الفطر الذي سيزهر من حطام متحف الفن الحديث

المصدر: فيرسو للنشر.

الفطر الذي سيزهر من حطام متحف الفن الحديث

الإثنين 25 تشرين الأول 2021

في أيار الفائت، نزل بضعة متظاهرين بأعلام فلسطينية وشعارات مناصرة لغزة إلى وسط نيويورك، وافترشوا مدخل بناء زجاجي أنيق، ثم عادوا في 17 من الشهر الماضي بأعداد متزايدة وشعار جديد: «دوِّلوا الانتفاضة».

داخل البناء، وصلت الهتافات إلى مسامع لوحات بيكاسو وماليفيتش وغيرهما من كبار فناني القرن العشرين، ممن قد يتساءلون في قبورهم عن أي مناسبة دعت لربطهم بالقضية الفلسطينية بهذا الصخب، فالبناء المستهدف لم يكن القنصلية الإسرائيلية ولا مقرّ الأمم المتحدة، بل متحف الفن الحديث في نيويورك أو «موما» (MoMA) كما يجري اختصاره.

متظاهرون عند مدخل متحف الفن الحديث «موما»، نيويورك، 26 أيار 2021.

بدأت القصة مطلع العام الحالي عندما تفاقمت فضيحة الملياردير الأميركي ليون بلاك لعلاقته بالملياردير المتاجِر بالقاصرات جيفري إبستين. اضطر بلاك للاستقالة سريعًا من إدارة شركته الخاصة، لكن ذلك لم يمنعه من البقاء عضوًا في مجلس أمناء «موما»، الذي رفض التعليق على الموضوع مبديًا كامل لامبالاته وعدم استعداده للتنازل عن أحد كبار مموليه. دفع ذلك عددًا من الناشطين والفنانين إلى الغليان، فقرروا بدعم من تجمعات يسارية تشكيل تحالف حمل اسم «المخيلة الدولية للمشاعر اللاقومية اللاإمبريالية» (IIAAF)، والذي ولّد بدوره حراك (Strike MoMA)، بحيث تبدو كلمة «strike» وكأنها تختصر درجات المقاومة التي يتوعد بها الحراك، فهي تحمل معنى «إضراب» إن قرأناها اسمًا، أو «اضرب» كفعل أمر، أو حتى «اشطب»، كما يلمّح لوجو الحراك الذي شُطب فيه اسم «موما».

افتتحَ الحراك بيانه المؤسس مؤكدًا أن قضية بلاك ليست إلا جزءًا بسيطًا من مشاكل مؤسسةٍ «يقبع العفن في صميمها»، حيث فصّل النص بالأسماء والأدلة تورط العديد من أعضاء مجلس إدارة «موما» بأعمال قذرة؛ الاستفادة من ديون دول فقيرة، ودعم الاحتلال الإسرائيلي، وإدارة إعلام يميني متطرف في أميركا اللاتينية، وتخريب البيئة، والمتاجرة بالأسلحة، والمشاركة في بناء سجون خاصة لاحتجاز المهاجرين وأطفالهم. يشكل هؤلاء الأعضاء أكثر من مجرد إحراج شكلي، فأموالهم التي تنبض في عروق «موما» لتمويل مصاريفه وشراء أعماله الفنية، جاعلةً منه أحد ألمع متاحف الدنيا، هي ذاتها المسحوبة من حياة ملايين الفلسطينيين واليمنيين والبورتوريكيين وغيرهم، كما صرّح بيان آخر: «علينا أن نفهم المتحف على حقيقته: فهو ليس مجرد أصولٍ اقتصادية متعددة الاستخدامات للمليارديرات، بل أيضًا ساحة معركة أيديولوجية موسعة يلمّع من خلالها ممولو الفصل العنصري والمستفيدون من الحروب سمعتهم ويطبّعون عنفهم».

بعد فترة على انطلاق الحراك، جرى استبدال بلاك بعضو جديد، ماري-خوسيه كرافيس، وهي خطوة وصفها الحراك بـ«لعبة كراسٍ موسيقية»، كوْن علاقة كرافيس بالنخبة الحاكمة وبترامب وباليمين ليست أنظف تمامًا من علاقة بلاك. وعليه، أصرّ الحراك على أن إقالة الأعضاء ليست إلا خطوة يجب أن يليها تغيير بنيوي في سياسة «موما» القائمة على «الخيرية الليبرالية»، أي غسيل الأوليجاركيين لأموالهم الفاسدة بإغداقها على الفن، واقترح الحراك خطةً من عدة مراحل تتضمن مظاهرات ونقاشات عامة وجلسات كتابة وتدريب متظاهرين رافقتها مجموعة نصوص نشرتها مدونة «فيرسو»، دار النشر الأهم لليسار الغربي الناطق بالإنجليزية. يأمل المنظمون أن يقود كل ذلك إلى مرحلة «ما بعد موما»، وفيها يوضع المتحف تحت إدارة «العمال والمجتمعات المحلية والفنانين بدلًا من المليارديرات» وإن عنى ذلك تدمير هيكليته الإدارية بالكامل: «وليزهر ألف فطرٍ من حطام المتحف الحديث».

ألفريد إتش بار وفيليب جونسون، بحيرة ماجيوري، سويسرا، نيسان 1933.

«موما»: عودة للخلف

تعيدنا هذه الصورة خطوة ضرورية إلى الوراء. على اليمين يظهر ألفريد إتش بار، مؤرخ الفن الشاب الذي قاده ولعٌ، نادر آنذاك، بالفن الحديث الأوروبي ليصبح، بعمر 27 عامًا، المدير الأول لـ«موما» لدى تأسيسه. بعد تعيينه بقليل، بالتحديد سنة التقاط هذه الصورة، تزامنت إحدى جولات بار في ألمانيا مع تعيين هتلر مستشارًا للبلاد. راقب بار بهلع العسكرة السريعة لألمانيا وحملات التجييش ضد الفنانين الحديثين الذين اتهموا بالانحطاط والتآمر، وأخذَت أعمالهم تتبخر من المتاحف قبل أن يأخذوا هم أيضًا بالتبخر. عاد بار إلى نيويورك شبه هارب، وقرّر تنظيم معارض ذات أهمية تاريخية في «موما» كانت سباقة في الدفاع عن الفن الحديث والتعريف به، بل حتى «تعريفه»، حيث أرفق بار أحد معارضه بـ«مخطط للفن الحديث» شكّل المحاولة الأولى من نوعها لإرساء الدعائم النظرية والتاريخية لحركات الفن الحديث.

عام 1939، ربح الفاشيون الحرب في إسبانيا، بينما كانت لوحة «جيرنيكا»، التي مثل فيها بيكاسو إحدى مذابحهم في الحرب، تجوب الولايات المتحدة لجمع التبرعات للاجئين الإسبان، مما دفع بيكاسو إلى المطالبة ببقاء اللوحة في عهدة «موما» إلى أن يتحرر وطنه. لم يأت القرار نتيجة حب الولايات المتحدة وسياستها فبيكاسو كان شيوعيًا، لكن «موما» كان الملجأ الآمن الأخير الذي فتح ذراعيه لاستقبال أعمال فنية كانت مواطنها الأصلية آنذاك، الفاشية منها والشيوعية، تعمل على زوالها، وهي حقيقة لا بد من التفكير فيها قبل التسرع باختصار المتحف وتاريخه بحفنة مدراء فاسدين.

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية وسقوط باريس بيد النازيين، حرك بار صلاته بالحكومة الأميركية للتنسيق مع شبكات تهريب اللاجئين جنوب فرنسا، ونجح بذلك بتأمين تأشيرات لجوء للكثير من الفنانين الأوروبيين، كما حثّ «موما» على إنقاذ مئات الأعمال والوثائق الفنية، ولو عنى ذلك شراءها من شبكات نازية. بمجرد زوال غبار المحارق والقنابل الذرية، اكتشف العالم فجأة أن عاصمة الفن الحديث لم تعد باريس بل نيويورك، وأن كبريات الأعمال والفنانين الحديثين مثل مارسيل دوشامب ومارك شاجال قد صاروا على الطرف الآخر من الأطلسي، وهي حركة لجوء ثم تجنيس للفن الحديث لا يزال الكثير من الفرنسيين يشعرون بمرارتها، كما يشير عنوان كتاب أحد مؤرخي الفن الفرنسيين: «كيف سرقت نيويورك فكرة الفن الحديث».[1]

أعضاء من «تحالف عمال الفن» في متحف الفن الحديث أمام لوحة بيكاسو «جيرنيكا»، 1970.

رغم ولادته البطولية هذه، قام «موما» على تناقض جوهري بين دفاعه عن أكثر الفنون ثوريةً في القرن العشرين وبنيته السياسية الرجعية. فبعكس كبريات متاحف الفن الأوروبية، الحكومية أو شبه الحكومية بغالبها، ولد «موما» كملك خاص لحفنة من أثرياء نيويورك المغتنين من البنوك والاستثمارات بطابع إمبريالي، خصوصًا آل روكيفيلر، فقد كانت آبي روكيفيلر المحرك الأساسي لتأسيس المتحف وتغذيته من ثروات عائلتها النفطية. وعام 1939، تولى ابنها نيلسون رئاسة «متحف أمي» كما اعتاد تسميته، والذي كان جزءًا بسيطًا من تركة العائلة وهيمنتها على نيويورك، خصوصًا أن نيلسون كان أيضًا عمدة المدينة ومن ثم نائب رئيس البلاد.

خلال الحرب الباردة، شكل «موما» جبهة ثقافية شرسة للترويج للـ«ديمقراطية» الأميركية أمام العالم، حتى أن الجناح الأميركي في متحف بيينال البندقية للفن المعاصر ظل لأعوام الجناح الوحيد غير الخاضع لإدراة حكومته كباقي الأجنحة، بل لإدارة «موما» الخاصة. لم يكن ذلك مستغربًا، فقد كشفت دراسات عن كون الكثير من مسؤولي المتحف آنذاك أعضاءً في وكالة الاستخبارات الأميركية التي تلاقت مصالحها بمصالح آل روكيفيلر. وفي كل مرة كان نيلسون روكيفيلر يمد فيها استثماراته نحو دولة جديدة في أميركا اللاتينية أو آسيا، كان «موما» يسارع لإقامة معارض فن أميركي في ذات البلد ولتمويل فنانيها لكسبهم إلى جانب الولايات المتحدة.[2]

نهاية الستينيات، أخذ «تحالُف عمال الفن»[3] بالضغط على المتحف لإجراء إصلاحات منها زيادة نسبة تمثيل الفنانات والفنانين غير البيض في مجموعته وفتح أبوابه مجانًا. وعندما دعا التحالف متاحف نيويورك لإغلاق أبوابها عام 1969 ردًا على حرب فيتنام، كان «موما» من قلائل الرافضين، مما دعا عدة فنانين لسحب أعمالهم منه. وصل التوتر بين «موما» والتحالف ذروته عام 1970 مع تسرب أخبار عن دعم نيلسون روكيفيلر لسياسات نيكسون في فيتنام، وانتشار إشاعات عن تمويله لصناعة أسلحة مشاركة في الحرب. تسلل أفراد من التحالف إلى «موما» وحملوا أمام لوحة «جيرنيكا» صورًا من إحدى مذابح الجيش الأميركي في فيتنام، كُتب عليها اقتباس من مقابلة تلفزيونية مع جندي أميركي شارك بالقتل: «سؤال: حتى الأطفال؟ جواب: حتى الأطفال»، فاضحين بذلك ازدواجية معايير إدارة المتحف. وفي العام ذاته، طلب «موما» من الفنان هانس هاكه تحضير عمل فني رفض الفنان الكشف عنه حتى يوم الافتتاح، حين اكتشف الزوار صندوق اقتراع كتب فوقه «هل ترى في عدم إدانة العمدة روكيفيلر لسياسة نيكسون في الهند-الصينية سببًا كي لا تصوت له في الانتخابات القادمة؟». صدم العمل إدارة المتحف، وجاوب معظم الزوار بـ«نعم» ليصير عمل هاكه العمل الفنّي الأول من نوعه الذي يقوم على مهاجمة مموليه.

امتص «موما» تلك الصدمات ببراعة، فزاد تدريجيًا نسبة تمثيله للفنانين والفنانات غير البيض، بل وانتهى به الأمر باقتناء كثير من الأعمال الاحتجاجية الموجهة ضده (بما فيها ملصقات «والأطفال؟»)، مما يطرح سؤالًا ما إن كان سينجح في بلع اللقمة القادمة، والتي لا تتعلق بحرب مؤقتة كما في كمبوديا أو فييتنام ولا بمشاكل نقابية محلية.

إحدى ملصقات حراك «إضرب موما».

منذ انطلاق «اضرب موما»، غزت الأعلام والخرائط الفلسطينية ملصقات الحراك، والذي نشر منذ مراحله الأولى، المتزامنة مع مواجهات الشيخ جراح، نداءً للتحرك ضد الاستثناء الممنهج لفلسطين من القضايا التحررية، معلنًا إياها في صميم قضيته. وفي بيان آخر من شهر تموز، أطلق الحراك شعار «دوِّلوا الانتفاضة» (Globalize the Intifada)، مبررًا تبني المصطلح كتحية للمقاومة الفسطينية وكتأكيد بأن نضال جميع المقهورين «إما أن يكون جماعيًا أو ألا يكون موجودًا».

يبدو الإسقاط الحماسي هذا للقضية الفلسطينية على قضية «موما» مشجعًا وإشكاليًا في الوقت نفسه. فمن جهة، لعب الحراك دورًا مهمًا في التذكير بأن القدس ومانهاتن ليستا في كوكبيْن منفصلين، مشيرين إلى احتواء مجلس إدارة المتحف على أشخاص من أمثال دانييل أوك، العضو في منظمة «حق الولادة» التي تنظم رحلات مجانية لليافعين اليهود الأميركان إلى الأراضي المحتلة، بهدف توطيد علاقتهم بالمشروع الصهيوني، أو بلاك الذي تبرع بأكثر من مليون دولار إلى المؤسسة ذاتها، أو باولا كراون التي يملك زوجها شركة «جينيرال دايناميك» المتعاونة مع شركات التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية والمسؤولة عن بيع معدات عسكرية استخدمت لقصف غزة واليمن.

لكن من جهة أخرى، لا يخلو استملاك الحراك لمفردات النضال الفلسطيني من بعض المزاودة على هالة تلك المفردات، مثل الوصف المتكرر للمتاحف عمومًا كــ«مؤسسات استيطانية»، أو المساواة بين متاحف الفن الحديث والاستعمار، وهو ما قامت به الباحثة آرييلا أزولاي في حديث نظمه الحراك بحجة أن المتاحف تقوم على نهب الأعمال الفنية من أصحابها، وهي حقيقة إن انطبقت على متاحف الأنثروبولوجيا والفنون الإفريقية أو الآسيوية في الغرب، فلا يمكن تعميمها بذات الحرفية على متحف مثل «موما». فحتى لو كانت علاقات القوة السامة بين الولايات المتحدة والعالم الثالث هي المحرك الأساسي وراء المتحف، فذلك لا يغير من حقيقة اقتنائه للأعمال الفنية على شكل هدايا من الفنانين أنفسهم أو من مالكيها السابقين، أو عبر شرائها بشكل شرعي، مما يقتضي طرحًا أكثر تعقيدًا لطبيعة المشكلة.

في السياق نفسه، بقي موقف الحراك من مقتنيات «موما» ومن الفن الحديث متضاربًا، حيث دافع البيان المؤسس عن حرية الفن «بغض النظر عن الأسلوب، والمدرسة، والوسيط الفني»، بينما اتهمت أزولاي في الحديث المذكور الحداثة بأنها «جريمة إمبريالية» دفعة واحدة، دون إعطاء تعريف واضح للحداثة أو لطبيعة العلاقة بين الحديث (modern) والحداثي (modernist)، متهمةً الفن الحديث بالمشاركة في استعباد السود ونهب ثرواتهم. في الحقيقة، تشكل علاقة «موما» بالفن الحديث مشكلة أعسر من أن تختصر باستعارات بلاغية سهلة من هذا النوع، قد تسبغ على خطاب الحراك شيئًا من الدوجماتية أكثر مما تساهم في فهم تاريخي دقيق للمشكلة. حتى أن الفنانة الألمانية هيتو شتايرل حذرت من التعميم الأعمى لفساد إدارة موما على الفن الحديث، مما قد يوّلد تجييشًا شعبويًا أعمى ضد الفن يعود بنا إلى الثلاثينيات، وهو تحذير منطقي نظرًا إلى أن الكثير من أعضاء الحراك لم يدركوا بعد أن الكثير من الفن الحديث المعروض في «موما» هو في صفهم، لا في صف روكيفيلر وأشباههم.

إل ليسيتزكي، «پرون 19د» (Proun 19D)، 1920 أو 1921، وسائط متعددة على خشب، 97.5*97.2 سم، متحف الفن الحديث، نيويورك.

بداية العشرينيات، تخيّل الفنان السوفييتي إل ليسيتزكي تكوينات معمارية تتحدى الجاذبية وتطفو في فضاء لا حدود له، تمامًا بعكس مبنى «موما» بغرفه المحصنة والمغلقة. ففي سياق الثورة الروسية عام 1917، أخذ ليسيتزكي يتخيّل فراغات جديدة يمكن رؤيتها بعدة طرق في آن واحد، كمجسم ثلاثي الأبعاد أو كمسقط ثنائي الأبعاد، أي يمكن لأي منا المشاركة في تأويلها وتوظيفها بدلًا من أن تفرض معناها من موقع هيمنة. هدف الفنان، مثل غيره من الروس آنذاك، إلى محو الحدود بين الجمالي والوظيفي بتوحيد الفن التشكيلي والهندسة، لكي تولد منهما ممارسة ثالثة تعمل باتجاه تغيير مجتمعي يساهم فيه الفنانون، مثلهم مثل العمال، في استخدام التكنولوجيا لتحقيق المستحيل.

وصلت هذه اللوحة إلى مجموعة «موما» على شكل هدية من مالكتها السابقة، والتي كانت قد اشترتها من الفنان في أحد معارضه في ألمانيا.[4] المقلق في اقتناء المتحف للوحة إذًا ليس كون اللوحة «مسروقة» ولا كون حداثتها «جريمة إمبريالية» تستملك ثقافات مقهورة كما ادعت أزولاي، بل تحول اللوحة إلى غرض جمالي بحت يساهم، مثله مثل غيره، في تزيين جبهة الأيديولوجيا المعاكسة تمامًا لتطلعاته. إن أعمال ليسيتزكي وأشباهه هي رهائن المنظومة الرأسمالية، مثلها مثل المتظاهرين ومثل معظمنا إذًا، وتحريرها من ملكية «موما» يعني تحرير اليوتوبيا الكامنة فيها بعد عقود من لعبها دور المزهرية في «متحف أم» نيلسون روكيفيلر. لحسن الحظ، كان تجمّع «فنانين من أجل مستقبل ما بعد موما» الطرف الوحيد في الحراك الذي ذكّر في بيانه بأن المتحف يحتوي على «ذخائر رفقائنا في الفكر الراديكالي»، كما علّق مؤرخ الفن هال فوستر على الموضوع مذكرًا بثورية الفن الحديث: «أتساءل مَن مِن كبار الحداثيين في مقتنيات «موما» سيغادر المتحف محتجًا إن عاد إلى الحياة. ربما ليس الكثيرون، لكن البعض. معظم الروسيين، الكثير من الدادائيين، ربما دييجو ريفييرا، فيرناند ليجير، وحتى بيكاسو (على الأقل من أجل الدعاية)، بعض اللاتينيين، وبضعة آخرين».

من غير المرجح أن يعود أيٌ من الفنانين الحداثيين إلى الحياة لسحب أعمالهم من «موما»، ولا أن ينجح الحراك في تحرير تلك الأعمال أو في تأميم المتحف، أو في محاسبة مدرائه على المدى القريب، لكن ذلك لا يقلل من أهمية الحراك وضرورة استمراره، فله فخر الإبقاء على المتحف وعلى الفن ساحات معارك، بدل أن يتحولا إلى ميادين إضافية للّامبالاة العامة.

  • الهوامش

    [1] Serge Guibault, How New York Stole the Idea of Modern Art, The University of Chicago Press, 1983.

    [2] Eva Cockcroft, «Abstract Expressionism, Weapon of the Cold War», in Francis Frascina, Pollock and After: the Critical Debate, Harper and Row, 1985.

    [3] منذ تأسيسه عام 1969، أخذ تحالف Art Workers Coalition شكلًا نقابيًا، وقام بالضغط على المتاحف باتجاه تعامل أفضل مع الفنانين واعتراف بحقوقهم، إلى جانب نضاله من أجل قضايا اجتماعية وسياسية كالمساواة بين الجنسين وإنهاء التمييز العنصري وحرب فييتنام.

    [4] Patryk Tomaszewski, «The Many Lives of El Lissitzky’s Proun 19D (1920 or 1921)».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية