«خريجون أكثر من الحاجة»: هل يحل تخفيض مقاعد الطب المشكلة؟

من قاعة العناية الحثيثة في مستشفى البشير. تصوير مؤمن ملكاوي.

«خريجون أكثر من الحاجة»: هل يحل تخفيض مقاعد الطب المشكلة؟

الخميس 05 تشرين الأول 2023

رغم حصولها على معدل 96.3 في التوجيهي العلمي، لم تتمكن أريج مسلم من تأمين مقعد لها لدراسة الطب في البرنامج التنافسي بأي من الجامعات الحكومية الستّة، وذلك بعدما قرر مجلس التعليم العالي خفض عدد المقاعد المخصصة لقبول طلبة الطب.

«أكثر إشي ظالم بهذا القرار هو توقيته، ما بزبط قرار بهذا الحجم يطلع قبل يومين من انتهاء تقديم الطلبات»، تقول أريج التي لم تمتلك فرصة للبحث عن بدائل، أبرزها استكشاف جامعات خارج الاردن لدراسة الطب، «انا بديش أتغرّب عن أهلي، بس معيش أدرس موازي كمان»، حيث يتراوح سعر ساعة دراسة الطب البشري على البرنامج الموازي في الجامعات الرسمية بين 150 و200 دينار بحسب الجامعة. «شو هو التخصص اللي مش راكد؟»، تتسائل أريج، معتقدة أن الحديث عن معدلات البطالة وتبريرات جودة التعليم بالنسبة لها «حجج واهية» خصوصًا مع توجه وزارة التعليم العالي لافتتاح كليات طبية خاصة وصل فيها سعر ساعة الطب لـ250 دينار.

كانت أريج واحدة من عشرات الطلبة النظاميين من جيل 2005، أو المعيدين من السنوات السابقة، الذين شاركوا في وقفات احتجاجية توزعت بين مجلس النواب ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ورئاسة الوزراء رفضًا لقرار خفض مقاعد الطب، معتبرين أنه يحملهم عبء حل مشاكل تعليمية راكمتها السياسات الحكومية السابقة. وكان مجلس التعليم العالي قد أعلن في آب الماضي، تخصيص 640 مقعدًا لدراسة تخصص الطب في الجامعات الحكومية، قرر لاحقًا رفعها إلى ألف مقعد، مقارنة بـ2150 مقعدًا العام الماضي، بالاعتماد على واقع العرض والطلب على التخصصات ومعدلات الطاقة الاستيعابية للجامعات، بحسب ما ذكر الموقع الرسمي للوزارة.

لا ينفي أحد، من الطلبة أو أهاليهم أو نقابة الأطباء أو أعضاء مجلس النواب، الحاجة لتخفيض مقاعد الطب مع تزايد معدلات البطالة بين الأطباء، لكن نسبة التخفيض التي بلغت 70% ابتداءً، ثم عُدلت إلى 50%، تزامنت مع تقديم الطلبة للقبول الموحد، حيث كانوا يعتقدون أن الوزارة ستلتزم بنسبة تخفيض 20% من المقاعد السابقة، وهي نسبة كانت أعلنت عنها سابقًا كجزء من خطة للتخفيض التدريجي. مع صدور نتائج القبول الموحد نهاية أيلول، وجد الطلبة المرفوضون في تخصص الطب أنفسهم أمام خيارات باهظة الكلفة في التقدم للبرنامج الموازي أو الكليات الطبية الخاصة المرخصة حديثًا بعد أن تحمّل بعضهم إعادة التوجيهي لأربع سنوات. فكيف بدأت المشكلة؟ وما إشكاليات القرار الأخير وآثاره على الطلبة والواقع التعليمي؟ وكيف نعالج الزيادة المطردة في عدد خريجي كليات الطب؟

نظرة إلى الوراء

بتقدير نقابة الأطباء، يتجاوز عدد طلبة الطب الأردنيين على مقاعد الدراسة في الأردن وخارجها اليوم 30 ألف طالب، وبمعدل تخريج 2500 إلى ثلاثة آلاف طبيب كل عام، لا تتجاوز الحاجة المحلية السنوية من الأطباء 1100 طبيبًا، نصفهم تقريبًا لتعيينات وزارة الصحة ويتوزع النصف الآخر على قطاع الخدمات الطبية والمستشفيات الجامعية والقطاع الخاص، يضاف إليهم حوالي 250 طبيبًا يغادرون سنويًا للعمل خارج الأردن. يعتبر رئيس اللجنة الاعلامية في النقابة، حازم القرالة، أن مخرجات الجامعات أعلى بكثير من حاجة السوق المحلي وما يمكننا تسويقه في السوق الخارجي، قائلًا «إذا بقي الحال كما هو عليه، سنواجه أرقام مرعبة من البطالة إذ وصل عدد الأطباء العاطلين عن العمل عام 2022 أربعة آلاف طبيبًا».

بالعودة خطوةً إلى الوراء، طُبّق نظام الدورة الواحدة في التوجيهي عام 2019، بعد أن أقرّه مجلس التربية والتعليم نهاية عام 2015 كواحدة من توصيات مؤتمر التطوير التربوي. بررت الوزارة النظام بتخفيض نفقات الثانوية العامة وباشرت بعقد امتحان الثانوية العامة في جميع المواد مرة واحدة في نهاية السنة الدراسية بدلًا من مرتين سنويًا، في دورة شتوية وأخرى صيفية. احتجّ حينها الطلبة وأهاليهم لتخوّفهم من زخم المواد الدراسية وتقليص فرصهم في رفع المعدل في الفصل الثاني وموعد الدورة التكميلية التي تتاح للطلبة الذين لم يستكملوا متطلبات النجاح.

يرى منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة (ذبحتونا)، فاخر دعاس، أن الوزارة حينها روّجت لنظام الدورة الواحدة عبر خفض مستوى الامتحانات وتحويل معظم الأسئلة النوعية والمقالية لاختيار من متعدد بشكل أتاح رفع المعدلات بشكل غير مسبوق وأجبر الجامعات على استقبال المزيد من الطلبة دون اعتبارات للطاقة الاستيعابية ومعدلات البطالة وجودة التعليم. شهد عام 2019 حصول 300 طالب على معدل 99% فما فوق في التوجيهي مقارنة ب74 طالب فقط خلال فترة 2012-2018، وقرر حينها مجلس التعليم العالي زيادة عدد الطلبة المقبولين في الجامعات لما يقارب 37 ألفًا مقابل 30 ألفًا العام الماضي.

عام 2019 أيضًا، دفع مجلس التعليم العالي باتجاه قبول جميع طلبة السنة التحضيرية لعام 2018 في تخصصي الطب وطب الأسنان حسب رغبتهم في جامعتي الأردنية والعلوم والتكنولوجيا، بعد وقف العمل بتعليمات السنة التحضيرية التي تفاضل بين الطلبة حسب تعليمات تصدرها الجامعة المعنية، بحيث يتم قبول الطالب في تخصص الطب أو طب الأسنان، وفي حال عدم تحقيق شروط الالتحاق لأحد التخصصين يتم قبوله في تخصص آخر. استمرت أعداد الطلبة المقبولين في الجامعات الرسمية بالتزايد خلال عامي 2020 و2021 حتى تجاوزت 50 ألفًا مع استمرار الطلبة بتحصيل معدلات توجيهي مرتفعة جدًا، فيما تم وصفه بـ«سنة الميّات».

عقّدت الاغلاقات والتدابير الوقائية التي رافقت جائحة كورونا الواقع وجعلت التراجع عن السياسات السابقة أمرًا أصعب. في عام 2022، قرر مجلس التعليم العالي تخفيضًا بنسبة 20% في تخصصي الطب وطب الأسنان من أجل العودة إلى الحد الأعلى المسموح به لأعداد الطلبة المقبولين، وفقًا للطاقة الاستيعابية الخاصة في كل تخصص. قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي آنذاك، عزمي محافظة، إن كليات الطب في الجامعات الأردنية الحكومية[1] تجاوزت طاقتها الاستيعابية، والمقدرة بتسعة آلاف طالب فقط، بما لا يقل عن 150%.

يقول دعاس إن الضغوط النيابية حينها حالت دون تطبيق التخفيض عام 2022 على أن يتم البدء به العام القادم، وذلك لأن هذا القرار الذي يعالج الركود والإشباع بين صفوف الخريجين، لم يترافق مع خطة متكاملة تحافظ على ضمان استمرار توفير الدعم المالي للجامعات، بحسب ما قاله آنذاك رئيس لجنة التعليم والشباب النيابية، طالب الصرايرة. كانت فكرة تخفيض مقاعد الطب بنسبة 20% بحد ذاتها محل ترحيب في الأوساط الأكاديمية، يقول أمين عام وزارة التعليم العالي الأسبق، هاني الضمور، إن هذه النسبة تأخذ في عين الاعتبار التدرّج الذي ستظهر آثاره الإيجابية وغير المفاجئة بعد خمس سنوات، وبذلك، لا تتضرر مصالح الطلبة في تحديد خياراتهم الدراسية والمفاضلة بينها ولا مصالح الجامعات في تخفيف الضغط على مواردها أو تعزيزها لاستيعاب مزيد من الطلبة.

بينما كان طلبة توجيهي من جيل 2005 والطلبة المعيدين من السنوات السابقة يملؤون طلبات قبولهم الموحد لعام 2023 آب الماضي، قلص مجلس التعليم العالي مقاعد الطب أكثر مما كان متوقعًا، فيما وصفه الضمور «بالتغول على استقلالية الجامعات وصلاحية مجلس أمناء الجامعات في تحديد مقاعد قبول الطلبة». لم تفلح احتجاجات الطلبة ومذكرة نيابية وصفت قرار الوزارة بـ«غياب العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة» في إلزام الوزارة بنسبة تخفيض 20%، واستقرت مقاعد طلبة الطب البشري المقبولين لهذا العام على ألف طالب موزعة على الجامعات الرسمية على أن ينخفض عددها إلى 800 مقعد عام 2024 و640 مقعدًا عام 2025، بحسب الخطة التدريجية التي أعلن عنها مجلس التعليم العالي، من أجل «ضبط جودة مخرجات قطاع التعليم العالي والمحافظة على السمعة المتميزة للجامعات الأردنية».

مقاعد قليلة وخيارات محدودة

وصل عدد الطلبة النظاميين من جيل 2005 والحاصلين على المعدلات من 95 إلى 99.75% في الفرع العلمي بحسب نتائج الثانوية العامة الأخيرة إلى 2342 طالب. لو أراد هؤلاء الطلبة التقدم للحصول على مقاعد في الطب، وهو افتراض منطقي بالنسبة لهم في ضوء أن اقل معدل قُبل في تخصص الطب العام الماضي كان 94.95 في جامعة مؤتة، فإنهم سينافسون على 1155 مقعد أتاحها القبول الموحد، تشمل مقاعد طلبة التنافس إلى جانب مقاعد أخرى لها نسب محددة حيث يخصص 20% منها لمقاعد مكرمة الجيش و5% سنوات سابقة و5% مكرمة معلمين و5% توجيهي غير أردني، بالاضافة لنسب متفرقة من أوائل المحافظات والألوية وأبناء الشهداء وأبناء المخيمات.

عدا عن الطلبة النظاميين، يوجد 686 طالب مُعيد من السنوات السابقة، قاموا بإعادة التوجيهي كاملًا أو بعض مواده، بهدف رفع المعدل وتحسين فرص المنافسة على التخصصات في القبول الموحد، رغم أن ذلك يعني أنهم سيصبحون جزءًا من فئة طلبة السنوات السابقة الذين تُخصص لهم السياسة العامة لقبول الطلبة نسبة 5% من المقاعد فقط. «ضيّعت أربع سنين من عمري بعيد توجيهي عشان أدرس طب»، تقول مي عماد، طالبة توجيهي من مواليد 2001، رفضت أن يكون «الحد الأدنى من معدلات القبول» السبب وراء توقفها عن السعي لتحقيق حلمها بأن تصبح طبيبة، وهي تعتقد أن كل معدلات التوجيهي لا تقيس مستويات الطلبة بقدر ما تعكس صبرهم في حفظ المواد وحضور الدروس على المنصات التعليمية الرقمية والتقدم للامتحانات لا أكثر.

حُلم الطب بالنسبة لمي هو حُلم الطفولة الذي يصبح أبعدًا فأبعد، ورغم أن «جيلها صاروا خريجين» بينما هي لم تدخل الجامعة بعد، عوّلت مي على أن معدلها الذي وصل هذا العام إلى 97.9% سيتيح لها معقدًا تنافسيًا بدا لها أقرب ما يكون العام الماضي عندما «وقف معاي الطب على عُشرين». حيث قبلت وزارة التعليم العالي جميع الطلبة المعيدين الحاصلين على معدل 98% فما فوق في تخصصي الطب وطب الأسنان للمنافسة على هذه الشواغر.

درست مي تخصص الأحياء لمدة فصل واحد في الهاشمية سنة 2020 على أمل معادلة بعض المواد بعدما تحصل على مقعد طب، لكنها استنكفت عنه بعدما لم تتمكن من الموازنة بين دراسة التوجيهي ودراسة الجامعة ووظيفة جانبية تعمل بها لتأمين مصاريف التوجيهي، بالإضافة للمراكز والبطاقات الدراسية.

«ببساطة بشوفش حالي بأي تخصص ثاني»، تقول مي التي فقدت الأمل بقبولها في تخصصات طبية أخرى مثل الصيدلة أو التمريض أو المختبرات الطبية، وهي تخصصات كانت متاحة لها العام الماضي. تسخر مي من واقعها قائلة «هو لو في مجال أعيد، بعيد»، لكن مقاعد الطب المتاحة ستكون أقل العام القادم على أية حال بحسب خطة الوزارة للتخفيض، ومن المحتمل تغيّر مناهج التوجيهي. خلال سنوات الإعادة، صدر أيضًا قرار احتساب العلامة الأحدث للطلبة المُعيدين بدلًا من العلامة الأعلى، وقرار وزارة التعليم العالي خفض نسبة المقاعد التي ينافس عليها المعيدين إلى 10% عام 2021، ثم 5% فقط في السنوات اللاحقة، مبررة في تصريح لها آنذاك بالقول إنه ليس من العدالة أن يُقبل الطلبة المعيدين وفقًا لمعدلات القبول التنافسية خصوصًا مع التضخم الكبير في المعدلات، وقد بلغ عدد المعيدين عام 2021 حوالي 12 ألف طالب، حصل 250 منهم على معدلات 95% فما فوق.

وقفة احتجاجية لطلبة توجيهي معيدين أمام مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للمطالبة بزيادة مقاعد الطب، في الرابع من تشرين الأول 2023. تصوير أفنان أبو يحيى.

صهيب الجوهري، هو طالب مُعيد آخر من جيل 2004، حصل العام الماضي على معدل من 91.3% أهّله لدراسة الطب في مصر الذي لم يُقبل فيه على البرنامج التنافسي في الأردن. خلال دراسته الطب في جامعة الزقازيق، يدفع صهيب 4200 دولار سنويًا، لا تشمل مصاريف المعيشة، بعد حصوله على خصم للطلاب الأردنيين. هذا المبلغ لا يغطي دراسة الطب في الأردن على البرنامج الموازي، لكنه كان يأمل أن يستفيد من مكرمة المعلمين (جهة إنفاق) التي يتمتع بها، ولذلك قام صهيب بإعادة امتحانات التوجيهي حتى وصل معدله هذا العام إلى 97.6 على أمل المنافسة مجددًا على مقعد طب ومعادلة مواد الفصل الاول في مصر.

مع نتائج القبول الموحد الأخيرة، حصل كلٌ من مي وصهيب على «سوء اختيار»،[2] أي أن معدلهم لا يؤهلهم لدراسة أي تخصص من الثلاثين خيارًا التي وضعوها في الطلب، تقدم كلاهما بطلب اعتراض على أمل صدور قرار بتخصيص مقاعد إضافية للمعيدين أو إتاحة مقاعد المستنكفين لهم.[3] العام الماضي، قبل التعليم العالي جميع الطلبة المعيدين الحاصلين على معدل 98% فما فوق في تخصصي الطب وطب الأسنان للمنافسة على شواغر الطلبة المستنكفين. في النهاية، قد تضطر مي لدراسة تخصص بعيد كل البعد عن الطب بعد استنفاد جميع الفرص، أما صهيب فسيعود لمصر لدراسة الطب.

التنافس بحسب الكفاءة أم القدرة المالية؟

«بحسسوك إنك بتدرس ببلاش»، تقول سهاد العيادي، أم لطالبة توجيهي، إذ تتراوح تكلفة دراسة ساعة الطب على البرنامج التنافسي في الجامعات الرسمية ما بين 36 و100 دينار. حصلت ابنتها ليان عبيدات، طالبة نظامية، على معدل 100% في الثانوية العامة السعودية، أصبح بعد المُعادلة 99.3%، لكنها لم تُقبل على مقعد تنافسي في الأردن ولا يحق لها كوافدة دراسة الطب في الجامعات الحكومية السعودية. تعتبر ليان نفسها متضررة من قرار تخفيض مقاعد الطب، وهي التي تنافس ضمن فئة الشهادات العربية التي تبلغ 5% من عدد المقاعد، أي ما يعادل 50 مقعدًا فقط تتوزع نسبيًا بحسب عدد الطلبة المتقدمين من كل دولة.

«السنة الماضية نزلنا على الاردن وشفنا السَكَنات وزبطنا أمورنا، ما تخيلنا بوقت إنه ممكن ما يطلعلها بالأردن»، تقول سهاد، التي ترفض تدريس ابنتها في الكليات الطبية الخاصة في الأردن، لتخوفها من جودة التعليم ولتكاليفها الباهظة، ولأن هذه الكليات لم تحصل بعد على الاعتماد الخارجي. تأمل سهاد أن تحصل ابنتها على الأقل على مقعد موازي لا تعرف كيف ستتدبر تكاليفه، وإلا ستضطر للانتظار لعام إضافي حتى تتقدم للكليات الطبية العالمية.

إلى جانب التدرج في تخفيض مقاعد الطب، تقترح سهاد أن يستثمر مجلس التعليم العالي في كفاءة الأطباء الأردنيين الذين ينافسون بالخارج من خلال توسيع الطاقة الاستيعابية للجامعات في ظل تزايد الطلب العالمي على تخصص الطب.[4] 

أما دعاس فيرى أن تخفيض مقاعد التنافس مرتبط أيضًا بتخفيض مقاعد الموازي التي لا ينبغي أن تتجاوز 30% من مجمل قبولات الجامعات، وإذ يشكل الموازي جزءًا من الحل المالي لمعظم الجامعات، فإن أثر تخفيض مقاعد الطب على الجامعات يعني مزيدًا من المديونية أو قرارات رفع الرسوم مثلما قامت الجامعة الهاشمية الشهر الماضي برفع رسوم ساعة تخصص طب الأسنان على البرنامج التنافسي لـ150 دينار أو زيادة القبولات على الموازي بشكل يفوق النسبة المسموحة.

يقول الضمور، والذي شغل منصب رئيس جامعة آل البيت سابقًا، إن الدعم الحكومي من موازنة التعليم العالي للجامعات، والبالغ 70 مليون دينار، غير كافٍ لسداد مديونية الجامعات وتطوير بنيتها التحتية وزيادة عدد الكوادر التدريسية. مؤكدًا ضرورة زيادة هذا المبلغ ليغطي تطوير كليات الطب في الجامعات الحكومية التي تدرّس الطب، وافتتاح كليات طب في جامعات حكومية أخرى أيضًا مثل آل البيت والحسين بن طلال، «إذا عدد الطلاب بزيد، ليش الطاقة الاستيعابية ثابتة؟».

من جهته، يعتبر دعاس أن ترخيص الكليات الطبية الخاصة يجب أن يخضع لمعايير اعتماد جودة صارمة، وكذلك الرسوم الجامعية التي تحددها. ستبدأ جامعتين خاصتين وهما جامعة ابن سينا وجامعة العقبة الطبية باستقبال طلبة الطب وطب الأسنان هذا العام،[5] بالاضافة إلى أربعة جامعات خاصة أخرى استحدثت تخصص طب الأسنان وهي الزرقاء والبترا وعمان الأهلية والعلوم التطبيقية. يشيد دعاس بقرار مجلس التعليم العالي رفع المعدل المطلوب لدراسة الطب بالخارج من 85% إلى 90%، قائلًا إن القرار ينبغي أن ينسحب على الحد الأدنى للقبول في الجامعات الخاصة وطلبة المكارم.

بالنسبة للقرالة، فإن رفع الحد الأدنى سيضبط نوعية خريج الطب، لأنه سيمنع لجوء الطلبة إلى الكليات الطبية ضعيفة المستوى في الخارج، التي تساهم في نسب البطالة بشكل كبير ومن الممكن تخفيضها عبر شراكات التدريب والاختصاص وزيادة الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي، بحيث تزداد التعيينات في مستشفيات الصحة وتساهم في تقديم خدمة صحية مُثلى للمواطنين. يُذكر أن عدد طلبة الطب الأردنيين على مقاعد الدراسة في الخارج يصل إلى 19 ألفًا، موزعين على دول عديدة، نصفهم تقريبًا في مصر وأوكرانيا.

يرى الضمور أن هذه السياسات ينبغي أن يرافقها تغيير في توجّه المجتمع بحيث لا يكون الطب خيارهم الدراسي الأول، بل التخصصات المطلوبة عالميًا في قطاعي الطاقة والتكنولوجيا، لكن على كل الأحوال «ينبغي أن يمتلك الطالب قراره في دراسة تخصصه، لا أن يقرر أهله أو التعليم العالي نيابةً عنه»، بحسب قوله.

تعتبر مي أن قرار تخفيض مقاعد الطب لم يقلل عدد الطلبة الراغبين في دراسة التخصص بقدر ما جعل دراسته حكرًا على المقتدرين ماليًا، إذ يستطيع طالب حصل على معدل 85% ضمان مقعد طب في جامعة خاصة، بينما حُرم عشرات الطلبة الحاصلين على معدلات أعلى من مقاعد طب تنافسية، معتبرة أن «هذا مش تقييم للكفاءة، هذا تقييم للمقدرة المالية».

  • الهوامش

    [1] عددها ستة وهي الجامعة الأردنية والعلوم والتكنولوجيا والهاشمية ومؤتة واليرموك والبلقاء التطبيقية.

    [2] لم تعلن وزارة التعليم العالي، حتى وقت كتابة التقرير، عن عدد الطلبة الحاصلين على نتيجة «غير مقبول» أو «سوء اختيار» لهذا العام.

    [3] يستنكف بعض الطلبة عن التسجيل في دراسة الطب رغم حصولهم على مقعد تنافسي لأسباب عدة أبرزها بُعد مسافة الجامعة عن أماكن سكنهم، أو قبولهم على البرنامج الموازي في جامعة يعتبرونها ذات مستوى أكاديمي أفضل.

    [4] يقدر عدد الأطباء الأردنيين العاملين في الولايات المتحدة مثلًا بنحو 2500 طبيب، بحسب جمعية الأطباء الأردنية الأمريكية.

    [5] وفقًا لقرار وزارة التعليم العالي، غير مسموح أن تقبل كل جامعة أكثر من 40 طالبًا أردنيًا، حيث حدد المجلس قبول 100 طالب لكل جامعة على أن يكون ما نسبته 60% وافدين.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية