(نشر هذا المقال على مدوّنة هلمّ جرًا بتاريخ ٢٩ حزيران ٢٠١٥)
أثارت الراية الهاشمية الجديدة، والتي سلّمها الملك للجيش العربي خلال مراسم عسكرية بمناسبة أعياد الجلوس والثورة العربية الكبرى والجيش، العديد من التساؤلات والتفسيرات التي شغلت المجتمع الأردني. هذه الراية التي تحمل عبارة «لا إله إلا الله» والبسملة والحمد والنجمة السباعية، قدّم لنا الديوان الملكي رواية تاريخية لها بأنها راية من رايات الهاشميين رفعت أول مرة أثناء حكم الشريف أبو نمّي لمكة عام 1515.
لم ينتهِ الجدل حول تلك الراية ودلالاتها حتى تفاجأ المواطنون براية جديدة هي راية ولي العهد تم ابتكارها أيضاً لأول مرة. وبعيدًا عن الحقائق الدستورية بعدم وجود أي إطار قانوني لمنصب ولي العهد إلا بكونه وارث العرش عند الاستحقاق، إلا أن ما يلفت النظر هنا هو التّفسير الرسمي لدلالات راية ولي العهد باعتبارها راية دينية يعبّر كل لون من ألوانها عن خلافة إسلامية: من الخلافة العباسية إلى الأموية والفاطمية، بالإضافة إلى كون اللون الأخضر يحمل رمزية مرتبطة تقليديًا بالإسلام والمسلمين كما ورد في تفسير الراية على الموقع الرسمي لولي العهد.
وبعيدًا أيضًا عمّا يُشاع عن سيناريوهات الأردن الكبير والأردن السمين، فإنني سأقبل وللمرة الأولى رواية وزير الإعلام في الحكومة المُغيّبة حول عدم وجود أية نوايا أردنية للتوسع في الجنوب السوري أو الغرب العراقي. لماذا إذاً هذه الرايات التي أصبحت للأسف مثار تندّر حيث تناولت مواقع التواصل الاجتماعي عبارة «راية لكل مواطن»؟ ولمصلحة من الإصرار على استحضار الدول الدينية من التاريخ في تلك الرايات الهاشمية؟
صحيح أن النظام الهاشمي بدأ حُكمه في عهد الملك عبدالله الاول بالشرعية الدينية (الانتساب إلى بيت الرسول) والشرعية العربية (الثورة العربية الكبرى)، ولكن ومنذ عام ١٩٥٢ فإن الدستور الأردني هو الشرعية إذ بموجبه جرى التعاقد ما بين الشعب الأردني والملكية الهاشمية على نظام الحكم السياسي وهو النظام النيابي الملكي الوراثي، وأن العرش يبقى في أسرة الملك عبدالله الاول بن الحسين حسب صريح المادتين 1 و28 من الدستور.
حماية البلد وسط هذا المحيط الملتهب بدماء التفتت والكره والطائفية لن يكون في استحضار الماضي إلى الحاضر، بل في التطلع إلى المستقبل بجرأة وثبات. من المقلق أن يعتقد مطبخ القرار في الأردن أن عليه أن يكون جزءا من هذا الاستقطاب الديني، أو أن محاربة داعش وامثالها يكون من خلال استحضار شرعية دينية. الدولة المدنية والفكر العلمي هما الحل لوقف هذا السرطان الطائفي حولنا في كل مكان.