النص التالي هو ترجمة للمقدمة التي كتبها المؤرّخ والكاتب لوي ألداي، لكتاب «غسان كنفاني» والذي كتبته آني كنفاني، زوجة غسان. وفي الكتاب تعرّفنا آني على غسان عن قرب، بوصفه زوجًا وأبًا، إضافة إلى كونه مناضلًا صلبًا، وقد كتبته بعد عام على استشهاده، وفي الذكرى الخمسين لصدوره أعيد نشره، وقد صدرت ترجمته إلى العربية مؤخرًا. نشرت المقدمة في موقع موندو وايز، وتنشر الترجمة بإذن من الموقع وكاتب النص لوي ألداي.
«بوجود غسان كنا نشعر أن هناك من يهتم بنا».[1]
– سميح القاسم (1939- 2014)«أستطيع القول، من دون مبالغة، إنّ غسان كان نابغة. كان استشهاده فاجعة أصابتني في القلب، لكن عزائي أنه موجود في قلب كل إنسان حرّ وضميره».[2]
– جورج حبش (1926-2008)
إنّ مقبرة شهداء فلسطين التي تقع بالقرب من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، بلا شك مكان فريد من نوعه: إذ يرقد في جوفها اللا-مذهبي أناس من مختلف الأديان والقوميات والأعراق والتوجهات السياسية، تجمعهم تضحيتهم السامية التي قدموها بشهادتهم في سبيل القضية الفلسطينية. فالمقبرة في الواقع ما هي إلا معرض يضيء على القصص المتشابكة ومعالم نضالات الثورة الفلسطينية وأولئك الذين قاتلوا ورحلوا من أجلها. وفي هذا تجسيد لمقولة غسان كنفاني بأن فلسطين هي «قضية كل ثائر، أينما هو، قضية الجموع المضطهدة والمقموعة».[3] يليق بغسان أن يرقد بسلام هناك بعد اغتياله على يد عملاء إسرائيليين في الثامن من تموز عام 1972، بعدما حرم من أن يدفن في تراب فلسطين الحبيبة، حيث ولد في التاسع من نيسان في عام 1936.
في أحد أيام آب الحارة والرطبة، وبعد مرور ما يقارب خمسين عامًا على اغتيال كنفاني، عزمتُ على أن أجد المقبرة التي دفن فيها لأؤدي التحية للرجل البطل. عرفت غسان لأول مرة عندما أصبحت مناصرًا للقضية الفلسطينية في سنوات المراهقة، وقرأت له روايته الشهيرة رجال في الشمس في سنواتي الجامعية. ولكنني أصبحت أكثر انشغالًا بأعماله وحياته بعد اطلاعي على كتاب مؤثر بعنوان «غسان كنفاني» من كتابة أرملته، آني، والذي يسعدني أن أكتب مقدمته هنا.
عند وفاته، جسّد كنفاني عدة أمور في آن واحد ومنها أنه كان أديبًا شهيرًا، وماركسيًا-لينينيًا، وقوميًا عربيًا،[4] ورفيقًا، لاجئًا وفنانًا، بالإضافة إلى كونه زوجًا وخالًا وأبًا. لذا، كان وقع موته متفاوتًا على الناس، ولعل أحد أهم جوانب رثاء آني له هو تعبيرها الدقيق عن كون خسارته عميقة ومتعددة الأوجه. استطاعت آني فعل ذلك باستعمالها لمذكراتها بالإضافة إلى رسائل التعزية، والصور، ومقتطفات من كتابات غسان، والأعمال الفنية له ولآخرين. بفعل ذلك، يتموضع موت غسان في سياق نضال ثوري مستمر، ويبعث برسالة تحدٍ لمن اقترف هذا الفعل.
إن مقتل غسان في جوهره فاجعة بالنسبة لعائلته، خاصة لرحيل ابنة اخته لميس نجم معه، التي أحبها غسان والعائلة حبًا جمًا، عندما كانت ما تزال ابنة 17 ربيعًا.[5] كذلك، كان اغتيال غسان حدثًا مدمرًا لرفاقه في الجبهة الشعبية وغيرهم على المستوى الشخصي والسياسي. وكان أكثر من تأثر بذلك هو صديق غسان المقرب، أستاذه، وزميله، عضو الجبهة الشعبية، جورج حبش، الذي كان قد قابله لأول مرة قبل عقدين من وفاته في دمشق، حيث كان غسان الصبي لاجئًا مع عائلته عقب النكبة. يصف حبش يوم اغتيال غسان كواحد من أكثر أيام حياته إيلامًا، ويستذكر الصعوبة التي واجهها أثناء كتابته رسالة عزاء لآني، راجيًا أن تكون كفيلة بالتعبير عن ثقل الخسارة التي ألمت به.[6]
لم يكن على جورج أن يقلق، لأن رسالته، التي نشرت كاملة في رثاء آني، هي لوحة بديعة رسمت بكلمات كادت لا تكفيه للتعبير عن حب مخلص وصمود ثوري.
متألمًا لعدم قدرته على حضور الجنازة ومواساة آني،[7] يكتب حبش: «آني، إني أعرف جيدًا جدًا ما تعنيه خسارة غسان بالنسبة لك. لكن أرجوك أن تتذكري أن لديك فايز وليلى والآلاف من الإخوة والأخوات أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفوق كل هذا لديك القضية التي حارب غسان من أجلها».[8]
عندما توفي غسان خسِرت آني «إنسانًا مميزًا» كان لها زوجًا، رفيقًا، أستاذًا وأبًا محبًا لولديها.[9] تكتب في وداعها المؤثر له مخاطبة إياه «كنتَ بفكرك وبراحتيك الطيبتين الجميلتين، معطاءً لنا وللناس».[10]
كنت أجوب شوارع شاتيلا المكتظة باحثًا عن مدخل المقبرة، بينما تجول في فكري كل تلك الرسائل والمشاعر الثقيلة. اعتقدت بأني قد وجدتها، فدخلت وسألت رجلًا كان يكنس الأرض من حول أحد الأضرحة بسكينة، عما إذا كان يعلم أين يقع قبر الشهيد غسان كنفاني. هز كتفيه معتذرًا، وسرعان ما أدركت بأني في المكان الخاطئ: فكانت تلك مقبرة إسلامية قريبة، وليست مقبرة شهداء فلسطين. بينما كنت أبحث عن طريقي، توجه لي رجل في منتصف العمر على دراجة نارية وسألني عما إذا كنت احتاج إلى المساعدة. وما لبثت من إنهاء سؤالي عن مكان قبر كنفاني، حتى قال لي «اطلع»، ووجدت نفسي أجلس خلفه على الدراجة النارية، مبتعدًا عن المقبرة متجهًا نحو شارع منعرج حول نفسه، يعج بالناس. بعد مرورنا بحاجز للجيش اللبناني على مدخل شاتيلا – وهذه إهانة يومية يتعرض لها الفلسطينيون في لبنان- أوصلني إلى مدخل مقبرة شهداء فلسطين. بعدها أشار بشيء من الغموض إلى ضريح غسان، ومن ثم توارى بذات الخفة التي حضر فيها.
وقع اغتيال كنفاني خلال موجة عالمية من اغتيالات معادية للثورة، تزايدت في الستينيات واستمرت حتى الثمانينيات، بالتزامن مع سلسلة انتصارات معادية للاستعمار (أهمها في فيتنام والجزائر).
قبل ذهابي إلى المقبرة، كنت قد شاهدت مقطعًا مصورًا من جنازة غسان، ودهشت لكمية أشجار الصنوبر في الخلفية؛ فكانت تلك صورة نادرة في مشهد بيروت العصري. فكرت في ذات الشيء من جديد عندما لاحظت بأن تلك الأشجار ما زالت واقفة في مكانها حتى بعد مرور خمسة عقود. كنت قد نسيت أن أحضر معي نظاراتي الشمسية، فاضطررت أن أغلق عيني لشدة سطوع الشمس التي انعكس ضوؤها مع لمعان حجارة القبور الرخامية الباهتة. ولكن، بعد أن بحثت لعدة دقائق في المقبرة الهادئة والتي بدت فارغة -إلا من بعض القطط التي استلقت في الظل- وجدت قبر كنفاني. حصل ذلك عندما وقع نظري على علم صغير أحمر باهت اللون كان موضوعًا على القبر، وهو علم الجبهة الشعبية. وفي ظل كل الهدوء الذي ساد، كدت لا أصدق أنني تمشيت قبلها بقليل في شوارع شاتيلا المكتظة.
حول قبره وقبر لميس الموجود في الجهة المعاكسة[11] شاهدت زهورًا، بان بعضها وكأنه زُرع للتو. عندما رأيتها تذكرت رسالة كان قد كتبها فايز ابن غسان نعيًا له واستحضر فيها أباه واصفًا إياه عندما كان: «يزرع الزهور بيدين رقيقتين»[12] كل يوم أحد معه ومع أخته الصغيرة ليلى. كما تذكرت الحديقة التي وصفتها آني بأنها كانت مفخرة غسان[13] وهي ذاتها الحديقة التي لعب فيها أبناء حبش وكنفاني في الأعياد والمناسبات الخاصة.[14] إن رسالة فايز إلى أبيه واحدة من الصفحات المؤثرة في رثاء آني لزوجها. فكلمات فايز الذي كان ما يزال ابن التاسعة عند اغتيال والده، جلية وبينة بشكل موجع. وما هي إلا تذكرة بأنّ ما وراء الصورة المثالية والمحتفى بها لمن استشهد من أجل قضية فاضلة، عائلة ثكلى، وأطفال حيارى، مضطرون أن يستكشفوا هذا العالم وحدهم دون والدهم.
عندما قرأت رسالة فايز لأول مرة، حضرتني رسالة تشي جيفارا التي كان قد كتبها لأبنائه متوقعًا رحيله قبل سنتين من مقتله، مثل غسان، على يد الرجعيين.[15] «كان أبي رجلًا طيبًا»، كتب فايز فخورًا؛ «تبع أبوكم إيمانه، وكان مخلصًا لقناعاته»، خاطب تشي أبناءه. «أريد أن أكون مثل والدي وأناضل من أجل العودة إلى فلسطين، وطن أبي» يؤكد فايز باعتزاز؛ أما جيڤارا، فيوصي أبناءه أن «يصبحوا ثوريين شرسين». في الحالتين، حرم الآباء من رؤية أبنائهم يكبرون، ثوريين أو غير ثوريين.
يوم زرت قبر غسان المتواضع، لفتت نظري ورقة مغلفة تحمل كلمات غسان: «أجرؤ على الاعتقاد بأن كتاباتي انطلقت دائمًا من الإيمان بأن الإنسان هو المسؤول عن مصيره، وهو القادر على اجتراحه أو تغييره.. وفي أحيان كثيرة قادر على إحراز شرف الموت في سبيله..» مقولة ملهمة بامتياز. لم يكن كنفاني خائفًا من الموت، كما لم يخف منه تشي صاحب الجرأة الأسطورية، التي اعتبرها البعض تهورًا. قبل موت كنفاني بمدة وجيزة، سأله صحفي عما يعني له الموت. فأجاب كنفاني: «بالطبع، الموت يعني الكثير. الشيء الأهم هو معرفة السبب. إن التضحية بالنفس، في سياق الحراك الثوري، ما هي إلا تعبير عن أعلى درجات فهم الحياة والنضال من أجل حياة يستحقها الإنسان».[16] ومثله، آمن تشي بأن الكفاح المسلح هو «الوسيلة الوحيدة للشعوب التي تناضل من أجل التحرير» واعتبر أنه «يضحي بنفسه من أجل معتقداته».[17]
عانى الرجلان من مرضين مزمنين هددا حياتيهما -كنفاني كان مصابًا بالسكري وعانى تشي من الربو- وربما كان من شأن ذلك أن يخفف من خوفهما من الموت. ولكن الصفات التي جمعتهما، ولربما عززتها ظروفهما الصحية، هي شغفهما وإرادتهما في مناهضة الظلم في حياتيهما، مهما طالتا. في أسلوبه المؤثر والمقتضب، قال حبش إنّ صديقه «كان يعرف أن حياته ستكون قصيرة، لكنه أرادها ممتلئة، حافلة وذات مغزى، وهكذا كانت».[18]
لم يكمل تشي أو كنفاني الأربعين من عمرهما، إلا أنهما استطاعا بعنادهما وإخلاصهما وتفانيهما تحقيق الكثير خلال حياتيهما القصيرتين. وكما تكتب آني، كان غسان «مشغولًا دائمًا، يعمل وكأن الموت يطرق أبوابه».[19] عندما كان ابن 36 عامًا، وفي مقابلة أجراها قبل مقتله بأسابيع عدة، كشف كنفاني عن الضغط المستمر والعمل الشاق اللذين يقعان على عاتقه في إطار تحريره لجريدة الهدف.[20] عانت الهدف بشكل مستمر من نقص الأيادي العاملة، الأمر الذي تطلب منه العمل لمدة 13 أو 14 ساعة يوميًا، وذلك في ظل تعرضها لانتقاد شديد من كل الجهات.[21]
في رثائها له، تتحدث آني عن القواسم المشتركة بين زوجها، وبين تشي، وثوريين آخرين قتلوا من قبلهم:
«حب الحياة يحتاج إلى عنف. لم يكن غسان مسالمًا. وقد قتل في صراع طبقي، مثل كارل ليبنخت، وروزا لكسمبرغ، وارنست تالمان، ولومومبا وتشي جيفارا. كما أحبوا الحياة هم، أحبها هو».[22]
في الحقيقة، لا يكتمل الفهم العميق لمقتل غسان في غير هذا السياق. إذ وقع اغتياله خلال موجة عالمية من اغتيالات معادية للثورة، تزايدت في الستينيات واستمرت حتى ثمانينيات القرن الماضي. حدث كل ذلك بالتزامن مع سلسلة انتصارات معادية للاستعمار (أهمها في فيتنام والجزائر)، بالإضافة إلى فترات عدم استقرار متواصل على المستوى المحلي في الولايات المتحدة وصعود قوة أيديولوجية، واقتصادية وسياسية مضادة تمثلت بالاتحاد السوفييتي، كان من شأنها تهديد الهيمنة الغربية الامبريالية عالميًا، أكثر من أي وقت مضى.
كان كنفاني أمميًا بامتياز[23] يؤمن بشدة بالطابع العالمي للنضال ضد الإمبريالية التي «ألقت بجسدها على كل أنحاء العالم. حيث يقع رأسها في شرق آسيا، أما قلبها فموضعه الشرق الأوسط، وتمتد شرايينها من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية. فأينما صعقتها، ستفتك بها، وتكون بذلك قد خدمت الثورة العالمية».[24] قتلت القوات الإمبريالية (أو مفوضوها) عددًا كبيرًا من القادة الثوريين والمثقفين خلال ثورة مضادة شرسة امتدت على مدار ثلاثة عقود عالميًا. فباتريس لومومبا (1961)، والمهدي بن بركة (1965)، ومالكوم اكس (1965)، وتشي چيفارا (1967)، ومارتن لوثر كينج (1968)، وفريد هامبتون (1969)، واميلكار كابرال (1973)، وسلڤادور أييندي (1973)، وستيڤ بيكو (1977)، ووالتر رودني (1980) وتوماس سانكارا (1987) ما هم إلا بعض ضحايا الاغتيالات التي حدثت خلال تلك الفترة الدامية.
على وجه الخصوص، كان مقتل كنفاني جزءًا من حملة عنف وقتل عالمية شنتها «إسرائيل» -بدعم كامل من الولايات المتحدة- ضد حركة التحرير الفلسطينية وداعميها. في أعقاب اغتيال كنفاني، أشار الصحفي الإسرائيلي أوري دان الذي كان حليفًا مقربًا لآرييل شارون إلى الدافع الوحشي وراء ذلك في صحيفة معريڤ الإسرائيلية قائلًا إن:
«على أعضاء «الجبهة» الفلسطينيين أن يفهموا بأن «إسرائيل» قادرة أن تضرب في أي مكان، ويجب أن يكون مقتل غسان بمثابة إنذار واضح بالنسبة لهم. يجب ألّا يتم التعامل مع مقتل غسان على أنه حدث معزول، الآن، وأكثر من أي وقت مضى، على القيادة الفلسطينية أن تكون مستعدة لإرهاب شخصي. أثبت مقتل غسان بأن ذلك ممكنًا، وأنه يمكن فعل ذلك بدون أي عوائق تذكر».[25]
لم يكن أي ممن استُهدف في مثل هذه الحملة -ولم تقتصر تلك المجموعة على أعضاء الجبهة حصرًا- موهومًا بالنسبة لخطر الموت الذي لحق به. عندما قرأ كمال ناصر، الشاعر والمثقف الشهير والمتحدث باسم منظمة التحرير الفلسطينية، رثاء محمود درويش لكنفاني، شكا درويش، بدعابة تراجيدية بعض الشيء، قائلًا: «ماذا يستطيع الشاعر أن يكتب بعد اليوم؟ هل بقي شيء تكتبه عند موتي؟».[26]
بعد أقل من سنة، جاءت ساعة ناصر، كما توقع، عندما قتل مع كمال عدوان ومحمد يوسف النجار، أعضاء منظمة التحرير -بالإضافة إلى تسع ضحايا آخرين بمن فيهم رسمية، زوجة النجار- في بيروت، حيث قامت بذلك فصيلة اغتيال إسرائيلية بقيادة إيهود باراك، الذي أصبح لاحقًا رئيس حكومة الدولة الصهيونية.[27]
مرددًا مواقف ناصر وكنفاني، صرّح النجار في مقابلة كان قد أجراها قبل أسابيع من مقتله، بأنه لم يتوقع حدوث الانتصار على يد أبناء جيله من الفلسطينيين، إنما هم «يزرعون البذور، ليحصدها القادمون (..) غالبًا سنموت كلنا، قتلًا، في مواجهة عدو شرس. ولكن الشباب سيحلون مكاننا».[28]
نشر مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير في بيروت رثاء آني لزوجها. قام المركز الذي تأسس في العام 1965 بنشر العديد من الكتب والمنشورات ومواد أخرى عن القضية الفلسطينية وعن الصهيونية، بما فيها كتاب غسان «في الأدب الصهيوني»، والذي صدر في العام 1967.[29] بعد مرور ما يقارب أسبوعًا على مقتل كنفاني، أرسل الإسرائيليون رسائل مفخخة لفلسطينيين بارزين آخرين في لبنان، وكان من بينهم، المدير العام لمركز الأبحاث، أنيس صايغ. أصيب صايغ، الذي كتب افتتاحية كتاب «في الأدب الصهيوني»، بجراح خطيرة بسبب التفجير، ولكنه نجا بحياته.[30] لاحقًا، عندما اجتاحت «إسرائيل» لبنان، بعد مرور ما يقارب العقد على مقتل كنفاني، قامت قواتها بالسطو على مكتبة مركز الأبحاث ونهب ما يقارب «25 ألف مجلد (..)، بالإضافة إلى آلة طابعة ومجموعة من الأشرطة المصغرة والنصوص ومواد أرشيفية أخرى»[31] ومن ثم قامت بتفجير المكاتب، مما أدى إلى مقتل عشرين شخصًا على الأقل، بينما جرح آخرون.[32] كانت هذه الهجمات جزءًا من هجمات إسرائيلية أوسع قامت خلالها قوات الاحتلال بـ«محو أغلب المؤسسات التربوية والثقافية الفلسطينية [في لبنان] التي تمكنوا من الإمساك بها».[33]
على ما يبدو، فهم الإسرائيليون مدى خطورة انتشار تحليل تاريخي موثق للمشروع الصهيوني الاستعماري -خاصة في اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية- على الاحتكار الوهمي للخطاب العام الذي تحظى به الرواية الصهيونية حتى اليوم، خاصة في الغرب. إن عدم انخراط كنفاني، وناصر وصايغ وكثير مثلهم من المتحدثين والمثقفين في القتال لم يمنحهم أي حماية. على العكس تمامًا، فبسبب فصاحتهم، وفطنتهم وموهبتهم في التواصل كانوا عرضة للخطر، وأصبحوا رجالًا مهددين. كما تكتب آني في رثائها:
«كنتَ قادرًا على تفسير أكثر الأفكار السياسية تعقيدًا، باستعمال أسهل المصطلحات؛ ولهذا السبب استمع الناس إليك، وقرأوا كتبك ومقالاتك، وسيستمرون في فعل ذلك. ولهذا السبب، أيضًا، أُجبِر أعداؤك على اغتيالك».[34]
كان كنفاني يعي أهمية المشهد الثقافي في النضال الثوري. فمن سنوات الستينيات حتى مماته كان «في آن واحد ينظّر لأدب المقاومة في سياق نضال تحرير العالم الثالث ونضال الفلسطينيين، يستند تارة إلى فكر الماوية، وتارة أخرى إلى الخطابات الواقعية الاشتراكية السوڤييتية في الإنتاج الأدبي الفلسطيني، ملهَمًا بأفكار الحداثة الأمريكية، بينما يقرأ بتمعن الأدب الصهيوني».[35]
ختم كنفاني مقدمة كتابه «في الأدب الصهيوني» بقوله الواضح إن دراسته هذه أجريت إيمانًا بمبدأ «اعرف عدوك».[36] كانت دراسته نقدًا أدبيًا من النوع الأكثر خطورة، ومن بعد خمس سنوات قتله ذلك العدو نفسه الذي أراد أن يعرف عنه.
لم تخف وطأة حملة العنف الإسرائيلية حتى بعد مرور نصف قرن على اغتيال كنفاني. قامت «إسرائيل» باغتيال عدد لا يحصى من القادة الفلسطينيين، والمثقفين والمقاتلين في السنوات التي تبعت اغتيال غسان، وما زال البعض مستهدفين حتى هذه اللحظة. إن معظم الذين قتلوا كانوا أصحاب شخصيات مبدئية مستقيمة. جمعت تلك الشخصيات، مثل كنفاني، ما بين روح القتال والصرامة الفكرية، خليط لربما تجلى مؤخرًا في شخصية باسل الأعرج، الذي قتل على يد «إسرائيل» في العام 2017.[37]
لا يمكن وصف الثناء الواسع الذي حظيت به روايات غسان وقصصه القصيرة إلا بأنه مستحق. فبأدبه المتجدد والمعقد ومتعدد الأوجه، يعلمنا كنفاني عن القضية الفلسطينية، وعن الصهيونية والضائقة الإنسانية، بطريقة لا مثيل لها. وكما كتب ناهض حتر:
«أحسب أن أحدًا لم يمنح الكتابة ساعات يومه ووهج قلبه وخلاصة عقله، كما فعل كنفاني، متألقًا، متأنقًا، جميلًا، طيبًا، ينبض بصرخات المعذبين والعشاق في آن واحد. فمن المستحيل أن تقرأ كنفاني، ثم لا تفكّر بفلسطين، ولا تفكّر بحريتك الشخصية، وبتحرير بلدك، وتحرير عقلك!».[38]
كانت تطغى كتابات كنفاني الأدبية عادة على التزاماته، ومواقفه وكتاباته السياسية، وفي بعض الأحيان كانت الأخيرة مبهمة عن عمد.[39] تشيع هذه الظاهرة غالبًا في الأنچلوسفير، وذلك ليس فقط لندرة ترجمة دراسات غسان غير الروائية، إنما هو انعكاس لمشاكل بنيوية تطغى على حركة التضامن الغربية مع فلسطين. تعزف هذه الحركة بمعظمها عن التضامن مع حركة المقاومة والتحرير الفلسطينية في كل أشكالها -بما يشمل الكفاح المسلح- وتكتفي بدعم حملة حركة المقاطعة (BDS) ووسائل سلمية أخرى للمقاومة.[40]
فلمسألة الكفاح المسلح مكانة خاصة في الحديث عن كنفاني وإرثه. وكما كتبت الديلي ستار في نعيها، كان كنفاني «المقاتل الذي لم يطلق رصاصة أبدًا»، ولكنه كان مؤمنًا بأن الكفاح المسلح -للفلسطينيين وكل الشعوب المقموعة- شرعي وضروري. لم يقصِ نفسه عن العنف الثوري للجبهة الشعبية أو أي فصائل فلسطينية أخرى خاضت الكفاح المسلح. برفضه «الأخلاقيات البرجوازية»،[41] أصرّ كنفاني باعتزاز على أن للشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل أرضه وكرامته حقًا أخلاقيًا في الكفاح المسلح. آمن كنفاني بأن ذلك «أفضل أشكال الترويج» وأنه رغم «عظمة منظومة البروباغندا الأمريكية» فإن «الأمور تحسم في النهاية» بنضال الشعوب لتحرير ذاتها من خلال الكفاح المسلح.[42]
كان إيمان كنفاني بضرورة الكفاح المسلح عميقًا، وعندما عاد من زيارة لغزة في العام 1966 كتب بأنه يشعر:
«أكثر من أي وقت مضى، كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح، وإنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه».[43]
بعد مرور ما يقارب النصف قرن، لا شك بأن كنفاني كان سيثني على وحدة ونجاعة الكفاح المسلح الفلسطيني، بمشاركة الجبهة الشعبية التي ما زالت تقاتل باسمه.[44] في أيار 2021، وبينما أكتب هذا النص في أيار 2023، تصدت المقاومة -التي ترتكز على الفصائل الموحدة في غزة، وتحيطها بازدياد مقاومة منظمة في فلسطين التاريخية، بتعاون مباشر مع حزب الله في جنوب لبنان- للهجمات العسكرية الإسرائيلية وأملت الشروط لوقف إطلاق النار. فأضعف ذلك قدرة «إسرائيل» على الردع وخلقَ توازنًا عسكريًا جديدًا لا يخدم «إسرائيل».
غسان كنفاني وزوجته آني.
تشير آني في رثائها لكنفاني بأن 70% من طلابه الذين درسوا في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في دمشق، التي درّس فيها في الخمسينيات، قد أصبحوا مقاتلين.[45] قاتل غسان من أجل هؤلاء الأطفال وما مثلوه، وشعر بالمسؤولية تجاههم. كانوا مثله تمامًا؛ قبل أن يصبح أستاذهم، كان مثلهم لاجئًا في المخيم، بعدما أضاع بلده. حتى الستينيات، كان يُعرف كنفاني كشخصية ثقافية وكروائي شهير في المنطقة، متزوج من امرأة دنماركية. كان مهربه -ومسار حياته الأسهل والأكثر أمانًا- واضحًا وموجودًا في جعبته. ولكنّ كنفاني، ككاتب الرسالة المتخفيّ في قصته الرسائلية القصيرة المؤثرة من العام 1956، «ورقة من غزة»، اختار أن يعيش بين «أنقاض الهزيمة البشعة.. أن يتعلم.. ما هي الحياة وما قيمة الوجود».[46] ينقسم الناس عادة إلى مقاتلين ومتفرجين، شرح غسان يومًا في رسالة إلى لميس، وقال لها بأنه اختار «ألا يكون متفرجًا، معنى ذلك أنني اخترت أن أعيش كل لحظات تاريخنا الحاسمة، مهما كانت قصيرة».
لم تحاول آني إقناعه بغير ذلك، فكما كتبت «لو حاولت منعه من موقفه ونضاله الثوري، لبقي زوجي، إلا أنه لن يكون ذات الشخص اللطيف والصادق الذي لطالما أحببته وعشقته».[47]
في رثائه النبيه لكنفاني، قام الكاتب الفلسطيني نصار إبراهيم، والذي عمل كمحرر للهدف في تسعينيات القرن الماضي، بتفسير المعضلات التي واجهها أسلافه. فقال إنّ كنفاني، الذي يصنفه بأنه مثقف غرامشيّ عضوي حقيقي، قد واجه:
«الأسئلة والخيارات الكبرى في واقع قاسٍ وصعب ومرير ودامٍ إلى أبعد الحدود، فكان عليه أن يختار وهو يعرف مسبقًا أن لكل خيار أثمانه وأبعاده واستحقاقاته، كان على غسان في لحظة حاسمة أن يختار بين أن يواجه التناقضات والتحديات التي تعبر عن واقع ومقاومة الشعب الفلسطيني ويخوض فيها شخصيًا، أو أن يكون مجرد مثقف يتابع ويتفاعل مع ما يجري من بعيد أو من قريب نسبيًا بعض الشيء، كان عليه أن يختار بين أن يكون فاعلًا ومشاركًا عضويًا في المقاومة بكل ما يترتب على ذلك من مخاطر وأثمان مباشرة، أو أن يتابع حياته ككاتب في سياقات الحياة الطبيعية هنا أو هناك، إذ من الصعب، إن لم يكن مستحيلًا، وعي روح التجربة الفلسطينية من خارجها، لهذا كان على كنفاني أن يختار، فاختار مصيره».[48]
واجهت آني حيرة مشابهة عقب مقتل غسان. أصبحت أرملة مع صغيريها الاثنين اللذين يحتاجان لرعايتها، وكان عزوفها متوقعًا ومفهومًا. إلا أنها اختارت غير ذلك، وبقيت ملتزمة بالقضية. علاوة على ذلك، قامت آني بتأسيس مؤسسة غسان كنفاني الثقافية في بيروت في الذكرى الثانية لاستشهاده. تقدم المؤسسة حتى يومنا هذا خدمات تربوية قيمة ودعمًا لأطفال من مخيمات اللجوء في لبنان، مما يحسن من حياة الأطفال الذين عشقهم وناضل من أجلهم غسان.
زرت آني وليلى في صيف 2022 حين أعطيتهما نسخًا من ترجمة حديثة لكتاب «في الأدب الصهيوني» الذي كنت قد قمت بتحريره في ذات السنة. حينها، تكلمتا عن غسان بدفء وشغف وحب حتى شعرت بأنه سيطل علينا من وراء الباب في أي لحظة، عائدًا بعد يوم عمل شاق في مكاتب الهدف. أشعلت أعماله الفنية المعلقة على حيطان الشقة تخيلاتي تلك. ولكن، لسوء حظي وحظ كثير من الآخرين الذين عرفوه من بعيد، رحل الرجل عنا، بينما لا يزال إرثه ومثله حاضرين.
كتب جون برجر يومًا بأن فعل المقاومة «لا يقتصر على رفض الاستسلام لسخافة النظرة المقدمة لنا، بل بشجبها أيضًا. فعندما يرجم الجحيم من داخله، لن يكون جحيمًا».[49] وفي هذا السياق، يمكن رؤية الطريقة التي اختارها غسان لعيش حياته القصيرة، كرجمٍ للجحيم الذي فرضته الصهيونية ولم يقتصر على الفلسطينيين فقط، بل عانى منه الكثير من اللبنانيين والسوريين والمصريين وآخرين في المنطقة التي ترسخت فيها مؤقتًا. أراد عملاء الأيديولوجية الرجعية الجبناء الذين قتلوا غسان طمسه مع كل ما كان يمثله، ولكنهم كما تقول آني في خاتمة رثائها المؤثرة:
«لم يفلحوا. فليس بمقدرة أحد أن يغتال إنسانًا عظيمًا تأصّل في وجدان شعبه بنضاله الثوري. ستبقى دومًا معنا غسان، الشهيد، الرمز، وشعلة التحرير والثورة، للشعب الفلسطيني، ولبقية الشعوب الآسيوية-الإفريقية».
لم يُنس غسان، ولن يُنسى أبدًا، ستعيش ذكراه أطول من الكيان الذي أراد إسكاته وشعبه. أما إعادة نشر الرثاء الشجي الذي يتبع هذه المقدمة، فمن شأنها أن تساهم في ذلك.
لوي ألداي: كاتب ومؤرخ، ودكتور في التاريخ. والمحرر المؤسس لـLiberated Texts، وهو مشروع مخصص لمراجعة و(إعادة) نشر الأعمال التي أهملت أو لم تقدّر أو قمعت من الاتجاه السائد منذ نشرها. في تموز 2022، نشرت مؤسسة Liberated Texts، بالتعاون مع Ebb Books، أول ترجمة باللغة الإنجليزية لكتاب «في الأدب الصهيوني» لغسان كنفاني، لإحياء الذكرى الخمسين لاستشهاده.
جنان أبو اشتية: طالبة دكتوراه في كلية الحقوق في جامعة بنسلفانيا كاري. تدرس التاريخ القانوني لقوانين استخدام الأراضي في فلسطين وترسيم الحدود في المنطقة. تخرجت جنان من جامعة بن كاري للقانون وحصلت على ماجستير في القانون كزميلة في برنامج فولبرايت (2021) وحصلت على درجة ليسانس الحقوق من الجامعة العبرية في القدس (2018).
-
الهوامش
[1] «الذكرى الـ50 لاستشهاد غسّان كنفاني.. كلمة لم تنشر من قبل لرفيق دربه جورج حبش»، الهدف، 8 يوليو 2022.
[2] غسان شربل، «أسرار الصندوق الأسود: وديع حداد، كارلوس، أنيس النقاش، جورج حبش»، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2008، 409.
[3] س. مروان، «رثاء غسان كنفاني»، الهدف، 22 تموز 1972. مقتبس من: Ghassan Kanafani, «The 1936-39 Revolt in Palestine», Tricontinental Society, London (1980).
[4] رغم أنه عادة ما يتم تصوير تأسيس الجبهة الشعبية في العام 1967 على أنه انعكاس لتفضيل حبش وكنفاني للشيوعية – اللينينة على حركة القومية العربية، إلا أن هذه القراءة تتغاضى عن استمرار الرجلين بالتعامل القضية الفلسطينية على أنها جزء لا يتجزأ من نضال عربي أوسع. كما كتبت آني في رثائها له: «كان غسان من الذين ناضلوا من أجل تطور حركة المقاومة، لتتحول من حركة تحرّر قومية فلسطينية إلى حركة قومية اشتراكية عربية ويكون تحرير فلسطين أحد مركباتها الأساسية. كان يشدد دائمًا على أنّ حلّ القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم بمعزل عن الوضع السياسي والاجتماعي للعالم العربي أجمع».
[5] كانت لميس مقربةً جدًا من كنفاني. وصفتها آني بأنها كانت «مصدر إلهامه»؛ كان يكتب لها عادة بمناسبة ميلادها كتابًا قصصيًا مرفقًا بلوحات من تصميمه. نشر أحد هذه الكتب، القنديل الصغير، والذي كتبه كنفاني في عيد ميلاد لميس الثامن بنسخة تضم كتاباته الخطية ولوحاته، مرفقًا بترجمة للانجليزية. غسان كنفاني، «القنديل الصغير»، (مؤسسة غسان كنفاني الثقافية، 2005).
[6] جورج حبش، «صفحات من مسيرتي النضالية: مذكرات»، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2019، 218.
[7]حينها كان حبش يتماثل للشفاء من مرض صعب.
[8]غسان كنفاني.
[9]غسان كنفاني.
[10]غسان كنفاني.
[11] تكتب آني «عادة ما نزور ضريحي غسان ولميس. لقد دفنا في ظلال الشجر –الأرض جافة وحمراء مثل تراب فلسطين التي هجر منها شعبهم». غسان كنفاني.
[12] غسان كنفاني.
[13] غسان كنفاني.
[14] حبش، «صفحات من مسيرتي النضالية: مذكرات»، 218. يذكر حبش أيضًا اعتناء كنفاني الشديد بحديقة العائلة.
[15] Ernesto Che Guevara, I Embrace You with All My Revolutionary Fervor: Letters 1947-1967 (Penguin, 2021), 322.
[16]غسان كنفاني.
[17] مقتطف من رسالة وداع تشي لوالديه، 1965. Guevara (2021), 323.
[18] «الذكرى الـ50 لاستشهاد غسّان كنفاني.. كلمة لم تنشر من قبل لرفيق دربه جورج حبش»، الهدف، 8 يوليو 2022.
[19]غسان كنفاني. يذكر حبش أيضًا بأن غسان كان «دومًا في سباق مع الزمن»، مرجع سابق.
[20] أسس كنفاني «الهدف» في العام 1969.
[21] غسان كنفاني في مقابلة من العام 1972: «مناهضة الإمبريالية تعطي دفعة نحو الاشتراكية ذلك إن لم يتخل المرء عن القتال في وسط المعركة»، صامدون، 11 تموز 2022.
[22]غسان كنفاني.
[23] تجلى التواصل الشديد الذي شعر به كنفاني في توثيق لزيارته الى الصين، حيث حضر مؤتمر الكتّاب الآسيويين الأفارقة عام 1966. بعدما أنهى خطابه، وزّع ممثل عن شمال ڤيتنام قطعًا من طائرة أمريكية كانت قد أسقطت قبل ذلك بأسبوع. في رده، اختار غسان أن لا يقرأ خطابه وقال بدلا عن ذلك «أنه لا يملك شيئًا ليقدمه بنفس الطريقة التي قام بها رفيقه الشمال ڤيتنامي، ولكنه توعد بأن يقوم بذلك في المؤتمر القادم. من بعدها جلس وأجهش في البكاء». Stefan Wild, Ghassan Kanafani: The Life of a Palestinian (1975), 17. عن .George Hajjar, Kanafani: Symbol of Palestine (1974), 71
[24] ما زالت هذه الكلمات تلهم كل من يتضامن مع القضية الفلسطينية. في مقاله الذي نشر في نيسان 2023، اقتبس عضو عن مجموعة حركة فلسطين التي تعمل على محاسبة شركات الأسلحة الإسرائيلية في المملكة المتحدة هذه الكلمات، مفسرًا بها أهداف المجموعة. Dante, «Unravelling the Paper Tiger: Palestine Action’s Siege», Ebb Magazine, 6th April 2023
[25] «The Killing of Kanafani», Journal of Palestine Studies, Vol. 2. No. 1. (Autumn, 1972), 149.
[26] إلياس خوري، «في الذكرى الأربعين لغياب غسان: وطن يولد في الحكاية»، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 92، خريف 2012.
[27] في إطار ذات الهجوم، تعرض مبنى الجبهة الشعبية لاستهداف وقُتل عدد من مقاتليه. في رسالة كان قد أرسلها أدوارد غرة ممثل لبنان في الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن والتي شجب فيها «الإرهابيين الإسرائيليين»، كتب بأنه: «لقد كثفت الحكومة الإسرائيلية سياسة الإرهاب الوقحة، بواسطة إعلانها، في أكثر من فرصة، بأنها ستعتدي على الفلسطينيين في أي مكان وأي زمان، وذلك باستعمال كل الوسائل المتاحة بدون أي حاجة لتبرير أفعالها. إن هذه السياسة النكراء والوحشية، المبنية على غطرسة القوة الإسرائيلية تهدف للقضاء على الشعب الفلسطيني، أو إجبارهم على التخلي عن مطالبهم الشرعية». رسالة ممثل لبنان في الأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن، 11 نيسان 1973.
[28] «Most Probably We’ll All Die», Time, 23rd April 1973
[29] صدرت أول ترجمة لهذه الدراسة في الثامن من تموز لعام 2022 تخليدًا لذكرى مقتل غسان الخمسين. Ghassan Kanafani, On Zionist, Literature, Ebb Books/Liberated Texts (2022). لقد قمت بتحرير الترجمة والإشراف عليها (الترجمة لمحمود نجيب) بعدما تبين بأن النص الأصلي لم يترجم للإنجليزية من قبل.
[30] Shafiq al-Hout, My Life in the PLO, Pluto Press (2011), 107. استُهدف الحوت في نفس الحملة برسالة مفخخة كان قد تم الكشف عنها قبل فتحها ونجا الحوت منها بعد فراره.
[31] Ihsan A. Hijazi, «Israeli Looted Archives of P.L.O Officials Say», New York Times, October 1st 1982. للمزيد عن مصير أرشيف مركز الأبحاث، انظر/ي: Hana Sleiman, «The Paper Trail of a Liberation Movement».
[32] Trudy Rubin, «The fall of the PLO’s ‘state within state’ in Lebanon», Christian Science Monitor, 10th February 1983. تبنّت العملية «جبهة تحرير لبنان من الغرباء»، وتبين لاحقًا بأنه هذه المجموعة خلقت على يد «إسرائيل»، وأقامها مسؤولون رفيعو المستوى كمجموعة مزيفة للتغطية على تورط دولتهم في حملة الإرهاب القاتلة.
Remi Brulin, «How the Israeli military censor killed a story about ‘terrorist’ bombing campaign in Lebanon in 1980s», Mondoweiss, 23rd October 2019.
[33] Munir Fasheh, «Graham-Brown, Education, Repression and Liberation», MERIP, 136/137, October-December 1985.
[34] غسان كنفاني.
[35] Elizabeth M. Holt, «Resistance Literature and Occupied Palestine in Cold War Beirut», Journal of Palestine Studies, Vol. 50 No. 1. 2021.
[36]غسان كنفاني، «في الأدب الصهيوني»، مؤسسة غسان كنفاني الثقافية، 2015. 14.
[37] حدث مقتل الأعرج بتعاون مع السلطة الفلسطينية، كيان عميل يجسد عكس كل ما يمثله كنفاني والأعرج وغيرهم. في قضية العنيد والفصيح، نزار بنات، قُتل مثقف محارب آخر، هذه المرة على يد بلطجة السلطة الفلسطينية، التي نفذت عملية القتل بذاتها في العام 2021.
[38] ناهض حتر، «غسان كنفاني … الصرخة لا تزال تدوي»، الأخبار 31 آب 2015.
[39] في هذا السياق، تتحدث فايزة، أخت كنفاني، عن محادثة جرت بين لميس وكنفاني قبل مقتلهما بيوم واحد «طلبت لميس من خالها أن يخفف من نشاطه الثوري وأن يركز على كتابته للقصص. قالت له: «قصصك جميلة»، وأجابها: «هل أعود لكتابة القصص؟ أني أكتب ببساطة لأني مؤمن في قضية ومبادئ. في اليوم الذي سأتخلى فيه عن مبادئي، ستصبح قصصي فارغة. وعندما يحصل ذلك، لن تكني لي الإحترام بعد» كان قادرًا على إقناعها بأن النضال والتمسك بالمبادئ هو ما يؤدي للنجاح في كل شيء. Ghassan Kanafani, «The 1936-39 Revolt in Palestine», Tricontinental Society, London (1980).
[40]لا يهدف هذا التحليل للتقليل من أهمية حركة المقاطعة أو إنجازاتها. بل يعتبر حركة المقاطعة جزءًا من نطاق واسع لعلميات المقاومة، أحد مركباته الجوهرية هو الكفاح المسلح.
للمزيد عن هذا الموضوع، انظر/ي: Louis Allday, «The Palestinians’ Inalienable Right to Resist», Ebb Magazine, 22nd June 2021.
[41] Ghassan Kanafani, «On the PFLP and the September Crisis», New Left Review, I/67, May/June 1971
[42] تظهر تصريحات كنفاني في: The Red Army/PFLP: Declaration of World War (1971, Masao Adachi and Koji Wakamatsu)
[43] Nancy Coffin, «Engendering Resistance in the Work of Ghassan Kanafani: All That’s Left to You, Of Men and Guns, and Umm Sa’d», The Arab Studies Journal, Vol. 4, No. 2 (Fall 1996).
[44] في مقابلة له للريدفيش في أيار 2021، تحدث ماهر مزهر، عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في غزة، عن أن الجناح العسكري للجبهة سيحفظ «العهد والوصية» وسيحمل الأمانة من دماء الشهداء «وفي المقدمة منهم أبو علي مصطفى ووديع حداد وغسان كنفاني وربحي حداد ورائد نزال»
[45] بعد قراءتي لهذه الأسطر، حضرتني ذكرى من تجربتي في تعليم اللغة الإنجليزية في واحد من الصفوف في مدرسة الأونروا في دمشق في العام 2009. عندها، وبعد أن سألت الطلاب عن أمانيهم، أجابني أحد الطلاب اللامعين، بخالص الصدق بأنه يتمنى أن يحصل على «بندقية، ليذهب إلى فلسطين ويقاتل ليعيد أرضنا».
[46] ترجمة للانجليزية في: »The 1936-39 Revolt in Palestine», Tricontinental Society, London (1980)
[47]غسان كنفاني.
[48] نصار إبراهيم، «غسان كنفاني ليس قديسًا ولا أيقونة جامدة، كان ثائرًا يكتب للحياة!»، الهدف 19 تموز 2017.
[49] John Berger, «Against the great defeat of the world», Race & Class, 40/2-3, 1999. كان لبرجر اهتمام كبير بكنفاني، وأهدى روايته «من ايه إلى اكس» من العام 2008 إلى ذكرى غسان. في نفس السنة، وفي احتفالية مهرجان فلسطين للأدب، اقتبس برجر «ورقة من غزة» لكنفاني كاملة، وكادت تمتلئ عيناه بالدموع مع إنهاء إلقائه المؤثر.