القاضي الذي نحمدالله أنه ليس بقاضٍ

الأربعاء 06 تموز 2011

بقلم أمين صافي

من بين الساسة الأردنيين الذين يخرجون ما في قلوبهم بين الحين والآخر، بمقالاتهم أو مقابلاتهم، كان الأستاذ نايف القاضي. ففي مقابلته مع قناة نورمينا الفضائية والتي نشرت في عمون نيوز الالكتروني، صرح الأستاذ بما يستوجب الرد. وقبل البدء بالتوضيح، أود أن أشكر الأستاذ القاضي على هذا البوح الذي أتاح لي فرصة التعليق.

يقول القاضي: “سأبحث عن مكان آخر اشرب فيه الماء أنا والأردنيون”
كلام أقل ما يوصف به أنه ليس في مكانه. ولا يخلو من التحريض أيضا، فلا يمكن أن يكون الفلسطيني الذي قدم للأردن سببا في نقص مياه الشرب للأردني. ولا يمكن أن يكون هذا الفلسطيني سببا في دفع الأردني للبحث عن مكان آخر للعيش فيه. فالفلسطينيون يموتون عطشا اذا كان هذا يوفر ماء الشرب للأردنيين. فأنا جدا آسف لهذا الكلام غير الدقيق أبدا، ومن قبل أستاذ كان على رأس وزارة الداخلية، فهذا يعطينا فكرة كاملة عن التمييز الذي عاناه الأردنيون من أصول فلسطينية ابان حقبته وحقبة غيره. وهذا باب كبير لو فتح لأثار أسئلة كثيرة.

“القاضي: اعضاء أيلول الاسود يقفون اليوم امامنا ويتحدثون بنفس المنطق ونحن نجاملهم ونسألهم عن رأيهم”

هذه الحقبة السوداء من تاريخ الأمة لا يجب تناولها بهذه البساطة العابرة، فتلك كانت فترة اصطدم فيها منطق الدولة مع منطق الثورة، ونحمد الله أن منطق الدولة انتصر في حينه، والحمدلله أن الدولة تلك الأيام كان فيها رجال لا يمكن أن يفكروا بأخذ الأردنيين معهم ليشربوا الماء في مكان آخر.

“القاضي: هذه البلد ليست ساحة مفتوحة .. الغزي أُعطي حقوقه الانسانية ويعيش معي مثل الاردني الآن لكن انا اذا اردت ان ازيل هويته السياسية وأحول من اردني وفلسطيني … وإن ولد هنا فأنا قبلته نازح او لاجىء لم أقبله مواطن اردني”.

أستغرب من وزير عريق بالسياسة، وأرجو أن يعذرني، يتحدث هكذا. فكأنني أستمع لمن رموا الحجارة على متظاهري دوار الداخلية. الغزيون وغيرهم منحوا جنسيات وتسهيلات ومساعدات، ولك أن تسميها ماشئت، ليس منة ولا عطفا، وان كان الأمر لا يخلوا من تعاطف انساني وطني، ولكنها السياسة التي كانت تفرض على الأردن أن يكون له نفوذ بين الفلسطينيين، وذلك لمصلحة الأردن الوطنية أولا، وأعيد وأكرر، لمصلحة الأردن الوطنية أولا. وهذا شيء لا يعيب الأردن، بل بالعكس فنحن نفتخر بساستنا الأردنيين الذين قاموا به، حيث حافظوا على دور الأردن الفاعل اقليميا وعالميا، عكس ما يحدث الآن، حيث تأثير الأردن في تراجع. فلو كانت السياسة الأردنية بيد القاضي حينها، لكان يمكن أن يقول لأهلنا الغزيين وغيرهم: ” نحن لسنا كندا، فلتبحثوا لكم عن مكان آخر”. ولكم أن تتخيلوا الى ماذا كانت ستؤول الأمور حينها، وبعدها أيضا.

أستغرب مرة أخرى، وليعذرني أستاذي القاضي، بأنه السياسي الذي أمضى جل عمره في السياسة، يتحدث بمثل ما تحدث به وينكر حقائقا لا يعيب الأردن أبدا الاعتراف بها، وأول هذه الحقائق أن: للأردن مصلحة أساسية، أخلاقية، انسانية، وجدانية، وجودية، سياسية، استراتيجية، وطنية، قومية، اسلامية، عشائرية، قبلية، عائلية في الوقوف مع الفلسطينيين. فعندما يقف الأردني مع الفلسطيني في مجابهة الصهاينة، فهو يقف مع نفسه. القاضي أغفل كل ذلك واكتفى بالاستقبال الانساني للفلسطينيين، وهذا لا ننكره أبدا، لكننا لا نسمح بأن يصور الفلسطينيون على أنهم يطرقون الأبواب ليتعطف عليهم أحد انسانيا، ولا أخال أن الأستاذ القاضي نفسه يقبل بهذا التصوير. هم أخوتنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا. واذا أراد القاضي أن يبحث عن شرب الماء في مكان آخر، فأنا أقول له هذه الأردن، أرضك وأرضنا جميعا، ولا يجب أن تطرح فكرة التخلى عنه بهذه السهولة، ولو للزومات التعبير الأدبية، لمجرد أن الفلسطيني جار لنا. فغدا تعود فلسطين، وسنجاور الفلسطيني، نحن، أو أحفادنا، فماذا ترى أن الفلسطيني بفاعل حينها؟ أنا أقول لك، فالفلسطيني، كالأردني، كالمصري، كالسوري يخلي مكانه ليجلس أخاه.

القاضي: “بلدنا، لا نجد ماءً نشربه فيها، واذا أردنا فتح ابوابنا، فلنبحث نحن الاردنيون على مكان آخر نشرب فيه الماء”.

وأنا أقول للأستاذ القاضي أن ماءك وماء الفلسطيني وماء السوري واللبناني والمصري، سرقها الإسرائيلي وحرمنا منها جميعا، ليغسل بها كلابه وقططه، وأخذ معها أرضك وأرض الفلسطيني والسوري واللبناني والمصري. واذا كنت حريصا على عطش الأردني وشرفه فهيا لنسترجعها معا، والا فلنذهب ونقتل أختنا، لنغسل عار القبيلة بدمها، ونرقص لشرف ندعيه ولن نناله أبدا.

القاضي :” لقد حاربنا من أجل القدس، وفلسطين، ودماء ابنائنا على اسوارها، وكل فلسطيني مخلص، سيقف معي، وسيتفق مع كلامي، فالفلسطيني حريص على حفظ هويته، وليس بالشتات، انظروا الى فلسطينيي سوريا ولبنان، كيف يحافظون على هويتهم”.

لا زال الحديث الطامس للحقائق مستمرا، وللتوضيح أقول للجميع ما كنت أتمنى لو أن القاضي قاله: ان الأردني، والسوري، والمصري، واللبناني، لم يحاربوا اسرائيل تعاطفا مع الفلسطينيين فقط، لكنهم جميعا، بما فيهم الأردن، حاربوا دفاعا عن أنفسهم، أولا وثانيا وعاشرا، فحروب الأردن مع اسرائيل كانت دفاعا عن الأردن أولا وثانيا وعاشرا، وأنا هنا لا أقلل أبدا من أهمية محاربة الأردنيين للاسرائيليين بالنسبة للفلسطينيين، بل ما أقصده هنا، أن كل الساسة الذين يتحدثون عن منة وقوفهم مع الفلسطينيين في حربهم مع الإسرائيليين، يقعون في خدعة كبرى، وكذب على الشعوب وعلى أنفسهم، وهذا تضليل ما بعده تضليل. حرب الأردن مع اسرائيل، شأنها شأن الدول العربية الأخرى، هو أولا وعاشرا من أجل مصلحة الأردن، ومن يقول غير ذلك يعمل لأجل الأهداف الصهيونية أدرك هذا أم لم يدركه. كل حروبنا مع اسرائيل هي لمصلحتنا الوطنية، وكفى تمننا كاذبا على الآخرين وكفى مخادعة لشعوبنا. كل بلد عربي له مصلحة استراتيجية وجودية في الوقوف أمام العدوان الصهيوني والحد من توسعه وازالته، ومن يقول غير ذلك هو اما غر جاهل في الوطنية والسياسة، أو، وبالضرورة، أحد أركان السياسة الصهيونية في المنطقة، علم ذلك أم لم يعلم.

كذلك، وفي مجانبة أخرى للحقيقة، يقول القاضي: ” انظروا الى فلسطينيي سوريا ولبنان كيف يحافظون على هويتهم”.

وأقول للأستاذ القاضي، أن الفلسطيني يحافظ على هويته أينما كان، ولا داعي لاتهام الأردنيين من أصول فلسطينية، بأنهم أقل حرصا هلى هويتهم، فهذا كلام لا ينسجم مع الواقع أبدا، فالفلسطيني الأردني لا يقل تعلقا بفلسطين، عن أي فلسطيني آخر، بل ان الفلسطيني الأردني أول من يبادر في الدفاع عن الأردن وفلسطين، وبنفس الحماسة، وذلك لرسوخ الاعتقاد لديه بأن الأردن وفلسطين يشتركان بنفس المصير، ولا يمكن أن ينتصر أحدهما وينهزم الآخر في الصراع مع الصهيونية.

وما لم يقله الأستاذ القاضي بالنسبة لفلسطينيي سوريا عند مقارنتهم بفلسطينيي الأردن هو:

أن سوريا لم تضم أراض فلسطينية اليها كما فعلت الأردن.

وأن سوريا لم تنجز وحدة مع الشعب الفلسطيني، استحق بموجبها الجنسية السورية، كما فعلت الأردن.

وأن الأرض الفلسطينية التي ضمها الأردن سنة 1950، احتلت من قبل اسرائيل سنة 1967، وهي تحت السيادة الأردنية. ولا يوجد أرض فلسطينية احتلتها اسرائيل وهي تحت السيادة السورية.

وأن الدستور السوري لا يشمل الفلسطينيين في ثناياه، بينما الدستور الأردني يشملهم.

وأن الأردن اكتسب مكانة، ودورا اقليميا وعالميا بالتحامه وتشابكه بالقضية الفلسطينية لأكثر من نصف عمر الوطن الأردني ولا زال، وامتزج الشعبين والدمين والعرقين والشقائين والحزنين والفرحين والهزيمتين والنصرين، وهذا لم يحدث بالنسبة لسوريا كما حدث في الأردن.

وأن سوريا تعطي الفلسطينيين على أرضها كل الحقوق المدنية من شراء وبيع ودراسة وعمل وسفر وعلاج وتملك وبيع العقار، وكل شيء كالسوري تماما. بينما الأردن لا يفعل ذلك للفلسطينيين الذين يقيمون على أرضه ولا يحملون الجنسية الأردنية. كل ذلك لم يقله القاضي، بل اكتفى بالايحاء، بأن الأردني الفلسطيني المقيم في الأردن، لا يحافظ على هويته كالفلسطيني في لبنان وسوريا، وهذا قول لا يتسق مع واقع الحال أبدا.

وأخيرا أقول لأصحاب الصوت العالي الذين يدعون سعيهم لبناء الوطن وحرصهم عليه، يجب أولا أن تصدقوا شعبكم القول، وأن لا تذكروا نصف الحقيقة.
فالاحترام، كل الاحترام للأستاذ نايف القاضي، والتحية كل التحية، لكل المتفهمين لوضع الأردنيين من أصل فلسطيني في الأردن، وحرصهم على عدم زيادة شقائهم على شقاء،
ليتسنى لهم الدفاع عن الأردن والدفاع عن فلسطين. الشكر للسياسي الأردني الأستاذ عارف الطراونة حيث يقول:

“لا يجوز ان نجعل الرقم الوطني سيفا مسلطا على رقاب مواطنين تعايشنا معهم منذ عشرات السنين”.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية