دماغ جريحة: ماذا بعد الإصابة بالسكتة الدماغية؟

الخميس 18 نيسان 2024
تصميم محمد شحادة.

«حاليًا أنا أعيش في عالم المابين. لم تنطفئ حياتي بعد، لكنني لم أعد أنتمي للآخرين حولي. إنني كيان غريب في عيون المحيطين بي. وفي أعماقي أطفو غريبة عن ذاتي أيضًا».
– جيل بولتي تيلور.

في بيت مقسم لغرفة معيشة وغرفة نوم وحمام ومطبخ في منطقة الرصيفة، تعيش وداد (63 عامًا) مع زوجها الثمانيني الذي يتعافى من كسر في الحوض منذ ثمانية أشهر، وتعتني به قدر استطاعتها، رغم حاجتها للرعاية كونها تعيش مع آثار إصابتها بالجلطة الدماغية. إذ ما زالت تعاني من عرجة واضحة في رجلها اليسرى، وما تزال يدها اليسرى مضمومة إلى صدرها، مع وجود ارتخاء في خدها الأيسر يؤثر في قدرتها على الكلام. لكنها رغم ذلك تقاوم محاولات ابنتها خديجة (37 عامًا) بإقناعها للعيش معها من أجل العناية بها.

أصيبت وداد بجلطة دماغية في منطقة المخيخ قبل 12 عامًا. تستذكر ما جرى معها بالقول «كنت قاعدة عند بيت أختي أنا وبنتي، بلمّ أسكدنيا وكرز. وأشوف الدنيا لفت فييّ. بحياتي ما شفت هيك دوخة. حسيت الأرض بتطلع فيي، وأرمي حالي بسرعة على الكرسي. ودوني على [مستشفى الأمير] حمزة، وحكولي جلطة، وعملولي طبقية وعلاج طبيعي». لكن وداد لم تكن في بيت أختها عند إصابتها بالجلطة الدماغية، بل في منزلها في الرصيفة مع زوجها وحفيدها، ولم تنقل إلى مستشفى حمزة ولم تتلقى العلاج الطبيعي في أي مستشفى حكومي. وما نقلته هو أحد الأعراض التي يعاني منها مرضى السكتات الدماغية إن لم يتم علاجهم وإعادة تأهيلهم، وهو فقدان الذاكرة وخلط تفاصيل الأحداث.

يقدر عدد المصابين بالسكتات الدماغية حول العالم سنويًا بـ12.2 مليون، وبلغ العدد الإجمالي لمن يعيشون مع آثارها 101 مليون شخص عالميًا عام 2019. واعتبرت السكتات الدماغية في حينه المسبب الثاني للوفاة عالميًا بعد أمراض نقص التروية القلبية، والمسبب الثالث للوفاة والعجز مجتمعين. ومن المتوقع أن يزداد العبء المرضي[1] للسكتات الدماغية خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض.[2] 

لا توجد إحصائيات رسمية عن أسباب الوفاة منذ عام 2016 في الأردن. في ذلك الوقت، كانت أمراض الجهاز الدوراني، التي تندرج ضمنها السكتات الدماغية بحكم أنها من أمراض الأوعية الدماغية، المسبب الأول للوفاة بما نسبته 40.4% للنساء والرجال بحسب تقرير وزارة الصحة الأردنية. ولكن بحسب منظمة الصحة العالمية، ففي عام 2019، اعتبرت السكتات الدماغية المسبب الثاني لوفيات النساء في الأردن، بعد أمراض نقص التروية القلبية، بمعدل 33.7 وفاة لكل مئة ألف من السكان، والمسبب الثالث لوفيات الرجال بعد أمراض نقص التروية القلبية وحوادث السير، بمعدل 24 وفاة لكل مئة ألف من السكان.

يغذي القلب جميع أعضاء الجسم بالدم المحمّل بالغذاء والأكسجين من خلال الشرايين، التي يصغر حجمها وقطرها كلما ابتعدت عن القلب، وتسمى الأوعية أو الشعيرات الدموية. وتحدث السكتة الدماغية في حالتين: إما عند حصول انسداد بسبب تخثر في الدم داخل الأوعية الدموية التي تغذي الدماغ، وبالتالي تمنع الخثرة المتجلطة سريان الدم المشبع بالأكسجين لخلايا الدماغ الواقعة على مسافة أبعد من هذا الانسداد، ونتيجة لذلك تصاب الخلايا العصبية بالصدمة وتموت، وتسمى هذه الحالة السكتة الدماغية الإقفارية أو الجلطة الدماغية؛ أو عند حدوث تمزق في الأوعية الدموية ينتج عنه تسرب الدم إلى خلايا الدماغ بحيث يطفح بها، وفي هذه الحالة يصبح الدم سميًّا بالنسبة للخلايا العصبية حين يتماس معها، وتسمى السكتة الدماغية النزفية.

اعتبرت السكتات الدماغية المسبب الثاني لوفيات النساء في الأردن، بعد أمراض نقص التروية القلبية، والمسبب الثالث لوفيات الرجال بعد أمراض نقص التروية القلبية وحوادث السير.

ولأن الدماغ هو العضو المسؤول عن وظائف الحركة والتوازن والشعور والتفكير والتصرف، فإن أية إصابة ناجمة عن السكتات الدماغية ستؤثر بالضرورة على هذه الوظائف. وتختلف أعراض من أصيب بالسكتات الدماغية بحسب موقع الأوعية الدموية المتضررة، وحجم المنطقة المتضررة، ونوع السكتة الدماغية إن كانت جلطة دماغية أو نزيفًا دماغيًا.

تشمل الأعراض المرافقة للسكتات الدماغية ضعف أو شلل جانب واحد من الجسم، وتشنج العضلات التي أصابها الضعف والشلل، وهبوط أو ارتخاء القدم، وعدم التوازن، وصعوبات البلع، ومشاكل في الرؤية، والألم بسبب تشنج العضلات المستمر. وقد يرافق ذلك أيضًا صعوبات في الإدراك والتواصل مع الآخرين، كفقدان القدرة على الكلام، أو على فهم كلام من الآخرين. عدا عن المشاكل في الذاكرة القريبة والبعيدة، وخلط تفاصيل الأحداث، والصعوبات في استيعاب معلومات جديدة، بالإضافة إلى الأعراض النفسية، كالقلق والاكتئاب وعدم الثبات الانفعالي.

في كتابها «الجلطة التي أنارت بصيرتي»، حاولت عالمة الدماغ والأعصاب الأمريكية جيل بولتي تيلور أن تضع القارئ أمام ما يحدث للإنسان إذا ما تعرض لسكتة دماغية، وكيف يفكر ويشعر ويتواصل مع ذاته ومع العالم الخارجي عندما يفقد العديد من وظائف الدماغ. فالكتاب المنشور عام 2006، جاء بعد عشرة سنوات على تعافي تيلور من نزيف دماغي بسبب تشوه خلقي في الأوعية الدموية التي تغذي الفص الأيسر من دماغها، تعرضت له حين كانت في عمر السابعة والثلاثين.

وبسبب حدوث النزف الدماغي في الفص الأيسر من دماغها، فقد عانت من ضعف في الجانب الأيمن من جسدها، وصعوبة في الكلام وفهم اللغة، والتحليل والمنطق والرياضيات، والقدرة على القراءة والكتابة وتعلم معلومات جديدة، بالإضافة إلى إشكالات في الذاكرة، ما شكّل تحديًا كبيرًا بالنسبة لها ودفعها في رحلة طويلة وصبورة من أجل استعادة التفكير واللغة والنطق والكلام، واكتشاف ذاتها مرة أخرى.

تبدو قصة تيلور برحلتها للتشافي من النزف الدماغي ملهمة للعديد من المصابين بالسكتات الدماغية ومقدمي الرعاية لهؤلاء المرضى، فهي تعطينا فكرة أوضح عما يعانيه هؤلاء المرضى من صعوبات كبيرة. حظيت تيلور بما لا يحظى به عدد كبير من مرضى السكتات الدماغية حول العالم، باعتبارها عالمة أعصاب ودماغ في مؤسسة علمية كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، تتمتع بتأمين صحي استطاع أن يغطي فترة إعادة التأهيل، وإلى جانبها شخص متفرغ كوالدتها استطاع أن يلبي حاجاتها الحركية والجسدية، ويساعدها على إعادة تواصلها مع الآخرين باستعادتها التدريجية للغة والكلام والنطق.

لكن كثيرًا من المرضى لن يكونوا محظوظين بالقدر ذاته. ففي ظل قصور العملية العلاجية والتشخيصية لمرضى السكتات الدماغية في الأردن، وعدم تكامل الأدوار العلاجية في مراحل إعادة التأهيل، تصبح عملية استعادة المرضى لوظائفهم الحركية والإدراكية عملية طويلة وصعبة وغير كافية، وفي العديد من الأحيان متقطعة وغير مستمرة تؤدي بهم إلى العجز والإعاقة.

فما الذي تعنيه الإصابة بالسكتة الدماغية في الأردن؟ وماذا يعني أن يفقد الشخص قدرته على الحركة والإحساس بجانب واحد من جسده، أو أن يفقد قدرته على التفكير والكلام ومهارات التواصل والإحساس مع العالم الخارجي ليصبح وكأنه حبيس عالم آخر؟ وماذا تعني رعاية مرضى السكتات الدماغية في ظل الهشاشة الاقتصادية والأعباء المادية التي تقع عليهم وعلى ذويهم؟

سقوط مفاجئ

بعد استيقاظه من قيلولة مسائية في تموز الماضي، وأثناء قيامه إلى الحمام كي يتوضأ لصلاة المغرب، تعثر سليمان* (63 عامًا) وسقط أرضًا. «أنا مش عارف شو صار. رجلي لزقت بالأرض، ما مسكتني. وقعت على كوعي»، يقول سليمان. سرعان ما نقله ابنه الكبير ناصر* (37 عامًا) إلى مستشفى البشير، وبعد إجراء الفحوصات التشخيصية، تبين أن سليمان أصيب بجلطة دماغية أثرت على الجانب الأيمن من جسده، وعلى نطقه بسبب ارتخاء اللسان، وسببت له صعوبة في البلع، وتركته اليوم على كرسي متحرك.

يعيش سليمان في شقة في الطابق الأول بمنطقة القويسمة، مع زوجته مريضة الفشل الكلوي وابنه الأصغر وليد* (22 عامًا) الذي يعتني بوالديه بعد زواج شقيقاته الست وأخيه الأكبر ناصر. كان سليمان يعمل سائق شاحنة نقل بري عبر الدول العربية، قبل تقاعده من العمل إثر إجرائه عملية قلب مفتوح ثانية عام 2016. بعدها، ظل يعمل سائق شاحنة لنقل الخشب مع معارفه في منطقة الوحدات، وكذلك عمل كسائق تاكسي، كي يسد ما تبقى له من اشتراكات في الضمان الاجتماعي.

قبل إصابة سليمان بالجلطة الدماغية بعدة أسابيع، لاحظت زوجته وأبناؤه تغيرًا كبيرًا في صحته الجسدية والذهنية، فكان يعاني من التعب والهزال وفقدان الشهية والتقيؤ المفاجئ، والدوخة والهذيان، ولحظات من السكوت على غير عادته، والنوم كثيرًا. وبعد إصابته ونقله إلى مستشفى البشير، تبين أن تلك الجلطة لم تكن الأولى التي أصيب سليمان بها، حسب ما أخبر الأطباء ابنه ناصر.

أصيب سليمان بجلطة دماغية صغيرة أثناء إجرائه عملية القلب المفتوح عام 2016، أثرت على رجله اليمنى، وعانى على إثرها من ضعف طفيف، أثر على قيادته للمركبة التي كان يعمل بها، فتعرض للعديد من حوادث السير نتيجة فقدانه السيطرة عليها، بحسب ابنه ناصر. ولكن بعد إصابته بالجلطة الدماغية الأخيرة، عانى من شلل في يده اليمنى ورجله اليمنى. وبعد بقائه في مستشفى البشير لمدة أربعة أيام تقريبًا، تمت جدولة مواعيد جلسات للعلاج الطبيعي في المركز الوطني لإعادة التأهيل في مستشفى البشير.

ما اختبره سليمان لم يكن سوى مثال واحد على الأعراض الجسدية والذهنية للسكتات الدماغية. فعلى عكس سليمان، عانت وداد من آثار مختلفة. ففي نيسان 2012، عانت فجأة من ألم شديد في الرأس وفقدت قدرتها على التعرف على حفيدها الذي كانت ابنتها خديجة قد تركته في رعايتها. اتصل بخديجة زوج والدتها ليخبرها بما حصل، وطلب الدفاع المدني لتنقل سريعًا إلى مستشفى الأمير فيصل في الرصيفة. لكنها لم تشخص وقتها، لتخرج دون تفسير لما جرى. لاحقًا ذلك اليوم، أخذتها خديجة لإجراء صورة رنين مغناطيسي للدماغ في مستشفى الحكمة في الزرقاء، لكن الصورة لم تظهر شيئًا.

ظلت وداد بعدها تعاني من آلام حادة في الرأس، وطنين في الأذن، وغباش في الرؤية، وعدم اتزان في المشي. حاولت خديجة أن تعرف ماذا أصاب والدتها فراجعت معها العديد من الأطباء، وكان تشخيصهم أنها تعاني من حالة نفسية. وفي منتصف أيار من نفس العام سقطت وداد في منزلها، ولم تتعرف على زوجها وكانت تصرخ بأنها ترى أحدًا غير موجود. كانت خديجة قريبة عندما اتصل بها زوج والدتها ليخبرها عما جرى. جاءت خديجة لترى أمها وهي في حالة يرثى لها، فقد كان فمها من جهة اليسار معوجًا، ولم تكن تستطيع تحريك الجانب الأيسر من جسدها.

نقلت وداد إلى مستشفى فيصل مجددًا ليتبين أنها أصيبت بجلطة دماغية في منطقة المخيخ، عانت على إثرها من شلل وضعف في الجانب الأيسر من جسدها، وعدم قدرة على الكلام والنطق مع صعوبة في البلع. بقيت حينها ثلاثة أيام في المستشفى لتبدأ بعدها رحلة إعادة التأهيل.

أما لين (46 عامًا)، فجاءتها السكتة الدماغية بأعراض أخرى. فحين كانت مع والدتها حنان (70 عامًا) في منزل شقيقتها منتصف أيلول الماضي، لاحظ ابن أختها أنها لا تستطيع مساعدته في حل واجب الرياضيات. تقول حنان إن ابنتها باتت تتكلم بصوت خفيض وغير مسموع، وتومئ بأنها لا تستطيع الكلام. «قلتلهم أنا شاعرة حالي دايخة، وبعدها وقعت»، تقول لين. سرعان ما أمسكتها والدتها لتضعها بجانبها على الكنبة، وما إن اتصلت بالدفاع بالمدني حتى سقطت لين على رأسها أرضًا، لتنقل بعدها إلى مستشفى لوزميلا ويتبين أن لديها نزيف في دماغها.

لين هي الأخت الوسطى لشقيقتين متزوجيتين، وتعيش في منزل والديها في منطقة مرج الحمام، وهما معلمان متقاعدان. وكانت تعمل عن بعد كمدخلة بيانات منذ ست سنوات. وقبل سنة وثلاثة أشهر من إصابتها بالنزف الدماغي، أصيبت لين بالفشل الكلوي بسبب ضمور خلقي في كليتها اليسرى، وأصبحت منذ ذلك الحين تغسل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع.

بقيت لين في مستشفى لوزميلا بعد إصابتها بالنزف الدماغي لـ11 يومًا، وعانت على إثره من شلل في الجانب الأيمن من جسدها، وصعوبة في النطق والكلام والبلع، وفقدان للذاكرة. لم يخبر أحد من الكادر الطبي والديها أن على لين البدء بجلسات العلاج الطبيعي، لكنهم قرروا من أنفسهم البدء به على نفقتهم الخاصة.

إعادة التأهيل في بنية علاجية هشة

تبدأ مرحلة إعادة التأهيل للمرضى بعد السكتات الدماغية عادة عند استقرار حالتهم الصحية وهم في المستشفى، حين يصبحون قادرين على ممارسة التمارين العلاجية فيما يتعلق بالعلاج الطبيعي، والعلاج الوظيفي المرتبط باستعادة القدرة على أداء الوظائف اليومية، وتمارين النطق فيما يتعلق بالكلام وصعوبة البلع.

يقول الدكتور بلال خلف، دكتوراه مهنية في العلاج الوظيفي، إنه حتى لو كان المرضى في مرحلة غياب الوعي داخل المستشفى، فمن الضروري البدء بالعلاج الطبيعي للأعضاء التي تأثرت بالضعف أو الشلل، للحفاظ على المرونة العضلية والتوازن العضلي، والتمارين العلاجية عندها ضرورية حتى لا يصيبها لاحقًا التشنج والتيبس، بالإضافة إلى ضرورة تغيير وضعياتهم بشكل مستمر وهم في السرير لمنع حدوث التقرحات.

أما بعد خروجهم من المستشفى، يكون الهدف الأول عادة هو استعادة الحركة كالمشي، ومن ثم تحريك اليد، وبعدها يكون الاهتمام بمعالجة مشاكل النطق، كما يقول رئيس الاختصاص في المركز الوطني لإعادة التأهيل في مستشفى البشير، د. مروان الطاهر.

لكن عملية إعادة التأهيل هي عملية متكاملة لا يجب فيها إهمال عضو على حساب آخر. فمشاكل النطق على سبيل المثال لها علاقة وثيقة بالإدراك والتذكر والتفكير والمَفْهَمَة، بالإضافة إلى علاقتها بمشاكل البلع وثقل اللسان. وكلما كان تحفيز النطق والكلام مبكرًا كان التحسن أفضل، كما من المهم تشخيص مشكلة النطق باكرًا حتى يتم وضع خطة علاجية لها، كما يقول أخصائي النطق وصعوبة البلع، أمين الدسيت.

يعتبر المركز الوطني لإعادة التأهيل في مستشفى البشير من أكبر المراكز التي تقدم خدمات إعادة التأهيل الشاملة في الأردن، باعتباره مؤسسة حكومية تتبع لوزارة الصحة. حيث يقدم خدمات العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي وعلاج النطق، والجبائر والأدوات المساندة، ولا تحصر هذه الخدمات بمصابي السكتات الدماغية فقط، بل تشمل كل الإصابات الحركية والدماغية لجميع الأعمار. يتم تحديد عدد الجلسات التي يتلقاها المصاب بعد تقييم حالته، وعادة ما تكون خمس جلسات، ثم يعاد تقييم المصاب بعدها إن كان يحتاج للمزيد، بحسب الطاهر. في حالة المؤمنين حكوميًا، تكون جميع الجلسات مغطاة طالما أقرت بتقييم طبي، بينما تكون تكلفتها 1.1 دينارًا لغير المؤمنين. لكن هذا المركز في مستشفى البشير يشهد ضغطًا كبيرًا بالنظر لعدم تواجد خدمات إعادة التأهيل الشاملة في جميع المستشفيات الحكومية في الأردن.

في كثير من الأحيان، لا تتم إعادة تأهيل المرضى بشكل متكامل لأسباب عدة، منها العبء المادي لجلسات إعادة التأهيل، أو لعدم إخطار الكادر الطبي للمرضى وذويهم بأهمية تكامل الأدوار العلاجية، من العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي وعلاج النطق مجتمعة، فيصبح التركيز على وظيفة على حساب أخرى. أو لصعوبة نقل المرضى لمراكز إعادة التأهيل الحكومية والخاصة لعدم توافر وسائل النقل لدى ذوي المرضى، أو، كما يقول الطاهر، لوجود إشكالات في البنية التحتية لمراكز إعادة التأهيل، كعدم وجود أماكن اصطفاف أو مرافق تساعد المرضى ومرافقيهم في الدخول والخروج، كما في مستشفى البشير.

لم تكن وداد بعد إصابتها بالجلطة الدماغية تستطيع الحراك ولا الكلام ولا الأكل ولا الشرب ولا الذهاب إلى الحمام لوحدها، لذا كانت أخواتها وابنتها خديجة يساعدنها في كل ذلك. بدأت وداد جلسات العلاج الطبيعي مع معالج خاص يأتي إلى المنزل بتكلفة 15 دينارًا للجلسة وقتها، بحسب خديجة. وكانت مهمته استرداد وظيفة المشي بأكبر قدر ممكن، بسبب الشلل في الساق والقدم اليسرى الذي أصاب وداد، والمساعدة في تحريك يدها اليسرى. لكنها لم تأخذ أي جلسات للعلاج الوظيفي أو علاج النطق، وكان استرداد النطق لديها تدريجيًا بمساعدة من أهلها.

استمرت وداد بالتحسن التدريجي لما يقارب العامين، ولكنها كانت رحلة صعبة ومرهقة جسديًا ونفسيًا وماديًا لوداد وأهلها.

كان المعالج الطبيعي يعمل على إجراء التمارين العلاجية لوداد وتوعية وتثقيف خديجة وأهلها على الوضعيات التي يجب أن يقوموا بها في أثناء تحريك وداد. «يعني يجي عندها يعطيها [جلسات العلاج الطبيعي]، تحرك إيديها، يدربها تمشي، تحكي شوي شوي، يطلعها على الدرج، كان يعلمنا إحنا كيف نقعدها على الكرسي، والطريقة الصحيحة لنقلها عشان لا إحنا ننملع ولا نؤذيها»، تقول خديجة. وفي كل مرة كان المعالج الطبيعي يأتي لمنزل وداد، كان لدى خديجة دفترها الخاص لتكتب كل ما يقوله لها لتستطيع مساعدة والدتها في عملية العلاج الطبيعي، وتستعين بالرسوم لشرح الخطوات لوداد.

في ظل قصور العملية العلاجية والتشخيصية لمرضى السكتات الدماغية في الأردن، وعدم تكامل الأدوار العلاجية في مراحل إعادة التأهيل، تصبح عملية استعادة المرضى لوظائفهم الحركية والإدراكية طويلة وصعبة وغير كافية، وفي العديد من الأحيان متقطعة وغير مستمرة تؤدي بهم إلى العجز والإعاقة.

يقول خلف إن المرحلة التي يجب أن يجرى العلاج الطبيعي فيها بعد السكتات الدماغية هي مرحلة ارتخاء عضلات اليد والرجل، نتيجة تأثر الخلايا العصبية الدماغية بالإصابة، وتتراوح هذه المرحلة ما بين ثلاثة إلى ستة أسابيع. ففي الوضع الطبيعي، من أجل حركة اليد أو الرجل، هنالك عضلات مسؤولة عن الحركة، وعضلات معاكسة للحركة، يستطيع فيها الشخص غير المصاب تحريك يده بناء على حركتها. أما في حالات الضعف والشلل، فلا يوجد توازن بين عضلات الحركة والعضلات المعاكسة لها، ولذلك نرى أغلب المرضى الذين أصيبوا بالسكتات الدماغية يدخلون في مرحلة التشنج والتيبس العضلي إن لم يعالج مبكرًا، وغالبًا ما يكون ذلك واضحًا في اليد المصابة، بحيث تكون مضمومة إلى الداخل من جهة الكوع، والرسغ مثنيًا للأسفل، وعندها تصبح عملية العلاج الطبيعي صعبة ومؤلمة للمريض وتأخذ وقتًا وجهدًا أكثر. لكنها مع ذلك ليست مستحيلة، كما يقول خلف.

لذلك، يركز العلاج الطبيعي في مرحلة الارتخاء على إيجاد التوازن بين عضلات الحركة والعضلات المعاكسة لها من خلال التمارين العلاجية التي تهدف إلى تحسين المشي وإيجاد التوازن فيه، والعمل على استخدام المريض لعضلاته بشكل طبيعي قدر الإمكان، والتقليل من حدوث التشنجات في العضلات، بحيث يكون العمل على اليد والرجل بشكل متوازٍ دون إهمال عضو على حساب آخر.

ويتضمن العلاج الطبيعي للمرضى بعد السكتات الدماغية التمارين الحركية، وتمارين الإطالة، وتمارين التقوية، وتمارين المشي، وتمارين صعود الدرج ونزوله. أما العلاج الوظيفي فيركز على زيادة استقلالية المريض ومشاركته في الأنشطة الحياتية اليومية التي فقدها بعد الإصابة، كاستخدام الملعقة للأكل، ومشط الشعر، والذهاب إلى الحمام، وغيرها.

لم يستطع سليمان المشي على رجله اليمنى لمدة أربعة أشهر بعد إصابته بالجلطة، وبقيت يده اليمنى «زي الشريطة» كما يقول، وكان يستخدم يده اليسرى في طعامه وشرابه. كما واجه صعوبة في النطق والبلع لكنه عاد تدريجيًا دون الحاجة لجلسات علاجية.

يتلقى سليمان، المؤمّن حكوميًا، الآن جلستين في اليوم لمرتين في الأسبوع، جلسة للعلاج الطبيعي وأخرى للوظيفي، في المركز الوطني لإعادة التأهيل في مستشفى البشير، لمدة 45 دقيقة لكل منهما. فبعد خروجه من المشفى، تلقى 20 جلسة علاج طبيعي، ومن ثم بعدها تلقى 20 جلسة مقسمة بين العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي. بدأ التحسن يظهر عليه بعد أربعة أشهر تقريبًا من الإصابة. «يعني آخر مرة في [المركز] مشيت على عكازة، وصلت الباب على عكازة، الحمد لله صارت تحملني»، يقول سليمان. يضيف ابنه ناصر أنه في «آخر خمس جلسات الحمد لله صار يمشي لحاله، بس يعني مش 100%».

يستطيع سليمان الآن تحريك يده اليمنى ولكنها لا تزال مضمومة إلى صدره، ويستطيع الوقوف ونزول درج منزله وصعوده بمساعدة أبنائه. «[الدرج] فادني … متعب بس فيه منه فايدة، زي العلاج الطبيعي»، يقول سليمان. وبالإضافة إلى الجلسات العلاجية التي يتلقاها في المركز، يمارس التمارين قدر استطاعته في المنزل.

يأمل سليمان إذا ما تحسن ارتخاء القدم اليمنى واستطاع تحريك يده اليمنى بشكل كامل، أن يجدد رخصة القيادة، وينجح في الامتحان حتى يعود إلى مزاولة عمله مرة أخرى كسائق.

لا تتذكر خديجة عدد جلسات العلاج الطبيعي التي تلقتها والدتها من قبل المعالج الطبيعي قبل 12 عامًا، ولكن تحسن والدتها التدريجي كان صعبًا. «ضلينا وراها لصارت تمشي وتحكي وتكتب». تمكنت وداد من ذلك بعد عامين تقريبًا، ولكنها لا زالت حتى الآن تعاني من عرجة في قدمها اليسرى وتشنج في يدها اليسرى، بالإضافة لضعف في التوازن، وضعف في الذاكرة وخلط في التفاصيل. وباتت تتحدث لكن بصعوبة، فهي تشعر أنّ لسانها ثقيل ولا يزال فمها معوجًا لناحية اليسار، عدا عن مشاكل في الرؤية والسمع، لأن الانسداد في الأوعية الدموية التي تغذي الدماغ لا يزال موجودًا.

في الأسابيع الأولى بعد السكتات الدماغية، يوصي خلف بألا يقل عدد جلسات العلاج الطبيعي عن مرتين في اليوم، ومن ثم يبدأ المريض بالتمارين العلاجية في البيت بمساعدة ذويه. ويعارض تحديد وقت للمدة العلاجية التي يتلقاها المصاب بالسكتة الدماغية بـ45 دقيقة، كما حددتها وزارة الصحة الأردنية، بحيث يجب أن تتكيف الجلسات مع حالة المصاب وقدرته على أداء التمارين، حيث تتطلب جلسات العلاج الطبيعي طاقة وجهدًا من المصاب وقد تتخللها استراحات بحسب قدرته، وهنالك تمارين يساعد فيها المعالج الطبيعي وهنالك تمارين يقوم بها المصاب نفسه في الجلسة.

كلمات حبيسة

لم تتذكر لين ما حدث معها بعد إصابتها بالنزف الدماغي، وكانت تعاني من فقدان للنطق وصعوبة في البلع، بالإضافة إلى فقدانها لحركة الجانب الأيمن من جسدها. بعد خروجها من المستشفى في المنزل، أحضر والداها ممرضة لمدة شهر كي تعتني بها وترافقها لجلسات غسيل الكلى. وبدأت لين تتلقى جلسات العلاج الطبيعي خلال هذه الفترة من قِبَل معالج طبيعي يأتيها لمنزلها وعلى نفقة والديها بتكلفة 20 دينار للجلسة الواحدة ولمدة ثلاثة أيام في الأسبوع. لكنها لم تحصل على جلسات لعلاج النطق ولا العلاج الوظيفي، ويفكر والداها بتحديد جلسات لعلاج النطق ولكن بعد أن تستطيع الحراك جيدًا.

قبل عودة النطق تدريجيًا إلى لين، كانت تغضب بشدة عندما لا تستطيع التعبير عما تريد. تقول والدتها حنان «كانت تنرفز وتعصب لما تكون بدها إشي ومش عارفة تعبر عنه فكل جسمها ينتفض، يعني تكون بدها تحكي مش عارفة تحكي وتطلب الإشي ومو عارفة». أثّرت إصابة لين بالنزف الدماغي على حالتها النفسية، فعدم قدرتها على الحركة والنطق والتواصل مع الآخرين جعلتها لا ترغب بزيارة الأقارب ومن أراد الاطمئنان عليها، فكانت والدتها تمنع الزيارات عنها في أول ثلاثة أشهر من الإصابة.

يتحدث الطاهر عن إصابة مرضى السكتات الدماغية بإحباطات نفسية تؤثر عليهم بسبب فقدان استقلاليتهم الذاتية واعتمادهم على الآخرين في وظائف الحياة العادية من طعام وشراب ولباس وذهاب إلى الحمام. فالإصابة بالسكتات في المراحل العمرية المنتجة بحسبه تفقد كثيرًا من المصابين، خاصة الرجال، مكانتهم داخل الأسرة وقدرتهم على الإنتاج والفاعلية، مما يزيد من شعورهم بالإحباط. بينما تشير دراسات أجريت في عدة أماكن في العالم إلى أن النساء أميل بما يتراوح بين 20 و70% للإصابة بالقلق والاكتئاب بعد السكتات. ويلفت الطاهر النظر إلى أنه لا يوجد أخصائيو علاج نفسي ولا عاملون اجتماعيون في المركز الوطني لإعادة التأهيل في مستشفى البشير، من أجل إعادة تأهيل المرضى من الناحية النفسية والاجتماعية.

ما زالت لين حتى الآن تعاني من حبسة كلامية، أي أنها تستطيع فهم ما يقال لها ولكن تجد صعوبة في إخراج الكلام بسلاسة. «بتدايق إنه الحكي مش قادر يطلع، عشان اللي قدامي ما بيفهم علي، يعني هو بده وقت ليطلع [الكلام]»، تقول لين. كما عادت ذاكرتها تدريجيًا كذلك. تقول والدتها «هلأ أحسن الحمد لله، ما كانت تعرف تحكي بالمرة، أصلًا ما كانت صاحية، بعد وين صارت تسألني شو صار معي». كما عادت قدرتها على البلع تدريجيًا، ففي البدايات لم تستطيع إلا أن تأكل ما هو طري كالكريم كراميل والجلي حتى لا تشرَق، ولم تكن قادرة على سحب السوائل وشربها.

يقول الدسيت إن علاج النطق والبلع يتحدد بحالة المريض ومدى وحجم الإصابة في الدماغ وإلى أي حد تأثرت مراكز النطق فيه، وأعضاء النطق أيضًا. لذلك، يجب على معالج النطق تشخيص مشكلة النطق ليتم علاجها والتعامل معها لدى المصاب وبحسب حالته. فقد يعاني المصاب من حبسة كلامية أو تعبيرية كما في حالة لين، أي أنها تعرف ما تريد قوله ولكن تجد صعوبة في القول، أو لا تعثر على الكلمات الصحيحة، أو تجد صعوبة في إخراج الكلام أو تترك كلمات دون أن تعرف أنها تفعل ذلك.

أما آخرون، قد يواجهون صعوبة في فهم الكلام المتلقي، أي في إدراك المفاهيم وترتيب الكلمات والعلاقة بينها. ويصاب آخرون بحبسة شاملة فلا يستطيعون التحدث، أو تسمية الأشياء، أو تكرار العبارات، أو اتباع الأوامر. كما أنهم يجدون صعوبة في فهم ما يقوله الآخرون. عدا عن غيرها من صعوبات ومشاكل النطق التي تحدث بسبب ضعف عضلات اللسان والشفاه أو إشكالات في السمع والجهاز التنفسي التي لها تأثير مباشر في عملية النطق والكلام.

يضيف الدسيت أنه في أحيان عديدة، يستعيد المصاب النطق تدريجًيا دون الحاجة إلى علاج بعد ستة أسابيع من السكتة الدماغية، لأن الإصابة لم تؤثر بشدة على مراكز النطق في الدماغ.

أعباء ممتدة

تتحدث الأدبيات العلمية والطبية حول الرعاية العلاجية الفضلى لمرضى السكتات الدماغية عن ضرورة تضافر جهود المجتمع والأسرة من أجل استعادة المرضى لوظائفهم الحركية والإدراكية بعد الإصابة بالسكتات الدماغية، بدءًا بسرعة التشخيص وعلاج المشكلة الطبية التي أحدثت السكتة، مرورًا بالعملية العلاجية لإعادة التأهيل والتي تتطلب تخصصات متعددة، كالعلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي وعلاج النطق والعلاج النفسي أيضًا، بالإضافة إلى متابعة الأطباء والممرضين والأخصائيين الاجتماعيين. ومن أجل أن يستعيد مرضى السكتات الدماغية وظائفهم الإدراكية والوظيفية لما قبل السكتة، قد يتطلب ذلك من ثلاث إلى خمس سنوات أو أكثر، وقد لا يستعيد المريض وضعه السابق أبدًا، بحسب حالته وطبيعة الإصابة.

ولكن جزءًا كبيرًا من رعاية المرضى يُلقى على عاتق ذويهم، ما ينطوي على تحديات نفسية ومادية في ظل غياب منظومة رعائية شاملة ومتكاملة تقدمها الدولة في مسألة إعادة التأهيل. إذ تشكل جلسات إعادة التأهيل التي يتلقاها المصابون بالسكتات الدماغية عبئًا عليهم وعلى ذويهم حتى لو كانوا مؤمّنين ويتلقونها مجانًا، فهي تحتاج إلى تفرغ كبير من أحد أفراد العائلة وهذا ليس أمرًا متاحًا للكثير من المصابين. بينما يتلقاها كثيرون على نفقتهم الخاصة، فالعديد من المصابين لا يكملون الجلسات العلاجية بسبب تكلفتها. يشير خلف إلى أن هنالك مصابين لا يستطيعون إكمال العلاج الطبيعي بعد شهر أو شهرين. حيث تتراوح كلفة جلسة العلاج الطبيعي الواحدة ما بين 15 إلى 25 دينار، وجلسة علاج النطق ما بين 15 إلى 100 دينار أردني، بحسب الدسيت.[3]

يقع العبء الأكبر على الأسرة من أجل إعادة تأهيل مرضاهم، وتفرغ شخص من أفرادها كفيل بأن يحقق نتائج كبيرة في التحسن. لكن في كثير من الأحيان، يمارس أفراد الأسرة أدوارًا ليسوا على دراية كاملة بمتطلباتها، أو يقومون بها في ظل عبء الحياة الضاغط عليهم.

يدرك أخصائيو إعادة التأهيل الذين تمت مقابلتهم أن العبء الأكبر يقع على الأسرة من أجل إعادة تأهيل مرضاهم، وأن تفرغ شخص من أفرادها كفيل بأن يحقق نتائج كبيرة في التحسن. لكن في كثير من الأحيان، يمارس أفراد الأسرة أدوارًا ليسوا على دراية كاملة بمتطلباتها، أو يقومون بها في ظل عبء الحياة الضاغط عليهم.

كان العبء الأكبر في رعاية وداد يقع على ابنتها الوحيدة خديجة وخالاتها. حيث اضطرت خديجة لأخذ إجازة بدون راتب من عملها كمعلمة صف في مدرسة حكومية لمدة سنة بعد إصابة والدتها حتى تستطيع العناية به. حين كان يأتي المعالج الطبيعي، كانت خديجة تترك أطفالها لدى إحدى خالاتها، وترافق والدتها للعناية بها. «كان عندي ثلاث ولاد روسية فوق بعض، كنت أدبرهم وأروح أدير بالي على أمي»، تقول خديجة. وكان تدبير سعر الجلسات صعبًا عليها وعلى أهلها.

يقسم ناصر ابن سليمان أيام الأسبوع بين مواعيد جلسات العلاج الطبيعي والوظيفي لوالده يومي الإثنين والأربعاء، ومواعيد غسل الكلى لوالدته أيام السبت والإثنين والأربعاء أيضًا. وتقسم أيام الأسبوع لتدبير أمور المنزل بين شقيقاته الست المتزوجات في رعاية أبيهم وأمهم صباحًا وحتى الظهر. «كل وحدة من خواتي بتقاسموا الأسبوع، أنا بطلع لي يوم الجمعة. كل بنت بتيجي بتقوم بأعمال البيت من ناحية ترتيب وتعزيل وطبيخ وكل إشي، وبس تخلص أمورها وتتفقد أبوي وأمي وتتطمن عليهم وتطبخ لهم وتطعميهم، بتحمل حالها وبتروح على بيتها».

وبعد عودة وليد، الابن الأصغر لسليمان، من الجامعة، يعتني بأمور المنزل في الليل مع أبيه وأمه ويلبي حاجاتهما. ترك وليد عمله الذي يعيل نفسه به، وترك سكن الجامعة في الطفيلة بعد إصابة والده، وعمل على جدولة مواعيد دراسته الجامعية ليومين في الأسبوع حتى يتناسب مع بقائه في المنزل مع والديه بحيث يستطيع النوم في البيت.

كان سليمان قبل إصابته وبعد تقاعده يعتمد على عمله كسائق نقل، بالإضافة إلى الراتب التقاعدي من الضمان الاجتماعي، أما الآن فهو يعتمد على راتب الضمان الاجتماعي فقط. أما وداد فتحصل على راتب ضئيل جدًا من التنمية الاجتماعية. وتحاول لين بعد إصابتها أن تحصل على راتب تقاعدي من الضمان الاجتماعي بعد سداد كافة اشتراكاتها فيه.

«والله الصحة بتسوى كل الدنيا»، تقول حنان عمّا تركته تجربة إصابة ابنتها لين من أثر في نفسها. تشترك عائلات المصابين بالسكتات الدماغية في اضطرارها للمتابعة الحثيثة لحالتهم. في استذكار لإصابة والدتها قبل 12 عامًا تقول خديجة «كانت أيام صعبة الحمد لله. يعني قدرنا نتدارك هديك الأيام، بفضل الله وفضل المحبين اللي حوليها. أنا وخوالي وخالاتي وقفنا معاها بكل خطوة».


هذا التقرير جزء من زمالة حبر للصحافة الصحية، الممتدة من أيلول 2023 حتى آب 2024، وفيها تنخرط سبع زميلات من خلفيات معرفية متنوعة في إنتاج تقارير صحفية بقوالب مختلفة حول قضايا صحية تتقاطع مع الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

  • الهوامش

    * أسماء مستعارة بناءً على طلب أصحابها.

    [1] يحسب العبء المرضي باستخدام معيار رياضي تم اجتراحه في التسعينيات من القرن الماضي، وهو سنوات العمر المعدلة حسب العجز أو الإعاقة (DALYs: Daily Adjusted Life Years) . وسنة واحدة من هذا المعيار تمثل ما يعادل خسارة سنة واحدة من الصحة الكاملة. وسنوات العمر المعدلة حسب العجز لمرض أو حالة صحية ما، هي مجموع سنوات الحياة المفقودة بسبب الوفيات السابقة لأوانها بحسب توقع الحياة للسكان في كل دولة، وسنوات الحياة الصحية المفقودة بسبب العجز بالنسبة للحالات السائدة للمرض أو الحالة الصحية بين السكان. حيث ارتفعت سنوات العمر المعدلة حسب العجز الناتج من السكتات الدماغية عالميًا منذ عام 1990 وحتى عام 2019 إلى 32%.

    [2] Global, regional, and national burden of stroke and its risk factors, 1990–2019: a systematic analysis for the Global Burden of Disease Study 2019, GBD 2019 Stroke Collaborators, Valery L Feigin et-al, September 3, 2021, Lancet Neurol 2021; 20: 795–820, P.795.

    [3] حددت لائحة الأجور في نقابة الأطباء لعام 2021 تكلفة جلسة العلاج الطبيعي الواحدة لاختصاصيي الطب الطبيعي والتأهيل لمرضى السكتات الدماغية بـ 15 دينارًا. لكن ذلك ينطبق على الأطباء المختصين بالعلاج الطبيعي لا على المعالجين الذين درسوا في كليات إعادة التأهيل. أما علاج النطق، فلا تسعيرات محددة لها في الحالتين.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية