عن الهوية الأردنية، بوضوح

الأربعاء 08 حزيران 2011

بقلم نبيه طوالبة

عندما يتعلق الأمر بوطن وشعب وهوية على الكلام أن يكون واضحاً وصريحاً دون مجاملات وعواطف، ودون خوف من إتهام جائر مسبق، وحساسية مفرطة، فرضها واقع لم يطلبه أحد، وباتت بديهياته مخيفة بعد أن غُيبت لفترات طويلة بحالة اللامبالاة التي عكست بطبيعتها حالة الرفض القاطع لذلك الواقع.

إن الإدعاء بأن الهوية الوطنية الأردنية تفترض مقابلاً آخر ما هو إلا وهم كبير وجهل في التاريخ الأردني ونُخبه. فلقد كانت الهوية الوطنية الأردنية من أوائل الهويات القطرية – ذات البعد القومي – الناشئة في المنطقة بعد إنهاء المملكة الفيصلية. وإن كانت تستند على التماثل الجيوثقافي لسكانها منذ القدم إلا أنها ترجمت سياسياً في الثاني من أيلول عام  1920 بإرادة ووعي وعزيمة النخب العشائرية الأردنية عندما إجتمعت الحكومات المحلية الأردنية في أم قيس لتؤسس الدولة الأردنية الحديثة ولإختيار نظام سياسي يتوافق مع طموحات الأردنيين القومية، بما بات يعرف بالعقد الإجتماعي الأردني، الذي يؤكد أن الشعب وهويته هما العامل الثابت والركن الأساس والركيزة الدائمة في ركائز الدولة.

لقد كانت الهوية الأردنية وما زالت تمثل حالة خاصة في المنطقة كونها الأكثر إنفتاحا والأكثر تعلقا بالوحدة العربية والمشروع القومي منذ الثورة العربية الكبرى، والأكثر عداء للمشروع الصهيوني، والأقوى تضامنا مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بشكل عام. لذلك كان من السهل على غير الأردنيين الذين توافدوا على الأردن تبني الهوية الوطنية الأردنية كهوية جامعة، وإستمر ذلك حتى مطلع الستينات عندما تبنت المنظمات الفلسطينية والنظام الناصري – بوعي أو بغير وعي-  الآيدولوجية المضادة للدولة والوطنية الأردنية وروجت لها، وتشربت بها الذهنية الفلسطينية جيلاً بعد جيل، وهي للمفارقة نسخة عن الآيدولوجية الصهيو-فكتورية التي روجت لمقولة “أرض بلا شعب”، ولتترجم هذه الآيدولوجية ومزاعمها في محاولات تحطيم الكيان الأردني وهويته وثقافته وتاريخه من الداخل والخارج، ولتصبح المجاهرة برفض الهوية الأردنية التي شكلت نواة وركيزة الدولة الأردنية الحديثة والمطالبة بتفكيكها من قبل مواطنين أمراً عادياً كونهم لا يرون الأردن وهويته سوى من منظور الإستشراق الغربي الإستعماري والآيدولوجيات المعادية.

لقد أدى تبني المنظمات الفلسطينية للآيديولجيا المضادة للوطنية الأردنية الى إحداث شرخ في المجتمع الأردني وتكوين هويتين وطنيتين في وطن واحد، في حالة متفردة يصعب  إيجادها في أي مكان آخر. ففي حين إختار بعض المواطنين ذو الأصول الفلسطينية الهوية الوطنية الأردنية كهوية جامعة لا تتعارض بل تدعم الحقوق الفلسطينية، إختار غالبيتهم العظمى معاداتها بإعتبار الهوية الأردنية مضادة للمشروع الوطني الفلسطيني، وترتب على ذلك بالضرورة شعور سلبي تجاه الأردن ومؤسسته العسكرية والأمنية، وبالتالي، عدم القدرة على الإنتماء والولاء والإندماج الكامل والعيش فيه بسهولة، وبرروا شعورهم هذا فيما بعد بمواطنة منقوصة وحقوق مسلوبة غير موجودة.

وفي خضم كل هذا علت أصوات تدعو لتفكيك الهوية الوطنية الأردنية ولدولة مواطنة مفتقرة للوطنية ومفرغة من أية مضامين للهوية والجماعات التي شكلت الدولة الأردنية الحديثة، بيد أن مفهوم المواطنة لا يتعدى كونه وجوداً مادياً مرتبطاً بنظام متشعب من المصالح والعلاقات بين الأفراد والدولة، أي أنها تقف عند حد وجود الفرد في الوطن الذي ولد أو ترعرع فيه دون وجود حالة من الإرتباط الوجداني والمعنوي بينهما، في حين أن الوطنية التي تحتاجها الدولة للإستمرار تمثل مشاعر الإرتباط وحب الوطن وما ينبثق عنها من إستجابات عاطفية كالفخر بالتاريخ والثقافة والهوية والإنجازات، والتفاني في خدمته وبنائه، والوقوف معه في ضرائه كما سرائه بدلاً من الشماتة به، والإستعداد للنضال والموت من أجله، والتضحية النابعة من حب الوطن وشعبه وتاريخه وهويته لا من المصالح. فالوطنية أكثر عمقاً وإتساعاً من المواطنة، ولا تصلح الدول دون وطنية، لأن الوطني مواطن بالضرورة غير أنه ليس كل مواطن وطني، لذلك نستطيع أن نرى بشكل واضح أن جمهور النشاط النضالي الإجتماعي الوطني منذ إنشاء الدولة حتى اليوم مرورا بمفترق الـ89 الهام الذي قطف ثماره جميع المواطنين، هم الأردنيون. في حين يتمركز نشاط غالبية المواطنين من أصول فلسطينية بالعمل الحزبي المتصل بالقضية الفلسطينية أو بالمكتسبات من الدولة وتراهم يعرفون أنفسهم في الخارج بالفلسطينيين، بل ويصور بعضهم محبة الأردن والإنتماء لهويته كضرب من ضروب العنصرية.

ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى أن الدولة كانت قد حاولت في أكثر من مرة دمج المواطنين من أصل فلسطيني في إطار الهوية الأردنية الجامعة، وليس آخرها مبادرة “الأردن أولاً” التي دعت لتغليب مصلحة الأردن على غيرها من الحسابات والمصالح لتمتين النسيج المجتمعي، والتي جوبهت بحرب شرسة ورفض علني قاطع لمفهومها من قبل غالبية المواطنين من أصول فلسطينية الذين يعتبرون أنفسهم في زمان ومكان مؤقتين وغير ملزمين بذلك.

ما سبق من كلام يوصلنا لنقطة واحدة على الجميع أن يعيها، من أسفل الهرم لأعلاه؛ أن لا مكان إلا لهوية وطنية واحدة في الأردن، وأن محاولة إيجاد هوية مفرغة، مشوهة، وغير واعية لذاتها، أو تطويع الهوية الأردنية لحساب هوية أخرى، لن يكون مصيرها سوى الفشل، بل سيزيد ذلك من الإحتقان المجتمعي، دون أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال تهميش حقوق أية فئة من المواطنين، فالتاريخ الأردني يقول بأن من إختار أن يكون أردنياً بصدق كان له ذلك، فالهوية الوطنية الأردنية لا تحتاج الى تفكيك وإعادة خلق، جل ما تحتاجه هو الكف عن محاربتها وتشويه صورتها وإتخاذها عدواً، فهي قادرة على إستيعاب كل ((من يرغب)) في الإطار الوطني والدستوري للدولة الأردنية.

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية