في الهوية الأردنية، قليل من التواضع، قليل من الصدق

السبت 11 حزيران 2011

بقلم أمين صافي

كثر من تناولوا هذا الموضوع واجتمع أكثرهم على كثير من المشتركات ليس أقلها الغرور وليس أكثرها العنصرية والقليل كان منصفا. وانشاءالله أكون من المنصفين. لنتحدث بصراحة وبكل وضوح.

سؤال الهوية الأردنية أو الفلسطينية أو حتى العربية هو سؤال لم يأتي من فراغ، فهو نشأ ضمن السياق التاريخي للمنطقة، والذي اتسم في مجمله، بفشل ذريع للأنظمة، والشعوب العربية. هذا الفشل، أدى لاحساس عميق بالمرارة، والمهانة. ولكي تتضح الصورة، لنستعرض الآن الملامح العامة للفترة الأخيرة التي نشأ من خلالها هذا التساؤل عن الهوية:

1- هزيمة المواطن العربي أمام المد الصهيوني الذي يستبيحنا ويلغي رجولتنا وانسانيتنا منذ مائة عام. فبدلا من رص الصفوف لمواجهته أخذنا نبحث عمن قصر في هذه المواجهة ولا أخال أي منا يعجز عن ايجاد سبب يدين الآخر. تصرفنا هنا تماما مثل جرائم العار، والتي تسمى جرائم شرف، وهي وصمة عار في جبين مجتمعنا، لن تمحي أبدا. فبدلا من البحث في الأسباب ومعالجتها والتأكد من تورط الآخر في الفعل المعيب، نسرع لاستلال سيوفنا ونذبح الضحية ونتفاخر شرفا ومواطنة على صرخات القدس، عروس عروبتنا.

2- فشل الحكومات العربية الغنية والفقيرة، في انجاز تنمية ترفع مستوى معيشة المواطن العربي في كل الأقطار العربية، بسبب فساد هذه الحكومات، أو سوء ادارتها، وغفلة هذا المواطن عن ذلك، فانقدنا جميعا كالخراف تقاد الى المذبح، ولم ننتبه لخروفيتنا الا عندما لامس النصل رقبتنا. فبدلا من التوقف عن استمرارنا في الخروفية، أصبحنا نبحث عمن نعتقد أنه استحوذ على أكثر مما يستحق من الكعكة، وحملناه سبب فشلنا كشعب، ولم نتحدث عن خروفيتنا وكيفية التخلص منها.

3- التطبيل والتزمير الهائل لثقافات الاستسلام، من ثقافة “السلام خيارنا الاستراتيجي” الى ثقافة “ماذا جنينا من القومية ومقاومة اسرائيل” الى ثقافة “الخصخصة والانفتاح واقتصاد السوق” الى ثقافة “مصر أولا” و “فلسطين أولا” و “الأردن أولا”. كل ذلك خلق احساسا وهميا بأن كل منا يستطيع أن يكون أولا، والمسخرة في ذلك أننا خدعنا أنفسنا وأولادنا وأوهمناهم أننا نستطيع أن نكون كلنا أولا، مع أن المرتبة الأولى هي لواحد فقط ولا يمكن أن تكون مجموعة من الأفراد أو الدول أولا، فزاحمنا بعضنا بعضا لنكتشف أن أولا كانت ولا زالت من نصيب اسرائيل، وكنا جميعا آخرا. اسرائيل التي لم ترفع أبدا مثل هذا الشعار الغبي مع أن نصف سكانها فلسطينيون، والنصف الآخر من شتى أصقاع الأرض. قد يكون وطنيونا أكثر وطنية من الاسرائيليين أو حتى أكثر حكمة بما يخدم وطنهم. الغريب أنه لا زال البعض منا لا يخجل من ذكر هذا الشعار.

اضافة لما سبق، فلدينا هنا في الأردن ما يميزنا، فنحن الدولة العربية الوحيدة التي منحت الجنسية الأردنية للفلسطينيين، وضمت أراضيهم الى الدولة الأردنية، وهذا ما لم يفعله أي بلد عربي آخر، وأنا هنا أقر حقيقة تاريخية، ولا أبحث في صوابها من عدمه، أو اذا ما كان الضم، في حينه، ضرورة أردنية أم ضرورة فلسطينية، أم كليهما. فالمجال هنا لا يتسع لذلك، ولكي أسد الطريق على المتذاكين والمتواطنين والمتحمسين للثقافة التي أتحدث أنا ضدها، أقول، أن هذا الضم جاء في سياق تاريخي نفهمه، وقبلناه وتعايشنا معه. وقد جاء الى الأردن، قبل ذلك وبعده، موجات هجرات أخرى من شركس وشيشان وأرمن وأتراك وأكراد وسعوديين وعراقيين ولبنانيين وسوريين وغيرهم، وعاشوا جميعا هنا، وشكلوا جميعا، بالاشتراك مع الأردنيين، المملكة الأردنية الهاشمية. مع هذا الخليط الغني، والذي أكسب الأردن تميزها بين كل الدول، لا نستطيع أن ننكر تعدد الثقافات، ولا أدري ما العيب في الاقرار بهذا التعدد، ولا أدري أين الوطنية في انكار ذلك، ولماذا ينظر من ينكرون التعدد الثقافي هذا، على أنه انتقاص لشأنهم، ولماذا ينظر هؤلاء بمنة للآخرين لأنهم جاءوا لهذه الأرض، بينما كانت هذه الأرض، ولا زالت، بحاجة اليهم، وهم قبل هذا وذاك، جزء أصيل منها، ومساهمتهم في بناء هذا الوطن لاتقل، لا بل ممكن أن تفوق مساهمة بعض من يدعون أصالة وجودهم هنا، ويعتقدون أن هذا يعطيهم الحق بانكار حق الآخرين. في خلال المائة سنة الأخيرة، كان الأردنيون لحمة واحدة في مواجهة كل الأخطار المحدقة، وكان لتعدد ثقافاتهم الأثر الأكبر في اغناء تجربتهم، والتعريف بهم للعالم، على جميع الصعد العلمية، والأدبية، والفنية، والوطنية، والثقافية والنضالية. ولا يستطيع أي طرف، نسب شرف انجازات الأردن، على جميع هذه الأصعدة، أو بعضها، لنفسه وحده. تحتفل الأردن الآن بمرور 90 عاما على انشائها و 65 عاما على الاستقلال، فهل هذه الفترة الزمنية الطويلة قطعها الوطن بمجهود من ولدوا على أرضه فقط هم وأجدادهم أم أننا جميعا أبناؤنا وأجدادنا بنينا ومن حقنا أن نحتفل ونفتخر.

نعم، هناك ثقافات متعددة في الأردن لها كل المحبة, والتقدير، والاحترام. وهناك ميول سياسية واجتماعية وفنية وحياتية متعددة أيضا ولها كل الاحترام والتقدير، أما سؤال الهوية، فكوننا أردنيون لا يمنعنا أبدا بأن نكون فلسطينيين عندما تحتاجنا فلسطين وشركسيين وسوريين وغيرهم عندما يحتاجوننا.

هذا الفريق الذي يتحفنا. بين الفينة والأخرى، بكل البشاعة الموجودة في قواميس السياسة والاجتماع، ويتغنى بوطنيته عندما يطالب باغفال وهضم حق نصف الشعب على هذه الأرض، ويتهم هذا النصف بما ليس فيه، وينكر عليه وطنيته، ويطالبه باثبات انتمائه لهذه الأرض، ويعطي نفسه حق اختبار هذا النصف فيضعه في التجربة وكأنه السيد والآخرين هم الرعايا الأتباع، هذا الفريق لا بد من الرد على بعض شعاراته:

1- فهم يقولون: “هناك ثقافة واحدة في الأردن اما أن تنطوي تحتها أو تنزع منك صفة الأردني”
ونحن نقول: اذا كانت أمريكا واسرائيل، وهم أكثر دولتين مؤثرتين عالميا، تتغنى بالتعدد الثقافي لديها ولم تصوره أبدا على أنه مشكلة، بل بالعكس فهم يحرصون على جلب مهاجرين جدد باستمرار للحفاظ على كيانهم. وهم يمزجون بين الثقافات القادمة ليسخرجوا منها ما ينفع أوطانهم. فكيف لا يخجل اخواننا هنا من المجاهرة بالاعتقاد أن تعدد الثقافات لمجتمعنا فيه انتقاص وعيب، لذلك فهم ينكرونه؟ كيف لهم أن ينكروا أن فرقة الشركس الفنية تمثل الأردن وفرقة الحنونة تمثل الأردن وفرقة معان الشعبية تمثل الأردن وفرقة رم تمثل الأردن وراقصو ومغنو الهيب هوب في عبدون ودير غبار يمثلون الأردن ومحمود الزيودي يمثل الأردن ومجد القصص تمثل الأردن وقمر الصفدي تمثل الأردن وصبا مبارك تمثل الأردن وجولييت عواد تمثل الأردن، ونحن نفخر بهم جميعا ونتشرف بتمثيلهم، فما الضير في ذلك، وهل كلهم يحملون نفس الثقافة؟

كيف لهذا الفريق أن ينكر حقيقة التعدد الثقافي لمجمتعنا لمجرد فشل هذا الفريق في التعايش مع هذه التعددية؟ هل الفشل في التعاطي مع هذا الواقع يستدعي انكاره والغائه؟ أولستم هنا تستعملون نفس منطق الفاشيين الذين لا يرون ولا يقبلون الا ما يتسق مع ثقافتهم؟ هل فرض ثقافة البعض بالقوة على الآخر يعتبر شيئا وطنيا؟ هل ارهاب الآخر لمنعه من اظهار ما لا ينسجم مع ثقافة هؤلاء، سواء كان لباسا أو مسلكا، يعتبر وطنية؟

نستطيع جميعا أن يكون لنا مكان في هذا الموزاييك الرائع، ولكننا بحاجة للعمل، وليس لاثبات نوعية دمنا الأزرق، وأفضليتنا على الآخر.

2- هم يقولون: “لقد كانت الهوية الأردنية وما زالت تمثل حالة خاصة وهناك من يسعى لتفكيكها وهدم الدولة الأردنية لايجاد مكان لهوية أخرى، الفلسطينية “
ونحن نقول: الكويت تعتقد أنها حالة خاصة والسعودية تعتقد أنها حالة خاصة بل ان مصر وسوريا ولبنان يعتقدون أنهم حالة خاصة، هناك دائما بعض العرب في كل قطر عربي يعتقدون أنهم حالة خاصة، والغريب أن هؤلاء جميعا يجمعهم تضخم مرضي في الذات الأنانية واحساس مزيف بالأفضلية على الآخر وبعض من الشوفينية القبلية، يمارسونها، وفي الوقت ذاته، يقبلون أن يكونوا ضحايا لها من قبل جماعات أخرى في مجتمعاتهم. هذه الخصوصية التي أضفاها هذا البعض عل نفسه وصدقها، يحاولون الآن اقناع الآخرين بها وأنهم لن يحتملوا بعد الآن دفعهم ثمن استغلال الآخرين لكرمهم وأنهم قدموا ما فيه الكفاية وحان الآن وقت اهتمامهم بأنفسهم بمنأى عن الآخرين وازعاجاتهم ويجب أن يتوقفوا عن أن يكونوا حامين لهؤلاء الآخرين، فقد فعلوا ذلك بما فيه الكفاية. هذا الاحساس الواهم بالخصوصية لايتسق أبدا مع الواقع الحالي ولا مع الماضي وحتما لا شيء ينبيء عن التميز مستقبلا.

فتميز الشعوب لا يأتي من وهم الاعتقاد، بل يأتي من الصبر على الانجاز. وتميز الشعوب لا يأتي من شجاعة التخلي عن التزاماتها الوطنية والقومية، بل يأتي من القيام بهذه الالتزامات دون النظر للتضحيات. الشعب الياباني لم يتخل عن التزاماته بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يمننوا أحدا ولم يتفاخروا على بعض من شعبهم، وكذلك الألمان، بنوا بلدهم وقبلوا عودة ألمانيا الشرقية اليهم، لا بل ان من يقودهم الآن هي سيدة (ميركل) لم تكن مواطنة ألمانية قبل عشرين عاما، فأين جماعتنا من هذه الروح وأين الوطنية التي يدعونها وينكرونها على الآخرين؟

هذه الدونكيشوتية في اختلاق الأعداء، مبالغ فيها حبتين على رأي الإخوة المصريين. لا بل هي عين الخطأ والاجحاف. محاولة خلق أعداء وهميين أو قلب الحلفاء الى أعداء هو غباء مطبق أستغرب أنه لا زال موجودا، الفلسطينيون ليسوا أعداء للأردنيين يزاحمونهم على الهوية، ولم يزاحموهم يوما على وطن، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، الأردنييون والفلسطينيون أعداء لاسرائيل فقط وليس لغيرها، ومن يدعي غير ذلك لا أستطيع أن أرد عليه، ولكنني أقول أن عليهم أن يحاولوا فهم حماسة الأردني اتجاه تحرير فلسطين ومحاربة الصهاينة، فان لم يفهموا ذلك فلا حول ولا.

الهوية الأردنية تاريخا وواقعا ووجدانا لا تنفصل أبدا عن القضية الفلسطينية وحب الأردن والانتماء اليه لا يمكن أن ينفصل عن حب فلسطين والالتزام الأبدي بتحريرها لأن تحرير فلسطين شرط أساسي لاستمرار وجود الأردن. فتحرير فلسطين شرط وجود للأردن ويجب تفهيم شعبنا ذلك كي لا يقع في شرك امكانية الفصل بين الوجودين، حيث مورس ذلك سابقا وفشل. وكذلك يتحمل الأردن المسؤولية الكبرى بين الدول العربية في تحرير فلسطين وتمكين الناس من ذلك ونشر ثقافة التحرير والانفتاح باتجاه الحرية لا الانغلاق والتوجس من الآخر.

نقول أيضا أن جميع الكيانات العربية تتشابه في أن أحد أهم أسباب وجودها هو رعاية الغرب وعنايته وحرصه من عدمه على استمرارها، فالذي يحدث الآن في مصر وليبيا واليمن وتونس وسوريا يوضح تماما أن أوطاننا وهويتنا واصلاحنا الذي نطالب به وثوراتنا وعلمنا الوطني ونظام حكمنا مرتبط برضا أو عدم رضا الغرب عن ذلك. فهل يمكن أن تعلموني كيف لكم أن تفخروا وبماذا، وهل فاتني شئ لا أعرفه لأنتمي لجماعة المفتخرين؟

3- هم يقولون: ” لماذا لا يعود من أتوا الى فلسطين اليها وبذلك نحافظ على فلسطين ونمنع تهويدها ؟
ونحن نقول: نعم فلنعد الى فلسطين ولكن كيف؟ كلنا يعلم ما حدث في مسيرات العودة على كل الحدود الفلسطينية. لماذا يترك الأردني ليواجه اسرائيل لوحده يحاول العودة رغم أن الجميع يعرف أن ليس هكذا تورد الابل، لو كان التوجه نحو الحرص على عودة المهجرين الى فلسطين جادا وصادق النية، لقام هؤلاء بالتالي:
1- حث الحكومة على تفعيل ادارة الشؤون الفلسطينية لتعمل مع وزارة الداخلية والخارجية لجمع بيانات الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم تعليمات الداخلية الأردنية لتصويب أوضاعهم، ويتم التوجه للحكومة الآسرائيلية بملف كامل عن هؤلاء لتسويته، فهم أولا وأخيرا مواطنون أردنيون وأرضهم احتلت سنة 1967 عندما كانت أرضا أردنية. والقانون الدولي والوطني يسمح بذلك.

أما أن يترك المواطن لوحده في مواجهة اسرائيل ويفسر ذلك بأنه وطنية وحفاظ غلى فلسطين فلنا هنا أن نتذكر أنه لو كان لاسرائيلي واحد مرحاض في الأردن لأوقفت الحكومة الاسرائيلية الحكومة الأردنية على أصابعها طيلة الوقت لتسوية ذلك، فما بال هؤلاء الوطنجية تسمح لهم نخوتهم بترك مواطنيهم أمام اسرائيل لقمة سائغة وهم يملكون هناك من الأراضي والعقارات ما يفوق المرحاض الاسرائيلي. وما بال مدعي الوطنية لا يتحدثون بذلك، ما بال هؤلاء لا يذكرون شيئا عن الأراضي الأردنية التي احتلت والشعب الأردني الذي هجر، أم هو منطق جرائم الشرف الذي اعتنقوه ويريدوننا أن نتبعهم, اقتل الضحية لتغسل عارك !!!

2- شن حملة دولية لتفعيل حق عودة الأردنيين لأراضيهم التي هجروا منها سنة 1967 والقيام بالحشد الوطني لذلك، ونشر ثقافة التحرير بين الأردنيين جميعا والدعوة للاتحاد بين كل فئات الشعب ونبذ مواطن الفرقة.

3- الوقوف أمام التضليل الواسع لقلب حقائق التاريخ ونشر ادعاءات كاذبة حول تصارع الهويات والاعتراف بفشلنا في ادارة شؤوننا والتوقف عن الاستمرار في الخروفية وتربية أبنائنا على المحبة والتسامح وقبول الآخر وتعلم التعايش معه وأهميته في تعزيز وجودنا ورفاهيتنا. فهذا هوالطريق الوحيد للحفاظ على الأردن وصيانته، الهوية الأردنية تعزيز للهوية الفلسطينية، والهوية الفلسطينية تعزيز للهوية الأردنية، وستتحد الهويتان في وطن واحد يضم فلسطين كل فلسطين والأردن، كل الأردن، ليصبح البلدين وطنا واحدا انشاء الله بعد تحرير فلسطين، من لا يفهم ذلك فلا أعتقد أنه يستطيع أن يكون أردنيا وطنيا أو فلسطينيا وطنيا أو عربيا وطنيا، عاش الأردن حرا عزيزا آمنا مستقرا وعاشت فلسطين حرة عربية وعاش كل مناضلي الحرية في كل مكان.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية