بقلم أحمد يهوى
نعرف جميعاً البرنامج التلفزيوني السوري الشهير “بقعة ضوء”، نعرف كلنا لوحاته التي صارت جزءاً مساهماً في الشخصية السياسية الواعية، لا في سوريا وحسب بل في أقطار أخرى عربية من متابعي الدراما السورية، هذا البرنامج الذي امتاز بسقفه السياسي المرتفع، ونقده اللاذع والذكي والمغاير للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في سوريا، وساعدنا لنكتشف أن هذا الواقع لا يختلف شيئاً عن مثيله في المنامة أو القاهرة أو وهران أو عمان أو صنعاء.
وأكتب الآن عن هذا البرنامج الذي حلمت أن أخوض معركة الكتابة له، لولا تفاصيل أنا لست بصدد التعرض لها، وظل هذا الحلم قيد التنفيذ حتى اكتشفت أن الشركة المنتجة لهذا البرنامج قد أصدرت بياناً مع شركات إنتاج أخرى يواجه الثورة الشعبية في سوريا ويتنكر لجرائم النظام القمعي الذي كنا نظن أن بقعة ضوء ينتقده بأساليب مباشرة وغير مباشرة.
الشركة المنتجة لبقعة ضوء، (وهي بالمناسبة مملوكة لشخص مملوك لآل الأسد) وشركات أخرى كثيرة معها، انحازت للفئة الباغية، متناسية أن رصيدها صفراً بدون الناس محلياً وعربياً، هذا البيان والتصريحات الأخرى الشبيهة للفنانين السوريين المؤيدين لنظام الأسد، ساهمت في رفع حدة الفرز على الجانبين، الذي يضم إعلاميين ورجال دين ومؤسسات ودولاً وحتى جهات مقاومة تصطف مع النظام السوري في خندق الممانعة الأوسطية في وجه المشروع الصهيو-أمريكي، كما يدعي النظام والجهات التي تدعي ذلك.
الملفت في الأمر أن الفنان الذي كان يقوم بطرح تصريحات الشد العكسي للثورة الديمقراطية، كان لا يفيد الجهة التي يقبع تحت مظلتها خائفاً ومتنفعاً، ولكنه كان يخسر ماء وجهه أمام الناس، بل وحتى كان يزيد عدد المناهضين لرأيه، ويحدث ذلك لأن “أي رأي ينصر القوي على الضعيف هو رأي باطل، أياً كان القوي، وأياً كان الضعيف” كما يقول الشيخ الكواكبي.
دريد لحام الذي كان بطلاً صورياً لمعارك محمد الماغوط وقبله نهاد قلعجي، تعرى على نحو فاقع.. شبيه بتعري عادل إمام في النسخة المصرية، باسم ياخور، خالد تاجا، وفاء موصللي، أيمن زيدان، وكل فنان أو إعلامي أو شخصية اعتبارية قامت بغض البصر عن الجريمة, أحرجت الأطراف على الجهة الأخرى التي تؤيد الثورة بصمت وخوف، إذ ليس من المنطقي أن يصبح شكل الشارع الفني السوري مؤيداً للموت دون وجود أحد يواجه هذا الموت برأي يخلد صاحبه في أذهان الناس مدى الحياة وعلى طول التاريخ، مهما كانت العقوبة.
نحن الآن نكتشف أننا خدعنا، لا من حاكم كان ظننا السيّء به في محله، بل من وجوه أحبها الجمهور، ليصبح الوجه الفني العريق، والمؤسسة الفنية العريضة في سوريا، برأي الجمهور؛ أبطال ورق، وقطط سمينة للنظام الكهل والمتهالك، هذا خلف الشاشة، أما حين يقفون أمام الكاميرات، يتحولون لجوارح وكواسر وقبضايات وزلم.
بقعة ضوء القادم.. سيكون اسمه بقعة دم، بقعة دم كبيرة اسمها سوريا سيغرق فيها كل من يصطف في الجهة التي تزيد الشهداء في سوريا كل يوم.