كيف نفهم «عدوى» الانقلابات في إفريقيا؟

الثلاثاء 19 أيلول 2023
من الاحتجاجات في النيجر، تصوير أ ف ب
من الاحتجاجات في النيجر، تصوير أ ف ب

«العالم القديم انتهى والعالم الجديد تأخر بالظهور، وما بين العتمة والضوء تولد الوحوش».
أنطونيو غرامشي

 «نحن أمام عودة وباء الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا»، هذا هو التوصيف الأكثر شيوعًا هذه الأيام في وسائل الإعلام الفرنسية. ورغم المبالغة التي ينطوي عليها هذا التوصيف، إلا أنه يحمل قليلًا من الوجاهة، كون هذه الانقلابات المتتالية حدثت في فترة وجيزة، وعلى نحو مترابط، أو يبدو كذلك. مما يشير، بلا شك، إلى وجود تحول جذري في المنطقة، ستكون عواقبه المستقبلية شديدة الوقع على المجتمعات المحلية وعلى المستعمر الفرنسي القديم، سلبًا وإيجابًا.

نحن اليوم إزاء ثمانية انقلابات عسكرية في إفريقيا منذ عام 2020، أغلبها يحدث في البلدان الناطقة بالفرنسية. آخرها انقلاب الغابون، الذي أطاح بالرئيس عليّ بونغو وعائلته التي تحكم البلاد منذ خمسة عقود. وقبلها في تموز 2023، أعلن جنود أنهم أطاحوا برئيس النيجر محمد بازوم. وفي كانون الثاني 2022، أطاح الجيش البوركينابي بالرئيس روك مارك كريستيان كابوري من السلطة. وفي غينيا أطاح الجيش في أيلول 2021، بالرئيس ألفا كوندي. وقبل ذلك شهدت مالي انقلابًا عسكريًا في آب 2020، أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وشكلت حكومة انتقالية في تشرين الأول. لكن في أيار 2021، اعتقل الجيش الرئيس ورئيس الوزراء، وتم تنصيب العقيد أسيمي غويتا رئيسًا انتقاليًا.

اللافت في جميع هذه الانقلابات العسكرية أنها: أولًا، نجحت منذ اللحظة الأولى. وهو ما يؤكد الطابع البريتوري للحكم في الدول الإفريقية منذ استقلالها، القائم على تدخل واسع النطاق للجيش في التغيير السياسي وكذلك في المحافظة على السلطة. وهي طبيعة رسختها العلاقات التي ربطت أنظمة هذه الدول منذ الستينيات بالمركز الاستعماري السابق في باريس. وثانيًا، أنها حظيت على خلاف موجات انقلاب السبعينيات والثمانينيات بتأييد شعبي، نابع أساسًا من كونها -باستثناء انقلاب الغابون- تقودها نخبة عسكرية معادية للنفوذ الفرنسي، سواءً كان ذلك بدوافع وطنية تحررية أم بدوافع منفعية لركوب موجة الحاضنة الجماهيرية. وثالثًا، أطاحت جميع هذه الانقلابات برؤساء لديهم ولاء واضح لفرنسا وللقوى الغربية بصفة عامة، وحظيت بموجة شجب وإدانة واسعة من هذه القوى، وصل حد التلويح بالتدخل العسكري كما في الحالة النيجيرية. باستثناء الحالة الغابونية، التي كانت فيها الإدانة خافتةً ومحتشمةً.

لماذا تشكل الغابون استثناءً؟ بعد يوم واحد من مسار انتخابي تم التلاعب به من طرف النظام بالتزوير، أعلنت المعارضة فوزها. ومع ذلك، في وقت متأخر من ليلة 29 إلى 30 آب، أعلن الرئيس عليّ بونغو انتصاره. وبعد دقائق قليلة، أعلن الجيش إلغاء نتائج الانتخابات وعزل الرئيس. منذ استقلالها تحكم الغابون عائلة بونغو، ابتداءً على يد عمر بونغو، والد الرئيس المخلوع، الذي تم تعيينه نائبًا للرئيس ليون مبا، في عام 1964 بدعم من الرئيس الفرنسي شارل ديغول،[1] قبل أن يتولى منصب الرئيس في عام 1967. وبعد وفاة بونغو الأب عام 2009، أصبح ابنه عليّ رئيسًا للبلاد، محافظًا على دعم فرنسي قوي، لبلد غني بالنفط والموارد الطبيعية.

اللافت في الحالة الغابونية أن قائد الانقلاب هو الجنرال بريس أوليغوي نغويما، قائد الحرس الجمهوري، الذي أنشئ بناءً على نصيحة باريس، بعد محاولة الانقلاب عام 1964، والمسؤول عن حماية الرئيس. يذهب الباحث والناشط اليساري، المتخصص في الشؤون الإفريقية، فيليب ألكوي، إلى أن تحرك الجيش لم يكن هدفه إنهاء النظام بقدر ما كان حريصًا على المحافظة عليه من خلال إبعاد الرئيس عليّ بونغو. ويقول ألكوي، في مقال نشره في مجلة الثورة الدائمة: «بينما يتحدث الجيش عن نهاية النظام، فإنه هو الذي أطلق النار على المتظاهرين في عام 2016، كما أن الجنرال أوليغوي هو نفسه ابن عم بعيد للرئيس علي بونغو. في الواقع، يأتي أوليغوي من قلب نظام بونغو لكي يحافظ عليه.أما بالنسبة لمصالح القوى الإمبريالية والشركاء الدوليين الآخرين للغابون، فيبدو أن كل شيء يشير أيضًا إلى أن الجيش سوف يحافظ على جميع التزامات البلاد، على الأقل في الوقت الحالي. ومن الواضح أن فرنسا من بين الدول المعنية الرئيسية.

لقد شكلت الإمبريالية الفرنسية شكل الدولة الغابونية، وعلاقات نظام بونغو مع الأحزاب السياسية الفرنسية معروفة جيدًا، وللجيش الفرنسي قاعدة دائمة في البلاد، وتعمل العديد من الشركات الفرنسية متعددة الجنسيات في البلاد».[2] ويؤكد ذلك ما نقلته جريدة لوموند الفرنسية عن مصادر غابونية من أن «الجنرال أوليغوي، حاول حتى قبل تنصيبه في مهامه الجديدة، طمأنة العديد من قادة إفريقيا الوسطى والسفير الفرنسي في ليبرفيل. وأن انقلابه لا يتبعّ نفس المنطق الذي اتبعته الانقلابات في منطقة الساحل». لذلك فإن انقلاب الغابون، يبدو انقلابًا استباقيًا نفذته النخبة العسكرية القريبة من النظام لإنقاذه، مقابل التضحية برأس النظام علي بونغو، وربما دعمته باريس أو سمحت بحدوثه على الأقل.

الاستعمار على نحو آخر

لكن كيف وصلنا إلى هذه اللحظة من الانقلابات المتتالية والانقلابات الاستباقية المضادة؟ لا يمكن أن نفهم ما يجري بمعزل عن العلاقة الجدلية بين دول غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية والمستعمر الفرنسي السابق، وتاليًا العودة إلى الجذور التاريخية لهذه العلاقة.

من الشائع تلخيص هذه العلاقة في نهج سياسي فرنسي يطلقه عليه اسم «فرنسا-إفريقيا» (Françafrique)، الذي نحته الصحفي الفرنسي، جان بيوت، بعد الحرب العالمية الثانية للتعبير عن تلاحم فرنسا بمستعمراتها، والذي يعبر عن الشكل الفرنسي المماثل للكومنولث البريطاني. ثم أخذ المفهوم طبيعة تحليلية أكثر ثقلًا في عهد الجنرال ديغول، الذي شرع في عملية إنهاء الاستعمار المباشر في إفريقيا وبلاد المغرب، وتعويضها بسياسات استعمارية جديدة غير مباشرة. ليأخذ المفهوم طبيعة ازدرائية تلخص معنى التبعية الذيلية «إفريقيا الفرنسية».

عمليًا يمثل هذا المفهوم نظامًا معقدًا لدبلوماسية الظل بين فرنسا ومستعمراتها الإفريقية، يقوم على أربع خصائص: أولًا، سياسة خارجية فرنسية لا تتبع وزارة الخارجية بل الخلية الإفريقية في الإليزيه، بطريقة تقديرية وغامضة إلى حد كبير، أشرف عليها لسنوات جاك فوكار، الذي كان يطلق عليه في الأوساط الفرنسية لقب «سيد إفريقيا». وثانيًا، وجود كبير ومؤثر لموظفي الخدمة المدنية الفرنسيين أو الملحقين الفنيين في البلدان الإفريقية المعنية؛ وثالثًا التدخل المباشر، بما في ذلك التدخل العسكري، في الشؤون الداخلية للدول المعنية، وكذلك العملة الإفريقية (الفرنك). ورابعًا، الروابط المالية الخفية بين الأنظمة الحاكمة والطبقة السياسية الفرنسية.

ظل هذا النظام راسخًا لسنوات، وفقًا لنهج تبادلي يحقق مصالح الدولة الفرنسية من جهة والنخب الحاكمة الإفريقية من جهة أخرى، فيما ظلت المجتمعات المحلية الإفريقية تعاني من المشاكل نفسها المتعلقة بالتنمية، في دول غنية جدًا بالموارد الطبيعية تحت الأرض وفوقها. لكن هذا الرسوخ ما بعد الاستعماري لم يكن دون منغصات، فقد شهدت دول غرب إفريقيا فترات نهوض وطني تحرري، مثل تجربة أحمد سيكو توري (1922-1984) في غينيا، وتجربة توماس سانكارا (1949-1987) القصيرة في بوركينافاسو، التي انتهت باغتياله على يد مجموعة من ضباط الجيش بدعم من المخابرات الفرنسية.

لاحقًا، خلال التسعينيات، حاولت باريس الضغط على حلفائها الأفارقة لفتح المجال السياسي أمام تعددية شكلية تأخذ في الاعتبار التحولات الجارية في العالم، ولكنها حافظت على دعم واضح وفقًا للنهج التبادلي ذاته الذي وضع في الستينيات، وقد غنمت من ذلك مكاسب اقتصادية كبيرة خاصة في استخراج وتحويل ونقل المواد الأولية (النفط، الماس، الذهب، اليورانيوم، إلخ). في المقابل قدمت مساعدات للأنظمة (مشاريع اجتماعية محدودة، منح دراسية، تبادل ثقافي، تدريب عسكري ومدني، إلخ) لكي تحافظ على مستوى ولاء شعبي يكفل نوعًا من التوازن، ونسقًا مستقرًا من إعادة إنتاج النخب العسكرية والبيروقراطية الموالية لها، خاصة خلال فترة الحرب الباردة، حيث كان التقليد الديغولي يقوم على تحييد الخطر الشيوعي من دول جنوب الصحراء لضمان استدامة النفوذ الفرنسي.

تحولات العقديْن: النخب المحلية و«شيخوخة المستعمر»

بعد نهاية الحرب الباردة، وبداية عصر العولمة شهدت العلاقة بين الطرفين تحولًا جذريًا، لم يحدث دفعةً واحدةً بل تشكل على مدى عقدي التسعينيات والعشرية الأولى من القرن. دخلت دول المنطقة منذ نهاية الثمانينيات عصر التعديلات الهيكلية، التي فرضها صندوق النقد الدولي، بكل ما تعنيه من برامج الخصخصة وتقليص موازنة الدعم الاجتماعي، على ضعفها في كثير من هذه الدول، وتردي خدمات الدولة العام كالتعليم والصحة. وبدأ سباق محموم نحو خصخصة الأراضي والموارد الباطنية. وقد نشأت أسواق إقليمية كبيرة للعنف بسبب النزاعات العرقية وظهور الجماعات الجهادية، حيث تشارك كافة أنواع الجهات الفاعلة التي تسعى إلى تحقيق الربح، من الشركات متعددة الجنسيات إلى الأجهزة الأمنية العسكرية الخاصة. في الأعلى، سعت النخب الحاكمة التي تمكنت من الاستفادة من الدعم الخارجي، الفرنسي أساسًا، إلى تعزيز ثرواتها عبر نظام ريعي من خلال خصخصة أملاك الدولة. وفي الأسفل، شهدنا تعمق الفجوة الطبقية وتراجع واضح في مستوى العيش.

في الوقت نفسه، ورغم أن الإصلاحات السياسية التي قامت بها الأنظمة الحاكمة للتحول من نموذج الحزب الواحد إلى التعددية كانت شكليةً، إلا أنها خلقت هامشًا صغيرًا استفادت منه النخب المعارضة، الوطنية والتقدمية، لإنشاء أحزاب وصحف وجمعيات. ثم جاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لتخلق حيزًا واسعًا لهذه النخب كي تتواصل مع الناس. وتزامن ذلك مع التأثير المتزايد للمغتربين الأفارقة في أوروبا، وتكثيف ممارسات التنقل والتداول والبحث عن نماذج بديلة للتنمية تعتمد على الثروة المحلية.

في مقابل هذه الديناميكية الجدلية الإفريقية، دخلت الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية مرحلة الشيخوخة، وتعمقت التناقضات داخلها على نحو أفقدها سطوتها على المنطقة. شكل الذوبان داخل الاتحاد الأوروبي أول انفصال لفرنسا عن تاريخها كدولة عظمى مستقلة بذاتها. لكن العولمة وتصدير الوظائف ونقل الصناعة أفقد باريس صفتها الأساسية في كونها أحد أقطاب التصنيع. بدأ النفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا يتراجع منذ بداية القرن الحالي. فقد تراجعت حصة إفريقيا من الصادرات الفرنسية من 8.7% في عام 1970 إلى 5% في عام 2010، ثم 3% في عام 2020. وعلى مدى العقدين الماضيين، حلت الصين محل فرنسا كأكبر شريك تجاري لهذه البلدان، وأصبحت بكين شريكًا تجاريًا أكثر أهمية للدول الإفريقية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا مجتمعة.

وفي الآونة الأخيرة، أقامت دول مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وغينيا ومالي علاقات أمنية أوثق مع روسيا. لكن رغم هذا التراجع الاقتصادي فإن نفوذ باريس حافظ على وجود شبه مستقر في المنطقة، حيث رفعت باريس من وجودها العسكري في المنطقة بدعوى مكافحة الإرهاب. كما استفادت الشركات الفرنسية من المزايا المرتبطة بالعملة الموحدة في دول منطقة الفرنك، ومن آليات التعاون النقدي والدعم المباشر من الدولة الفرنسية، ومن آليات كوفاس، وهي شركة عامة تضمن مخاطر المصدرين الفرنسيين. في المقابل كثفت النخب المحلية الإفريقية المعارضة من هجومها ضد الفرنك الإفريقي، الملقب بـ«آخر عملة استعمارية»، في السنوات الأخيرة. حيث تحرم الاتفاقية النقدية المنظمة لهذه العملة 14 دولة إفريقية من سيادتها على السياسة النقدية وتجبرها على إيداع نصف احتياطاتها لدى الخزانة الفرنسية.

لذلك فإن العلاقة الطردية بين تشكل الوعي التحرري في المجتمعات الإفريقية المحلية من جهة، وتراجع الدور الدولي لفرنسا في الجهة المقابلة، خلق ظرفًا موضوعيًا ملائمًا للإجهاز على صيغة «إفريقيا الفرنسية» التي سادت أكثر من خمسة عقود، حيث أصبحت معظم الأدوات العسكرية أو النقدية أو الثقافية التي تستخدمها باريس للحفاظ على نفوذها وحماية مصالحها في إفريقيا قديمة أو تفتقر إلى الشرعية. لذلك فإن عداء النخب الإفريقية لفرنسا، ليس نابعًا من حقدهم على حقبة الاستعمار، بقدر ما هو نابع من الإحساس بالمهانة تجاه تواصل الاستعمار على نحو آخر عبر وكلاء محليين.

أفاق التغيير و«ضيق الدولة الوطنية»

لا يمكن مقاربة ما يجري حاليًا في إفريقيا بعيدًا عن الدور الروسي. تتهم باريس موسكو بالوقوف بطرق غير مباشرة وراء التحولات التي تجري داخل جيوش دول المنطقة، وتحيل إلى دور محتمل للشركة العسكرية الروسية فاغنر. كغيرها من القوى، تسعى موسكو إلى توسيع نفوذها في إفريقيا من خلال ربط علاقات مع النخب العسكرية الصاعدة، وعبر استغلال التضييقيات الغربية ضد الأنظمة الجديدة في مالي وبوركينافاسو. أو من خلال الدعاية المضادة للدعاية الفرنسية، حيث تستفيد موسكو على نحو واضح من الماضي الاستعماري الفرنسي لكي تقلب اللعبة لصالحها. لكن هل تحتاج النخب والشعوب الإفريقية إلى الدعاية الروسية كي تعادي فرنسا وماضيها الاستعماري المستمر في أشكال أخرى؟ تبدو روسيا أو الصين، عوامل ثانوية في مواجهة العامل المركزي لهذا التحول الحاصل.

إن الحل المستدام للخروج من ثنائية الهيمنة الاستعمارية الجديدة أو الحكم العسكري وتعثر مسارات التنمية، هو اتحاد كونفدرالي، اقتصادي ودفاعي لا مركزي، يكون قادرًا على مجابهة تحديات التنمية والسيادة.

في المقابل تقوم السردية الفرنسية على رفض الانقلابات العسكرية بوصفها نقيضًا للعملية الديمقراطية. يبدو الشعار خلابًا وأخلاقيًا ومنطقيًا إلى حد بعيد، لكن على الأرض لم تعد الديمقراطية الانتخابية الشكلية، التي كرستها الأنظمة الإفريقية الموالية لفرنسا وبضغط من باريس، تبدو أداة فعالة للتغييرات العميقة التي تطمح إليها الأجيال الجديدة. ولا سبيلًا للتغيير الجذري، ولا معبرًا لتداول سلمي على السلطة. لقد أصبحت الانتخابات نفسها، التي تم تزويرها بشكل دائم، سببًا للصراعات الدموية. ومن جانب آخر، فإن التجارب الديمقراطية الأخيرة لم تفعل الكثير للحد من الفساد. بل على العكس من ذلك، فقد استفادة شبكات الفساد والريع، المرتبطة بالشركات متعددة الجنسيات ولاسيما الفرنسية، من العملية الانتخابية لإضفاء الشرعية وإدامة سلطة النخب القديمة. وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن الانقلابات أصبحت على نحو متزايد السبيل الوحيد لإحداث التغيير، وضمان شكل من أشكال التناوب على رأس الدولة، وتسريع عملية الانتقال بين الأجيال.

لكن هل تملك هذه التغييرات الفوقية، التي تقوم بها نخب عسكرية كانت بالأمس جزءًا من الأنظمة الحاكمة، آفاقًا واضحةً للتغيير؟ تحتاج الإجابة على هذا السؤال دراسة مستفيضة لكل بلد، ولكن بشكل عامٍ يبقى هذا التغيير الفوقي، غير واضح المعالم الإيديولوجية، ناقصًا أو ضبابيًا إلى حد ما. وفي حال فرضنا تجاوزًا أن هذه النخب الحاكمة الجديدة، ورغم خلفيتها العسكرية، تملك رؤية واضحةً لسلوك طريق التحرر الحقيقي، سياديًا وتنمويًا، فإن قدرة الدولة الوطنية الضيقة، التي ظهرت بعد الاستعمار، وضمن الحدود التي وضعها المستعمر، على تحقيق القدر الأدنى من السيادة والتنمية ستكون محدودة أو منعدمة. حيث تعاني هذه الدول من مشاكل عدم التكامل فيما بينها، وهي الثغرة التي نجحت فرنسا من خلالها في السيطرة على المنطقة.

لذلك فإن الحل المستدام للخروج من ثنائية الهيمنة الاستعمارية الجديدة أو الحكم العسكري وتعثر مسارات التنمية، هو اتحاد كونفدرالي، اقتصادي ودفاعي لا مركزي، يكون قادرًا على مجابهة تحديات التنمية والسيادة وينزع عن المنطقة الطابع البريتوري في هيمنة النخب العسكرية. لكن الواضح أن إفريقيا الغربية تدخل طورًا جديدًا من تاريخها. عالم جديد يولد فيها ومن خلالها وآخر يموت إلى غير رجعة، وفي ذلك الفراغ بينهما، تظهر أعراض المرحلة الانتقالية المضطربة.

  • الهوامش

    [1] 18 FÉVRIER 1964, LA FRANCE ÉVITE AU GABON UNE PRISE DE LA «M’BASTILLE» ! – INTERNATIONAL YOUNG TRIBUNE – septembre 6, 2016

    [2] Philippe Alcoy – Coup d’Etat au Gabon. « Fin du régime » ou tentative d’éviter une explosion sociale? – Révolution Permanente -1er septembre 2023

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية