لم يتوهم أحد بحياد غربي مفترض في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر وانطلاق «طوفان الأقصى»، فضلًا عن أن يكون هناك تعاطف، فهذا أمر بعيد المنال إن لم يكن مستحيلًا. لكن قطاعًا واسعًا من العرب كانوا يتوقعون انحيازًا غربيًا للجانب الإسرائيلي، مغلف -كما جرت العادة- ببعض المواقف المخصصة للاستهلاك الإعلامي، تحمّل بعض المسؤولية للحكومة الإسرائيلية، أو تعطي بعض الحق للفلسطينيين في مقاومة مُحتلهم.
لكن ما حدث فعلًا تعدى الانحياز السافر بصفاقة إلى دخول الصراع على نحو شبه مباشر، لاسيما من طرف الولايات المتحدة. حالة من الهستيريا اجتاحت وسائل الإعلام الغربية وحكوماتها؛ من منع للمظاهرات المساندة لفلسطين، إلى التهديد بتتبع المنشورات الداعمة على وسائل التواصل الاجتماعي قضائيًا، وحتى إلغاء مشاركة مثقفين فلسطينيين في فعاليات ثقافية كانت مبرمجة سلفًا، وفبركة أخبار زائفة حول «وحشية المقاومة» وتداولها على أعلى مستوى. كل تلك الفظائع التي كانت الدول الغربية تصدر من أجلها بيانات التنديد في مواجهة أنظمة عربية أو عالمثالثية أو حتى أنظمة كبرى معادية كروسيا والصين، صارت هذه الدول تقترفها من أجل «إسرائيل». لكن المفارقة تكمن في الخطاب الأخلاقي الذي تصدّره لتبرير انحيازها، ومواءمة مواقفها المنحازة مع أيديولوجيتها «الليبرالية التنويرية»، التي تبني عليها منذ قرنين شرعيتها للهيمنة.
ليس جديدًا أن تنحاز الدول الغربية لـ«إسرائيل»، حيث كانت السبب الرئيسي في ولادتها. لكن الجديد هو اهتراء سردية التنوير الغربي والمنظومة الكونية لحقوق الإنسان، التي شكلت الأرضية الفلسفية والأخلاقية التي سيطرت بها الإمبريالية الغربية على العالم على نحو مباشر حتى النصف الأول من القرن العشرين وبطرق غير مباشرة حتى يومنا هذا. بدا ذلك واضحًا في تناقضات هذه السردية، في اليوم التالي لدخول الجيش الروسي إلى أوكرانيا عام 2022. وأصبح واضحًا بشدة اليوم في فلسطين. وربما يعود ذلك إلى أن «الرجل الأبيض»، بوصفه المكون الأساسي لهذه العقيدة، صار يتخبط، وهو بصدد فقدانه السيطرة على العالم، بعدما بلغ من هم خارج المركز الأورو-أمريكي من الوعي ما جعلهم ينهضون، ويشقون طريقهم نحو التحرر والتحرير.
الحداثة القاتلة
قبل الحديث عن حالة «النزع الأخير» التي يعيشها الغرب بثقافته البيضاء، لابد من العودة إلى جذور سيطرته. عندما كنا صغارًا، وتحت تأثيرات فرانكوفونية فرضتها دولة الحبيب بورقيبة، درسنا على نحو مكثف التاريخ الفرنسي الحديث. كنت دائمًا أقف مشدوهًا أمام قوة الثورة الفرنسية، وقادتها وكلماتهم الثورية المؤثرة، وتطرفهم والسواعد التي حطمت محتشد الباستيل والصياغة البسيطة والواضحة لإعلان حقوق الإنسان والمواطن، الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية وكتبه الماركيز دي لافاييت، عام 1789. بل وكنت أحفظ مقاطع منه: «ولد الناس أحرارًا ويظلون أحرارًا ومتساوين في الحقوق». لكن في الوقت نفسه كنت أقف ذاهلًا أمام ما أنتجته هذه الثورة التحريرية من دولة عنصرية استعمارية، وصل جنودها إلى أطراف بلدتي الصحراوية وقتلوا أسلافي، ومثلوا بجثثهم، دون أن يتركوا المجال بأن يكون لهم قبر يُزار.
لاحقًا، مع التجربة والقراءة، فهمت ألّا مفارقة في الأمر. فحقوق الإنسان والمواطن، التي كان يعنيها الماركيز دي لافاييت، لا تشمل أسلافي ولا أي ملون يحمل صفات بشرية، فهي حكر على الرجال البيض، حتى إن النساء الفرنسيات حُرمن من المساواة التي ضمها الإعلان إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تخوض التحول الليبرالي، من خلال تعزيز قوانين المساواة وحقوق الإنسان، والرأسمالية الأوروبية التي تعزز مكانة الفرد وحرياته العامة والفردية، كانت تستعمر العالم وتقسمه إلى مناطق نفوذ وسيطرة.
إنسان الحداثة الغربية، هو الإنسان الأبيض بالضرورة، وهو كل من ينتمي إلى الفضاء الأوروبي ما دون روسيا، حتى وإن هاجر بعيدًا وأسس المستعمرات في أمريكا الشمالية أو فلسطين. ذلك أن نزع صفة الإنسانية عن أي إنسان تشريع لارتكاب خطيئة الإلغاء الجسدي أو المعنوي ضده، دون أن يكون ذلك الفعل خطيئة تحت أي قانون أو شريعة، وكذلك دون أي شعور بالذنب.
ولذلك فإن جميع الحملات الاستعمارية التي قادتها فرنسا وبريطانيا وهولندا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا، كانت مستندةً إلى سردية أخلاقية تنويرية مفادها نقل الحضارة إلى المستعمرات. فقد كانت هذه الحملات، مسبوقة بتطور الخطاب العنصري الأوروبي تجاه بقية العالم، لاسيما خطاب العلم الذي رسّخ من خلال علماء الطبيعة فكرة المفاضلة بين الأعراق. حيث ظهر في القرن الثامن مجموعة من علماء الطبيعة، مثل السويدي كارولوس لينيوس والفرنسي جورج-لويس لوكلير دي بوفون والألماني يوهان فريدريش بلومنباخ، مدافعين عن إثبات التفوق الجسدي والمعنوي والفكري للأوروبيين، وقد استندوا في ترسيخ نظرياتهم إلى الملاحظات المتعلقة بالبشرة أو حجم وشكل الجماجم أو الأعضاء التناسلية. وظهر ذلك بشكل مثير للاشمئزاز في التجارب الطبية التي قام بها الأطباء الأوروبيين في إفريقيا.[1]
في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تخوض التحول الليبرالي، من خلال تعزيز قوانين المساواة وحقوق الإنسان، والرأسمالية الأوروبية التي تعزز مكانة الفرد وحرياته العامة والفردية، كانت أوروبا نفسها، تخوض أبشع المراحل في تاريخ البشرية من خلال الاستعمار، مقتسمةً العالم إلى مناطق نفوذ وسيطرة. والمفارقة أن أغلب النخب الأوروبية التي كانت تنادي بالحريات والمساواة في دولها كانت إما تساند الحملات الاستعمارية، المكللة بالقتل والتعذيب ومصادرة الأراضي والتهجير والنفي، أو لا تبالي بما يجري في المستعمرات. وحين نفكك مفهوم الإنسان في معجم التنوير الغربي، تكف المفارقة عن أن تكون مفارقة، حيث إن الإنسان المشار إليه هو الأوروبي الأبيض حصرًا. المشمول وحده بامتياز استهلاك قيم الحداثة والتنوير.
هذا المفهوم العنصري والضيق للإنسان، والذي كان فاقعًا وصفيقًا قبل الحرب العالمية الثانية، وأفضى إلى بروز الفاشية والنازية، التي تمثل الوجه الحقيقي للحداثة الغربية بلا قناع، أصبح بعد الحرب أقل صفاقة، حيث كانت الإمبريالية تحتاج إلى سلوك طريق جديد للسيطرة على المستعمرات القديمة دون أن تحتلها، وتحتاج في الوقت نفسه إلى خطاب أخلاقي مضاد للاشتراكية الصاعدة وخطابها المدافع عن العدالة الاجتماعية والمساواة. ومع ذلك، في الوقت الذي فرغت فيه فرنسا، مثلًا من تحرير نفسها من الاحتلال النازي، بمساعدة قطاع كبير من الجزائريين والتونسيين والمغاربة، عاودت الالتفات إلى مستعمراتها في شمال إفريقيا رافضةً أن تمنحها استقلالها.
بالعودة إلى نقاش النخب الفرنسية حينذاك حول هذه المفارقة، دافع قطاع منهم عن فكرة أن هؤلاء الرعاع العرب لا يستحقون شرف حق المقاومة الذي استحقته المقاومة الفرنسية ضد النازية! دون إغفال دور كبير خاضه فرنسيون -يساريون بالأساس- ضد هذه النزعة العنصرية. لكن العامل الوحيد الذي هزم هذه العنصرية هو أن «أولئك العرب الرعاع» انتزعوا وحدهم حقهم في مقاومة احتلال، ظن الجميع بعد قرن وثلاثة عقود في الجزائر أنه لن ينتهي.
«إسرائيل» بوصفها مشروعًا غربيًا
تمثل «إسرائيل» فائض حل مشكلة صراع الإمبرياليات الغربية خلال النصف الأول من القرن العشرين. بعد حرب عالمية ثانية، أراد المنتصرون التخلص من عبء ثقيل اسمه اليهود وما لحقهم من مآسي. ذلك أن العقيدة الصهيونية وحدها، لم تكن كافية لتأسيس دولة. رغم أن بريطانيا كانت تفكر باكرًا في التخلص منهم.
إن «إسرائيل» قبل أن تكون مشروعًا استعماريًا مدفوعًا بنزوع قومي متطرف، هي مشروع غربي، وكل هذا الصراع الدائر منذ ثمانية عقود يتحرك في فائض حل المشكلة الغربية، القائمة على ركيزتين؛ الأولى أخلاقية تتعلق بشعور الذنب الذي يشعر به الرجل الأبيض الغربي الذي ساهم في إبادة يهود أوروبا، والثانية خلق كيان في تناقض مع محيطه العرقي والديني، يكون مجال نفوذ للسيطرة على المنطقة والتحكم فيها. فقد شكل انسحاب الإمبريالية البريطانية من الشرق الأوسط سيناريو مماثل لما وقع مع تقسيم الهند. واحتفظت بريطانيا بمعظم مواقعها الاقتصادية والمالية في المنطقة ضمن الدولتين، اليهودية والعربية. أما بالنسبة للإمبريالية الأمريكية، كما هو الحال بالنسبة للبيروقراطية السوفييتية، فإن قبول التقسيم كان يعني تصفية الانتداب البريطاني وفتح الصراع على وراثة المواقع المهجورة.[2]
لم تكن «إسرائيل»، التي ولدت عام 1948، مشروعًا غربيًا من حيث الأهداف والتكوين فحسب، بل من حيث الديموغرافيا أيضًا. فقد شكل اليهود الغربيون المكون الأساسي للدولة الجديدة، والفئة العرقية المهيمنة على السلطة والثروة. حيث كانت النخبة المؤسسة علمانيةً ومتأثرةً بالاشتراكية، ولا تملك من اليهودية سوى وشائج عاطفية وثقافية بسيطة. ذهب هؤلاء إلى فلسطين لإقامة دولتهم، وأخذوا معهم مفهومهم العنصري للإنسان، الذي ظهر بوضوح خلال النكبة، والتطهير العرقي الذي رافقها، قتلًا وتهجيرًا. حيث أصبح الاحتفال باستقلال «إسرائيل» محيلًا بالضرورة إلى الإبادة، في تماثل تامّ مع النموذج الأمريكي، القائم على بناء أمة فوق جثة أمة أخرى. مع أن ما حدث في النكبة، هو ما حدث تمامًا في حرب التطهير العرقي في صربيا ورواندا وغيرها من الدول التي سارعت الولايات المتحدة وأوروبا إلى التنديد بها ودفعت الأمم المتحدة لإصدار تقارير وفرض عقوبات ضدها، لا حبًا في ضحاياها بل لأنها تناصب أنظمتها العداء.
لا تتعلق العنصرية هذه بالعربي فقط، بل حتى باليهودي الشرقي. بعد موجة الهجرة إلى «إسرائيل» في الخمسينيات وهجرة الآلاف من يهود الدول العربية وإيران وتركيا، أراد بن غوريون والصهاينة اليساريون «إحداث ثورة ثقافية»، أي فصل هؤلاء عن ثقافتهم وتحويلهم إلى أسلوب حياة مماثل ليهود أوروبا، فالمهاجرون الجدد الذين وصلوا إلى دولة تُقدَّم لهم على أنّها موطن اليهودية، لم يكن لديهم المفهوم نفسه عن اليهودية الذي لدى غالبية الأشكناز الذين يريدون فصل الدين عن الدولة. ولإدماجهم فُرِضت عليهم ملابس جديدة غربية، وجرى حشرهم في معسكرات انتقالية ذات ظروف معيشية مهينة وبعيدة عن مناطق العمل. كما فُصل آلاف الأطفال اليمنيين عن آبائهم «من أجل التطعيم»، وأعلنت وفاتهم، ليتبيّن أن غالبيتهم وُضِعوا لدى عائلات يهودية غربية، لتصنع منهم بيضًا يستحقون صفة الإنسان.
تراكمُ التمييز الذي تعرض له يهود الشرق ليسبب استياءً لدى الصهاينة اليساريين العلمانيين، ومزيدًا من الانكماش الاجتماعي لدى قطاع كبير من اليهود الشرقيين دفع إلى عودتهم إلى الدين، واقترابهم لاحقًا من اليمين الذي كان واعيًا بهذه الظاهرة ومستغلًا لها. بفضل تصويت يهود الشرق، سيغدو مناحيم بيغن رئيسًا للوزراء عام 1977، ويستولي اليمين الصهيوني على السلطة.[3]
الرجل الأبيض في متاهته
شكل الأساس العنصري، الذي طال حتى قطاعًا من اليهود، عقيدة الغرب بثقافته البيضاء. فيما تحولت «كونية حقوق الإنسان» إلى مجرد أداة للسياسة الخارجية للدول الغربية تستعملها وفقًا معيار واحد هو مدى قربها أو بعدها من الأنظمة الحاكمة خارج المركز الأورو-أمريكي. خلال عقود طويلة تلت الحرب العالمية الثانية، تمتع الغرب بسيطرة مديدة على جزء كبير من العالم، ليس عسكريًا واقتصاديًا فحسب، بل وثقافيًا أيضًا. حيث كانت سرديته الأخلاقية التنويرية مهيمنة إلى حد كبير.
ورغم سياستها المنحازة، حافظت الإمبريالية الغربية على قدر من التوازن في الدفاع عن هذه السردية، كما جعلت منها أداةً لسياستها الخارجية في مواجهة المعسكر الاشتراكي، الذي كان يعاني حقًا من فقر حقوقي لا يمكن إنكاره، إلا أن هذه الإمبريالية كانت في الوقت نفسه داعمًا قويًا لأنظمة سلطوية عسكرية في أمريكا اللاتينية وأنظمة إقطاعية في إفريقيا والعالم العربي. غير أن سقوط الاتحاد السوفياتي، أعطى بعدًا كونيًا للعقيدة الغربية. كانت النخب المتأذية من السلطوية السوفياتية تأمل في أن تجد في «خطاب الديمقراطية الغربية الرأسمالية» بديلًا. وكانت النخب العربية والإفريقية تعتقد في صدق هذا الخطاب، وفي «كونية» هذه العقيدة. شهدت التسعينيات، تحت تأثيرات خطاب «نهاية التاريخ»، صعودًا للديمقراطية التمثيلية المحروسة بقوانين النيوليبرالية. والتي بدأت آثارها الكارثية في الظهور، ليس في دول الأطراف فحسب، بل في المركز الأورو-أمريكي نفسه.
ما الاصطفاف الغربي، السريع والقوي، إلى جانب «إسرائيل» إعلاميًا وسياسيًا، إلا انعكاس شرطي لعنصرية الرجل الأبيض، الذي أصبح يخشى فقدان سيطرته على عالم ظن أن سيطرته عليه نهاية للتاريخ.
وفي مسارٍ موازٍ شرعت دول من خارج هذا المركز في سلوك طريق مختلف للتنمية، حيث كان ذلك أول مؤشرات اهتراء عقيدة الغرب، التي تحتكر طريق التقدم. خلال العشرية الأولى من القرن، وصلت مقولة «نهاية التاريخ» إلى حتفها. وأصبحت أزمة أوروبا بشكلها القديم أو الحديث (أي الولايات المتحدة) واضحةً؛ أزمة مالية نيوليبرالية، وصعود قوى من خارج المركز الإمبريالي، وصعود اليمين الشعبوي، وعودة التدخلات العسكرية المباشرة، إلخ.
توحي هذه المؤشرات بأن عصر هيمنة الرجل الأبيض يعيش هزيعه الأخير. ومنذ دخوله متاهة النهاية، أصبح قناع السردية الأخلاقية أقل سمكًا من قبل، وخطابه العنصري أكثر وضوحًا، لكأنه يعود لتلك الصراحة التي عبر عنها أجداده في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أو صرحت بها نسخته الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية. من نماذج الصراحة ما عبر عنه الإسباني، جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، حين وقف خطيبًا قبل عام، أمام طلبة الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية وقال: «أوروبا حديقة. حيث كل شيء يعمل. إنها أفضل مزيج من الحرية السياسية والازدهار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي الذي يمكن للبشرية أن تبنيه. أمّا بقية العالم فهو عبارة عن أدغال».
بوضوح ودون مواربة يريد رئيس الدبلوماسية الأوروبية أن يقول إن في الغابة والأدغال، موطن الوحوش، يكمن التهديد الحقيقي للحديقة الأوروبية البيضاء المشذبة والمتحضرة، وهو في ذلك يعيد طرح أفكار المحافظين الجدد الأمريكيين، ولا سيما روبرت كاجان، في كتابه «الغابة تنمو مرة أخرى: أمريكا وعالمنا المعطل». وقبلهما آلان ديرشويتز، أستاذ القانون في جامعة هارفارد، الذي دعا إلى قصف المدنيين في لبنان خلال حرب 2006، فقط لأنهم يتشاركون مع المقاومة في لون البشرة والاسم والأرض.
لذلك فإن وصف وزير الحرب الاسرائيلي الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، ليس إلا ترديدًا لصدى عنصرية الرجل الأبيض الكامنة في أعماقه، والتي جاء بها آباؤه إلى فلسطين قبل عقود. هي على نحو آخر امتداد للعنصرية الأوروبية، التي تظهر فاقعة في ساحات الصراع. وما الاصطفاف الغربي، السريع والقوي، إلى جانب «إسرائيل» إعلاميًا وسياسيًا، والمسنود بشخصيات ثقيلة ومشاهير وببسطاء الناس أيضًا، إلا انعكاس شرطي لعنصرية الرجل الأبيض، الذي أصبح يخشى فقدان سيطرته على عالم ظن أن سيطرته عليه نهاية للتاريخ. ومع ذلك لا يجب أن ننسى أن داخل هذا النسيج الأبيض العنصري توجد نزعات مقاومة، يقودها مثقفون وناشطون، لا بدّ من إنصافهم، مع أنهم كانوا وما زالوا قلةً في وجه التيار السائد.
-
الهوامش
[1] Peiretti-Courtis, Delphine. 2021. Corps Noirs Et Médecins Blancs – La Fabrique Du Préjugé Racial Xixe-Xxe Siècles. Paris : La Découverte.
[2] Thèses du groupe trotskyste palestinien – «Quatrième Internationale» n° de juin-juillet 1948, «La Révolution prolétarienne» n°740 (mars-avril 2003).
[3] Thomas Vescovi – L’échec d’une utopie. Une histoire des gauches en Israël – Éditions La Découverte Paris 2021.