كيف أصبحت غزة عاصمة للأطراف المبتورة؟

الأحد 05 أيار 2024
متظاهر في غزة، خلال مسيرات العودة 2018\2019. تصوير محمود حمص

بدت بطولة الألعاب الآسيوية فى إندونيسيا أواخر عام 2018، ولأول مرة، حلمًا قريبًا لعلاء الدالي (27 عامًا)، فبالنسبة لرياضيي الدراجات الهوائية من قطاع غزة كان حلم المشاركة في بطولة خارج القطاع أمرًا مستحيلًا. بعد انتظار أعوام وافق الاحتلال الاسرائيلي على سفره لتمثيل فلسطين في الخارج. إضافة إلى عمله في بناء شبكات الصرف الصحي في القطاع، بدأ علاء وزملاؤه المحترفون تدريبات مكثّفة يومية منذ بداية ذلك العام. لكن وفي يوم الأرض الفلسطيني، في الثلاثين من آذار من عام 2018، خرجت مسيرات العودة الكبرى في العديد من المدن الفلسطينية وعلى رأسها قطاع غزة الذي تظاهر فيه الآلاف على مقربة من الحدود الشرقية للقطاع، وأصيب خلالها مئات الفلسطينيين برصاص الاحتلال، وهو ما حدث مع علاء الذي شارك في المسيرات منذ أسبوعها الأول.

أخذ علاء دراجته وذهب للمشاركة في المسيرة احتجاجًا على حصار غزة الذي منعه من المضي بحلمه الرياضي في تمثيل فلسطين في الخارج وحتى في أراضي الضفة. أطلق جنود جيش الاحتلال عليه الرصاص المتفجر المصُمّم للتشظي في أجساد الضحايا بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الضرر فأصاب فخذه ملحقًا به ضررًا بليغًا. نُقل علاء للمستشفى الأوروبي في رفح، حينئذٍ تفاجأ الأطباء من حجم الإصابة. حاولوا إنقاذ رجله ولكنهم لم يستطيعوا. قدّمَ الأطباء طلبات لنقل علاء إلى مستشفيات رام الله، كما وطلبوا نقله إلى مستشفيات الأردن، لكن الطلبين رفضا من الاحتلال. بعد سبعة أيام من الإصابة قرر الأطباء بتر رجله من فوق الركبة، إذ لم تكن المنظومة الصحية في غزة قادرة على إنقاذ رجله من البتر بسبب الإمكانيات المحدودة.

بعد أن فقد قدمه، انعزل علاء عن العالم الخارجي لشهرين، وشعر بأنه خسر حلمه الذي سعى له منذ أن كان عمره 13 عامًا.

في تلك المسيرات التي امتدت إلى أواخر عام 2019، ردّ الاحتلال على هذه المسيرات بالرصاص الحي والرصاص المطاطي، والتي كانت غالبًا تستهدف الأطراف بشكلٍ متعمّد، حيث نشرت شهادات من قناصة في الجيش يقولون فيها إنهم حصلوا على أوامر من القيادة العليا بالتصويب نحو ركب المتظاهرين وتفتيتها، مما سيتسبب بعاهات مستديمة لهم، ما أدى إلى إجراء 156 عملية بتر، وما لا يقل عن 94 حالة من أصل 156 حالة تم إجراء عمليات بتر ثانية لها بسبب التهابات العظام لاحقًا. كما عمد الاحتلال، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لتمديد مدة انتظار الحصول على تصاريح للمرضى إلى 23 يوم عمل، بالمقارنة بعام 2017 الذي كانت فيه المدة 10 أيام عمل، وغالبًا ما يتم رفضها. ومن بين 604 طلبات تصريح مقدمة للأشخاص المصابين خلال مسيرات العودة، تمت الموافقة على 17% فقط، وتم رفض 28%، ولم يتلق 55% إجابة في الوقت المناسب للموعد الطبي.

قرر علاء ركوب دراجته مرّة أخرى بعد شهرين من إصابته، وحتى قبل إزالة غُرز العملية من رجله. فكّر كثيرًا بالاستسلام ولكنه وجد نفسه أمام رغبة عارمة بالعودة إلى ركوب الدراجة: «بديت أؤسس فكري إني أنا انولدت بهذا البتر. خلص بدي أركب الدراجة، أكنّي أول مرة بدي أركبها بحياتي». وقع كثيرًا وأصيب عدة مرات لمحاولته التوازن على الدراجة. وقد ساعده أول طرف صناعي حصل عليه بعد ستة أشهر من الإصابة إلى حدٍ ما رغم صناعته التقليدية التي لا تحتوي على التقنيات الموجود بالأطراف الذكية. ونجح بعد عامٍ واحد من التوازن على دراجته مرّة أخرى.

حصل علاء على ذلك الطرف من مركز الأطراف الصناعية والشلل والأجهزة التقويمية الذي كان المركز الوحيد المعني بصناعة الأطراف والأجهزة المساندة في القطاع حتى عام 2019 ويعالج المرضى مجانًا. يضاف إلى هذا المركز بعض المعامل التي أسسها أفراد ويصنعون فيها أطرافًا من مواد أكثر بساطة وتوافرًا في السوق. إذ أنه ورغم الإصابات الهائلة التي تؤدي بالغزيين إلى فقد أطرافهم، إلا أن الحصار سبّب تأخرًا في قدرات المنظومة الصحية داخل القطاع. كان المركز قد تأسس كمنظمة غير ربحية عام 1974 ثم تولّت بلدية غزة إدارته، وبسبب التعقيدات التي يفرضها الحصار على دخول المعدات والآليات اللازمة، تتم عملية التصنيع في مشاغل المركز باستخدام آلات يزيد عمرها عن ثلاثين عامًا. تدخلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2007 لدعم المركز للمساعدة على الحصول على هذه المواد، حيث اشترت ونسقت مع الاحتلال لدخول هذه المواد إلى القطاع عبر إجراءات طويلة ومعقدة.

فنيون في مركز الأطراف الصناعية والشلل والأجهزة التقويمية يعملون على تصنيع أطراف صناعية لمن خسروا أطرافهم بفعل استهداف جيش الاحتلال لهم خلال مسيرات العودة 2018.

تصنيع الأطراف محليًا

حتى عام 2009 كان عدد حالات البتر في القطاع نحو خمسة آلاف حالة، معظمها تسبب بها العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008 والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين خلال الانتفاضة الثانية. وبحسب ما نشرت الأمم المتحدة، خلّفت حرب عام 2014 ما يصل إلى 100 حالة بتر جديدة أضيفت إلى 300 حالة خلفها الاحتلال بين 2009 وحتى حزيران 2014. وفي الفترة الممتدة من 2006 إلى 2016 كان متوسط عمر مبتوري الأطراف في غزة 25.6 عامًا وقت الإصابة، وكان 92% منهم ذكورًا ومن حملة الشهادات الجامعية، و63% منهم كانوا المعيلين الوحيدين لأسرهم.

ونظرًا للعدد الهائل من حالات البتر التي لا تتمكن من تلقي أطراف صناعية بسبب نقص الخدمات، لجأ بعض الأطباء إلى حلول أكثر بساطة بتكاليف أقل. يتذكر محمد الخالدي، أخصائي الأطراف الصناعية، مشاهدته من منزله بالقرب من الحدود المصرية الفلسطينية، كيف كانت هذه المنطقة ساحة قتال يستهدف فيها الاحتلال الفلسطينيين مخلّفًا شهداء وأطرافًا مبتورة. وعندما كان طالبًا جامعيًا في تخصص الهندسة الميكانيكية استحدثت جامعته تخصصًا حديثًا ونادرًا وهو أطراف صناعية وجبائر، فقرر الخالدي ترك الهندسة ودراسة ذلك التخصص.

افتتح الخالدي معملًا لصناعة الأطراف الصناعية في رفح عام 2016، لكنه اصطدم مباشرة بواقع معقد للغاية يمنعه من التصنيع بالأدوات المتعارف عليها عالميًا بسبب منع الإسرائيليين دخول معظم المواد اللازمة للتصنيع إلى القطاع. فتوجه لاستخدام مواد متوافرة في السوق، شبيهة بالمواد الطبية مثل الجبس الأمريكي وأنابيب النحاس والسليكون، كما استخدم الأحذية الطبية كقدم صناعية، ورغم بساطتها إلا أن هذه الأطراف يمكن أن تخدم الجرحى مدة عام بأكمله. واجه الخالدي عوائق تمويلية لمشروعه، وكان قد حصل على بعض التمويل لمشاريع يمكن من خلالها تقديم الأطراف بأسعار رخيصة. مع ذلك، كان يصعب على بعض الأشخاص شراء مثل هذه الأطراف بسبب أحوالهم الاقتصادية وضعف القدرة الشرائية رغم أن أسعار الأطراف قد لا تتجاوز الألف دولار. وهو ما جعله يتحول تدريجيًا من صناعة الأطراف إلى صيانتها.

في عام 2019 افتُتح مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية بتمويل وإدارة من «صندوق قطر للتنمية»، ليقدم خدمات التأهيل والكشف المجاني لأمراض الأعصاب والعظام والعضلات ومبتوري الأطراف وانحناء العمود الفقري ومشاكل السمع وزراعة القوقعة. وقد قصف الاحتلال المستشفى بداية عدوانه الحالي على القطاع. 

بتر الأطراف في الحرب الحالية: أرقام غير مسبوقة

في الحرب الحالية على القطاع قدّرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني نهاية كانون الأول من العام الماضي، أن نحو 12 ألف شخص، بينهم نحو 5 آلاف طفل، فقدوا طرفًا أو أكثر بفعل الحرب. علمًا بأن الجمعية لم تتمكن من تحديث أرقامها هذا العام بسبب تدمير القطاع الصحي في غزة.

وبحسب منظمة «أنقذوا الأطفال» فقدَ أكثر من 10 أطفال في المتوسط ​​إحدى ساقيهم أو كلتيهما يوميًا في غزة منذ اندلاع الحرب وعلى مدى الأشهر الثلاثة الأولى، وأجريت عمليات البتر غالبًا دون تخدير ودون توفر مسكنات للألم. ومع غياب المضادات الحيوية ونقص التعقيم، فإن المصاب يتعرض لخطر إجراء عملية بتر ثانية بسبب الالتهاب والعدوى. ولا تتوقف المشكلة في إجراء عملية البتر للأطفال عند هذه النقطة، فخلال مرحلة نمو الطفل تنمو عظامه بالتالي يحتاج الطفل عند مرحلة بلوغه إلى عملية بتر ثانية، لكن وفي ظل الانهيار الكامل للنظام الصحي في القطاع لا يمكن متابعة حالات مبتوري الأطراف أو تقديم الرعاية اللازمة.

خلال الأشهر الستة التي كان علاء ينتظر فيها تركيب الطرف الصناعي، حصل على تأهيل مسبق وإعدادٍ بدني لتركيب الطرف، وبعد تركيبه أُعيدت عملية البتر مرة أخرى، وهو إجراء يمكن حدوثه بالعادة بسبب نمو العظم في منطقة البتر. يمر مبتورو الأطراف بثلاثة مراحل قبل وأثناء وبعد تركيب الطرف الصناعية. فبحسب أحمد العبسي، رئيس قسم الأطراف الصناعية بمستشفى حمد، في الوضع الطبيعي تتم عمليات البتر بتوافر أكبر لإجراءات السلامة منها في حالات الحروب، حيث يُجري العمليات فريق متخصص من أطباء العظام والتخدير والأعصاب، ويتم إغلاق الجزء المبتور دون ترك أية شظايا أو نزيف داخلي، ويمكن أن تجرى عمليات تنظيف دورية للجزء المبتور من الالتهابات.

وتأتي مرحلة التأهيل لتركيب الطرف من خلال العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي وتستغرق عادةً مدة تتراوح ما بين شهر وثلاثة شهور، ويتم فيها تحفيز الجسم لتقبل الطرف الصناعي ثم تستغرق عملية تركيب الطرف مدة أسبوعٍ لأسبوعين. ولكن عدم توافر عدد كبير من مختصي تركيب الأطراف في غزة يشكل عائقًا أمام العلاج.

صيانة طرف صناعي في مركز الأطراف الصناعية والشلل والأجهزة التقويمية في غزة خلال العام 2018.

من الملاحظ أن معظم حالات البتر خلال السبعة أشهر الماضية من الحرب كانت تحتاج إلى عمليات بترٍ أخرى. وهناك من بُترت أطرافهم قبل وصولهم المستشفيات وليس من السهل معالجة مثل هذه البتور بسبب الحروق والالتهابات. وإن نجت أطراف الغزيين من القصف، فعدم تمكنهم من الوصول إلى المستشفيات وبقاء جروحهم دون علاج أيام عديدة، أو انتظارهم الطويل في المستشفيات المكتظة بالجرحى والمصابين ومع نقص الكوادر الطبية يجعل الأطراف المصابة بالجروح معرضة للبتر. كما أن فقر التغذية وفقر الدم اللذين يعاني منهما الغزيون الآن سيؤثر على التئام جروحهم، ومن المقدر إصابتهم بالتهابات صديدية وهو ما يعني أن أطرافهم المصابة ستحتاج إلى بتر. تحتاج معظم حالات البتر الحالية إلى إعادة تقييم من قبل فريق طبي متخصص بتوافر المعدات اللازمة، ما يعيق قدرة المرضى على تركيب أطراف صناعية بأسرع وقت، بحسب العبسي.

يشير اختصاصي جراحة العظام في مستشفى الشفاء هاني بسيسو إلى أن أعدادًا كبيرة من عمليات البتر التي تتم حاليًا في القطاع، لم تكن لتستدعي البتر لو كانت المنظومة الصحية بخير. فالأطباء يلجؤون إلى قرارات البتر من أجل إنقاذ المرضى وبسبب عدم توافر المعدات ونقص الكادر الطبي وعدم القدرة على متابعة العضو المصاب في حال عدم بتره. يقول بسيسو إنه قد اضطر لإجراء عملية البتر لقرابة 50 مصابًا من أصل 500 كانوا في مجمع الشفاء الطبي خلال أسبوعي الحصار الأخير قبل أن يخرج عن الخدمة.

ويشهد القطاع نقصًا حادًا في مواد التخدير، ما يجعل المرضى عرضة للموت بسبب الألم أثناء البتر بدون مخدر أو بسبب النزيف، بحسب بسيسو. فإجراء العمليات بدون التخدير «بالعقل الآدمي مش موجود، بالطب مش موجود، بس مرات يُفرض على الدكتور إنه يعمل حاجات خارج النطاق الآدمي»، إذ إمّا أن يترك المريض للموت وإما أن يحاول الطبيب حتى لو كانت فرص إنقاذه ضئيلة. وهو ما تعرّضت له ابنة أخيه عهد (18 عامًا)، التي أصيبت أثناء الحرب في رجلها، وكان المنزل محاصرًا بالدبابات، فاضطر بسيسو لاتخاذ قرار بتر قدمها لإنقاذ حياتها. ورغم عدم توافر الإمكانيات في المنزل، اتخذ بسيسو من الطاولة سريرًا، وبتر قدمها دون تخدير.

يقول بسيسو إن عهد كانت محظوظة لأن قصتها حصلت على صدىً إعلامي ما مكنها من السفر إلى الولايات المتحدة خلال فترة قصير من أجل العلاج، حتى أن المنظمات المعنية هي من تواصلت معه من أجل مساعدتها للسفر بمرافقة أختها. إلا أنه يذكر أن هنالك المئات من المصابين لا يزالون في القطاع وقد فقدوا أحد أعضائهم على الأقل، بانتظار تحويلة للعلاج في الخارج. بعد حادثة عهد، أخذ بسيسو عهدًا على نفسه بأن يحاول منح أكبر عدد ممكن من الجرحى تحويلات علاجية كخطوة أولى، ولكنه يقول إن الخروج للعلاج في الخارج يتوقف على حظ المريض وعلاقاته، ويشير إلى أن نسبة قليلة من المرضى خرجت من أجل العلاج أثناء الحرب.

ليست هذه الحرب الوحيدة التي عانى فيها الجرحى من الانتظار من أجل أطرافهم. فالإمكانيات الطبية حتى مع وجود مستشفى حمد لم تكن كافية لكل مبتوري الأطراف في قطاع غزة، ومن بينهم إبراهيم عبد الدايم (34 عامًا) الذي تعرض في حرب 2014 إلى بتر قدميه إثر قصف إسرائيلي على مدرسة كان قد نزح وأهله إليها، وقد استشهد والده وأخوه وفقدت والدته عينها وأصيبت ابنته (9 شهور) في عينها.

حصل إبراهيم على العلاج في نابلس بالضفة الغربية، ومكث فيها شهرًا ونصف، ثم عاد إلى غزة، ولكن وضعه الصحي لم يسمح للأطباء بإتمام إجراءات إغلاق النهايات العصبية للجزء المتبقي كما يقول، فكان الألم في موضع البتر قائمًا. كان ينبغي أن يعود إلى نابلس لإكمال علاجه ولكن الاحتلال رفض منحه تصريحًا للخروج من غزة. وأخبره الأطباء في مركز الأطراف الصناعية أنه سيتعذر عليهم تركيب الأطراف الصناعية طالما يشعر بالألم. وفي المقابل، لم يكن بحوزته مبلغ يعينه على إجراء تلك العملية على نفقته، وفقد الأمل طويلًا من العودة للمشي. بعد ذلك عاد للعمل في الزراعة والبناء بقدميه المبتورتين، لأنه لم يحصل على الإعانات الحكومية إذ لم يتم اعتماد اسمه في كشوف الجرحى المستحقين للإعانة بحسب ما يتطلبه القانون الفلسطيني.

حتى بعد أن افتُتح مستشفى حمد، لم يتمكن أيضًا من الحصول على طرف صناعي، فقد أخبره الأطباء هناك أن بإمكانهم توفير طرف صناعية واحدة وأن يدفع هو 3000 دولار للحصول على طرف أخرى. ولكنه لم يستطع أن يتحمل هذه التكاليف لذلك قرر عدم المضي بالعلاج، تحديدًا وأن تركيب طرف واحدة سيؤثر سلبًا على توازنه. فصار مضطرا لتغيير كرسيه المتحرك سنويًا -مقابل 50 دولارًا لمركز الاطراف الصناعية- بسبب سوء البنية التحتية في المنطقة التي يعيش فيها.

ازدادت معاناة إبراهيم بعد الحرب بشدّة، فبعد أن نزحت زوجته وبناته الأربعة في الأسبوع الأول من الحرب، قُصف منزله بعد شهر ونصف من بدء الحرب، لينزح هو الآخر على كرسيه المتحرك من بيت لاهيا شمالًا إلى خان يونس جنوبًا، وهو يقطن حاليًا مع عائلته في خيمة صغيرة تفتقر لمقوّمات الحياة الأساسية، ويعتمد على المساعدات بشكل كبير.

أما الدرّاج علاء الدالي، فقد حصل خلال السنوات الخمس الماضية على أطراف صناعية من مستشفى حمد بشكل دوري، وكانت أكثر تطورًا وأفضل من حيث الراحة وسهولة الحركة، ساعدته الأطراف الصناعية على العودة إلى التمرن على دراجته بشكل منتظم منذ عام 2019. وكوّن فريقًا من مبتوري الأطراف ليتعلموا ركوب الدراجات وليؤسسوا أول فريق دراجات هوائية فلسطيني لذوي الإعاقة مكون من 25 جريحًا.

حصل علاء على ترخيص واعتراف من الاتحاد الأوروبي بفريقه نهاية عام 2020، وبعد أن جاءت الحرب، تقدّم علاء وفريقه للمشاركة بسباق الدراجات الهوائية لذوي الإعاقة في بلجيكا وآخر في إيطاليا، رغم أن معظم أفراد الفريق نزحوا عن مناطقهم. دفع علاء وفريقه بمساعدة من بعض الداعمين حوالي 30 ألف دولار للسفر خارج غزة. ووصلوا إلى مصر آملين بعد هذه المشاركة أن يحصلوا على فرصة لاحقة للالتحاق بالدورة البارالمبية في أيلول المقبل، ولكنهم لا يعلمون مصيرهم بعد هذا السباق، إن كانوا سيعودون إلى غزة في وقتٍ قريب تحديدًا وأنهم تركوا عائلاتهم في غزة من أجل تمثيل فلسطين عالميًا.

في المقابل، يجلس إبراهيم في خيمته مستذكرًا محاولاته الأخيرة بعد الحرب عندما ذهب لمستشفيات رفح ليخبرهم عن مشكلة البتر في أقدامه ويسأل عن إمكانية الحصول على أطراف صناعية، لِيقابل بالرد بأنه لم يعد أولوية أمام الكم الهائل من الجرحى والمصابين الذين يحتاجون لإنقاذ حياتهم أولًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية