حين برّأت محكمة الجنايات الكبرى زكريا* من تهمة قتل شقيقته التي تبين لاحقًا أنها على قيد الحياة، لم يكن ليفرح كما قد يُتوقع منه، فذلك الحكم صدر بعد عام ونصف من توقيفه.
تعود الذاكرة بزكريا لليوم الذي أُبلغت فيه عائلته باختفاء شقيقته المتزوجة من رجل يحمل جنسية عربية. فرغم مرور 15 عامًا على هذه القصة، لا تزال تفاصيلها وندوبها تطارد زكريا حتى اليوم. يقول زكريا الذي كان في السابعة والعشرين من عمره في حينه: «رنّ مركز أمن الرصيفة على بيتنا، وحكوا لأبوي لقينا بنتك المختفية»، لكنهم لم يخبروه أنهم وجدوها مقتولة. وعندما ذهب الأب لإحضارها، قبضت عليه الشرطة.
بعد أيام أُفرج عن الوالد، واحتجز زكريا بتهمة قتل شقيقته في قسم البحث الجنائي في جرش لعشرة أيام قبل مثوله أمام المدعي العام، بحسب محاميه رامي الحموي.
حين حكمت ببراءة زكريا، قالت محكمة الجنايات الكبرى في قرارها إنها «تشك في اعتراف المتهم أمام الشرطة وما استتبعه من إجراءات ولا تطمئن إليه، كونه قد ثبت لها أنه أُخذ من المتهم عن طريق الإكراه والضرب والتعذيب، ولا تأخذ به. وبالتالي، تسقط المحكمة هذا الاعتراف. كما تسقط المحكمة أقوال شهود النيابة المنصبّة على هذا الاعتراف وما استتبعها من إجراءات (…) وبهذا فإنه لم يبق أي دليل يربط المتهم بما أُسند إليه».
يستحضر زكريا ذلك المشهد، حين وقف مشدوهًا يسمع أحكامًا بالإعدام على من سبقه من متهمين. وفجأة تنتهي محاكمته وسط تكبيرات من والده وكثير من الضجيج، لم يصحُ منه حتى سأله أحد رجال الشرطة «ما بالك؟ افرح، لقد حصلت على البراءة!».
خلف القضبان قبل صدور الحكم
قضية زكريا لا تختلف عن قصص آخرين تعرضوا للتوقيف وتداعياته أثناء مواجهة تهم غير مكتملة الأركان قبل أن تبرئهم المحكمة. ويبقى هؤلاء خارج دائرة الإنصاف لأن القوانين الأردنية تخلو من نصوص تعوضهم ماديًا ومعنويًا عن فترة التوقيف.
ويرى محامون وهيئات حقوق إنسان أن الحكومة لا تمتثل للمواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة رغم مصادقتها عليها. ورغم تكرار المطالبات، لم تكتمل مقترحات نيابية بتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، بحيث يتضمن نصًا صريحًا بتعويض المتضررين.
ويخلو القانون الأردني من بند لتعويض المتضررين من التوقيف ممن حصلوا لاحقًا على البراءة. غير أن المحامين يستندون في دفاعهم عن المتضررين إلى المادة (256) من القانون المدني الأردني، إضافة للاتفاقيات الدولية.
ويحجم غالبية المتضررين عن المطالبة بحقوقهم إما بسبب جهلهم بإجراءات المطالبة أو فقدان الأمل بنيل التعويض، بخاصة في غياب النص التشريعي، أو خوفًا من خوض غمار المحاكم مجددًا، بحسب محامين ومتضررين.
حاول زكريا طرق أبواب مسؤولين وأبواب المركز الوطني لحقوق الإنسان لكن دون جدوى. «رغم تبرئتي وفرحة عائلتي إلا أن ألسنة الناس لم تكف عن كيل الاتهامات؛ فالناس ترى أنه لا يوجد دخان بدون نار»، يقول زكريا الذي يرى أن القضية ظلّت «عقدة في حياتي وعطلّت سعيي للزواج إلى أن رزقت ببنت الحلال التي وافق أهلها علي».
التوقيف هو القاعدة
تظهر دراسة أجراها مركز العدل للمساعدة القانونية عام 2012 «أن ما يزيد عن ثلث الموقوفين (38.6 %) لا يدانون بالتهم الموجهة لهم. ومع ذلك لا يتم تعويضهم عن فترة حبسهم». والأسوأ أن واحدًا من كل خمسة موقوفين أثناء المحاكمة كانت فترات توقيفهم أطول من مدد الحكم النهائية.
بالتزامن، وثّقت معدة التحقيق 13 حالة مشابهة لأشخاص برأتهم المحاكم بعد أن أوقفوا بتهم تراوحت بين القتل، وهتك العرض، والاختلاس والشروع بالاغتصاب. تفاوتت مدد توقيفهم بين أيام وأشهر، ومنهم من تجاوزت مدة توقيفه عامًا ونصف. في قضية وحيدة، رفعت مديرة مدرسة دعوى لتعويضها عن توقيف دام 17 يومًا وحصلت بعده على البراءة.
كنا طلبنا من وزارة العدل -بموجب قانون حق الحصول على المعلومة- معرفة عدد الموقوفين قضائيًا وأنواع قضاياهم، والحاصلين على حكم بالبراءة أو عدم المسؤولية، وعدد أحكام البراءة القطعية الصادرة عن المحاكم النظامية منذ 2011. لكن الوزارة لم تجب الطلب رغم مرور شهر على تقديمه، وهي الفترة القانونية للرد.
الجدول أدناه يوضح المدد المنصوص عليها قانونًا للتوقيف حسب نوع الجريمة.
وبحسب المادة 114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، يجب الإفراج عن المتهم عند انقضاء هذه المدد، «إلا إذا تم تمديد المدة مرة أخرى بموجب قرار من المحكمة المختصة بناءً على طلب من المدعي العام إذا لم تحل بعد إلى المحكمة، وإذا اقتضت مصلحة التوقيف ذلك بحيث لا تتجاوز مدة التوقيف والتمديد في الجنح أربعة أشهر، وفي الجنايات ربع مدة العقوبة».
ترى هديل عبد العزيز، مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية، أن الأصل في توقيف المتهم أن يكون هناك «خطر على حياة آخرين أو خوف من هربه بشكل يخل بالتحقيق واستحقاق العدالة، أو عنده القدرة على التأثير على الشهود أو البينات».
وتؤكد عبد العزيز على وجوب «تعليل قرار التوقيف بشكل وافٍ»، لافتة إلى أن «تبرير التوقيف لغايات مصلحة التحقيق يعد تعليلًا عامًا وغير كافٍ». وتنتقد ممارسات مثل «توقيف من يرتكب حادث سير تماشيًا مع المجتمع بإطفاء غضب أهل المصاب بالحادث».
بينما تقول المحامية والحقوقية نور الإمام «إن هدف التوقيف عدم ضياع الأدلة. ومن المفترض أن يكون له مبررات ومعايير حتى لا يعد عقوبة».
تتحرك أعداد الموقوفين سنويًا صعودًا وهبوطًا، وفق إحصائية المركز الوطني، إلا أن مختصين يرون أن هذه الأعداد لا تزال كبيرة.
الرسم البياني أدناه يبين أعداد الموقوفين قضائيًا في الفترة 2011-2015 وفق إحصاءات المركز الوطني لحقوق الإنسان.
وتشير تقارير المركز الوطني إلى ارتفاع أعداد الموقوفين قضائيًا عن أعداد المحكومين، رغم تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (19) لسنة 2009، فيما يخص الجرائم التي يجب التوقيف فيها وشروط التوقيف.
وتؤكد مفوض الحماية بالوكالة في المركز الوطني لحقوق الإنسان، المحامية نسرين زريقات، أن «السبب الرئيسي في ارتفاع أعداد الموقوفين قضائيًا، يرجع لتوسع المدعين العامين في التوقيف، إذ يصدر قرار التوقيف ببداية مراحل التحقيق، أو بطء إجراءات المحاكمة وتبليغ الشهود أو تعمد محامين إطالة أمد المحاكمة».
وفي استطلاع أجرته معدة التحقيق شمل 20 محاميًا، أفاد ثمانية منهم بأنهم تعاملوا مع (واحد إلى خمس) حالات تعرضت لتوقيف لما يزيد عن شهرين ومن ثم حصلت على البراءة. فيما أفاد خمسة محامين بأنهم تعاملوا مع (خمس حالات وأكثر)، بينما لم يتعامل سبعة محامين ممن شملهم الاستطلاع مع أي حالات مشابهة.
في محكمة أمن الدولة
يتعمق اليأس من التعويض حين تكون القضايا معروضة أمام محكمة أمن الدولة، وفقًا للعديد من الحالات، التي وثّقتها معدة التحقيق.
أحمد* أوقف لما يزيد عن ثمانية أشهر، وحوكم أمام محكمة أمن الدولة بتهمة «القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر». يقول أحمد إن مستشارين قانونيين أبلغوه بعدم وجود نص تشريعي في القانون الأردني يضمن حصوله على تعويض.
يؤكد أحمد أن أصعب ليلة كانت الأولى، سيما أنه لم يدخل سجنًا من قبل. «أطفالي التوائم كانوا في غرفة الخداج بالمستشفى ووالدتهم كانت متعبة، ولم يكن بإمكاني الاطمئنان عليهم»، يستذكر بحزن.
رغم ابتهاجه بحكم البراءة، لا ينسى أحمد معاناته النفسية تحديدًا خلال مدة توقيفه. لكنه يعتقد أنه خرج بأقل الخسائر الممكنة مقارة مع غيره، إذ يفقد البعض وظيفته بينما يرفض المجتمع التعامل مع آخرين.
المحامي المختص بقضايا الجنايات صلاح جبر وثّق حالات تجاوزت مدة التوقيف فيها العامين، قبل أن يحصل المتهم على البراءة. المحامي حكمت الرواشدة يؤكد أنه في إحدى القضايا التي مر عليها اقتربت مدة التوقيف من سنتين.
ماذا عن التعويض؟
17 يومًا من التوقيف، كانت كفيلة بأن تقلب حياة مديرة مدرسة حكومية رأسًا على عقب، بعد خدمة 20 عامًا. تقول منى* إنها أحيلت للمدعي العام بتهم تتعلق باستثمار الوظيفة والتهاون بواجباتها والاختلاس. لكنها في النهاية حصلت على البراءة. وتضيف «بعد أن صرت في أعلى المراتب ولدي إنجازاتي حتى أن أبناء منطقتي طلبوا مني الترشح لعضوية مجلس النواب، فجأة وجدت نفسي في أدنى المراتب خلف القضبان».
تستذكر منى والدتها التي تعرضت لجلطة دماغية بعد توقيف ابنتها: «لطالما افتخرت بي (…) توفيت رحمها الله بعد صدور حكم البراءة، غير أنها لم تكن مدركة لما يجري حولها جراء تبعات المرض».
ورغم صدور حكم قاطع بتبرئتها قبل خمسة أعوام، تقول منى «لا أزال أخشى مواجهة المجتمع الذي لم يبرئني، إذ تعطلت عن عملي مدة ثلاث سنوات، ثم أُحلت إلى التقاعد بعد فترة وجيزة من عودتي للعمل وصدور البراءة».
خسرت منى قضية تعويض رفعتها ضد الحكومة الأردنية أمام محكمة صلح عمّان في 19 كانون الأول 2012 بمساعدة مركز ميزان لحقوق الإنسان. وهي بانتظار القرار الفصل من محكمة التمييز. واستند المحامون على نص المادة 9 والمادة (2/3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقات الدولية ذات الصلة، والمادة 256 من القانون المدني الأردني: «كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر».
أما المحكمة، فرأت «أن جميع الإجراءات المتخذة من المدعي العام جاءت ضمن حدود صلاحياته، والجواز الشرعي ينافي الضمان. وعليه تكون دعوى المدعية فاقدة لأساسها ومستوجبة للرد قانونًا».
«إن المعايير الدولية تؤكد على أحقية الشخص بطلب التعويض في حال وقع تعسف باعتقاله أو خطأ في عملية المحاكمة أو التحقيق»
تستشعر المحامية لين الخياط بهجة أحد الموقوفين بعد خروجه من مركز الإصلاح والتأهيل وتأمله في الشوارع والناس، وآخر عبوة مشروب غازي اشتياقا لطعمه.
تقول الخياط: «الأصل في التوقيف أنه إجراء احترازي واستثناء كونه يعد حجزًا للحرية». لكن هناك حالات عديدة «يكون فيها المتهم بريئًا ومعتدى عليه بعد الافتراض بأنه معتدٍ»، بحسب الخياط التي تحذر من أن «تأثير التوقيف ليس فيه نوع من الإصلاح، إنما قد يخلق حالة تمرد وعدم ثقة لديهم». وتتساءل: «ما هو التعويض لشخص يحكم عليه بالبراءة بعد توقيفه سنتين»؟
بحسب الفقرة 4 من المادة 101 في الدستور الأردني، فـ«المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي»، ويظل هذا المبدأ قائمًا حتى لو اعترف المتهم بارتكابه للجريمة، لأن اعترافه لا يهدم قرينة براءته ما لم يصدر بذلك حكم قضائي نهائي صادر عن هيئة قضائية مختصة مع كل ما يتطلبه إجراء المحاكمة من ضمانات في القانون.
يستشهد المحامي والقاضي السابق أحمد النجداوي بالقاعدة الفقهية: «أن يبرأ مئة مجرم خير من أن يدان بريء واحد»، معتبرًا أن توقيف المهم قبل صدور الحكم «قد يكون عيبًا أو تعسفًا في إجراءات التحقيق والمحاكمة، ويؤدي أحيانًا إلى إلحاق أضرار فاحشة بالموقوف وأسرته وسمعته».
في غياب نص قانوني يسمح بالتعويض
يستأنس قضاة ومحامون بدساتير وقوانين دولية وعربية تضمن التعويض بعد التبرئة.
ويرى قضاة فضلوا عدم ذكر أسمائهم أن على الدولة التكفل بتعويض المتضررين من التوقيف، كونها المعنية بأن تكفل أمن المواطنين واقتصاد البلاد.
تقول قاضية: «في مصر، يلزم بتعويض المتضرر في حال أدى خطأ جسيم لتوقيفه»، وفق قانون ينظم قواعد إقامة دعوى مخاصمة القضاة أو أحد أعضاء النيابة العامة يطلق عليه قانون المرافعات المدنية والتجارية. ويحتوي الدستوران الجزائري والفلسطيني على نصوص مشابهة تلزم بالتعويض.
يقول الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش، آدم كوجل لمعدة التحقيق «إن المعايير الدولية تؤكد على أحقية الشخص بطلب التعويض في حال وقع تعسف باعتقاله أو خطأ في عملية المحاكمة أو التحقيق».
بينما يؤكد المحامي صلاح جبر إن الأردن ملزم بتعويض المتضررين بموجب «مصادقته على المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية». ويستشهد جبر خصوصًا بالمادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وينص البند الخامس من المادة التاسعة: «لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض».
بيد أن الحقوقية هديل عبد العزيز تعود لتشتكي من أن المعاهدات الدولية لا تعد كافية لضمان تعويض المتضررين وسط غياب نص تشريعي واضح في القانون الأردني. وتجادل بأن عدم وجود أي تبعات على قرار التوقيف يسهل اتخاذه، مستشهدة بآلية تأهيل القضاة في ألمانيا، إذ أنها تتضمن قضاء ليلة في مراكز التوقيف حتى يشعروا بمعاناة الموقوفين.
لم ينص الدستور الأردني في (المادة 33) على مكانة المعاهدة الدولية من التشريع الوطني، إن كانت أعلى من الدستور، أو تحت الدستور وأعلى من التشريع، أم أنها مساوية للتشريع. لكن محكمة التمييز أكدت في عدة قرارات أصدرتها سمو المعاهدات الدولية على التشريع الوطني في حال التعارض.
المحامي النجداوي يؤكد أن «من يصدر قرار التوقيف يجب أن يُسأل بالتعويض عن ذلك الضرر، أي أن الدولة ملزمة عن أخطاء من يعدون من موظفيها الرسميين (المحقق أو القاضي)».
ويرى رئيس ديوان التشريع والرأي د. نوفان العجارمة أن المسألة تتطلب نصًا تشريعيًا خاصًا. بينما يشير قاض -لم يشأ ذكر هويته- إلى إمكانية إضافة نص للتعويض في القانون المدني. فيما يرى المحامي الكعابنة أن النص بالتعويض قد يصلح في قانون العقوبات أو القانون المدني.
محاولات نيابية لم تكتمل
النائب السابق رلى الحروب تقول إنها اقترحت في نيسان 2014 تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961، حين كانت رئيسًا للجنة الحريات النيابية. مقترح التعديل -بما في ذلك منح الموقوف المتضرر حق لمطالبة بالتعويض المعنوي والمادي عن مدة التوقيف- أحيل للجنة القانونية النيابية (المختصة)، لكنها لم تناقشه.
النائب السابق مصطفى العماوي -الذي ترأس اللجنة القانونية النيابية في تشرين الثاني من العام نفسه- يؤكد أن اللجنة تلقت مجموعة مقترحات بتعديل قوانين، مشيرًا إلى أن الحكومة جهزت مسودة لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية تمهيدا لمناقشته في مجلس النواب المقبل.
ونشر الموقع الإلكتروني لديوان التشريع والرأي القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات الجزائية لسنة 2016، دون أن يرد فيه أي تعديل يتعلق بتعويض الموقوفين الحاصلين على البراءة ماديًا أو معنويًا.
مصادر حكومية رسمية تقر بـ«عدم وجود نص تشريعي صريح يلزم بتعويض الموقوفين الحاصلين على البراءة». إلا أن ذات المصادر تؤكد إمكانية الاستناد للقواعد العامة للتعويض، من بينها الواردة ضمن القانون المدني.
«من يصدر قرار التوقيف يجب أن يُسأل بالتعويض عن ذلك الضرر، أي أن الدولة ملزمة عن أخطاء من يعدون من موظفيها الرسميين (المحقق أو القاضي)»
وتحدثت مصادر حكومية عن حالات تعويض من بينها تعويض شخص مرض أثناء توقيفه دون توجيه تهمة له. فرفع محاميه دعوى ضد مديرية الأمن العام، وقضت المحكمة بتعويضه 2000 دينار. لكن هذه المصادر لم تتطرق لحالات تعويض ضحايا التوقيف ممن حصلوا لاحقًا على حكم بالبراءة.
الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان (2016-2025) نصت على ضمان الدولة لحق ضحايا نظام العدالة الجنائية في التعويض وجبر الضرر، بما يشمل مراجعة التشريعات ذات العلاقة واقتراح التعديلات عليها.
مدير مديرية حقوق الإنسان في وزارة العدل محمد النسور يقول إن التعويض ليس منكرًا على المستوى العام لكنه يحتاج إلى صندوق للتعويض، يتطلب استحداثه تشريعًا ضمن قانون أصول المحاكمات الجزائية. ويلفت النسور إلى أن الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان لعام 2016 تضمنت ضرورة إدماج التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية والالتزامات التي صادق عليها الأردن. لكن لم يرد في مسودة قانون أصول المحاكمات الجزائية ما يتعلق بتعويض المتضررين من التوقيف. كما لم يتم إثارته من قبل اللجنة المختصة، التي ركزت على الإجراءات لتقصير أمد التقاضي دون التطرق إلى الأمور المادية.
أمام هذه النماذج العربية والدولية التي أنصفت أشخاصًا أوقفوا بغير وجه حق، لا يزال متضررون عديدون جراء التوقيف في الأردن ينتظرون تشريعًا ينصفهم ويعوضهم عن معاناتهم المعنوية قبل المادية.
* أسماء مستعارة.
أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة (أريج)، إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية، وبإشراف الزميل يحيى شقير.