«يا ورد مين يشتريك؟»: خسائر مستمرة في قطاع أزهار القطف والزينة

المهندس قاسم الحمصي في مزرعته، تصوير شربل ديسي.

«يا ورد مين يشتريك؟»: خسائر مستمرة في قطاع أزهار القطف والزينة

الأربعاء 08 تموز 2020

 يوم السابع عشر من آذار الماضي، كان المزارعون في بورصة الزهور يجهزون أنفسهم لبيع محصول انتظروه طويلًا، فعيد الأم، وهو ذورة موسم الزهور في الأردن، على بعد أيّام. لكن الأمور لم تسر كما اشتهى المزارعون، إذ صدر قرار الحكومة بإعلان الحظر الشامل وتعطيل كافة أشكال العمل، لتبدأ سلسلة من الخسائر لقطاع أزهار القطف والزينة، لم تتوقف حتى يومنا هذا. «أجو سكروا البورصة باليوم الحاسم، يعني يوم اللي هو كان العالم بتنزل تشتري وبتعبي محلاتها»، يقول المزارع يوسف الخطيب.

يكمل المهندس قاسم الحمصي العام القادم أربعين عامًا في القطاع الزراعي، وكان قد أنشأ مزرعته في البقعة قبل 32 عامًا، ويعتمد إنتاجه على ما يحتاجه السوق المحلّي. بحسب الحمصي فإن المزارع يهيّئ مزرعته لتنتج طوال السنة، لأن دورة إنتاج الزهور والورود تستمر ثلاثة شهور، ويركّز على أن تكون ذروة الإنتاج في شهر آذار وأشهر الصيف.

وهو ما يتفق معه المهندس يحيى النمر الذي أسس عمله منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ويقول إن مواسم السنة تبدأ من عيد الحب في شهر شباط، يليه عيد الأم وعيد الفصح والمناسبات الدينية، وتشكّل أشهر الصيف ذروة الإنتاج والبيع لما يرافقه من أعراس ومناسبات اجتماعية تحضر فيها الزهور بكثرة.

آلاف الزهور تُتلف

إعلان الإغلاق العام في البلاد قبل أربعة أيام من المناسبة الأهم لمزارعي الزهور، أجبر المزارعين على إتلاف محاصيلهم على مدى الشهرين التاليين بشكل مستمر. يصنّف قاسم الحمصي مزرعته على أنها من المزارع المتوسطة في الإنتاج، لاحتوائها قرابة 35 بيتًا بلاستيكيًا، ويقول أنه أتلف لوحده ما يقارب 145 ألف زهرة كانت جاهزة للعرض والبيع. «أنا أتلفت من زهرة المنثور 85 ألف زهرة ومن الجاربيرا 50 ألف، ومن الكالا حوالي 10 آلاف». كان من غير المنطقي بالنسبة للمزارعين ترك مزارعهم وإيقاف الإنتاج أو العناية بالأرض لخشيتهم من فقدانها قيمتها، خاصة في ظل عدم قدرتهم على التخزين، بسبب طبيعة الزهور غير القابلة للتخزين لأكثر من أسبوع، «أنا بسقي بالمزرعة 13 مرة باليوم، بتعرف إذا بسكّر عليها المي يوم واحد بس، بتنزل [قيمتها]، بس بتصير حق البيوت وحق الحديد».

قاسم الحمصي في مزرعته، ويستعرض صور أزهاره التي اضطر لإتلافها.

وكان مازن الغلاييني، مؤسس بورصة الزهور، والخطيب ومثلهم العديد من مزارعين في الغور قد بدأوا موسمهم الزراعي على وقع عاصفة التنين التي ضربت غور الأردن، وفقدَ الخطيب خُمس محصوله هناك جرّاء العاصفة، وتضررت مزرعة الغلاييني بالكامل. «عندي بحدود الـ 30 بيت بلاستيك وقعوا ع الأرض».

ويرى مزارعون التقيناهم أن خسارتهم كانت مركّبة، فعلى الرغم من الإغلاق والتوقف عن العمل والإنتاج في قطاعات كثيرة إلّا أن مصاريفهم بقيت مستمرة، من تسميد وسقاية ورش للمبيدات، وكذلك أجور العمالة المشغّلة المقيمة في المزارع، وصعّب الأمر عليهم عدم مقدرتهم على تحصيل تصاريح للتنقل في الأيام الأولى للحظر. «إحنا يا عمي صرنا بدنا بس ننزل على مزارعنا نشوف إيش صار فيها، العمال مقدروش يطلعوا يشتروا خبز حتى»، يقول خالد*.

تتبع بورصة الزهور لإدارة أمانة عمّان، وتتحصل على رسوم إدارية تبلغ 4% من مجمل البيع. تضم البورصة أربع شركات تسويقية تُعنى بعرض محاصيل المزارعين على التجار وبيعها للجمهور مقابل عمولة تتراوح بين 5-7% من عملية البيع، ويكون الدفع بين المزارع والشركة التسويقية مرتين شهريًا.

بورصة الزهور.

بحسب المهندس إيهاب المعايعة أمين سر جمعية مزارعي أزهار القطف فإن الشيكات الراجعة من تجار الزهور لإحدى الشركات الكبيرة في السوق قاربت 400 ألف دينار خلال شهريْن فقط، «يعني مش إنهم ما بدهم يدفعوا، إنت بتقول على بورصة مغلقة ما بتبيع والمحل مسكر فكيف بده يسدك دينك؟».

تُقدّر جمعية مزارعي أزهار القطف أعداد الزهور التي تم إتلافها بأكثر من ستة ملايين زهرة، منها حوالي ثلاثة ملايين وردة جوري بحسب أرقام غير رسمية، «كله إحنا كبيناه بالوادي (..) الثلاجات بتخزن بس خمسة أيام، خزننّا كثير بس كله راح»، يعقّب الخطيب.

وكانت الجمعية قد تقدّمت بكتاب لرئاسة الوزراء أوضحت أن خسائر القطاع المباشرة بلغت 800 ألف دينار، إلّا أن رئيسها المهندس مازن غلاييني يرى أن الخسائر تتراوح بين مليون ومليون ونصف دينار، وتبعات الخسائر قد تصل إلى أضعاف ذلك إذا ما أخذ بعين الاعتبار محلات بيع أزهار القطف والورود وتوابعها، البالغ عددها 400 محل. وبحسب رئيس جمعية أصحاب محلات الزهور ونباتات الزينة موسى العبد، «تقريبًا المحلات من 10/3 ببلشوا يجهزوا كل إشي، بس سكرونا، وكل بضاعة المحلات أتلفت».

وتضمّن الكتاب مطالبات للحكومة بدعم المزارعين بقروض طويلة الأجل لا تزيد فائدتها عن 2%، وإعفاء مدخلات الإنتاج من أي ضرائب وإعفاء التالف خلال شهري آذار ونيسان من الضريبة، بالإضافة إلى تجديد مطالبات سابقة بتخفيض كلف التصاريح الزراعية للعمّال وتخفيض أجور الشحن الجوّي للمساعدة في تسويق المنتج الأردني خارجًا.

ولطبيعة القطاع فإن عددًا من المزارعين استثمروا عبر فتح محلات لبيع الزهور موازية لمزارعهم، وهو ما حدث مع المهندس قاسم الحمصي الذي تدير زوجته محلًا للورود في عمّان، وبلغت خسائر المحل جراء الإغلاق قرابة 4 آلاف دينار «فتحنا المحل وكبينا كل اللي فيه»، إلّا أن خسائر المحل لا تقارن بخسارة موسم كامل في المزرعة بحسب الحمصي.

محل الورود الذي تديره زوجة الحمصي خلال كورونا.

لم يشكل الفتح التدريجي للقطاعات حلًا للعاملين في القطاع، خاصة مع تغيّر شكل الأعراس، فبحسب العبد ما زال الطلب بحدّه الأدنى في المحلّات خشية القادم، «بنشتغلش، المحلات كلها قاعدة، وكل الاعراس انعملت بدون احتفالات وزهور (..) حتى بيع فردي ما في، شبه معدوم»، وبسبب قلة الطلب في بورصة الزهور بسبب استمرار إغلاق صالات الافراح وقاعات المؤتمرات في الفنادق وغيرها، انخفضت أسعار الزهور بشكل غير مسبوق واضطر بعض المزارعين لبيع محصولهم بأقلّ من سعر التكلفة، «الأسعار كثير متدنية لأنه ما فيه استهلاك، فش سحب، هاي مفروض يكون حق السيخ[1]حوالي ربع دينار، حاليًا بنباع بـ10 قروش، وكلفته علينا 13 [قرش]».

«هينا قاعدين بنّزل بضاعتنا وبنتفرج عليها وإحنا بنبيعها ببلاش إلا ربع (..) إحنا بس بنعيش عالأمل» يقول الخطيب. وعلمت حبر من مصادر رسمية أن أرقام تقارير العرض في السوق قد انخفضت قرابة 50% مقارنةً بالفترة ذاتها (شهري أيّار وحزيران) من العام الماضي، وتبلغ كمية التالف قرابة ثلاثة أطنان أسبوعيًا في الوقت الحالي.

عن قطاع الزهور في الأردن

تأسست جمعية أزهار القطف ونباتات الزينة الأردنية عام 2005، لتشرف على قطاع ينتج حوالي 50 مليون زهرة سنويًا بحسب رئيسها المهندس مازن غلاييني، وكان المزارعون قبل الجمعية ينظّمون سوقًا عامًّا للزهور منذ العام 1984 هي بورصة الزهور. وبحسب أمين صندوق الجمعية المهندس قاسم الحمصي فإنها «تأسست حتى تسهل عملية البيع للمزارعين، لأنه إذا ما كان فيه بورصة بدك تلف على كل محل تعطيه»، قبل أن تندرج تحت نظام الأسواق في أمانة عمان منتصف التسعينيات.

شهد قطاع الزهور منذ تأسيسه محطات عديدة ساهمت في تشكيله. بحسب الغلاييني فإن مجموع مزارعي الزهور في الأردن لم يكن يتجاوز 20 مزارعًا، وشهد القطاع إقبالًا تدريجيًا مع الزمن، وهذا انطبق على المهندس قاسم الحمصي الذي بدأ نهاية الثمانينات مستأجرًا لبيوت بلاستيكية ليتوسع جزئيًا، «لحتى صار عندي حاليًا 35 بيت». وبحسب المهندس يحيى النمر فإن القيود التي فرضتها الحكومة على استيراد الزهور من الخارج لتشجيع الزراعة المحليّة، كانت سببًا في التخصص في زراعة الزهور، «وهذا شجع المزارع للإنتاج عشان يغطي السوق المحلي، بداية القطاع الفعلية بالـ88».

ينتج مزارعو الأردن أكثر من عشرين صنفًا من أزهار القطف ونباتات الزينة، ويتربّع في صدارة الإنتاج الورد الجوري، أزهار الكريز، الليليوم، الجربيرا، بالإضافة إلى المنثور، القرنفل والجبسوفيليا، وينقسم الإنتاج في فصول الصيف والشتاء بحسب خصوصية النباتات، وتتركز الزراعة في وادي الأردن، والمناطق الشفا غورية وتضم البقعة، شمال عمان، ناعور وجرش بالإضافة الى منطقة الشفا وتتمثل بمنطقتي أم العمد والمفرق.

تصدير مؤقت للزهور الأردنية

مع ازدياد أرقام الإنتاج في التسعينات ظهرت محاولات للتصدير وفتح أسواق في الخارج، تحديدًا لدول الخليج، وأنشِئ فرع للبورصة في العاصمة القطرية عام 2000، وبدايات لآخر مثله في دبي، كما فتحت أسواق في لبنان وسوريا، إلّا أن هذه المحاولات بقيت في حيّزها الفردي، «كنا نصدر للخليج، وكان في مزرعة تميزت إنها بتصدر لفرنسا بس علاقات شخصية (..) لكن ما استمرت» بحسب النمر، وأغلق فرع بورصة الدوحة عام 2004 بحسب الغلاييني.

بدأت بوادر انحسار التصدير للخارج بحسب الغلاييني منتصف العقد الماضي، بدخول دول أفريقية مثل كينيا وأثيوبيا وشرق آسيوية كسريلانكا والهند وتايلاند على الأسواق الخليجية، وانسحب على إثر ذلك عدد من المزارعين من القطاع، لكن الأزمة الحقيقية أتت مع إغلاق المعابر الحدودية مع سوريا والعراق عام 2011. 

كما أثّر على السوق ارتفاع كُلف النقل والتصدير، وكذلك ارتفاع كلف الإنتاج مقارنةً بالدول المنتجة الأخرى. بسبب ظروف العناية الخاصة التي تحتاجها بعض الورود. للاستعاضة عن كلفة استيرادها، قام الخطيب قبل أربع سنوات بتجربة تدفئة الشتلات والبيوت البلاستيكية إلّا أنها باءت بالفشل «بالمزرعة بنستورد ورد أحمر من كينيا والإكوادور، جيت أدفّي، دفعنا حوالي 8 آلاف دينار بشهرين راحوا بس ديزل، كلفة التدفئة عنا بالبلد هون كثير عالية». 

ومن الكلف التي يشتكي منها المزارعون أسعار المياه؛ «المي بنشتريها من قطاع خاص وآبار ارتوازية، 80 قرش المتر مكعب، تقريبًا 2000 متر مكعب شهريًا بستهلك»، بالإضافة إلى كلف التدريب والتشغيل العالية للمزارعين، «العامل حتى ييجي بدك 3- 4 أشهر تدرب فيه حتى تقدر تركن عليه يفوت يقص وردة» يقول الحمصي. ويضيف المعايعة أن التصريح الزراعي للعامل الواحد يقارب 600 دينار سنويًا يتحملها المزارع. 

ويقدّر النمر عدد العاملين المستفيدين من القطاع بحوالي خمسة آلاف عامل بصورة مباشر، موزّعين بين عمّال زراعيين معظمهم من الجنسية المصرية، وعاملين في مهن لوجستية مساندة مثل النقل والتسويق والبيع وغيرها.

يقول الدكتور أيمن السلطي القائم بأعمال مساعد الأمين للتسويق الزراعي والجودة، إن وزارة الزراعة سعت لدعم القطاع عبر حماية أهم سبعة أصناف ينتجها الأردن منذ أربعة أعوام. وبحسب السلطي فإن الوزارة تسعى إلى إدراج القطاع في الاتفاقات الثنائية مع دول الخليج تحديدًا لتعويض جزء من الأسواق، «باللقاءات الثنائية صرنا ندرج القطاع بمحادثاتنا واقتراحاتنا التصديرية، بالأول ما كنا نحكي».

ورغم تراجع التصدير للخارج، إلا أن الأردن حافظ على أرقام إنتاجه من الزهور في السنوات التالية بسبب ازدياد الطلب المحلّي وتوسع التسويق داخليًا، بحسب المهندس إيهاب معايعة، أمين سر جمعية مزارعي أزهار القطف. وبحسب الغلاييني فإن ما يتم تداوله سنويًا في بورصة الزهور يتراوح بين 4- 5 مليون دينار، وهو ما يشكل برأي السلطي 1% من الإنتاج الزراعي في الأردن. ومجمل ما يحرّكه القطاع محليًا يتراوح بين 15- 18 مليون دينار تتوزع بين البورصة ومحلات بيع الزهور وتنظيم الحفلات وغيرها.

ويستورد مزارعو الأردن شتلات لأنواع مختلفة من الورود ويقومون بزراعتها محليًا، بناءً على معطيات عديدة أهمها البيئة التي تحتاجها الزهرة، حاجة السوق بالإضافة إلى كلفة إنتاجها.

تشكّل أثيوبيا وكينيا وهولندا المصدر الأساسي في الاستيراد، تليها تايلاند، وسيريلانكا لنباتات الزينة الخضراء، إلّا أن الإنتاج المحلي بحسب جمعية مزارعي أزهار القطف يغطّي بالغالب السوق الأردني، ويضطر المزارعون والتجار للاستيراد في أوقات محددة في السنة كعيد الحب، وفي أوقات لا يكون فيها الإنتاج في ذروته.

يجري حاليًا تنفيذ مشروع بورصة جديدة على طريق المطار بشراكة محلية ودعم هولندي، وتسعى جمعية مزارعي أزهار القطف لأن تجعلها مركزًا إقليميًّا، آملة أن تقدّم الحكومة دعمًا للاستثمار فيها. ويعتقد معايعة أن من الضروري الالتفات الرسمي لقطاع الزهور على صغره، والتوقف عن النظر له بصورة سلبية بغية تطويره. غير أن الدكتور أيمن السلطي يرى أن الوقت ما زال مبكرًا للحديث عن دور إقليمي في ظل المنافسة الحالية، إلّا أنه يرى أن البورصة الجديدة ستساهم في تعزيز السوق المحلّي.

  • الهوامش

    [1] عود الزهرة ويحتوي 4- 15 زهرة بحسب نوعها.

    * اسم مستعار.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية