استهداف «إسرائيل» للمعدات الطبية: من منع إدخالها إلى تعطيلها عمدًا

الأربعاء 08 أيار 2024
مسعف يتفقد المعدات المدمرة في وحدة غسيل الكلى في مجمع الشفاء بعد تدميره. أ ف ب.

في كلّ مرة دُعِي فيها مهندس المعدات الطبية الأردني عثمان الصمادي للذهاب إلى غزة، كان يَسأل: «ما الحاجة لي؟». لكن في واحد من الاجتماعات التي تُعقد عبر الإنترنت بين مهندسي وفنيي المعدات الطبية في غزة والأردن لمناقشة إصلاح بعض المعدات الطبية المتضررة في الحرب، حدّد مهندس أردني آخر يدعى عمر عبيدات المشكلة في جهاز التصوير المقطعي (CT scan) الخاص بمستشفى غزة الأوروبي بعد توقّف الجهاز عن العمل لأسابيع. كانت الأعطال الجزئية للجهاز مرتبطة بالحاجة لاستبدال منظومة التبريد الخاصة به (Cooling System)، ورغم أن عملية تغيير هذه المنظومة سهلة تقنيًا لكن الحصول عليها في غزة لم يكن ممكنًا.

ظل الصمادي يبحث لأيام عن القطعة اللازمة في عمّان، ولَمْ تُجدِ مراسلات الشركة المصنّعة نفعًا في تأمينها؛ «قد ما جهاز التصوير اللي في غزة قديم، مستحيل تلاقيله قطع غيار جديدة». قبل ثلاثة أيام من موعد انطلاق الوفد الطبي الثامن لمنظمة رحمة الدولية إلى غزة، تواصلتْ شركة طبية محلية مع الصمادي لتخبره باحتفاظها في مخازنها بجهاز تصوير مقطعي معطّل مشابه لموديل الجهاز المطلوب. أرسل الصمادي صورة عن جواز سفره للجهة المنظمة حتى قبل أن يصل لمخزن الشركة حيث حصل على منظومة تبريد بديلة يمكنه استخدامها لإصلاح آخر جهاز تصوير مقطعي في غزة، ضمن مهمّة أكبر تهدف لتحديد احتياجات القطاع الصحي الطارئة بحثًا عن حلول لها.

قبل الحرب الأخيرة، كان في المستشفيات الحكومية في غزة ثلاثة أجهزة تصوير مقطعي فقط، تخدم أكثر من مليوني شخص، موزعة ما بين مجمع الشفاء ومستشفى ناصر ومستشفى غزة الأوروبي. دُمّر الجهاز الأول بالكامل بعد إحراقه في استهداف مجمع الشفاء الأخير، في حين عَطّل اقتحام مستشفى ناصر جهاز التصوير المقطعي هناك. عندما وصل الصمادي مستشفى غزة الأوروبي، عملَ على تغيير منظومة التبريد في جهاز التصوير المقطعي وأصلح برفقة فنيي القطاع أعطالًا أخرى مثل القطعة المسؤولة عن إزالة اضطرابات الصورة، حتى عملَ الجهاز بكفاءة 90%.

يُمكِّن جهاز التصوير المقطعي من التشخيص الدقيق للإصابات، إذ يسمح للجراحين وأطباء التخدير بتخطيط تدخلاتهم، والأهم أنه يجعلهم على دراية بالإصابات الخفية سريريًا. جهاز التصوير المقطعي هو واحد من عشرات الأجهزة الطبية الكبرى والمركزية في تقديم الرعاية الصحية في المستشفيات، والتي على مدى سنوات حرم الاحتلال الفلسطينيين في غزة من الحصول عليها ومن تحديث ما يتوفر عندهم منها، وفي الحرب الحالية تضاعف الوضع سوءًا.

الحصار يطال الأجهزة الطبية

يرتبط توفير الأجهزة الطبية في غزة بموافقات الاحتلال على إدخالها للقطاع عبر المعابر التي يُحكم سيطرته عليها. منذ عام 2008 تتعامل «إسرائيل» مع الأجهزة الطبية بوصفها «مزدوجة الاستخدام»، متهمةً المقاومة «باستغلال منهجي وخبيث للشحنات الإنسانية والمدنية للمعدات والبضائع لأغراض إرهابية». ولذلك، كانت تمنع إدخالها أو تماطل في ذلك عبر تقديم الطلبات وفحص كل منها على حدة وتفتيش الأجهزة واحتجازها في المعابر في رحلة قد تستغرق سنوات قبل وصولها غزة. وبعد طول انتظار، وعندما تصل الأجهزة، يكتشف الفلسطينيّون أن بعضها لا يعمل نتيجة إتلاف قوات الاحتلال لها أو بسبب ظروف التخزين.[1]

قالت وزارة الصحة الفلسطينية في كانون الثاني من العام الماضي إن الاحتلال يحتجز منذ أكثر من عام مجموعة من الأجهزة الطبية التي تشمل جهاز القسطرة التداخلية الذي يتيح للطواقم الطبية إنقاذ مرضى الجلطات من الموت والشلل، وأربعة أجهزة أشعة سينية متحركة[2] تتيح تشخيص حالات العظام والكسور داخل غرف العمليات، بالإضافة إلى جهاز أشعة متحرّك خامس[3] يتيح تشخيص وتصوير مرضى العنايات المركزة والمرضى الذين لا يستطيعون الحركة بسبب الشيخوخة والكسور المعقدة، إلى جانب بعض قطع الغيار اللازمة لإصلاح الأجهزة الطبية والتشخيصية المتعطلة والمتراكمة في مستشفيات غزة. وكان الاحتلال قد وافق عام 2021 على 25% فقط من أصل 120 طلبًا قدمتها السلطة الفلسطينية لإدخال الأجهزة الطبية وقطع غيارها إلى غزة.[4]

يقول استشاري جراحة العظام والكسور في مستشفى العودة محمد عُبيد، إن الأجهزة الطبية الكبرى التي يعيق الاحتلال إدخالها تشمل الأجهزة التشخيصية (مثل أجهزة الأشعة العادية والتنظير والأشعة المقطعية والماموجرام والتصوير بالموجات فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي) وأجهزة العمليات (مثل أجهزة التعقيم والتنفس وقياس الوظائف الحيوية والتخدير والشافطة الجراحية) والأجهزة التخصصية (مثل أجهزة القسطرة القلبية وغسيل الكلى) وهي جميعها أساسية لتقديم الرعاية الطبية للمرضى والمصابين.

في ظل الإقبال المرتفع على الأجهزة الطبية بالتزامن مع تصاعد استهدافها، يحاول الأطباء استصلاح المعدات المدمرة أو ترشيد استخدام الأجهزة القليلة المتوفرة لتشخيص مرضاهم وتنفيذ التدخلات الجراحية اللازمة.

قبل الحرب، كانت مستشفيات غزة الحكومية البالغ عددها 13 مستشفى تحوي أربعة أجهزة رنين مغناطيسي،[5] أي أن كل جهاز يخدم حوالي 570 ألف فرد في غزة (بينما يخدم الجهاز الواحد في «إسرائيل» ما لا يزيد عن 200 ألف فرد)، وعلى 22 جهاز أشعة عادي (X-ray)، ثمانية منها خرجت عن الخدمة منذ عام 2021 بسبب الضغط الشديد الذي رافق استخدامها للكشف عن مدى التهابات الرئة لمصابي فيروس كورونا. أمّا أجهزة غسيل الكلى، فقد بلغ عددها 182 جهازًا موزعة على ست مستشفيات[6] ليخدم الواحد منها أكثر من ألف مريض.[7] يقول مهندس المعدات الطبية، عبد الرحمن دبور، إن كفاءة المعدات الطبية مرتبطة بمعدل الإقبال عليها، وفي ظل النقص الحاد لهذه الأجهزة، فإنها تخدم في غزة عددًا أكبر مما تحتمل وفوق قدرتها الاعتيادية ولمدة أطول من عمرها الافتراضي. مثلًا، تُوصي المنظمات الطبية ومصنّعو الأجهزة باستبدال معدات التصوير، كجهاز الألترا ساوند، كل خمس إلى سبع سنوات، في حين يصل عمر هذه الأجهزة في القطاع ما بين 10 إلى 15 سنة.

استغرق إصلاح أحد أجهزة الرنين المغناطيسي في غزة عام 2022 تسعة أشهر حتى توفرت القطعة اللازمة. ونتيجة الحصار، فإنه عندما يتعطل جهاز طبي تكون الخيارات أمام مهندسي وفنيي المعدات الطبية محدودة وتتمثل إما بالمضي ببروتوكول الصيانة الرسمي عبر التواصل مع الشركة الأم وانتظار ردها بإرسال القطع وانتظار الموافقة الإسرائيلية على إدخالها للقطاع، أو التعامل مع الجهاز بالخبرة عبر «ترقيعه» لأداء مهامه الأساسية في ظل الحاجة الملحة لوجوده، أو إخراجه عن الخدمة وانتظار استبداله في حال لم تتوافر الخبرات المختصة للتعامل معه.

يقول دبور: «بالعادة بشغل دماغي وبفتح الجهاز وبصلحه لأنه معنديش بديل»، ويضيف أن المشكلة في هذا الشكل من الصيانة هو أنه قد يأتي على حساب إتلاف مهام ثانوية هامة للجهاز مقابل الحفاظ على قدرة الجهاز على تأدية وظيفته الأساسية، عدا عن أنه بمجرد فتح مكوناته يُلغى التزام الشركة المصنعة بالضمان ويصبح المستشفى مسؤولًا عن أي خلل مستقبلي. يضيف دبور إن انتظار رد من الشركات وكذلك سماح الاحتلال بإدخال قطع الغيار غالبًا ما يكون مرتبطًا بالأجهزة التأهيلية التي لا ينعكس تأخرها اللحظي في خسارة المريض، أما بقية الأجهزة الأساسية فيكونون مضطرين لإصلاحها فورًا مثلما حصل عندما فتح جهاز الشفط (suction) في غرفة العمليات الخاصة بقسم النساء والتوليد لمستشفى القدس قبل عامين في ظل الحاجة الكبيرة له.

يقول الباحث في السياسات الصحية ليث حنبلي إن القطاع الطبي الحكومي يعتمد في تزويده بالمعدات الطبية على المنظمات الدولية التي تقدم تبرعات أو مشاريع ممولة،[8] إذ لا تستطيع موازنة وزارة الصحة تغطية التكاليف الكبيرة لهذه الأجهزة، لكن هذه المنظمات غالبًا ما تفترض أنها تعرف حاجة القطاع بالنيابة عنه دون التواصل مع الأطباء في الميدان، وينتهي بها الحال بتوفير معدات لا يحتاجها القطاع الصحي. «المنظمات الدولية بتحدد للمستشفيات شو تشتري بالتبرعات اللي بتقدمها، مثلًا خذ مليون واشترِ أجهزة ليزر، طيب أنا محتاج أجهزة تنظير، بحكولك الدولة المانحة هيك طلبت».

يقول دبور إن هذا التوجه أدى لتهميش الأجهزة المهمة، ولتكديس عشرات المعدات في المخازن، «ببعثوا أجهزة بدها منظومة صحية مرفهة لإدماجها أو أجهزة مفش تيار كهربائي كافي لتشغيلها بكل غزة، لا المستشفى قادر يتصرف فيها ويبيعها، ولا إلها استخدام فعلي في الأقسام».

منذ السنوات الأولى للحصار، تحديدًا عام 2009، كانت منظمة الصحة العالمية أوصت بتطبيق بروتوكولات أكثر صرامة حيال التبرعات الأجنبية للمعدات الطبية تشمل تنسيق المشتريات مع وزارة الصحة على خلفية تكدّس 500 طن -آنذاك- من المعدات الطبية غير العاملة في مستودعات غزة.[9] بالنسبة لقطاع طبي متهالك وحصار خانق، يقول دبور إن إمكانية تصنيع المعدات الطبية في غزة مستحيلة، خصوصًا الأجهزة التشخيصية، بعكس بعض الأجهزة التأهيلية والمستلزمات الطبية. قام دبور برفقة أخصائية العلاج الطبيعي روزانا سكيك باختراع جهاز محاكاة حركة الحصان لعلاج أطفال الشلل الدماغي. تقول سكيك إن تكلفة شراء هذا الجهاز من الأسواق العالمية تتجاوز الخمسة آلاف دولار، في حين أن تكلفة تصنيع الجهاز في الورش المحلية ومن القطع الطبية المستعملة لم تتجاوز 10% من تكلفة استيراده من الخارج. وقد استخدم هذا الجهاز، قبل الحرب، في مؤسسة خيرية للشلل الدماغي في غزة، حيث يستخدمه الأطفال أسبوعيًا في جلسات متخصصة أثبتت فاعليتها في تحسين قدرتهم على أداء مهامهم اليومية البسيطة مثل المشي وتناول الطعام والذهاب للحمام.

تدمير متعمد وتدخلات طبية منقوصة

شهدت الحرب الحالية على غزة أوسع استهداف للقطاع الطبي والأجهزة الطبية. فخرجت 32 مستشفى و35 مركز صحي عن الخدمة جراء العدوان. وعادت عشر مستشفيات -من أصل 36 مستشفى- للعمل بشكل جزئي، وهو ما يعني انخفاض وظائف المعدات الطبية فيها، مثل معدات التخدير والتنفس الصناعي والأشعة السينية، لحدودها الدنيا.[10] يقدّر حنبلي أن تدمير مستشفى الشفاء وحده بما يشمل جهاز التصوير الطبقي، وجهاز الرنين المغناطيسي، وأجهزة الألترا ساوند، والسيرفرات الموجودة داخل المستشفى، هو تدمير لـ25% من الخدمة الطبية المتخصصة في غزة.

«دمر الاحتلال أجهزة ليست موجودة في القطاع إلا في المجمّع (الشفاء)»، بحسب مدير عام وزارة الصحة منير البرش الذي أكد اعتقال اثنين من الطواقم الهندسية فيه وهما فني ميكانيك المولدات الكهربائية الوحيد، وفني محطات الأكسجين الوحيد. إن الضغط الهائل على المعدات واعتقال الكوادر الطبية والهندسية من شأنه أن ينعكس على شكل سوء استخدام المعدات الطبية. يقول دبور: «الكوادر الخبيرة تعرف كيف تفاضل بين الإصابات لترشيد استخدام المعدات والحفاظ عليها لأطول وقت ممكن».

تدمير المعدات الطبية غير مرتبط بتنفيذ العمليات العسكرية فحسب، إذ إن قطع إمدادات الكهرباء ضمن الحصار الشامل الذي أعلنته «إسرائيل» على غزة منذ اليوم الأول للحرب هدّد عمل الأجهزة الحيوية في المستشفيات، خاصة أقسام الطوارئ والعناية المركزة والعمليات الجراحية وأقسام غسيل الكلى والمختبرات وحضانات الأطفال وأنظمة الأكسجين والغازات الطبية.

لا يؤثر تدمير المعدات الطبية على إمكانية استقبال المصابين وتشخيصهم وعلاجهم فحسب، بل أيضًا على جودة خدمات الرعاية الصحية التي يحتاج لها المرضى المصابون بنزلات البرد والالتهابات وصولًا للأمراض المزمنة وغسيل الكلى.

يؤثر عجز التيار الكهربائي خلال الحرب الحالية على كفاءة عمل المعدات الطبية وحاجتها للصيانة، مثل جهاز الرنين المغناطيسي الذي يحتاج لطاقة كبيرة خصوصًا وأن المولدات نفسها متهالكة بعد منع الاحتلال استبدالها والحاجة لتشغيلها لفترات طويلة. يُذكر أن خمسة فلسطينيين توفوا نتيجة انقطاع الأكسجين بعد توقف المولدات الكهربائية بسبب اقتحام «إسرائيل» لمستشفى ناصر في خان يونس جنوبي قطاع غزة شباط الماضي. وقد خلف الاقتحام الإسرائيلي والحصار المشدد الذي دام 25 يومًا مئات الجثث ودمارًا واسعًا في البنية التحتية. كما رصدت الأمم المتحدة بعد انسحاب الاحتلال منه في 25 شباط «معدات طبية تم تعطيلها عمدًا، وكابلات أجهزة التصوير بالموجات فوق الصوتية وقد تم قصها بالتحديد في أقسام الولادة للمستشفى».

وفي ظل الإقبال المرتفع على الأجهزة الطبية بالتزامن مع تصاعد استهدافها، يحاول الأطباء استصلاح المعدات المدمرة أو ترشيد استخدام الأجهزة القليلة المتوفرة لتشخيص مرضاهم وتنفيذ التدخلات الجراحية اللازمة.

استشاري جراحة العظام والكسور محمد عبيد في مستشفى العودة هو أحد الأطباء الذين يعملون شمالي القطاع حيث لا توجد أجهزة تصوير مقطعي أو رنين مغناطيسي عاملة. قبل الحرب اعتادت كوادر مستشفى العودة إرسال هذه الحالات لمجمع الشفاء، ومع تدمير الأجهزة في بقية المستشفيات وتدمير مستشفى الشفاء، فإنهم يعتمدون الآن على جهازيْن للأشعة السينية والعادية لتشخيص المصابين. كاستشاري جراحة عظام، يكرر عبيد استخدام أجهزة الأشعة العادية والسينية من زوايا مختلفة حتى يكوّن أفضل فهم للإصابة من أجل معرفة عمقها وأثرها وبالتالي تحديد نوع البلاتين اللازم -إن توافر- وطريقة تثبيته. لكن الكوادر الطبية لا تستطيع استخدام هذه الأجهزة لتشخيص كل الحالات حتى لا يتم استنزافها في ظل الأعطال الكثيرة، ما يعني أن معظم الإصابات يجري تشخيصها سريريًا. لا تكون نتائج التدخل الطبي المعتمد على التشخيص السريري مثالية، وقد تنعكس في زيادة معدلات الوفاة أو التسبب بإعاقات كان يمكن تجنبها أو زيادة مخاطر الإصابة بالعدوى. «تخيلي مثلًا جراحات الأعصاب تحتاج التصوير المقطعي لتحديد مكان النزيف في الدماغ، الدكاترة هون بفتحوا الجمجمة وبفرغوا الدماغ الضاغطة على الجهاز العصبي بناءً على خبرتهم»، يقول عبيد.

يشبه هذا الإجراء الطبي «عملية النقب» وهي أقدم إجراء جراحي عرفته البشرية قبل تطور الطب الحديث حيث يثقب الأطباء الجمجمة يدويًا من أجل الكشف عن المشاكل الصحية المرتبطة بالدماغ.[11] ما يعني أن الحرب الحالية على غزة وانعدام المعدات الطبية التي ظهرت منذ القرن التاسع عشر أعادت المنظومة الطبية للقطاع عقودًا للوراء. 

لا يؤثر تدمير المعدات الطبية على إمكانية استقبال المصابين وتشخيصهم وعلاجهم فحسب، بل أيضًا على جودة خدمات الرعاية الصحية التي يحتاج لها المرضى المصابون بنزلات البرد والالتهابات وصولًا للأمراض المزمنة وغسيل الكلى. دمّرت قوات الاحتلال جميع المراكز المتخصصة في تقديم خدمة الغسيل الكلوي (وعددها سبعة)، باستثناء القسمين الموجودين في مستشفى شهداء الأقصى ومستشفى أبو يوسف النجار، واللذيْن أصبحا يعملان على مدار الساعة. كما أسفرت الظروف المعقدة والخطيرة التي يواجهها مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة عن استشهاد 18 مريضًا نتيجة عدم تلقيهم العلاج، عدا عن المرضى الذين استشهدوا جراء الهجمات العسكرية.[12]

يقول حنبلي إن التفكير بالمعدات الطبية لا يفترض أن يكون بمعزل عن المنظومة الصحية ككل، إذ إن بعض الأدوية والمستلزمات مهمة لزيادة جودة وفاعلية الأجهزة.[13] جزء كبير من هذه المستلزمات وصل مخزونه الصفري أثناء الحرب في ظل منع الاحتلال إدخالها. على سبيل المثال؛ أظهرت وثيقة للهلال الأحمر المصري صدرت منتصف كانون الأول الماضي، أن الاحتلال حظر دخول 100 أسطوانة أكسجين ومولد أكسجين واحد و418 من المستلزمات الطبية منذ بدء الحرب، بينها أجهزة الأشعة السينية.

قضى الصمادي أسبوعين في غزة تمكّن خلالها من صيانة جهاز التصوير المقطعي في مستشفى غزة الأوروبي وإصلاح عشرات مولدات الكهرباء بعد جلب قطع الغيار اللازمة لها واستصلاح 20 وحدة غسيل كلى من أصل 70 وحدة مُدمّرة. لكنه غادر غزة على أمل التنسيق مع وفود طبية أخرى لإيصال قطع الغيار اللازمة لإصلاح جهاز التصوير المقطعي في مجمع ناصر. بعد عودته إلى الأردن، يقول الصمادي إنه سيعمل على المتابعة الحثيثة لواقع المعدات الطبية إذ إن معظم الأعطال يمكن إرشاد المهندسين الطبيين على الأرض في غزة لتنفيذها.

  • الهوامش

    [1] بحسب بحث «الأجهزة والمواد المخبرية التشخيصية في المستشفيات العامة في قطاع غزة: الواقع والمأمول»، الصادر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان عام 2013، صفحة 13.

    [2] من نوع C- arm

    [3] من نوع Mobile X-ray

    [4] بحسب تقرير شهري صدر عن منظمة الصحة العالمية عام 2022 بعنوان: «الوصول إلى الصحة: التحديات التي تواجه المرضى في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، صفحة 6.

    [5] الفرق بين أجهزة التصوير المقطعي وأجهزة الرنين المغناطيسي هو أن الأول تستخدم الأشعة السينية في حين تستخدم الثانية المجالات المغناطيسية وموجات الراديو. كما تتفاوت بينهما خصائص الصورة من ناحية القدرة على تصوير الأنسجة بحسب ما يقرره الطبيب بشأن حالة المريض.

    [6] هي الشفاء والناصر والاقصى والنجار والرنتيسي للأطفال والأندونيسي.

    [7] بحسب التقرير السنوي لوزارة الصحة الفلسطينية لعام 2022، صفحة 220.

    [8] بحسب بحث بعنوان «تقييم خدمات التصوير الطبي المتقدمة في المستشفيات الحكومية في غزة»، عام 2018.

    [9] بحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2009 بعنوان «المعدات الطبية في مستشفيات غزة: بين الإدارة الداخلية والحصار الإسرائيلي والتبرعات الخارجية»، صفحة 3.

    [10] بحسب آخر تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية في 27 نيسان الفائت.

    [11]  يستخدم إجراء شبيه بهذا في مجالات محدودة من الطب الحديث بينها جراحة العيون الحديثة حيث يستخدم المنقب (الأداة التي تستخدم للثقب) في جراحة زرع القرنية.

    [12] بحسب ورقة حقائق حول «استهداف المنظومة الصحية وانعكاسها على مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة» صادرة عن مركز الميزان لحقوق الإنسان آذار الماضي، صفحة 3.

    [13] منع الاحتلال عام 2021 مثلا إدخال أكسيد النيتروجين المستخدم في أجهزة العمليات الجراحية والهيليوم المسال المستخدم في تشغيل أجهزة الرنين المغناطيسي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية