لماذا تخاف الولايات المتحدة تيك توك؟

الثلاثاء 19 آذار 2024
المصدر: الإيكونوميست.

ينظر العديد من المسؤولين الحكوميين الأميركيين إلى تيك توك باعتباره تهديدًا محتملًا للبلاد. ولسنوات أثار التطبيق قلق المسؤولين والمشرعين الأميركيين بسبب ملكيته الصينية. وما كان في السابق مصدر قلق تحوّل في الأيام الماضية إلى حملة شاملة في الكونغرس الأميركي تضع التطبيق الصيني بين خيارين: إما حظر المنصة تمامًا في الولايات المتحدة، أو إجبار الشركة الأم «بايت دانس» ومقرها بكين، على بيع تيك توك إلى أي شركة في الولايات المتحدة.

منذ احتلال تيك توك أعلى رقم تحميلات على الهاتف في الولايات المتحدة عام 2018، وهو يعاني من صداع في العلاقة مع واشنطن. إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لم تطمئن له، وألزمته حفظ بيانات المستخدمين الأميركيين داخل البلاد لدى شركة «أوراكل». وسار الحزب الديمقراطي، حزب الرئيس بايدن، بمشروع القانون الذي أقرته «لجنة الطاقة والتجارة» بالإجماع يوم الخميس في السابع من آذار الحالي. بعد ذلك مرّ مشروع القانون في البرلمان الأميركي، ويتجه حاليًا إلى مجلس الشيوخ للمناقشة. وفي حال مرّ في الشيوخ ووصل إلى البيت الأبيض ووقعه بايدن، سيتوجب على «بايت دانس» بيع تيك توك أو مواجهة حظر التطبيق خلال ستة أشهر من سريان القرار.

هكذا، تحاول الولايات المتحدة حجب تيك توك عن شعبها، وكأنها إحدى «الديكتاتوريات» في هذا العالم. وعند حدوث أمر كبير وغريب كهذا، يتساءل المرء ما الذي أقلق واشنطن لدرجة أن الحزبين «الخصمين» تاريخيًا، اتفقا على تجريد «بايت دانس» من التطبيق واصفين إياه بالمهدد للأمن القومي؟ الإجابة عن هذا السؤال تدفعنا للبحث فيما تقوله لنا الأرقام.

استطاع تيك توك فيما يزيد قليلًا عن أربع سنوات، فعل ما أنجزته منصتا فيسبوك وإنستغرام خلال عشر سنوات. التطبيق صار معقل الجيل زي من الأمريكيين، (من مواليد 1997 وحتى 2012)، إلى جانب تطبيق سناب تشات. ووفقًا لأحدث الأرقام التي نشرها إنسايدر إنتيليجانس، يهيمن مستخدمو الجيل زي على قاعدة مستخدمي سناب تشات بنسبة 51.1% وعلى تيك توك بنسبة 44.7% في الولايات المتحدة. في حين هجرت هذه الفئة العمرية منصات التواصل التي سادت لزمن، مثل فيسبوك بحيث تتواجد عليه بنسبة 17.4% فقط. تيك توك الذي «فايننشال تايمز» قيمته بـ148 مليار دولار، يحوي أكثر من 1.7 مليار مستخدم حول العالم، وحُمّل أكثر من أربعة مليارات مرة. 

فرض تطبيق تيك توك وجوده مستفيدًا من إعادة العالم اكتشاف الفيديو، مع تحسن خدمة الإنترنت وانخفاض كلفتها على الهواتف. وتأصّل في الثقافة الأميركية في غضون سنوات قليلة منذ انفجار شعبيته العالمية. ما كان يرفضه الكثيرون في السابق باعتباره منصة للمراهقين الراقصين أصبح الآن بديلًا عن التلفزيون والصحف وحتى محركات البحث، فيستقي منه جيل الشباب الأخبار والمعرفة والبحث عن أجوبة لأسئلتهم. ويمكن القول إن تيك توك بالنسبة لهؤلاء صار هو الإنترنت نفسها. قبل أسابيع، اتخذت الحملة الانتخابية للرئيس بايدن خطوة مهمة من خلال انطلاقها على منصة تيك توك، مرددة صدى جهد مماثل قام به الرئيس الأسبق باراك أوباما قبل 12 عامًا. حينها، أدرك فريق أوباما التأثير المتزايد لموقع «ريديت»، وكان يهدف إلى التواصل مع ما يقدر بنحو خمسة ملايين ناخب أميركي شاركوا بنشاط في تلك المنصة حينها. الآن، تحاول حملة بايدن الاستفادة من ظاهرة انتشار تيك توك، على أمل أن يكون لها صدى لدى قاعدة مستخدمي التطبيق التي يهيمن عليها الشباب في الوقت الذي يستعدون فيه للدورة الانتخابية المقبلة في الخامس من تشرين الثاني المقبل.

قبل تيك توك، لم يكن هناك سوى منصات تواصل أميركية، وأن تنتشر منصة تواصل تملكها شركة صينية وتصبح الأكثر رواجًا بين جيل الشباب، أمرٌ لم تستطع الشركات الأميركية ولا الولايات المتحدة نفسها هضمه.

في عالم اليوم، لا يمكن أن تكون ناجحًا إلى هذه الدرجة دون أن يكثر أعداؤك. قبل تيك توك، لم يكن هناك سوى منصات تواصل أميركية. كل المنصات والتطبيقات التي نستخدمها في هذا المجال أميركية أو استحوذت عليها شركات أميركية. وأن تنتشر منصة تواصل تملكها شركة صينية وتصبح الأكثر رواجًا بين جيل الشباب، أمرٌ لم تستطع الشركات الأميركية ولا الولايات المتحدة نفسها هضمه. والأمر نفسه حصل مع شركة الهواتف الصينية «هواوي»، التي أثقلها دونالد ترامب بالعقوبات ومنعها من تصدير تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية. حتى الشرائح الإلكترونية الدقيقة، التي تدخل في صناعة كل شيء من الساعات الذكية والهواتف والسيارات إلى الأجهزة المنزلية، ممنوع على الصين شراء المعدات والأجهزة التي تصنع تلك الشرائح من شركة ASML الهولندية وبقرار أميركي. 

من هنا، لا يمكن لنا تحليل الحملة الأمريكية على تيك توك دون الالتفات إلى الصورة الأكبر، فمشروع القانون هذا إن مرّ، يكون ضمن الحملة الغربية لتطويق الصين والحدّ قدر المستطاع من سرعة تطورها في مجال التكنولوجيا. وإن كانت الولايات المتحدة خائفة فعلًا على بيانات الأميركيين، في هذا الشأن كتب إيان بريمر في مجلة تايم «أن حظر تيك توك بشكل كامل لن يحل في الواقع المشكلة الأساسية المتمثلة في قدرة الحكومة الصينية على الوصول إلى بيانات المستخدم الأميركي من خلال وسائل أخرى عبر الإنترنت»، مضيفًا «أن أفضل طريقة لحماية هذه البيانات هي وضع قوانين شاملة تتعلق بخصوصية المستهلك». وبمعزل عمن يتجسس على من في عالم تحكمه الولايات المتحدة بشكل أحادي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وضع مشروع القرار الولايات المتحدة بمصاف الدول التي تحجب صحيفة من هنا أو موقعًا من هناك خوفًا من التأثيرات على شعبها. فالقوة الحقيقية تعني أن سرديتك لا يهزها شيء، ولن تتأثر بأفكار يطرحها الناس على تيك توك. وفي هذا السياق، كان لافتا ما صرّح به رئيس كيان الاحتلال، إسحق هرتسوغ، في أواخر شهر كانون الأول الماضي، في معرض رده على تنامي التعاطف الغربي مع القضية الفلسطينية، قائلًا إن «تيك توك غسل عقل الشعب الأميركي». ومن غير المفاجئ لنا بعد تصريح كهذا، اكتشاف أن النائب الأميركي الذي قدّم مشروع قرار حظر تيك توك، مايك غالاغر، حصل عام 2022 على أكبر تمويل لحملته الانتخابية من قبل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، وهي مجموعة ضغط تدعو إلى سياسات مؤيدة لكيان الاحتلال لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية لحكومة الولايات المتحدة. وتدعم المنظمة المرشحين الذين يتوافقون مع مواقفها وتساهم بموارد مالية كبيرة في الحملات السياسية. 

الجهود المكثفة لحظر تيك توك في الولايات المتحدة أكثر بكثير من مجرد مخاوف بشأن تطبيق على الهاتف، فهي تشير إلى تشديد أوسع للسياسة الأميركية تجاه الصين التي لا تظهر أي علامات على التراجع. إن تصوير تيك توك على أنه تهديد للأمن القومي هو أحدث مظهر لموقف يضع بكين كمنافس أيديولوجي لواشنطن. ويتماشى حظر تيك توك، أو فرض بيعه، مع توجّه فصل أكبر اقتصادين في العالم عبر مجالات مثل التكنولوجيا والتجارة والإعلام باسم حماية المصالح والقيم الوطنية الأساسية لأميركا. بالتالي، إن السماح لظاهرة ثقافية مملوكة للصين في التجذر بعمق داخل المجتمع الأميركي، ستراه الأخيرة خرقًا لهيمنتها. 

الجهود المكثفة لحظر تيك توك في الولايات المتحدة تشير إلى تشديد أوسع للسياسة الأميركية تجاه الصين التي لا تظهر أي علامات على التراجع.

ومع ذلك، فإن حملة القضاء على تيك توك تحمل أيضا آثارًا أكثر عمقًا حول مكانة أميركا. إن الضغط من أجل حظر المنصة بسبب أمن البيانات وإمكانيات التجسس المزعومة يُظهر إحساسًا بعدم الأمان والهشاشة لا يرتبط عادةً بأقوى دولة في التاريخ المعاصر. ومن خلال التعامل مع الشعبية الهائلة للتطبيق على الأراضي الأمريكية باعتبارها أمرًا غير مقبول، تعترف القيادة الأميركية بشكل أساسي بأن تفوق وسائل الإعلام الخاصة بها وعروضها الترفيهية ومنصات التواصل التابعة لها والتي تصدّر ثقافتها طيلة الوقت، لا تشكل تحصينًا كافيًا ضد التأثيرات الأجنبية. إنه يشير إلى أن الولايات المتحدة أصبحت منشغلة بالخوف من نفوذ الصين المتزايد في كل المجالات، حتى إن منصة مشاركة الفيديو الاجتماعية أصبحت بمثابة «حصان طروادة الذي يجب القضاء عليه».

على أيّ حال، رغم تصويت مجلس النواب بالأغلبية لصالح مشروع القانون الذي يستهدف تيك توك، لا يزال أمامه عقبات قد تسقطه في مجلس الشيوخ قبل أن يصل إلى مكتب الرئيس ليتم التوقيع عليه فيصبح قانونًا. إذ يبدو أن هناك استفاقة ما أو حالة تنبّه لدى أقطاب ومؤثري الحزب الديمقراطي، استشعرت أن حظر التطبيق يعني خسارة أصوات الناخبين الشباب الذين يحتلون النسبة العظمى منه. وهي خسارة لا يمكن للحزب الأزرق تحملها بعد حملة مقاطعة التصويت له في بعض الولايات مثل ميشيغان، بسبب موقف الإدارة الحالية تجاه الحرب الوحشية التي يمارسها كيان الاحتلال على الشعب الفلسطيني في غزة. 

بالتالي، من المحتمل أن يتخذ مسار مشروع القرار اتجاهًا آخر في مجلس الشيوخ، مخالفًا لما حصل في لجنة الطاقة والتجارة وفي مجلس النواب. بكلمات أخرى، الأجواء لا تسمح للحزب الديمقراطي سلب الشباب الأميركي لعبته المفضلة حاليًا في عام الانتخابات الرئاسية، التي تُعد مصيرية بكل المقاييس للولايات المتحدة والعالم الذي صار متشابكًا أكثر وأكثر. هي خطوة ستأتي بردات فعل عنيفة، وحتى لو مرّ المشروع في الشيوخ، فمن المرجح أن تؤدي دستورية مثل هذه الخطوة إلى إثارة تحديات قانونية بشأن حرية التعبير. ويبدو أن الملحمة المحيطة بمصير تيك توك في الولايات المتحدة لن تنتهي قريبًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية