لم تتجاوز «العودة» نسبة الحسم بعد أن حققت 987 صوتًا، تشكل 4% من الأصوات الصحيحة على مستوى الجامعة، متراجعةً بنسبة 65% عن آخر انتخابات حازت بها على 2816 صوتًا. 

أما كتلة التجديد، فلم تنجح في الحصول على مقعد هذه المرة أيضًا بعد أن ضمت قائمتها 12 مرشحًا يمثلون 10 كليات. حصلت التجديد في الانتخابات الاخيرة على 1136 صوتًا ولم تفز بأي مقعد، بينما لم تنل هذا العام إلّا 575 صوتًا، وهو أقل عدد أصوات في تاريخ مشاركاتها منذ عام 2017. يقول طالب كلية اللغات ومرشح التجديد الأول، عبدالله سلامة، إن الحصول على نسبة 8% من الأصوات للدخول في المنافسة ليس أمرًا سهلًا بالنسبة لقائمة لا توظف التقسيمات العشائرية والمناطقية والعاطفة الدينية في خطابها، ولا تحظى بدعم مادي لتنفيذ حملة إعلامية واسعة. 

على اليسار (أعلى) رئيس الجامعة الدكتور نذير عبيدات متفقدًا سير الانتخابات. وعلى اليمين (أسفل) فرز النتائج.

 

شكلت كتلة «لنا المستقبل» القائمة الثالثة التي لم تتجاوز نسبة الحسم، والتي ضمت 14 طالب يمثلون 10 كليات ويشملون 7 طالبات. انطلقت الكتلة في الجامعة الأردنية في حزيران 2023، وقدمت نفسها على أنها ممثلة للتيار المدني في الأردن، إذ تحظى بدعم الحزب الديمقراطي الاجتماعي. روجت القائمة لفصل الدين عن الدولة وسيادة القانون والمساواة الجندرية والانفتاح على الآخر، لكنها لم تحظ بالقبول في أوساط الطلبة ممن انتقدوا برنامجها الانتخابي. تقول طالبة الماجستير في العلوم السياسية والمرشح الأول للقائمة، شهد العدوان، إن هذه الممارسات هي ردة فعل طبيعية ومتوقعة عندما نتحدث بصراحة عن أفكارنا وبرامجنا ونعترف بمشاكل مجتمعنا من أجل حلّها، بحسبها.

حصلت قائمة «لنا المستقبل» في هذه الانتخابات على 522 صوتًا. تقول العدوان إن الكتلة لم تدخل الجامعة الأردنية بهدف الترشح للانتخابات، لكنها شاركت بها من أجل التأسيس لحالة مدنية. «عدم الحصول على أية مقاعد على مستوى الجامعة مفيد لشرعيتنا أمام الجامعة والطلبة، في تقديم الفعاليات وتنظيمها»، بحسب قولها. اختارت «لنا المستقبل» النزول بقائمة منفصلة بدلًا من الانضواء تحت مظلات قوائم موجودة، حيث تختلف بقية الكتل معها فكريًا بحسب العدوان. 

وعلى نحو غير مألوف في العملية الانتخابية، أعلن حزب «إرادة» عن عضوية عدد من المرشحين الفائزين فيه بعد صدور نتائج انتخابات الجامعة، دون أن يكون هؤلاء قد قدموا أنفسهم كأعضاء في الحزب خلال الحملة الانتخابية. من بين هؤلاء أحد الطلبة الفائزين على مستوى الجامعة عن قائمة «النشامى» وآخر عن «الكرامة».

  • الهوامش

    [1]  بحسب المؤتمر الصحفي لعمادة شؤون الطلبة في الجامعة الاردنية.

    [2]  إذ حصلت كل منها على الترتيب على 987 صوت، 575 صوت، 522 صوتًا، بحسب فرز قائمة «أهل الهمة».

    [3] ينشط لـ«العودة» 3 فرق فقط من أصل 11 فريفًا أكاديميًا كانت الكتلة تديرها عام 2019، وهي بوربوينت عن قسم الحاسوب والكهرباء، سي سي اي عن قسم الكيماوي، سيجما تيم عن قسم الصناعية، جير تيم عن قسم الميكانيك، ستيل تيم عن قسم المدني، سكتش تيم عن قسم العمارة، يورو غايد عن قسم الميكاترونيكس، وسنفور مهندس على مستوى كلية الهندسة، وبلس تيم على مستوى كلية الزراعة، وآي تيم على مستوى كلية تكنولوجيا المعلومات، وبوندز تيم عن كلية الأعمال.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية