«القلق» الآتي من الشمال: ما الذي يحصل على الجبهة اللبنانية؟ 

الأحد 29 تشرين الأول 2023
حريق بعد سقوط قذيفة إسرائيلية في جنوب لبنان، في 26 تشرين الأول 2023. أ ف ب.

سكوت بيلي، من قناة CBS الأميركية: هنالك قتال محدود دائر عند حدود «إسرائيل» الشمالية، وأتساءل ما هي رسالتك لحزب الله، وداعمته إيران؟
الرئيس الأمريكي جو بايدن: حذار، حذار، حذار، حذار.
– ألّا يعبروا الحدود؟ ألّا يصعّدوا الحرب؟
– نعم صحيح. 

بعد ساعات فقط على بدء عملية طوفان الأقصى، وبينما كان العالم بأسره يحاول فهم ما حصل ويحصل، والصور تتدفق على الإنترنت عارِضة مشاهد بدت من عالم آخر، كتب رون بن يشاي، المحرر العسكري لجريدة يديعوت آحرنوت، مقالًا بعنوان: ««إسرائيل» تحت الهجوم: لا يجب السماح بامتداد الحرب لسوريا ولبنان». وفيه يقول: «سيأتي الوقت لمعرفة من المسؤول عن هذا الفشل (..). في الوقت الحالي، المهمة الأكثر إلحاحًا لمجتمع الاستخبارات بأكمله هي التأكد من أن الهجوم المفاجئ من غزة غير منسّق ومتزامن مع هجمات إضافية ستأتي من الشمال والشرق: من لبنان وسوريا وربما من أماكن أخرى. الخطر الرئيسي يأتي من الحدود اللبنانية، وبالتالي (..) يجب على مجتمع الاستخبارات توجيه الموارد إلى الشمال».

وبعده بأيام كتب الميجر جنرال (احتياط) تامير هايمان، مدير معهد دراسات الأمن القومي: «هذه أيام صعبة، وهي من أحلك الأيام التي عرفناها على الإطلاق، (..)، أحد أهداف «إسرائيل» في هذه الحرب هو تجنب الانجرار إلى حرب متعددة الجبهات». مضيفًا أن التصور الذي كان لديه سابقًا، هو «أن الحرب متعددة الجبهات لن تنشأ من صراع فلسطيني، أو بعبارة أخرى، أن حزب الله لن يضحي بنفسه من أجل الفلسطينيين. ما تعلمناه يوم السبت هو أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في كل شيء».

هذا القلق من توسّع جبهة القتال، وانضمام حزب الله، وربما إيران للمعركة، كان حاضرًا وبوضوح منذ بدأ طوفان الأقصى. ولكن قبل أن يُعبّر عن هذا الخوف رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو وزير دفاعه، عبّر عنه رئيس الولايات المتحدة، والذي قال بعد ساعات فقط على بدء العملية: «هذه ليست اللحظة المناسبة لأي جهة معادية لـ«إسرائيل» لاستغلال هذه الهجمات»، في إشارة يفهم منها حزب الله وإيران. وتتالت التعبيرات عن الخوف من فتح الجبهة الشمالية، وبات الحديث أوضح مع دخول حزب الله للمعركة، فعبر عن هذا القلق مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية، وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي، وجون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي. وربما كان التعبير الأوضح عن هذا القلق، إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد، في اليوم التالي للعملية، إلى المنطقة، وبعدها بأيّام أعلن وزير الحرب الأمريكي عن إرسال حاملة طائرات أخرى للمنطقة من أجل «ردع الأعمال العدائية ضد «إسرائيل» أو أي جهود لتوسيع الحرب في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس».

على مدى أسابيع الحرب المستمرّة، شهدت المنطقة حراكًا دبلوماسيًا لا يهدأ، وكان للبنان نصيب وافر منه، إذ تواصلت جهات كثيرة مع الحكومة اللبنانية، وكان السؤال المطروح دومًا، هو ما الذي ينوي حزب الله القيام به، وهل من نية لتصعيد المواجهة؟ 

أمّا إسرائيليًا، فكثيرة التصريحات الرسمية المعبّرة عن قلق من فتح الجبهة الشمالية. مع الأيّام الاولى للحرب، أوصلت «إسرائيل» عبر الحكومة الفرنسية رسالة للحزب مفادها أنه وفي حال تدخل في الحرب إلى جوار حماس فإنه سيقابل بكامل قوة الجيش الإسرائيلي، إلى جانب البحرية الأمريكية. أمّا وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت فقال إن على تل أبيب الاستعداد على الجبهة الشمالية، لأن حزب الله اللبناني أقوى من حركة حماس بـ10 مرات. بينما كان التصريح الأشد لنتنياهو والذي قال مهددًا، إنه وفي حال دخل حزب الله الحرب فـ«سنشلّه بقوة لا يستطيع حتى أن يتخيلها، وستكون عواقب ذلك عليه وعلى دولة لبنان مدمرة».

وذكرت تقارير صحفية أن وزير الحرب الإسرائيلي كان مؤيّدًا لضربة استباقية للحزب، وأن الأمريكان هم من يمنعونها لتبعاتها. وفي استطلاع رأي أجري قبل أيّام في دولة الاحتلال، أيدت الغالبية الساحقة من المستطلعة آراؤهم القيام بعملية عسكرية ضد حزب الله، فيما كان الاختلاف بينهم حول حجم هذه العملية. فيما تنتشر تقارير مختلفة حول تسليح حزب الله. وكلّ هذا يمكن وضعه في سياق الخشية من تكرار سيناريو السابع من أكتوبر.  

على الطرف الآخر من الحدود، ومنذ الساعات الأولى لاندلاع طوفان الأقصى، أصدر حزب الله بيانًا بارك فيه العملية، ونشر الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب، تغريدة في اليوم ذاته يهنئ فيها المقاومين وهم يمزقون «بيت العنكبوت». وشهد اليوم التالي، ما يمكن وصفه على أنه دخول رسمي للحزب إلى قلب الحرب، إذ أطلقت مجموعاته قذائف وصواريخ على ثلاثة مواقع للاحتلال «على طريق تحرير ما تبقى من أرضنا اللبنانية المحتلة وتضامنًا مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني». وعن هذه العملية قال السيد هشام صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، إنها كانت رسالة للعدو، وإن على العدو «أن يتمعن برسالة المقاومة جيدًا»، مضيفًا: «نحن في هذه المعركة لسنا على الحياد». 

وأصدر الحزب بيانًا، ضد تصريحات الرئيس الأمريكي، وضد إرسال حاملات الطائرات للمنطقة، مضيفًا: «إنّ إرسال حاملات الطائرات إلى المنطقة بهدف رفع معنويات العدو وجنوده المحبطين تكشف عن ضعف الآلة العسكرية الصهيونية رغم ما ترتكبه من جرائم ومجازر، (..) ولذلك نؤكد أن هذه الخطوة لن تخيف شعوب أمتنا ولا فصائل المقاومة المستعدة للمواجهة حتى تحقيق النصر النهائي والتحرير الكامل».

وعلى مدى أسابيع الحرب المستمرّة، شهدت المنطقة حراكًا دبلوماسيًا لا يهدأ، وكان للبنان نصيب وافر منه، إذ تواصلت جهات كثيرة مع الحكومة اللبنانية، وزارت لبنان وزيرة الخارجية الفرنسية، ووزير الخارجية التركي، وكان السؤال المطروح دومًا، هو ما الذي ينوي حزب الله القيام به، وهل من نية لتصعيد المواجهة؟ 

الحرب على الجبهة الشمالية: تصاعد مستمرّ

يمكن القول إن دخول حزب الله، ومن ورائه فصائل لبنانية وفلسطينية أخرى للحرب كان تدريجيًا، من حيث كمّ الاشتباك، وكذلك من حيث تغطيته للجغرافيا، وكذلك الحال من طرف الاحتلال الإسرائيلي.

في اليوم التالي لطوفان الأقصى، قصف الحزب بقذائف وصواريخ موجّهة مواقع للاحتلال في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، ليرد الاحتلال بقصف خيمة حزب الله. والحدث الأخطر في ذلك اليوم كان محاولة مقاومين من الجهاد الإسلامي الفلسطينية، في لبنان، التسلل للقيام بعملية داخل الأراضي المحتلة، إلّا أن الاحتلال اشتبك معهم، فاستشهد اثنان منهم بعد قتلهم جنديين إسرائيليين وجرحهم خمسة، بحسب بيان لسرايا القدس، وبعدها قصفت «إسرائيل» تلة الراهب وخلة وردة، فاستشهد ثلاثة مقاتلين للحزب. وتلا ذلك قصف الحزب لعدة مواقع للاحتلال، وإصابتها إصابات مباشرة. 

لتبدأ بعد هذا اليوم كرة المواجهة بالتدحرج، فشملت تدميرًا لآليات ومدرّعات ودبابات إسرائيلية وقتلًا وجرحًا لمن فيها، ليرد الاحتلال بقصف مواقع لحزب الله، وكذلك باستهداف خلاياه خلال محاولتها تنفيذ عمليات، واستهداف مدنيين وصحفيين، واستشهد عنصران من السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال خلال أداء واجبهما الوطني بحسب ما أعلنت السرايا. وارتقى للحزب في المواجهة حتى الآن حوالي خمسين شهيدًا. 

كما استهدفت كتائب عز الدين القسام في لبنان، مستوطنتي نهاريا وشلومي، شمال فلسطين المحتلة أكثر من مرّة موقعة إصابات بحسب بيانات الاحتلال، والذي حمّل حزب الله المسؤولية عن أي عمل مقاوم ينطلق من لبنان. كما نفّذت عمليات اقتحام للحدود واستشهد لها مقاتلون خلالها. 

ودخلت على خط المواجهة كذلك قوّات الفجر، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، وتعتبر الجماعة الجناح اللبناني للإخوان المسلمين، فقصفت الاحتلال بصواريخ، في عملية يمكن قراءتها على أنها بمثابة تحذير جيش الاحتلال من تعدد القوى والفصائل الجاهزة لمواجهته على جبهته الشمالية إلى جانب حزب الله. 

وكان لافتًا خلال الفترة الثانية من عمر المعركة المستمرّة، بدء حزب الله في استهداف أبراج المراقبة الإسرائيلية وأجهزة التجسس المنتشرة على الحدود، عملية أطلقت عليها صحيفة الأخبار اللبنانية خطة «فقء العيون». 

وبعد عدّة أيّام شهدت «هدوءًا» نسبيًا على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، عاد الحزب في اليومين الماضيين لتوجيه ضربات لأهداف إسرائيلية على الحدود، وأُطلق صاروخ باتجاه طائرة مسيّرة، كما استهدفت صواريخ أخرى منطقة الجليل المحتّل. 

اضطرّ، نتيجة القصف اليومي، سكّان مستوطنات شمال فلسطين المحتلة للرحيل عنها، حتى تحوّلت مدينة مثل كريات شمونة لمدينة أشباح، إذ تم إخلاؤها، هي و42 تجمعًا استيطانيًا آخر. وقد وصل عدد النازحين من شمال فلسطين المحتلة لأكثر من ستين ألفًا

على الطرف الآخر، اضطرّ عدد من سكان جنوب لبنان للنزوح نحو مدن خارج المساحة التي تجري فيها الاشتباكات، وقد بلغ عددهم حوالي 30 ألفًا.

خريطة المواقع الإسرائيلية على الحدود مع لبنان

الداخل اللبناني: انقسام مستمر 

«لبنان في عين العاصفة»، بهذه الكلمات عبّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن الوضع الحالي في لبنان مع احتمالات توسّع المواجهة. ويعيش لبنان وسط أزمة مستمرّة منذ سنوات، زاد من فداحتها الانهيار الاقتصادي، وانفجار المرفأ، والعجز المستمر عن الوصول إلى تسوية سياسية تمكّن من انتخاب رئيس جديد للبلاد، وما يتبع ذلك من الوصول لحكومة مكتملة الصلاحيات. 

وقد انعكس الانقسام السياسي الحاد على الموقف من المعركة الحاصلة على الحدود مع فلسطين المحتلة. رغم أن مدن ومخيمات مختلفة في لبنان شهدت فرحة عارمة، مع انتشار صور عملية طوفان الأقصى.

في مقابلة مع الرئيس السابق للموساد يوسي كوهين، والذي يلعب هذه الأيّام دورًا في إدارة المعركة، سئل بحكم سنوات خبرته الطويلة عما يعتقد أن حزب الله يريده، فأجاب: نصيحتي هي أن نتجنّب تخمين نوايا الحزب. 

عقب دخول الحزب وباقي فصائل المقاومة للمعركة، بدأ النقاش يدور حول ما سيحصل في لبنان، وشكل الاشتباك الذي سيدور. وفيما أيّدت الجهات الحليفة للمقاومة وخطّها اشتراك الفصائل وحزب الله في المعركة، وضحت جهات أخرى مثل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على أنه «لا سلام مع «إسرائيل» من دون مزارع شبعا والجولان وعودة اللاجئين الفلسطينيين». وتَوجّه إلى مَن يسأل عن «علاقة لبنان بكل الذي يجري لنقحِمَه ضد «إسرائيل»» بالقول: «فلينظر إلى شهداء الإعلام وجرحاه في جنوب لبنان منذ يومين، وإلى كل الاعتداءات الإسرائيلية على البلد، والتي ردعتها بسالة المقاومة». كما تمنّى وليد جنبلاط، زعيم الحزب الاشتراكي، أن «يبقى لبنان خارج هذه الدائرة إلا إذا أصرّ العدو الإسرائيلي على الاعتداء»، لكن، في حال اعتداء «إسرائيل» على الجنوب «فنحن مع كل مقاوم، ومع حماية أهل الجنوب ولبنان». 

أمّا الجهة الأكثر تطرّفًا في الموقف من المقاومة فتمثّلت في سامي الجميّل، والذي رفض «تكرار سيناريو 2006»، وإن حزبه، حزب الكتائب، يرفض «إنه لبنان ينجر من قبل حزب معين، عنده أجندة معينة في هذا الصراع».

وعلى مستوى التحضير لتطورات يمكن أن تشهدها المنطقة، عملت الحكومة اللبنانية على تحضير خطة طوارئ، كما عملت هي وجهات أخرى فاعلة مجتمعيًا وسياسيًا، على تجهيز أماكن لإيواء النازحين. فيما تدرّجت منظمات ودول في التعامل مع ما يحصل، فحذرت دول رعاياها من السفر إلى لبنان حاليًا، وأجْلت أخرى عائلات موظفي سفاراتها، أو أوصت مواطنيها بالمغادرة فورًا

الجبهة اللبنانية: ما التالي؟ 

في مقابلة مع الرئيس السابق للموساد يوسي كوهين، والذي يلعب هذه الأيّام دورًا في إدارة المعركة، سئل بحكم سنوات خبرته الطويلة عما يعتقد أن حزب الله يريده، فأجاب: نصيحتي هي أن نتجنّب تخمين نوايا الحزب. 

رغم التصريحات العديدة لقيادات حزب الله، أن المقاومة في قلب المعركة، وأنها ليست على الحياد، إلّا أن صمت الأمين العام للحزب، وعدم توضيح المدى الذي يمكن أن يذهب إليه في خوض المعركة، ولا ماهية الخطوط الحمر التي سيعني تجاوزها انخراطًا أوسع في الحرب، تثير قلق «إسرائيل» وحلفائها، ولذا لم تتوقف التحذيرات من مسؤولين غربيين؛ فحذّر وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن في اتصال مع ميقاتي من انجرار لبنان للحرب.

«المقاومة في لبنان تدير معركتها بدقّة وحكمة وشجاعة، ووفق ما تراه من مصلحة لبلدها، وعلى رأس هذه المصلحة منع العدو من تحقيق أهدافه في غزة، لأن ذلك سيشكّل خطرًا جسيمًا على بلدنا والمنطقة».

وبشكل أكثر فجاجة، أكّدت السفيرة الأمريكية: «أنّنا نرفض، ويرفض الشعب اللبناني، تهديدات البعض بجرّ لبنان إلى حرب جديدة. ونحن مستمرّون في نبذ أية محاولات لتشكيل مستقبل المنطقة من خلال التّرهيب والعنف والإرهاب»، مشيرة إلى «أنّني هنا أتحدّث ليس فقط عن إيران و«​حزب الله​»، بل أيضا عن حركة حماس وآخرين». فيما قالت الرئاسة الفرنسية إن: «على حزب الله واللبنانيين أن «يلتزموا واجب ضبط النفس لتجنب فتح جبهة ثانية في المنطقة سيكون لبنان ضحيتها الأولى».

في المقابل، وعلى مدى الأيّام الفائتة، لم تتوقف الاشتباكات على الحدود مع فلسطين المحتلة، واستمرّت اللقاءات بين أطراف مختلفة في محور المقاومة في لبنان، فاجتمعت قيادة فصائل المقاومة مع وزير الخارجية الإيراني، وكذلك اجتمعت قيادة الفصائل الفلسطينية مع الأمين العام لحزب الله. وبعد اللقاء صرّح الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: «أننا في لقاءات مستمرة والإخوة في حزب الله على كافة المستويات منخرطون في هذه المعركة، وهي معركتهم كما هي معركتنا».

فيما صرّح القيادي في حزب الله حسن فضل الله أن «المقاومة في لبنان تدير معركتها بدقّة وحكمة وشجاعة، ووفق ما تراه من مصلحة لبلدها، وعلى رأس هذه المصلحة منع العدو من تحقيق أهدافه في غزة، لأن ذلك سيشكّل خطرًا جسيمًا على بلدنا والمنطقة».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية