مجلة Specimen: أن تسير في شوارع مدينة ما متتبعًا خريطة مدينة أخرى

الثلاثاء 02 أيار 2017
الصورة للشاعر والمترجم فياني بياكوني، أحد القائمين على مجلة سبيسيمن، من موقع جائزة شاعر الحرية الأوروبي.

إعداد مارسيا لينكس، محررة مدوّنة الأدب العربيّ بالإنجليزية
ترجمة شادي روحانا

(نُشر الحوار باللغة الإنجليزية على مدوّنة الأدب العربي بالإنجليزية في 27 آذار 2017.)

انطلقت مجلة Specimen في حزيران من عام 2016، معلنة نفسها «مجلة إلكترونية متعددة اللغات، تشكّل، بواسطة الترجمة، منبرًا للعالم متعدّد الأوجه». في موقع المجلة يمكنك أن تقرأ أعمالًا أدبية مُترجمة من العربية إلى الروسيّة، من الألمانيّة إلى الأندونيسيّة، من الإيطالية إلى الباتوا (اللغة العامية الجامايكية)، والعديد من الأخلاط اللغوية الأخرى.

منذ انطلاق المجلة في العام الماضي، نجد فيها عدة مساهمات لها علاقة باللغة العربية وآدابها، خصوصًا فلسطين: منها ملف خاص عن الأدب الفلسطيني، يضمّ نصوصًا لكل من ميس داغر، محمود عمر، عبد مقبول، وعدنية شبلي، أشرفت عليه الأخيرة، وأطلقت عليه عنوان (alPestine). كذلك، يساهم في المجلة المترجم الفلسطيني شادي روحانا، الذي ترجم نص «المترجم» للكاتب المكسيكي خوان بيّورو من الإسبانية إلى العربية، كما ترجم مقتطفًا من رواية «المختلسون» لعبد مقبول من العربية إلى الإسبانية.

لقد تواصلنا، عن طريق البريد الإلكتروني، بأحد القائمين على المجلة، وهو الشاعر والمترجم السويسري فياني بيانكوني، مؤسس ومدير مهرجان بابل للأدب والترجمة، ليكتب لنا عن المشروع الشاب.

مارسيا لينكس: احك لنا عن ولادة Specimen وعن النقاشات والأهداف التي جاءت بها. ولماذا اخترتم اسم «Specimen»؟

فياني بيانكوني: عندما تشكّلت فكرة إنشاء مجلة من هذا النوع، استغرق الأمر عامًا ونصف حتى شرعنا في تطبيقها. خلال هذه الفترة، كانت هناك العديد من النقاشات، وكانت هناك بعض البدايات الكاذبة التي لم توصلنا إلى أي مكان. لقد جاءت المجلة لتلبي متطلبات متعددة الأشكال والألوان. مثلًا، أردنا تأسيس مجلة أدبية تكون أكثر مرونة من الكتب المطبوعة وأقل موسمية من مواقع الإنترنت حيث تتسم المواد المنشورة بأنها عابرة وقصيرة الديمومة. أردنا، أيضًا، العمل بعدّة لغات معًا، أي العمل على الترجمة بشكل مكثّف مع التركيز على الأطراف، مبتعدين قدر الإمكان عن الإنجليزية بوصفها لغة مركزية. كذلك أردنا إدخال نوع من الحساسية المطبعية إلى الإنترنت، أي الاهتمام بنوع الخط وحجمه ولونه، وغير ذلك من العناصر المتعلقة بعالم الطباعة، والتي تتجاهلها غالبية مواقع الإنترنت. إضافة إلى كل هذا، أردنا أن نحقّق الاستمراريّة في العمل مع كل الناس والأصدقاء الذين تعرّفنا إليهم خلال عشرة أعوام من اللقاءات والعمل المشترك من خلال مهرجان بابل للأدب، والترجمة والمشاريع التي انبثقت عن المهرجان.

أمّا عن الاسم الذي اخترناه للمجلة، وهو «specimen»، فقد وُلد مع فكرة إنشاء المجلة، وهو يعني «النموذج» أو «العينة»، والمقصود هنا هو العينة المطبعية؛ فهذه الأحرف المطبعية التي تراها على الشاشة تشكّل عيّنة مأخوذة من مجموعة جمل تقول الشيء نفسه ولكن بأبجديات وأشكال مختلفة. هذا ما حثّنا على خلق مساحة إلكترونية لمحتويات متعددة اللغات، يشكّل فيها كل نصّ نصًا فريدًا، لكنّه يمثّل كوكبة من النصوص.

ماذا تعني لكم الترجمة؟

تعني لنا الترجمة الكثير والكثير من الأشياء، من بينها عمليّة الازدواج؛ أي أن تتعلّم أن تكون هنا وهناك في أي وقت، طوال الوقت. أن تترجم يعني أن تسير في شوارع مدينة ما متبعًا خريطة وجغرافيا مدينة أخرى؛ أن تتنزّه في حدائق أخرى، على ضفاف أنهار أخرى. المترجم، إذًا، هو ذاك الذي لا تزلّ قدمه ويسقط في النهر؛ ذاك الذي لا يشعر بالغربة لا هنا ولا هناك. أكثر من ذلك، المترجم هو الذي يشعر بأنه في وطنه فقط حين يكون مُحاطًا بتعددية الأشياء. المترجم يجد وطنه في أصداء الأشياء وليس فيها؛ في اصطدام الأشياء وفي العمليّة الدائمة لإعادة كتابة الشقّين-النصفين غير المتطابقين.

أحد المبادئ الأساسية عندنا هو مبدأ «حسن الضيافة اللغوية» الذي تكلّم عنه بول ريكور. هذا المبدأ، عند الممارسة، يحثّك على السير نحو الآخر والتقرّب منه قبل أن تدعوه إلى الزيارة ودخول منزلك. لذلك، تمثّل الترجمة نموذجًا يتسع لأنواع أخرى من حسن الضيافة.

كيف تختارون النصوص التي تنشرونها؟ وكيف تختارون اللغات التي تُترجم النصوص إليها؟

نحن نحب النصوص التي تستجوب نفسها، أي تشكّك في نفسها وفي محتواها وشكلها، وتلك التي تلجأ إلى الموارد اللغوية للبحث عن الأجوبة بدلًا من حبكة القصة أو صفات الشخصيات. هذا الميل يقذف بنا إلى الكتابة التجريبية تارة، أو الشعر والمقالة تارة أخرى، وإلى غيرها من الأفانين الهجينة. فقد نختار أن ننشر نصًا مكتوبًا بنمط كلاسيكيّ أحيانًا، ثم يتبعه نصٌّ معاصرٌ أو نصٌّ مكتوب بأسلوب لم يسلكه أحد من قبل.

إن الشوارع التي نمشي عليها هي تلك التي تتقاطع بشكل دائم مع غيرها من الطرق والمسالك؛ مثلًا، نواظب على دعوة كتّاب لا يكتبون بلغتهم الأمّ للمساهمة بالكتابة، ثم نطلب منهم أن يترجموا نصوصهم بأنفسهم. وهذا ما حدث فعلًا مع ألكساندر همن (كاتب من أصل بوسنيّ يكتب بالإنجليزية)، وشيولو غو (التي تكتب بالصينية والإنجليزية)، وبردزنشفيلي ليفان (كاتب من جورجيا) والإرتري الأثيوبيّ صالح الدنيا، الذي ساهم بنص كتبه بالإنجليزية وترجمه بنفسه إلى العربية.

إضافة إلى ذلك فإن، العديد من النصوص والمشاريع في (Specimen) هي نتيجة التشابك الذي يحدث بين النصوص المنشورة، من جهة، والقراء والكتّاب والمترجمين، من جهة أخرى؛ أو نتيجة الصدف التي وقعت معنا على المستوى الشخصي. مثلًا، لقد سبق وعرضنا فكرة المجلة خلال أمسية في رام الله في فلسطين (وكان ذلك خلال مهرجان قلنديا الدولي)، وكذلك في موسكو. لذلك، فإن خريطة (Specimen) الجغرافية واللغوية تعكس، بالضرورة أيضًا، التحرّكات والاكتشافات الجغرافية التي قمنا بها وعشناها على المستوى الفردي.

نحن أيضًا نحلم بتحقيق صداقات على أرض الواقع مع مجموعات ومنابر نجد فيها كتابات جديرة وقيّمة، نريد لها أن تكون جزءًا من عملنا، ومدوّنة (Arablit) هي بالطبع إحدى هذه المنابر.

في المحصّلة، تقرأ هيئة التحرير النصوص المتوّلدة من هذه اللقاءات والحوارات، وتتّخذ، من ثمّ، القرارات اللازمة لتحريرها وترجمتها.

ما هي الوتيرة التي تنشرون فيها النصوص؟ وماذا تقصدون بأنكم «تعملون ببطء»، كما تقولون في الموقع؟

ننشر نصًّا جديدًا حوالي كل عشرة أيام، ويكون النصّ مصحوبًا ببعض الترجمات إلى لغات مختلفة. هذا يعني أننا نعمل ببطء شديد مقارنة بالمواقع الثقافية الأخرى. لقد نُصحنا في السابق بأن علينا أن ننشر بوتيرة أسرع. لكن، صراحة، طالما نجد أنفسنا، نحن القرّاء، نعاني من الوتيرة السريعة التي تُنشر فيها المقالات على المنابر الثقافية، لذلك قرّرنا أن ننشر القليل وببطء. هذا يسمح لنا بأن نعتني بكل نصّ، وبكل ترجمة، بالصورة التي يستحقّها؛ أي أخذ الوقت الكافي لاختيار النص وتحريره وترجمته وتصميمه وإعداد النص المحاذي (الباراتيكست) …إلخ.

هل سيكون هناك ملفات جديدة في المستقبل كملف (alPestine) الذي أعدته الفلسطينيّة عدنية شبلي؟

بالطبع. لدينا العديد من الأفكار بخصوص ملفات جديدة، وهناك أشخاص معينون نريد أن ندعوهم ليساهموا في المجلة محررين ضيوفًا . إن شاعرية العلاقات البشرية هي محور أساسي لكلّ ما يحدث داخل وحول (Specimen).

هل تبحثون عن مترجمين ؟ كيف يمكن للمرء أن يصبح جزءًا من المشروع؟

نعم. نبحث عن مترجمين طوال الوقت. عندما باشرنا العمل بدأنا نعتمد على شبكة من الكتّاب والمترجمين البارعين من الذين تربطنا بهم علاقة وثيقة. وكلّما كانت هناك مشاريع جديدة، فإنها سرعان ما تجيء إلينا بأشخاص جدد من مناطق مختلفة من العالم، يحملون إلينا مزيجًا جديدًا من اللغات للترجمة في ما بينها. نحن أيضًا نرحّب بأي اقتراحات. وبإمكان أي شخص أن يرسل لنا فكرة أو مقترحًا أو نموذجًا ما لعنوان ([email protected])، وسوف ندرسها.

ما هي النصوص التي تعملون عليها في الوقت الحالي؟

هناك بعض النصوص التي أوكلناها بشكل مباشر إلى آخرين، مثل قصص من مجموعة (Karrabing) السينمائية، وهي مجموعة تنتج الأفلام وأفرادها من السكان الأصليين. ستساهم هذه المجموعة بنصوص مكتوبة بالـ(Pidgin English) (الإنجليزية الهجينة) وبلغات أصلية. نعمل كذلك على ترجمات جديدة لكتّاب عريقين مثل فلاديمير سوروكين، عبد الفتاح كيليطو، جوانا والش، آدام زاغاييفسكي، سرفانتس، فيسوفا شيمبورسكا، دون باترسون، جورجيو فاستا، وروبرت فالسر. إضافة إلى نصوص لكتّاب شباب جدد، اكتشفناهم خلال العمل.

وبخصوص أدب اللغة العربية، نريد أن ننشر نصوصًا لكتّاب مثل أنيس الرافعي، يوسف رخا، وهشام بستاني. ونبحث عن مترجم لنصوص سليم بركات. وللأمانة، كل هؤلاء هم كتّاب عرفناهم عن طريق مدوّنة (ArabLit).

قريبًا، سيتمكّن القرّاء (بعد التسجيل) من إبراز مقاطع من النصوص وإضافة الملاحظات عليها. هل هذا صحيح؟ وماذا يعني بالنسبة لكم هذا التدخّل من قبل القارئ في النصّ؟

كذلك سيتمكّن القارئ من تغيير لون خلفية النص، وتغيير شكل الصفحة الذي يقرأها، وكذلك تخزين النصوص المفضلة، وحتى تركيب نسخة خاصة به من المجلة. الهدف هنا هو نقل بعض سمات عالم الطباعة إلى عالم الإنترنت، وبعض سمات الإنترنت إلى الطباعة. نريد أن نستكشف، شيئًا فشيئًا، القوى الكامنة في الوسائل الرقمية؛ فنحن نحاول قدر المستطاع عدم استخدام الصور أو مقاطع الفيديو، بل نريد أن نعزّز الجودة في تجربة القراءة وعمليّة الربط بين المحتويات المختلفة.

هناك أيضًا طرق أخرى لتدخّل القارئ، مثل اقتراح مواضيع لملفات ومشاريع مستقبلية ودعمها؛ وكذلك عبر رحلة العودة إلى العالم الملموس عن طريق تنظيم النشاطات الأدبية، أو اقتراح طباعة بعض النصوص المختارة بصيغة نشرات محدودة التداول.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية