السيجارة الإلكترونية: لماذا المنع؟

السيجارة الإلكترونية: لماذا المنع؟

الأربعاء 27 آذار 2019

«إنت في بلد زي الأردن لما تواجه وباء تدخين، إذا حكيت للمريض بطّل الدخان، احتمال التجاوب 1 إلى 2%. إذا أعطيته خيارات ثانية أقل ضررًا في سبيل الإقلاع، احتمال يبطل كثير أكثر»، هكذا يصف الدكتور إياس الموسى، طبيب القلب والأوعية الدموية، المنطق الذي يدفعه لتبني السيجارة الإلكترونية كخيار أقل ضررًا، قد يساعد المدخنين على الإقلاع نهائيًا عن التدخين.

منذ سنوات، باتت السجائر الإلكترونية محور جدل واسع في المجتمع الطبي والقانوني في العالم؛ جدل لم يتوقف عند دارسي آثارها الصحية أو الساعين لتنظيم بيعها واستعمالها، بل شمل مستخدميها وردود فعلهم على تعامل الجسم الطبي والقانوني مع السيجارة الإلكترونية على اختلافه من بلد إلى آخر. طبيًا، انقسمت الآراء بين من رحبوا باستخدامها كسبيل لترك التدخين أو التقليل من أضراره، باعتبارها أقل سميّة وتسبيبًا للأمراض بنسبة عالية، وبيّن من شككوا بقدرة الدراسات الحالية على معرفة أضرارها الكاملة، مفضلين الحذر وعدم التشجيع على تبنيها. أما قانونيًا وتنظيميًا، فانقسمت الدول بين منعها بالمطلق، أي منع تصنيعها أو بيعها أو استيرادها أو إدخالها للاستخدام الشخصي، كما يحدث في الأردن، ومنع بيعها أو تصنيعها مع السماح بإدخالها لغايات الاستخدام الشخصي، والسماح بها بشكل كلي، والسماح بها مع وضع قواعد ناظمة لبيعها واستيرادها واستخدامها.

بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، فالأردن هو الدولة الثانية عالميًا من حيث انتشار تدخين التبغ بين الذكور فوق 15 سنة، بعد إندونيسيا، بنسبة 70.2% منهم، مقابل 10.7% لدى الإناث، لعام 2015. هذا الانتشار الواسع جدًا للتدخين في البلد، يجعل النقاش حول السيجارة الإلكترونية أكبر من كونها مجرد سلعة ممنوعة أخرى، نظرًا لإمكانية تأثيرها على صحة مئات الآلاف من الناس، مما يجعل الأسئلة حول ماهيتها وما تشير إليه الدراسات والآراء الطبية حول استخدامها وضررها مقارنة بالسجائر التقليدية، وسبب الإقبال عليها وتفاعل مستخدميها في الأردن مع قرارات الحكومة بمنع بيعها وتداولها، أسئلةً راهنةً وملحة.

ترحيب وتشكيك: الجدل الطبي حول السيجارة الإلكترونية

تعرف السجائر الإلكترونية تقنيًا بـ«الأنظمة الإلكترونية لتوصيل النيكوتين» (ENDs). فهي جهاز يسمح باستنشاق بخار يحمل النيكوتين بدلًا من حرق التبغ. إذ تعمل السيجارة عبر تسخين سائل (يُعرف شعبيًا بالجوس) يحتوي عادةً على النيكوتين بنسب مختلفة، ومادتي الجيسيرول وبروبيلين الغليكول، بالإضافة للنكهات. ولأنه ما من احتراق، فهي لا تنتج أول أكسيد الكربون أو القطران، وهما المركبان الأشد ضررًا في سجائر التبغ. وظهرت أول سيجارة إلكترونية تجارية في الصين عام 2004 باسم «رويان»، رغم أن تسجيل براءة اختراع «السيجارة الخالية من التبغ عديمة الدخان» يعود لعام 1963.[1] 

في الأشهر الماضية، ترافقت زيادة الإقبال على السيجارة الإلكترونية مع توسيع الحكومة من إجراءاتها للحد من انتشارها. ويعزو الناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة، حاتم الأزرعي، منع السيجارة الإلكترونية إلى مخاطرها الصحية «التي لا تقل ضررًا عن سجائر التبغ بكل أشكالها»، كما يقول. ورغم أن الوزارة لم تجرِ دراسات في هذا الشأن، إلا أنها تستند في المنع إلى توصيات منظمة الصحة العالمية التي تؤكد مخاطر السيجارة الإلكترونية، بحسب الأزرعي.

الأردن هو الدولة الثانية عالميًا من حيث انتشار تدخين التبغ بين الذكور فوق 15 سنة بنسبة 70.2% منهم، مقابل 10.7% لدى الإناث، لعام 2015.

عام 2015، أصدرت منظمة الصحة العالمية دراسة تراجع فيها 175 دراسة صدرت عن تأثير السجائر الإلكترونية، لتقييم مدى دقة أو صلابة النتائج التي توصلت إليها تلك الدراسات، خالصةً إلى أنه لا يوجد ما يكفي من النتائج القطعية في هذه الدراسات لقياس الضرر الفعلي للسجائر الإلكترونية. إلا أنها استنتجت أيضًا أنه «بالمقارنة البسيطة على مستوى منتج لمنتج، فمعظم السجائر الإلكترونية على الأرجح أقل ضررًا من السجائر العادية، وبعضها قد تكون أقل ضررًا بكثير من السجائر العادية». لكن المنظمة أشارت كذلك إلى أهمية التنبه إلى عدة عوامل مثل مدى التنوع الكبير في تركيبات سوائل السجائر الإلكترونية حسب الشركة المصنعة ومدى تسخين السائل وحتى النكهة، والآثار الصحية للاستخدام المزدوج (سجائر إلكترونية وعادية).[2]

في عام 2016، قدمت المنظمة تقريرًا للمؤتمر السابع للموقعين على اتفاقيتها الإطارية بشأن مكافحة التبغ، جاء فيه أنه بناء على مستويات وأعداد السميّات التي ينتجها الاستخدام العادي للسجائر الإلكترونية، فإنه من «المرجح جدًا أن تكون هذه السجائر أقل سمية من السجائر العادية»، أي أنها لم تساوِ بين الاثنين رغم تشككها في مدى أمان السيجارة الإلكترونية. حيث أشارت المنظمة إلى أن الاستخدام طويل الأمد للسيجارة الإلكترونية قد يرفع من خطر الإصابة بأمراض مرتبطة بالتدخين، مقارنة بغير المدخنين، أهمها داء الانسداد الرئوي المزمن، وسرطان الرئة، وبدرجة أقل مرض القلب الوعائي.[3]

لكن حذر المنظمة لم يمنعها من الإقرار بأنه «في حال تحولت الغالبية العظمى من مدخني التبغ غير القادرين أو غير الراغبين في ترك التدخين إلى استخدام مصدر بديل للنيكوتين ذي مخاطر صحية أقل، وتوقفوا في النهاية عن استخدامه، فإن ذلك سيعد إنجازًا معاصرًا هامًا في مجال الصحة العامة». ويتحقق ذلك بحسب المنظمة، فقط إذا كان عدد مستخدمي السيجارة الإلكترونية من المدخنين السابقين أكبر من مدخنيها من غير المدخنين سابقًا والقصّر.[4]

يعتقد الموسى أن السيجارة الإلكترونية، بناءً على تركيبتها وطبيعتها ومكوناتها، هي أقل ضررًا بكثير من السيجارة العادية، وقد تكون بوابة للتحويل من الأكثر ضررًا إلى الأقل ضررًا، على طريق الإقلاع نهائيًا عن التدخين. يتقاطع كلام الموسى مع رأي رامي إيراني، طبيب الأمراض الباطنية والصدرية في الأردن: «أنا أسميها البوابة، بوابة الخروج أو الدخول. بوابة الخروج إذا شخص مدخن (…) شيء جميل أن يخرج من شيء فيه 5000 مادة كيماوية 70 منهم مسرطن إلى شيء فيه مواد سيئة لكن مهما بلغت لا تبلغ [سوء] السيجارة [العادية]. لذلك إذا كان سيخرج عن طريق هذه السيجارة ممتاز. خوفي ممن سيدخل إلى عالم التبغ وعالم الإدمان وعالم التدخين من هذه السيجارة الإلكترونية»، يقول إيراني في إحدى مقابلاته.

يشاطر الموسى إيراني قلقه من دخول أشخاص جدد إلى التدخين عبر السيجارة الإلكترونية، لكنه في الوقت نفسه يعتقد أن المشكلة الكبرى في بلد كالأردن هي المدخنون الحاليون الذين يشكلون أكثر من 70% من الذكور فوق 15 سنة، الأمر الذي يستدعي أن تُبذل كل الجهود لتقليل هذه النسبة، بحسب الموسى. فبالنسبة له، هذا القلق من أن تساهم السيجارة الإلكترونية بدخول مدخنين جدد مفهومٌ في بلد كالولايات المتحدة حيث نسبة التدخين أصلًا منخفضة. لكن في بلادنا حيث نسب التدخين مرتفعة للغاية، «إنت عم بتطلّع ناس أكثر ولا عم بتدخّل ناس أكثر؟»، يتساءل الموسى.

في المقابل، ينظر فراس الهواري، مدير برنامج مكافحة السرطان في مركز الحسين للسرطان، إلى السيجارة الإلكترونية كطريق التفاف من قبل شركات التبغ العالمية لتجنيد مدخنين جدد من خلال إعادة تأهيل منظر التدخين بعد أن أصبح منبوذًا اجتماعيًا. ويرفض الهواري الإجابة على سؤال أيهما أقل ضررًا، عازيًا ذلك لعدم وجود دراسات كافية وشاملة، بحسبه. «أنا ما بقدر أقول إنه [السيجارة الإلكترونية] أقل ضررًا، وما عندي لسّه الدراسات الكاملة اللي تثبت إنها أقل ضررًا. ببيّن ضررها بعد 20 سنة»، يقول الهواري. وعند سؤاله بِمَ سيجيب في حال سُئِل كطبيب من مدخن يفكر بترك التبغ والاستعاضة عنه بالسيجارة الإلكترونية، كان جوابه: «لا هاي ولا هاي».

يعتبر الموسى أنه ليس صحيحًا أن كل الدراسات الطبية تحتاج لسنين طويلة، فالدراسات الطبية تنقسم في المدد بين القصيرة والمتوسطة والطويلة، ويعتبر السرطان من الأمراض التي تحتاج إلى وقت كافٍ لدراسة مدى ارتباط السجائر الإلكترونية به. في الوقت نفسه، يشير الموسى إلى مخاطر الانتظار لسنوات طويلة قبل الحكم على السجائر الإلكترونية في بلد يشكل التدخين فيه خطورة حقيقية على صحة المواطنين. «إحنا ما عنا رفاهية الانتظار عشرة أو عشرين سنة، إلا إذا عندك خطة بديلة أقوى، استعملها. رح تضل الناس تدخن كمان عشر سنين، بهاي العشر سنين بيكون تراكم عندك عشرات الآلاف من حالات سرطانات الرئة والبنكرياس والمريء والمعدة وعشرات الآلاف من جلطات القلب والناس اللي رح يموتوا لأنهم استمروا بالتدخين»، يقول الموسى الذي يؤكد وجود دراسات تشير بوضوح إلى أن ضرر التبغ على صحة الإنسان لا يقارن بالضرر الذي تسببه السيجارة الإلكترونية.

بحسب هيئة الصحة العامة في إنجلترا «من المقدر أن السجائر الإلكترونية أكثر أمانًا بنسبة 95% من السجائر العادية».

في سلسلة دراسات أجرتها هيئة الصحة العامة في إنجلترا (وهي جهة تابعة لوزارة الصحة البريطانية)، ظهرت عام 2015 نتائج تقول إنه «رغم أن استخدام السجائر الإلكترونية ليس آمنًا 100%، إلا أن معظم الكيماويات المسببة للأمراض المرتبطة بالتدخين غير موجودة في السجائر الإلكترونية، والكيماويات الموجودة فيها تشكل خطرًا محدودًا»، وأنه «من المقدر أن السجائر الإلكترونية أكثر أمانًا بنسبة 95% من السجائر العادية»، وأن «مستويات النيكوتين التي تبثها في المحيط لا تذكر»، وأنه «لم يتم التعرف على أخطار صحية على المحيطين»، بمعنى أن التدخين السلبي عبر السجائر الإلكترونية شبه معدوم.[5] وبحسب المركز البريطاني لأبحاث السرطان، فإنه ما من دليل على أن النيكوتين نفسه مرتبط بالسرطان.

كما أوضحت دراسة الهيئة أن هناك أدلة على أن السجائر الإلكترونية ساهمت في ترك البعض للتدخين أو التقليل منه، حتى إن لم يكونوا يهدفون لذلك. ونظرًا إلى أن السجائر الإلكترونية أوسع شعبيةً من طرق ترك التدخين الأخرى (مثل علكة أو لاصقات النيكوتين)، فإنها «توفر فرصة لرفع أعداد تاركي التدخين بنجاح». لكنها نصحت بمراقبة الاستخدام المزدوج ودراسة تأثيراته.[6] وخلصت الهيئة إلى أنه يمكن تشجيع «المدخنين الذين لم يُفلحوا بترك التدخين بطرق أخرى على تجربة السجائر الإلكترونية للإقلاع عن التدخين»، وأن يجب على الجهات التي تقدم خدمات الإقلاع عن التدخين أن تشمل خيار السجائر الإلكترونية،[7] هو يؤكده كذلك المركز البريطاني لأبحاث السرطان، الذي يشير إلى أن السيجارة الإلكترونية قد تكون خيارًا للبعض يساعد على الإقلاع عن تدخين التبغ.

وفي دراسة صادرة عن الهيئة نفسها في شباط 2019، أعادت الهيئة التأكيد على هذه النتائج، مركزةً على مسألة انتشار السجائر الإلكترونية بين غير المدخنين سابقًا، خاصة القصّر منهم. إذ أوصت الدراسة بمراقبة هذا الانتشار للحد منه، لكنها أوضحت أنه ما يزال ضئيلًا.[8]

هل تخلو السيجارة الإلكترونية من الضرر؟

يعتقد الموسى أن هناك أوزان مختلفة لعدم الدقة في هذا الموضوع. فالترويج لفكرة أن السيجارة الإلكترونية خالية من الأضرار قد يدفع غير المدخنين لاستخدامها، وقد يتحول بعضهم بسببها للتدخين العادي. لكن الترويج لفكرة أن السيجارة الإلكترونية والعادية متساويتان في الضرر هو مشكلة أكبر، وفقًا للموسى. «إذا حكيت فش فيها ضرر، اللي هو كلام مش مزبوط، بتدخل الناس عليها وبدمنوا النيكوتين، وجزء منهم ممكن يحول للسيجارة العادية، وجزء ح يكمل ع السيجارة الالكترونية كإدمان نيكوتين. هاي مشكلة صغيرة أو متوسطة. المشكلة الكبرى إذا خوّفت الناس في بلادنا من السيجارة الإلكترونية ونشرت الكلام غير الصحيح (..) هيك بتكون عم تفشل فشل ذريع بأنه المدخنين رح يستمروا بالتدخين»، يقول الموسى.

في مقابلة تلفزيونية، يؤكد الدكتور رائد العوايشة، طبيب أمراض القلب والشرايين، أن السيجارة الإلكترونية، وإن كانت تحتوي على مواد أقل سمية وأقل تسببًا في السرطان والأمراض المرتبطة بالتدخين، إلا أن احتراق البروبلين جليكول والجليسيرول، اللذين يتكون منهما سائل السجائر، ينتج مواد قد تؤثر على الخلايا المناعية في الرئتين، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالتهاب الرئتين.

دراسة هيئة الصحة العامة في إنجلترا عام 2015 أوضحت أن سوائل السجائر الإلكترونية، في ظروف معينة، قد تنتج مستويات عالية من مركبات سامة تدعى الألدهيدات (وتشمل الفورمالدهايد والأكرولين والأسيتالدهيد) عند تسخين السوائل. لكن مستويات هذه المركبات ظلت أكثر بكثير في السجائر العادية، بمعدل بلغ خمسين ضعفًا على اختلاف أنواع السوائل حسب الشركات المصنعة. كما أن أعلى تلك المستويات حدث عند تسخين السائل إلى درجة يستبعد أن تحصل خلال الاستخدام العادي للسيجارة الإلكترونية.[9] وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن التعرض لهذه المواد قد يسبب تهيجًا في العينين والمجرى التنفسي.[10]

سوائل السجائر الإلكترونية، في ظروف معينة، قد تنتج مستويات عالية من مركبات سامة تدعى الألدهيدات (..) لكن مستويات هذه المركبات ظلت أكثر بكثير في السجائر العادية.

إضافة إلى هذا، يؤكد الموسى أن النيكوتين الذين تحتويه معظم سوائل السجائر، يسبب الإدمان ويرفع سرعة نبض القلب وقد يرفع من ضغط الدم. وقد يكون هنالك علاقة بين النيكوتين وبعض أمراض القلب على المدى البعيد، بحسب الموسى، إلا أن ذلك ما يزال بحاجة لدراسات. «عندك البروبلين جليكول، وعندك الجليسيرول، وعندك النكهات، هاي مواد كيماوية قد يكون بعضها مضر، ولكن لا تساوي 10% إذا مش 5% من ضرر الـ6000 مادة [كيماوية في السيجارة العادية]»، يقول الموسى.

بالحكم على ما توفره الدراسات حتى اللحظة عن السيجارة الإلكترونية ومكوناتها وتركيبها وطريقة عملها، يشبّه الموسى الفرق بين سيجارة التبغ والسيجارة الإلكترونية بالفرق بين السيارة الهايبريد وسيارة الديزل؛ السيارتان مضرتان بالبيئة، لكن هل يعقل أن نقول إن ضررهما واحد؟ يتساءل الموسى. في المقابل، يشبه الهواري الفرق بين سيجارة التبغ والسيجارة الإلكترونية بالفرق بين «البيبسي والبيبسي دايت»، حيث يرى أنهما متساويان في ضررهما على صحة الإنسان.

منع وتحريم وتشديد وإقبال متزايد

في تشرين الثاني من العام الماضي، أصدرت دائرة الإفتاء الأردنية فتوى تحرم فيها استخدام السيجارة الإلكترونية. اعتمدت الدائرة في فتوتها على نص الآية الكريمة «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ»، إضافة إلى تحذير نسبته إلى منظمة الصحة العالمية بكونها تحتوي على مواد «ذات مستوى عالٍ من التسمم» وأنها ليست وسيلة من «الوسائل المساعدة على التوقف عن التدخين».

وفي شباط من العام الحالي، نشرت مديرية التوعية والإعلام الصحي في وزارة الصحة منشورًا على صفحتها على الفيسبوك، تدعو فيه المواطنين للإبلاغ عن أماكن بيع السجائر الإلكترونية. قوبل هذا المنشور بالآلاف من التعليقات الساخرة، وتحول المنشور لمنصة بيع السجائر الإلكترونية وموادها وإقناع البعض لأصدقائهم بالتحويل من سيجارة التبغ للسيجارة الإلكترونية، إضافة إلى نشر بعض المعلقين على المنشور دراسات وأخبار تثبت الفرق بين الاثنين.

باسل مشربش كان أحد الذين علقوا على منشور مديرية التوعية قائلًا: «أنا تركت الدخان والآلاف تركوا الدخان من وراها [السيجارة الإلكترونية] طيب مش هاد مفروض يحقق أهدافكم ويقلل المصاريف الهائلة للتوعية (..) وتقليل مصاريف الرعاية الصحية من الأمراض الناتجة عن الدخان؟».

يدخن مشربش (29 عامًا) منذ عشر سنوات، بمعدل ثلاث علب سجائر باليوم، لكنه ترك تدخين التبغ وحول إلى السيجارة الإلكترونية في تشرين الأول من العام الفائت، بعدما قرأ العديد من الدراسات والمقالات المنشورة عن الفرق بين الاثنين. «بالنسبة إلي، لما خلصت من السجاير العادية كان هدفي أخلص من النيكوتين بشكل نهائي»، يقول مشربش الذي تدرج هبوطًا بنسب النيكوتين في سوائل السيجارة الإلكترونية، واستطاع خلال ثلاثة شهور أن ينتقل إلى السائل شبه الخالي من النيكوتين. لا يخفي مشربش انزعاجه من منشور مديرية التوعية الذي يعتقد بأن فيه استخفاف بذكاء المواطن وصحته. «اللي مثير للشفقة والضحك أنه وزارة الصحة ناشرة هالكلام من دون أي أبحاث تسنده، وهذا الإشي بالنسبة إلي فضيحة»، يقول مشربش لحبر.

في المقابل، تقول عبير موسوس، مديرة مديرية التوعية والإعلام الصحي بوزارة الصحة، إن وزارة الصحة بصدد إعداد دراسة تفصيلية، بالتشارك مع منظمة الصحة العالمية، حول السيجارة الإلكترونية. وتتوقع موسوس أن تنشر الدراسة خلال شهرين.

وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية في 2018، فالأردن هي واحدة من سبع دول فقط في العالم تمنع السجائر الإلكترونية بالمطلق، بينما تمنع 22 دولة أخرى بيع السجائر الإلكترونية، لكنها تسمح بإدخالها للاستخدام الشخصي.[11] وكانت الإمارات من بين الدول المانعة، لكنها أعلنت الشهر الماضي عن التراجع عن المنع لصالح اعتماد مواصفة قياسية إلزامية يجب التقيد بها لتوريد منتجات السجائر الإلكترونية للبلاد. أما باقي دول العالم فلا تمنع بيع السجائر الإلكترونية. 

ودعت منظمة الصحة العالمية الدول الموقعة على اتفاقيتها لمكافحة التبغ إلى تقييد وتنظيم صناعة وبيع واستخدام السجائر الإلكترونية،[12] ناشرةً قائمة بإجراءات تنظيمية مقترحة، شملت تنظيم أماكن وطرق بيعها، ومنع بيعها للقصّر، وإلزام الشركات المصنعة بتوضيح المكونات وإدراج تحذير بالأضرار المحتملة ومراعاة طرق تغليفها وتخزينها، ومنع تدخينها في الأماكن المغلقة أو في الأماكن التي يمنع فيها تدخين التبغ، وتنظيم الدراسات المنشورة عن الموضوع لمنع تدخل الشركات المصنعة فيها، ومنع الشراكات الحكومية مع الشركات المصنعة.[13]

سناء* (30 عامًا) مدخنة من أكثر من عشر سنوات، حاولت مرارًا ترك التدخين، لكنها لم تنجح بذلك. قبل قرابة الشهرين، حولت من تدخين التبغ إلى السيجارة الإلكترونية بعد أن نصحها بها ابن خالتها، طبيب العظام الذي كان مدخنًا شرهًا، كما تقول. تعزو سناء خطوتها هذه إلى آثار صحية كالسعال المستمر والتعب الجسدي، إضافة إلى رغبتها بالتخلص من الرائحة التي يتركها التبغ في الشعر والملابس. وتعتقد أن المجتمع أكثر تسامحًا مع فكرة تدخين النساء للسيجارة الإلكترونية من السجائر العادية. «الناس بتقبلوها أكثر، نفس مبدأ أنه الناس بتقبلوا الأرجيلة أكثر من الدخان للبنت»، تقول سناء.

الأردن هي واحدة من سبع دول فقط في العالم تمنع السجائر الإلكترونية بالمطلق، بينما تمنع 22 دولة أخرى بيع السجائر الإلكترونية، لكنها تسمح بإدخالها للاستخدام الشخصي.

وبينما تعتقد سناء أن هناك تزايدًا في الإقبال على السيجارة الإلكترونية في محيطها، سواء من الذكور أو الإناث، يرى فادي عويدات (42 سنة)، وهو مدخن من أكثر من 20 سنة، أن الإقبال على السيجارة الإلكترونية ما زال محصورًا في عمان والزرقاء ولم ينتشر بشكل واضح في محافظات أخرى كمحافظات الشمال. ويعزو عويدات، الذي يعمل في الزرقاء ويسكن في عمان ويزور عائلته في المفرق مرتين بالأسبوع، عدم انتشار السيجارة الإلكترونية في المفرق لتوفر السجائر المهربة رخيصة الثمن مقارنة بالسجائر المحلية.

في تشرين الثاني من العام الماضي، استبدل عويدات سجائر التبغ بالسيجارة الإلكترونية بعد أن شاهد العديد من فيديوهات المقارنة بين الصنفين وقرأ بعض المقالات عن الموضوع. ويقول عويدات إن السبب الرئيس الذي دفعه لذلك هو الأذى الذي كان يسببه لأبنائه عند تدخينه أحيانًا في البيت أو في السيارة، إضافة إلى فرق التكلفة المالية بين النوعين.

ويشكو عويدات من تزايد التضييق الحكومي على محلات بيع السجائر الإلكترونية، الأمر الذي دفع بالكثيرين بحسبه إلى الشراء هاتفيًا أو عن طريق الواتساب. ويعتقد عويدات أن منع السيجارة الإلكترونية في ظل السماح ببيع السجائر العادية هو مفارقة غير مفهومة إلا في إطار خوف الدولة من الأثر الذي يسببه بيع السجائر الإلكترونية على العوائد الضريبة التي تحصل عليها من السجائر العادية. «[هذا] بدل الدولة ما تحافظ على صحة الشعب، تدرسها وتشوف إذا هي ايجابية. على الأقل، خلينا ندخن إشي كويس. ما إنت سامحة الدخان، اللي هو ضرره أكثر، وقاتل و[يسبب] سرطان (..) هل عندهم دراسات إنه هاي السيجارة مؤثرة أكثر من الدخان؟ إذا عندهم دراسات، خلينا نبعتها لبريطانيا ونقلهم إنتو علمكم كذاب»، يقول عويدات.

وتتفق بعض الآراء مع رأي عويدات بشأن أسباب المنع وعلاقته بمبيعات سجائر التبغ. ويقول الكاتب محمود سويدان في مقال في صحيفة الغد إن «هناك اعتقادًا راسخًا لدى الكثيرين» بأن منع السيجارة الإلكترونية مرتبط بمنافستها لشركات التبغ.

يتحدث بعض أصحاب محلات لوازم التدخين عن تراجع واضح في شراء السجائر المحلية. فعند سؤاله عما إذا كان الإقبال على السجائر المحلية متراجعًا، قال مهند*، وهو صاحب محل تدخين يبيع السجائر المحلية والإلكترونية: «طافي مش متراجع، أنا بالأسبوع كنت أنزّل بـ15 ألف [دينار] دخان مشكل. هسا وبدون مبالغة بنزّل بـ3000 دينار، وبِزيد»، رابطًا ذلك بتزايد ملموس في الإقبال على السجائر الإلكترونية. ويعتقد مهند أن هذا التراجع لصالح السجائر الإلكترونية والدخان المهرب هو سبب التشديد و«الكبسات» على بيع السجائر الإلكترونية.

مطلع العام، توقع وزير المالية، عز الدين كناكرية، رفع الإيرادات الضريبية من التبغ بحوالي 120 مليون دينار خلال 2019، بسبب تشديد الإجراءات الحكومية على الدخان المهرب. لكن الواقع جاء معاكسًا لتوقعات الوزير، فقد تراجعت الإيرادات الضريبية من التبغ في الشهر الأول من العام بنسبة 10% مقارنة بالشهر الأول من العام الماضي، مما دفع النائب معتز أبو رمان لطلب جلسة طارئة للجنة المالية في مجلس النواب لمناقشة تراجع إيرادات التبغ. ويتجاوز العائد الضريبي من الدخان 1.19 مليار دينار سنويًا، أي18% من مجمل الإيرادات المحلية، كما يقول الوزير السابق جواد العناني.

لم تنحصر مواجهة السيجارة الإلكترونية بالحملات الأمنية فقط. فصحفيًا، تناولت العديد من المواقع الإخبارية والصحف اليومية السيجارة الإلكترونية بالتركيز على ضررها ومخاطرها، ناشرةً عناوين مثل. «السجائر الإلكترونية خطر يهدد حياة الناس»، و«احذروا السيجارة الإلكترونية.. تنهك القلب والنفسية!»، و«السيجارة الإلكترونية أخطر بكثير من السيجارة العادية». ويحذر الموسى من انعكاس هذه التغطية الإعلامية على سلوك المدخنين، فيقول: «كمدخن، لمّا تقرأ خبر مثل السجائر الالكترونية أخطر من العادية بـ15 ضعفًا، رد فعلك بكل بساطة [سيكون] والله؟ 15 مرة أكثر؟ ممتاز، بكمل ع السيجارة العادية»، وهو ما يعتقد الموسى أنه سيكون أكثر ضررًا بكثير على صحة الإنسان.

وفيما حذرت الحكومة من أن بعض سوائل السجائر الموجودة في الأسواق مصنعة محليًا دون رقابة على محتوياتها، يرى الموسى أن ذلك يجب أن يدفع باتجاه قوننتها حتى تصبح محتوياتها مراقبة من قبل مؤسسة المواصفات والمقاييس، فضلًا عن مراقبة استيرادها ومنع بيعها للقاصرين. «السؤال الرئيسي [هو] إنت في الأردن مشكلتك الرئيسية الـ[70%] اللي بدخنوا هلأ؟ ولا مشكلتك الرئيسية الـ10% اللي ممكن يصيروا يدخنوا عشان السيجارة الإلكترونية؟»، يقول الموسى.

* أسماء مستعارة، بناءً على طلب أصحابها.

  • الهوامش

    [1] No Fire, No Smoke: The Global State of Tobacco Harm Reduction, 2018. Knowledge-Action-Change. London.
    [2] A systematic review of health effects of electronic cigarettes. Charlotta Pisinger, Research Centre for Prevention and Health, Glostrup Hospital. Document prepared for the World Health Organization, December 2015.
    [3]  WHO, Electronic Nicotine Delivery Systems and Electronic Non-Nicotine Delivery Systems (ENDS/ENNDS). Conference of the Parties to the WHO Framework Convention on Tobacco Control Seventh session Delhi, India, 7–12 November 2016.
    [4] ibid.
    [5] E-cigarettes: an evidence update. A report commissioned by Public Health England. 2015.
    [6] ibid.
    [7] ibid.
    [8] Vaping in England: an evidence update. A report commissioned by Public Health England. February 2019.
    [9]  E-cigarettes: an evidence update. A report commissioned by Public Health England. 2015.
    [10] WHO, Electronic Nicotine Delivery Systems and Electronic Non-Nicotine Delivery Systems (ENDS/ENNDS). Conference of the Parties to the WHO Framework Convention on Tobacco Control Seventh session Delhi, India, 7–12 November 2016.
    [11] Progress report on regulatory and market developments on electronic nicotine delivery systems (ENDS) and electronic non-nicotine delivery systems (ENNDS). Submitted to Conference of the Parties to the WHO Framework Convention on Tobacco Control Eighth session Geneva, Switzerland, 1−6 October 2018.
    [12] Decision on Electronic nicotine delivery systems and electronic nonnicotine delivery systems, Conference of the Parties to the WHO Framework Convention on Tobacco Control Seventh session Delhi, India, 712 November 2016.
    [13]   WHO, Electronic Nicotine Delivery Systems and Electronic Non-Nicotine Delivery Systems (ENDS/ENNDS). Conference of the Parties to the WHO Framework Convention on Tobacco Control Seventh session Delhi, India, 7–12 November 2016.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية