«فتحت طلبيّة»: كيف صرتُ وسيطة شي إن؟

الثلاثاء 01 آب 2023
شي إن
تصميم محمد شحادة

توقفت رؤى شاويش أمام صندوق كرتوني مكدّس بأكياس بلاستيكية كُتب عليها شي إن (SHEIN)، ثم قالت: «في كل بيت صار في وسيطة». وقبل أن تتوجه لمقعدٍ في منتصف الغرفة لفرز «الطلبيّات»، أشارت بإصبعها إلى قطعة أنتيك صغيرة قائلة: «شايفة هاي؟ جبتها قبل لتعرف العالم شو يعني وسيطة». تعرّفت رؤى (25 عامًا) على تطبيق شي إن قبل سبع سنوات عبر إعلان شاهدته على إحدى صفحات فيسبوك، كانت حينها على أعتاب دراسة اللغتين الإنجليزية والإيطالية في الجامعة الأردنية. في تلك الفترة، كان شركة شي إن، التي تأسست عام 2008، حديثة العهد في سوق الشرق الأوسط حيث إن أول شحنة بضائع لها كانت عام 2015 إلى السعودية.

عندما تصفحت رؤى التطبيق، بدا لها أن موديلات الملابس مميزة وغير موجودة في السوق، لكن  قيمة مشترياتها لم تكن كافية للحصول على خصم، فأخبرت معارفها من الأقرباء والجيران والصديقات، وحتى من تتعرف عليهن في المواصلات، عن التطبيق ومنتجاته حتى جمعت مشتريات بقيمة 120 دينار حصلت بموجبها على «كود خصم» بقيمة 20% غطّى تكلفة فستانها ورسوم الجمارك، وكانت رسوم الشحن آنذاك مجانية. استدانت رؤى من أخيها هذا المبلغ لتصدر بطاقة فيزا وتربطها بحسابها على شي إن، إذ يشترط التطبيق خصم قيمة الطلب فور تأكيده.[1]

رؤى التي أرادت شراء فستان لم تتجاوز قيمته 20 دينارًا في أول طلبية لها عام 2017، تعمل اليوم كوسيطة شي إن بدوام كامل للطلبات التي لا تقل عن 20 دينارًا: «ما كان ببالي إني أشتغل، بس كان بدي أطلّع أواعيّي ببلاش»، لكنها استمرت لاحقًا بجمع الطلبات والترويج لتطبيق الشركة خصوصًا عندما صار ذلك مجديًا ماديًا، في وقتٍ كانت الوسيطات فيه «بنعدّوا على الأصابع». وكانت خلال دراستها الجامعية قد أنشأت مجموعة على فيسبوك تضم اليوم أكثر من 11 ألف متابع، وتنشر كل يومين منشورًا تقول فيه إنها «فتحت طلبية»، إلى جانب عشرات المنشورات التي تقيّم جودة المنتجات المتنوعة ما بين الملابس والاكسسوارات والقرطاسية والأدوات المنزلية. تشكل هذه المجموعة مجتمعها الصغير من الزبائن، غالبيتهم من الفتيات اللواتي تعاملت معهن سابقًا، ثم توسّعت لتشمل زميلاتها في الجامعة وتجارًا بالجملة ووسيطات أخريات.  

عبر التعليقات ورسائل الفتيات اللواتي يرسلن رابط المنتج أو الكود الخاص به، تدوّن رؤى الطلبيات حتى تجمع ما قيمته حوالي 400 دينار لتنفيذ عملية شراء واحدة. ولأن عملية الشراء الواحدة من شي إن لا يجب أن تتجاوز 99 قطعة، تتجنب رؤى طلبات الإكسسوارات الصغيرة ذات السعر المنخفض فهي تضاعف عدد القطع المطلوبة ولا تحقق لها مردودًا جيدًا. وهي تستعد جيدًا قبل طلب البضائع من التطبيق وكأنها ذاهبة للسوق، إذ تحتاج عملية اختيار العناصر ومواصفاتها، كالقياس واللون، دقة وتركيزًا فائقين: «أي غلطة في الطلب، أنا بتحملها».

بلغت قيمة شي إن -في آخر تقدير مالي- 100 مليار دولار، وهي أعلى من القيمة الإجمالية لعمالقة الأزياء H&M وZara مجتمعين.

قبل تأكيد الطلب، تضيف رؤى كودات الخصم التي حصلت عليها من التطبيق، وتزداد هذه الخصومات، التي تتراوح ما بين 20% و50%، مع ازدياد قيمة الطلبية. في مواسم الإقبال على الشراء، كالأعياد وبدء الدوام الجامعي والمناسبات الاجتماعية في الصيف أو الجمعة السوداء، يقدم التطبيق خصومات على الكميات المحدودة من المنتجات، وهذه خصوماتٌ يستفيد منها الزبائن مباشرة، لكنها تنعكس على الوسيطة في زيادة الإقبال كما تقول رؤى. 

كود الخصم أو القسيمة الترويجية هو وسيلة الربح الثابتة للوسيطات؛ جمع طلبات أكثر ورفع قيمة عملية الشراء الواحدة مع أقل عدد ممكن من العناصر يعني الحصول على خصم أكبر وبالتالي ربح أكثر. تستخدم رؤى وسيلة أخرى لزيادة إيراداتها؛ وهي بطاقة الهدايا، وهي كوبون يمكن شراؤه بمبلغ أقل من قيمته الشرائية، حيث تشتري بطاقة هدايا بقيمة 300 دينار تتيح لها شراء منتجات بقيمة 350 إلى 400 دينار، وهو ما تعتبره رؤى مجديًا للطلبات الكبيرة نسبيًا.

بحسب شروط وأحكام شي إن في «الشرق الأوسط» فإن المستورد مسؤول عن الامتثال لجميع القوانين واللوائح في بلده، بما في ذلك الضرائب والرسوم. حتى بدايات 2021 كانت رؤى تدفع ثمن المنتجات ورسوم الجمارك التي لم تكن محددة آنذاك، إضافة إلى رسوم الشراء الإلكتروني التي تتراوح بين 2% و5% بحسب البنك، ما لم تطلب من الشركة خدمة مدفوعة مثل تغليف المنتجات الزجاجية والقابلة للكسر. «كنت بوصي وإيدي على قلبي» تقول رؤى، هذا لأن الطلبيات قد تكون أحيانًا معفاة من الجمارك، فيما يمكن أن تتجاوز قيمة الطلب نفسه في أحيان أخرى: «بس فكرة الشحن المجاني كانت مدهشة ومشجعة، بتوصي الطلب، بوصلك على باب الدار».

في آذار 2021، استقبلت الوسيطات بحفاوة قرار الجمارك خفض رسوم الطرود التجارية وتحديدها بـ10% من قيمة الطرد، ما أتاح لهن تنظيم الطلبات والأرباح. وفي أواخر العام نفسه، قررت الجمارك رفع نسبة الرسوم إلى 30%، ما أثار استياء بعض وسطاء مواقع التجارة الإلكترونية، لتعود مجددًا إلى 10%، لكن بعد أشهر قليلة من ذلك، ومع بدايات 2022، فرضت شي إن رسوم شحن إضافية بلغت 56 دينارًا على كل طلبية، «حتى لو كانت إسوارة وحدة بس»، ثم خفضتها إلى 18 دينارًا ما زالت سارية حتى الآن.

هكذا، تدفع رؤى عن كل عملية شراء بقيمة 200 دينار رسومًا وضرائب بقيمة 41 دينارًا، تتوزع ما بين 18 دينارًا للشحن و20 دينارًا للجمارك، وثلاثة دنانير للبنك، لذا على الربح أن يتجاوز هذا المبلغ حتى لا تصل الطلبية «بخسارة أو راس بطاقية». تقول رؤى إن هذه الرسوم هي التي تجعل المشترين في حاجة لها كوسيطة، «وإلا كل واحد بوصي لحاله»، وقد كانت تشترط على الزبائن أحيانًا تحمّل نسبة بسيطة من الرسوم تسميها «عمولة» وتتراوح ما بين دينارٍ إلى ثلاثة دنانير. 

عادةً ما تبلغ قيمة كل طلبية لرؤى حوالي 400 إلى 500 دينار، وهو ما يجعل طلبياتها «مؤهلة للشحن المجاني» أحيانًا بحسب عروض يقدمّها التطبيق. مع كودات الخصم وبطاقات الهدايا وعروض أخرى،  وبمعدل 12 إلى 18 طلبية في الشهر، حافظت رؤى على مصدر دخل يساهم مع دخل زوجها في مصاريف المنزل، «بجوز ما كنت حصلتهم لو اشتغلت بتخصصي»، إذ حققت ربحًا شبه مستدام يبلغ 90 إلى 100 دينار عن كل طلبية، باستثناء شهري شباط وآذار من عام 2020 اللذيْن شهدا تعطل حركة الشحن وسلاسل التوريد عالميًا بسبب جائحة كوفيد.

مشروع لكل العائلة

رغم الإغلاقات خلال الجائحة، كانت مبيعات شي إن تنمو عالميًا لتصل إلى ما يقدّر بـ10 مليارات دولار في 2020، وحوالي 16 مليار دولار في عام 2021. في الفترة نفسها، تسببت الجائحة بإغلاق محل للأجهزة الكهربائية كان يعيل أسرة أم بهاء، أربعينية وأم لأربعة أبناء، بعد أن تخلّف بعض المشترين عن سداد أقساط متراكمة عليهم إثر إلغاء قرار حبس المدين، فتراكمت الديون على المحل، وزادت مصاريف المنزل كالإيجار وأعباء الدراسة لابنها في التوجيهي آنذاك: «انكسرنا وبطلنا نلحق»، تقول أم بهاء.

لم تتخيل أم بهاء نفسها قادرة على العمل كوسيطة شي إن، هي التي تركت المدرسة بعد الصف التاسع ولا تتقن بعد استخدام الهاتف الذكي، لكنه كان خيارها الوحيد، خصوصًا أن طبيعة العمل وإمكانية القيام به عن بعد ودون مؤهلات سهّلت الأمر عليها. في آذار 2021، شاهدت أم بهاء سلفتها تبحث عن وسيطة لطلبية ملابس بقيمة 150 دينار، وقررت أن تكون هي هذه الوسيطة، لعلّها تعين زوجها في المصاريف بعدما باع المحل وسدّد الديون وصار يعمل بشكل متقطع. جمعت طلبات إضافية من أقارب آخرين وصديقاتها حتى وصلت قيمة الطلبية 200 دينار، ثم أنشأت حسابًا على تطبيق شي إن بمساعدة ابنتها. 

لأسابيع ظلت أم بهاء مستيقظة كل ليلة حتى الفجر تقريبا بحثًا عن طلبات الزبائن، عبر نشر البوستات على صفحتها الشخصية ومجموعات الوسيطات ومجموعات الطالبات في الجامعات على الفيسبوك والواتساب. تقول إنها أغلقت طلبيات تعرف أنها خسرانة، وأنها تعمدت تقديم خصومات على الطلبات أو تحمّل تكلفة التوصيل على نفقتها، لتؤسس قاعدة من الزبونات، حتى أصبح لديها 10 إلى 15 امرأة يطلبن المنتجات بشكل مستمر من خلالها، بالإضافة إلى شابيْن يطلبان «ستيكرات» سيارات وميداليات وأحذية رياضية. 

شكلت النساء الشريحة الأكبر من زوار ومستخدمي شي إن لعام 2022، بنسبة 65%، وقد تطوّر التطبيق من شركة تجارة إلكترونية عابرة للحدود تبيع أي شيء من الأدوات المنزلية إلى الهواتف، إلى شركة لبيع فساتين زفاف عبر الإنترنت، إلى شركة للموضة السريعة حملت اسم شي إن وأصبحت نموذجًا في تجارة التجزئة، حيث يعرض التطبيق الصيني اليوم 600 ألف منتج لا تقتصر على ملابس النساء فقط.

قامت شركة شي إن على فكرة تجاوز الوسطاء والتجار وأي طرف من شأنه أن يعيق قدرة الأفراد على التسوق الإلكتروني وشراء المنتجات بكبسة زر، لكن بما أنها لا تستطيع تجاوز القوانين المحلية الأردنية، ظهر عمل الوسيطة.

في منزلها، خصصت أم بهاء مستودعًا صغيرًا لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار مربعة لفرز الطلبيّات تسمّيه «المكتب»، فيه أكياس تغليف ودفتر طلبيات وآلة حاسبة. بالنسبة لها العمل كوسيطة هو مشروع العائلة؛ تجمع هي الطلبيات وتفرزها، فيما يوثق ابنها الطلبات في جدول منظم، وتساعدها ابنتها في إتمام الشراء الإلكتروني، أما زوجها فيتولى مهمة التوصيل بدل التعاقد مع إحدى الشركات، لتساهم بخمسين دينارًا من إيجار المنزل تحصل عليها من طلبيتين كل شهر. وتقول إنها تمكنت من تحصيل ربح أعلى عندما سجلت في نادي شي إن (Shein Club)، وهي خدمة مؤقتة تتيح لها دفع حوالي ستة دنانير من أجل الحصول على ثلاث إلى خمس طلبيات معفاة من تكاليف الشحن.

لزيادة أرباحها، قررت أم بهاء منتصف عام 2022 شراء «طلبية لانجري عرايس» على نفقتها لتعرضها على الجروبات بسعر ملائم وتوصيل فوري لا يضطر معه الزبائن للانتظار حوالي أسبوعين لوصول طلباتهم. أرادت أن تنتهز فرصة البيع المفاجئ «flash sale»، وهي خصومات مؤقتة تمنحها شي إن عند شراء كميات كبيرة لقطع محددة من الملابس، لكن الحال انتهى بها إلى بيع هذه الطلبية «بخسارة ومخاجلة» على معارفها حتى تتخلص منها. وقد أدركت حينها أن فكرة تطبيق شي إن بالأساس قائمة على أن يختار الناس ما يريدون شراءه من بين آلاف التصاميم، لا أن يقدم لهم أحد خيارات محدودة.

عمليًا، بدأت شركة شي إن نشاطها كـ«وسيط»، فلم يكن لديها سلسلة إنتاج خاصة بها قبل عام 2014، إذ اعتمدت على عرض صور منتجات المورّدين والتجار الصينيين في مدينة غوانزو على موقعها على الإنترنت، واشترت البضائع منهم بناء على الطلب، حتى قرر مؤسس الشركة كريس شو تشكيل فريق داخلي مسؤول عن التصميمات والنماذج الأولية التي تهدف إلى الإنتاج السريع بالتعاون مع مجموعة من المصانع، أصبح أغلبها لاحقًا ملكًا لشي إن، وتجاوز عددها ستة آلاف مصنع توزع بضاعتها على عشرات المستودعات في الصين وأمريكا وفرنسا وإسبانيا وتركيا. 

ويتم اتخاذ قرارات الإنتاج في الشركة بمساعدة برامج أتمتة خاصة، تحدد بسرعة القطع التي تحظى بشعبية وتعيد ترتيبها تلقائيًا، في حين تقصي تدريجيًا الأنماط الأقل شهرة وتوصي بوقف إنتاجها. ويتم إنتاج كل عنصر مُدرج في التطبيق بأعداد صغيرة (ما بين 50 إلى 100 قطعة)، لكنه عندما يصبح رائجًا، تستثمر الشركة في إنتاج كميات كبيرة منه بأشكال وألوان وأسعار مختلفة، وهو ما يسمى بـ«نموذج سلسلة التوريد الذكي»، الذي يعتمد على التكنولوجيا من أجل تقليل الفائض والتحكم في الإنتاج عن طريق التنبؤ بالمبيعات.

مع أن الوسيطة غير مسؤولة عن جودة القطع، إذ يمكن لكل مشترٍ تصفح التطبيق وتفقد التعليقات على منتجاته قبل اختيار أيّ منها، إلا أن أم بهاء اضطرت في كثير من الأحيان لتحمل المضايقات من بعض الزبائن. أسوأهم بالنسبة لها من يطلب منتجات مكلفة ثم يغلق هاتفه أو حسابه على فيسبوك أو يرفض الاستلام؛ «الأسبوع الماضي وصّت معاي [وحدة]، يوم التوصيل بتحكيلي الرقم غلط»، تتحمل أم بهاء تكلفة هذه الطلبات، ولا تفلح أحيانًا في بيعها، كما لا يمكنها إعادتها للشركة، ما لم يكن الخلل من الشركة نفسها، لأن هذا يعني تحملها رسوم استرجاع وشحن إضافية تفوق قيمة المنتج نفسه.

لا تتحمل شركة شي إن مسؤولية التحديات التي تواجه الوسيطات لأنها لا تدير أو تعترف بعملهن، فحساب الوسيطة على الموقع مثل حساب أي متسوق آخر، وبحسب الشروط والأحكام يمكن للأفراد استخدام الموقع فقط للتسوّق وشراء المنتجات الشخصية، لا لأي استخدام تجاري أو النيابة عن آخرين، باستثناء ما تسمح به الشركة بشكل صريح مسبقًا.

في الأساس، قامت شركة شي إن على فكرة تجاوز الوسطاء والتجار وأي طرف من شأنه أن يعيق قدرة الأفراد على التسوق الإلكتروني وشراء المنتجات بكبسة زر. لكن بما أنها لا تستطيع تجاوز القوانين المحلية الأردنية، فقد أدى وجود الرسوم الجمركية، ثم لاحقًا رسوم الشحن، إلى ظهور عمل الوسيطة التي تجمع الطلبيات حتى تتيح للأفراد تجنب أو تقاسم هذه التكاليف الإضافية. في دول أخرى، السعودية والإمارات مثلًا، حيث لا يوجد رسوم جمركية على منتجات شي إن، وتكاليف رسوم الشحن منخفضة،[2] مع شحن مجاني للمشتريات التي تتجاوز قيمتها سقفًا معينًا،[3] يبدو عمل الوسيطات مختلفًا، فأعدادهن قليلة مقارنة مع الأردن، وأدوارهنّ محدودة تقتصر على العمل في المنصات ذات رسوم الشحن المرتفعة، أو على توصيل البضائع لأسواق خارج الخليج لا تشهد انتشارًا للوسيطات محليًا كمصر والعراق مثلًا.

مع تزايد عدد الوسيطات في الأردن، خسرت أم بهاء زبائن لصالح وسيطات أخريات يُقمن في مناطق قريبة عليهن من أجل توفير تكلفة التوصيل. لهذا ترى أن العمل كوسيطة يزداد صعوبة خصوصًا بالنسبة للوسيطات الجدد اللواتي يتنافسن على جمهور محدود من الزبائن، في ظل محدودية خيارات تطوير العمل أو زيادة تنافسيّته.

العين على منصات أخرى

ليلى* مثلًا واحدة من الوسيطات الجدد، هي طالبة جامعية في تخصص الكيمياء، وقد بدأت العمل كوسيطة نهاية عام 2022، عندما حدّثت صديقتها في الحي عن حاجتها لفرصة عمل تغطي مصروفها اليومي، اقترحت عليها أن تساعدها في العمل في شي إن. هكذا أصبحت ليلى «وسيطة وسيطة» أو «مندوبة» تجمع وتوزّع الطلبات على مستوى جامعتها لصديقتها مقابل نسبة 10% من قيمة الطلب، لكن هذه النسبة لم تكن -في أحسن الأحوال- كافية لتغطية تكاليف المواصلات لأسبوع واحد إلى الجامعة.

كانت ليلى تقابل زميلاتها في إحدى ساحات الكلية لتسجيل طلباتهنّ، ومع أنه يمكنها فعل ذلك عن بعد، إلا أن هذه كانت مساحاتها التسويقية للتعرف على طالبات جديدات، وبناء الثقة معهنّ والتعرّف عليهنّ وجاهيًا وتقليل احتمالات اختفائهن لاحقًا. بعد أسبوعين، تلتقي بهن مرة أخرى في المكان نفسه لتسليم المنتجات وجمع قيمتها.

عندما أدركت ليلى أن ما تقوم به هو الجزء الأصعب من العمل كوسيطة، وأن قيمة تعبها لا تتناسب مع نسبتها من الربح، قررت أن تتوقف عن العمل كمندوبة وتعمل بشكل منفصل عن صديقتها. اقتطعت ليلى 100 دينار من مبلغ مالي أعطاه إياه والدها من أجل رسوم الجامعة، على أمل التمكّن من سدادها قبل حلول الموعد النهائي لدفع الرسوم.

رغم اختلاف دوافعهنّ وتجاربهنّ، تتفق الوسيطات اللواتي قابلناهن أن دورهن سيتلاشى تدريجيًا مع انتشار التسوّق الإلكتروني بين الناس، والعروض المستمرة التي يقدمها تطبيق شي إن.

لم يكن صعبًا عليها إنشاء حساب على تطبيق شي إن ومتابعة العملية، فقد شاهدت صديقتها تفعل ذلك عدة مرات، لكن قيمة الطلبية الصغيرة نسبيًا حالت دون حصولها على أي ربح، عدا تغطية الرسوم والضرائب المستحقة. كان هذا أول درس تعلمته ليلى كوسيطة، لكنها كانت تعزّي نفسها بـ500 نقطة منحها إياها التطبيق لقاء طلبيتها الأولى، حيث تعادل كل 100 نقطة دولارًا واحدًا من المشتريات، ويمكن للمشترين زيادة نقاطهم بعد كل طلبية وعند التعليق على المنتجات أو توصية الأصدقاء بها.

منذ ذلك الحين، لم تغلق ليلى طلبية قبل أن تتمّ 200 دينار، وصارت أكثر انتقائية في قبول الطلبات. خلال ثمانية أشهر، أنجزت ليلى 20 طلبية بمتوسط ربح يعادل 25 دينار لكل منها، إذ توسعت شبكة معارفها إلى بعض الكليات القريبة، وأصبح اسمها مألوفًا ومتداولًا بين الطالبات. وهي تقول إن علاقة زميلاتها بالتطبيق تشبه الإدمان؛ كل منتج يجرّ منتجًا آخر، وما إن تنقر على أيقونة فستان أو ترتّب خيارات البحث بحسب السعر أو تضيف منتجًا إلى عربة التسوق، حتى يقترح التطبيق أنماطًا مشابهة للمنتج الذي يعتقد أن المستخدم يبحث عنه.

يضاف إلى ذلك، أن شي إن يتيح ملابس وإكسسوارات ذات تصاميم مميزة بأسعار رخيصة، بحسب ليلى، فالقميص الذي تعرضه زارا -مثلًا- بقيمة 30 دينار غالبًا ما يكون متوافرًا على شي إن بتصميم مشابه وجودة متوسطة بسعر ثمانية دنانير تقريبًا. كما تعزو ليلى ارتفاع الطلب على منتجات محددة إلى التأثر ببعض مشاهير ومؤثرات منصات التواصل الاجتماعي ممن يستعرضن طلبياتهنّ في الفيديوهات، ويقدّمن كودات للخصم على المنتجات.

بلغت قيمة شي إن -في آخر تقدير مالي- 100 مليار دولار، وهي أعلى من القيمة الإجمالية لعمالقة الأزياء H&M وZara مجتمعين. وتتخذ اليوم من سنغافورة مقرًا لها بعد أن بدأت رحلتها من مكتب صغير استأجره كريس شو في أحد أحياء مدينة نانجينغ الصينية، بعد تخرجه من جامعة تشينغداو للعلوم والتكنولوجيا ورغبته في تطوير مهاراته في تحسين محركات البحث. تضم الشركة عشرة آلاف موظفًا يعمل غالبيتهم في الصين وسنغافورة والولايات المتحدة من أجل إيصال ملايين البضائع، التي يتم إنتاجها في مدة قياسية لا تتجاوز سبعة أيام، من سلاسل التوريد الخاصة بها إلى عتبات المنازل في 200 دولة حول العالم.

رغم اختلاف دوافعهنّ وتجاربهنّ، تتفق رؤى وأم بهاء وليلى أن دورهن كوسيطات سيتلاشى تدريجيًا مع انتشار التسوّق الإلكتروني بين الناس، والعروض المستمرة التي يقدمها تطبيق شي إن، وارتفاع الإقبال على منتجاته التي تناسب الأذواق المختلفة.

حاليًا، تسعى ليلى للعمل كوسيطة في مواقع إلكترونية أخرى مثل مودانيسا وآي هيرب وعلي إكسبرس، لأنها لا تشهد انتشارًا واسعًا للوسيطات مثل شي إن. أما أم بهاء، فلا تتطلع للاستمرار بالعمل كوسيطة إذا ما تحسن مستواهم المعيشي، باستثناء طلبات محدودة أحيانًا من باب التسلية. أما رؤى، وبحكم خبرتها الطويلة التي امتدت لسبع سنوات من العمل كوسيطة، فهي تستعد لافتتاح محل صغير لتأجير بدلات وفساتين أعراس اشترتها من شي إن ومواقع أخرى بهدف عرضها في صالون تجميل.

  • الهوامش

    [1]  باستثناء بعض الدول التي يتاح للمشترين فيها الدفع عند الاستلام.

    [2] تبلغ رسوم الشحن حوالي 30 ريالًا أو درهمًا، أي ما يعادل ستة دنانير فقط.

    [3] تعفى من رسوم الشحن في حال تجاوز قيمة الطلبية 89 دولارا، أي ما يعادل 63 دينارًا تقريبًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية