إبحار بلا شطآن: كتب عن غزة

الجمعة 29 كانون الأول 2023
كتب عن فلسطين قبل النكبة
تصميم أنات العلان.

هذه القائمة جزء من سلسلة «على هامش الحرب: كتب عن فلسطين».

نشرت خلال السنوات الماضية عن فلسطين وتاريخها عشرات الكتب، لكن لكل كتاب منها ثغراته وإشكالاته. كما أن الكتابة التاريخية البحثية، خصوصًا العربية، ما زالت قاصرة عن تأريخ الكثير من لحظات فلسطين وأهلها في القرن الماضي، وحذف من السرد الكثير من الحكايا والتجارب لأسباب كثيرة، كتطهير كثير من وثائق فلسطين وأهلها، واختفاء الكثير من المصادر بتتابع الحروب، وتكاثر المراقبين والعسس. 

لكن وبخلاف هذه النصوص تكاثرت خلال السنوات الماضية أيضًا، نصوص أمكن العودة إليها دائمًا لمن يبحث عن التاريخ الحي للناس وأمكنتهم. من أبرزها نصوص السير والمذكرات ونصوص ما يمكن أن يسمى كتب التاريخ المحلي أو البلدانيات. إضافة لبعض الأبحاث الأكاديمية. في هذه القائمة بعض هذه الكتب التي تناولت تاريخ غزة بالتحديد.

إبحار بلا شطآن: فصول من سيرة ذاتية
هارون هاشم رشيد
دار المجدلاوي للنشر والتوزيع، عمّان، 2004

ختم هارون هاشم رشيد، سيرته الأولى في آذار 1998، لتنشر بعدها بست سنوات. و«هارون الرشيد» كما أسماه والده الغزي يوم مولده في عام الزلزال، من أبناء حارة الزيتون، التي أكلت الحرب العالمية الأولى ومعارك غزة الأولى والثانية جل كروم زيتونها. في سيرته هذه يكتب رشيد تاريخًا من «لحم ودم»، يحكي سيرته الأولى في الحي، وسيرته مع مدن وبلدات فلسطين في ظل الاستعمار البريطاني، وسيرة الكتّاب فالمدرسة فالكلية الأولى. ويطعم هذه السيرة بالشعر، لالتصاق تجربته الشعرية مع سيرته الذاتية كما يقول. 

في هذه السيرة لقاء حميمي بين الحياة اليومية والتعبير عنها، كما عبر أدونيس، وصعود من الخاص إلى العام ومن العام إلى الخاص، إذ يرتحل رشيد بين سيرة المكان وسيرة أهله، من حرب إلى حرب، ومن مقاومة إلى مقاومة، ومن صمود وانبعاث إلى صمود وانبعاث متجدد. تحضر المقاومة اليومية لأهل غزة، ومقاومة فدائييها العابرة للأزمنة في السيرة بشكل جلي، وتقرأ سير مقاتلين صنعتهم الحرب، وآخرين أبوْا ترك غزة وحيدة، فعبروا الطريق من الخليل إلى غزة بحثًا عن حكايتها مع العدوان، وإثراءً لمقاومتها. ابتدأت السيرة بالزلزال الكبير، وختمت بزلزال حرب حزيران 1967 وقرار «الرشيد» أن لا يسلم نفسه لقوات العدو، فعبر الطريق إلى نابلس، ليعبر منها النهر شرقًا، وتبدأ تغريبته، كما تغريبة الكثير من الغزيين وأهل البلاد.

إتحاف الأعزة في تاريخ غزة
عثمان مصطفى الطباع
مكتبة اليازجي، غزة، 1999

كتب التاريخ المحلي لغزة، مدنها وبلداتها ومخيماتها، متعددة، وإن لم تلق رواجًا وانتشارًا يليق بغزة وتاريخها، وهذه للأسف سمة أساسية في هذه النصوص، إذ أن جلها ينشر محليًا، ويكون توزيعه محدودًا على الرغم من قيمته العليا في إبراز صوت الأهالي، وسرد حكيهم. ولعل هذا الكتاب هو أبرز كتب التاريخ المحلية الغزية، وهو كتاب موسوعي في تاريخ المدينة وناسها (تاريخ المدينة وعائلاتها وأنسابها وتراجم لأعلامها)، أنهيت مسودته في العام 1947 وتعددت مصادره بتعدد الأزمنة التي أرخ الطباع لها، لكن أبرزها في محطاته للتأريخ للراهن، بدءًا من معارك غزة في الحرب العالمية الأولى وصولًا لبواكير النكبة، شهادة المؤلف الشخصية. بقي نص الطباع مخطوطًا، وحضر في كتب تالية كمصدر رئيس، إلى أن اشتغل على تحقيقه ونشره عبد اللطيف أبو هاشم في العام 1999.

غزة عبر التاريخ
إبراهيم خليل سكيك
المطبعة العربية الحديثة، القدس، 1980-2001

بالإضافة للنص الموسوعي السابق، وجدت سلسلة نصوص إبراهيم خليل سكيك -وينقل عن الطباع في غير موضع- الصادرة في سبعة عشر جزءًا.

يقدم سكيك في الأجزاء الثلاثة الأولى (صدرت عام 1980) سيرة غزة عبر التاريخ الإسلامي الطويل وصولاً للاستعمار البريطاني (الجزء الرابع، 1981)، ثم العمليات الحربية في الديار الغزية الذي تناول حرب 1947-1949 (صدر عام 1981)، وخصص الجزء السادس للحديث عن القرى العربية في الديار الغزية، أما السابع والثامن (1982-1983) فخصصت لقطاع غزة تحت الإدارة المصرية.

أما الأجزاء التالية فتزداد قيمتها لزيادة حضور الشخصي فيها، إذ صارت الأجزاء أقرب إلى نصوص تذكر وتأمل، حول المجتمع الغزي، وشخصياته وحكاياته، وحول الأحداث الراهنة كالانتفاضة الأولى (1984-2001).

قطاع غزة 1948-1967: تطورات اقتصادية وسياسية واجتماعية وعسكرية
حسين أبو النمل
مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1979

بخلاف النصوص السابقة «المحلية»، نشر أيضًا خلال السنوات الماضية عدد من النصوص البحثية/الأكاديمية عن غزة تاريخها الاجتماعي والسياسي، وكذلك عن حركتها السياسية ومقاومتها، خصوصًا مع تطورات الوضع في القطاع خلال العقود الثلاثة الماضية. 

عربيًا كان مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية من أول من طرقوا الاهتمام بالقطاع، كجزء كما يبدو من الاهتمام العام في الأرض المحتلة، إذ أصدر حسين أبو النمل هذا الكتاب عام 1979. حاول فيه رسم تاريخ متعدد الأبعاد لتشكل قطاع غزة، ولفترة الحكم المصري للقطاع. واستند لمصادر أولية اختفى جزء رئيس منها مع سرقة مكتبة مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية إثر الاحتلال الصهيوني للبنان عام 1982.

انعكست المرحلة، وموقعية المؤلف السياسية والبحثية، على لغة الكتاب وميزته عن النصوص البحثية التالية. فمثلا يعنون الكتاب الفصل الثاني بـ«سنوات الجوع والضياع 1949-1952»، فيما فصله الثالث «الصمود، التبلور 1952-1955»، وهو فصل تمهيدي للحديث عن حرب الفدائيين 1955-1956 التي اعتنى فيها أبو النمل عناية خاصة. ويعد تأريخه لهذه المرحلة من بواكير النصوص التي اعتنت بالتجربة وحاولت تأريخها. وسبق أن نشر أبو النمل جزءًا من هذا التاريخ في العام 1977 كجزء من استعادة تاريخ المقاومة المسلحة في الأرض المحتلة عمومًا، وفي قطاع غزة خصوصًا.

قطاع غزة: السياسة الاقتصادية للإفقار التنموي
سارة روي
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2018

أما النصوص المنشورة بالإنجليزية، فكان هذا الكتاب الصادر بالأصل عام 1995 من أبرزها. وختمته سارة روي بحديثها عما أسمته «وجه المستقبل»، وتتساءل فيه إن كان اتفاق غزة – أريحا سيكون نهاية الإفقار التنموي. لكن روي عادت في طبعات تالية، ترجمت الثالثة منها إلى العربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية للتأكيد على استمرار سياسات الإفقار. وتبرز في مقدمتها للطبعة الثالثة أن ضعف غزة سياسة متعمدة، تقترب من نهاية منطقية هي «جعل غزة غير قابلة للحياة». هذه النتيجة متوقعة في ضوء منطلقات كتاب روي، التي اعتبرت المشروع الاستعماري الصهيوني مشروعًا يسعى لغاية نهائية حاكمة هي الطرد. فالكتاب الذي بحث في التحليل المنهجي لتأثير سياسة الاحتلال التالية لحرب 1967 في التنمية الاقتصادية في قطاع غزة، بدراسة مفصلة، انقسم إلى أربعة أجزاء رئيسية، كان آخرها «وجه المستقبل»، وقدم أولها التاريخ السياسي والاقتصادي للقطاع في القرن الماضي، وركز الثاني والثالث على النهج الاقتصادي الخاص بالاحتلال تجاه قطاع غزة، والذي أسمته بالإفقار التنموي. وعرفته بأنه عملية تُشَوه، ومن ثم تُحبط التنمية من خلال حرمان الاقتصاد أو تجريده من قدراته ومن إمكان إحداث تحول بنيوي عقلاني فيه أنماط طبيعية من النمو والتنمية، ومنع نشوء أي نوع من وسائل التصحيح الذاتي.

تختم روي مقدمتها للطبعة الثالثة باقتباس من خطاب دايان الشهير في تأبين أحد قتلى الهجمات الفدائية على ناحال عوز في العام 1956، ومما قاله: «نحن جيل الاستيطان، ومن دون الخوذة الفولاذية وفوهة المدفع، لن نكون قادرين على زرع شجرة أو بناء بيت […] قدر جيلنا، هذا هو خيار حياتنا، أن نكون مستعدين ومسلحين أقوياء وثابتين، لئلا يتم نزع السيف من قبضتنا، فتنتهي حياتنا». في هذه المقدمة تفصل روي السياسات الصهيونية التالية لما سمي فك الارتباط لعزل غزة وإنهائها. ورغم أن فاعلية الفلسطيني تغيب في كثير من الأحيان عن الكتاب، إلا أن الكتاب يثري المشهد الخلفي ليوم العبور في السابع من أكتوبر، ويبرز قيمة فعل غزة وسعيها لتجاوز السياسات الاستعمارية لقتلها، ولفك القيد عن أهل فلسطين عمومًا، ونزعها للسيف الصهيوني من ناحال عوز وجوارها مجددًا.

وقد صدر لروي أيضًا: حماس والمجتمع المدني في غزة، 2011 (Hamas and Civil Society in Gaza)؛ إنطاق غزة: تأملات في المقاومة، 2021 (Unsilencing Gaza: Reflections on Resistance).

حكم غزة: البيروقراطية، السلطة، والعمل من القاعدة
إيلانا فيلدمان
منشورات جامعة ديوك، دورهام، 2008

وبينما كانت روي تنهي كتابها، كانت الأنثربولوجية الأميركية إيلانا فيلدمان تتنقل في سيارتها الأميركية بين مدن ومخيمات وحواري قطاع غزة، وبقية فلسطين المحتلة خلال سنوات أوسلو، لتشتغل على جمع المادة البحثية لكتابها هذا. 

قدم هذا الكتاب تاريخًا أنثربولوجيا لقطاع غزة من زوايا نظر لم تطرق سابقًا. واقتصر الكتاب على العهد الاستعماري البريطاني (تسميه انتدابًا)، وسنوات الإدارة المصرية للقطاع. وتضيء فيلدمان على دور سلطة جديدة دولية إثر حرب 1947-1949، أي سلطة الاونروا. 

حاولت الكاتبة فهم التناقض بين غزة التي بدا أنها غير قابلة للحكم في كثير من اللحظات وبين تعدد حكوماتها واستمرار العمل اليومي رغم كل الأزمات. وتشير إلى أن دراستها لهذا الجانب يمكن أن ينتج إحساسًا جديدًا بالحوادث، وخصوصًا المركزية منها كالنكبة، التي أعادت تعريف ماهية غزة من قضاء فرعي إلى كيان فريد. وكما يظهر فإن الكتاب أضاء من خلال دراسته للحكم على الحياة اليومية للغزيين، وأبان عن أثر التحولات عليهم. 

حاول الكتاب الانطلاق من حديث عن استمرارية ما، رغم الأزمات، لكنه أيضًا تحدث عن القطائع في هذه الاستمرارية. فتردد بين الاستقرار والأزمة في الممارسات البيروقراطية. وتقرأ فيلدمان ما تسميه «الحكومة التكتيكية» التي تركز على مستقبل متخيل أكثر من كونه احتمال واضح التحقق، واجهته بتكتيكات قصيرة الأمد (لا تخطيط طويل الأمد) كالتأجيل والإلهاء، وبرأيها فإن هذا -بالإضافة لإنشاء السلطة من خلال الممارسة والتكرار اليومي- ما سمح باستمرار الحكم في غزة، في ظل ظروف مشحونة وغير مؤكدة على الدوام. 

ميزة اشتغال فيلدمان بالإضافة لمقاربتها المغايرة، والتي قد تقود لزاوية نظر جديدة لغزة والغزيين، هي إفادتها من المزاوجة بين الأرشيف والإثنوغرافيا، إذ مكنها ذلك من التعامل مع الحكم ليس كمؤسسة محددة بل كنظام ممارسة، وسمح لها بفهم الانقطاعات الناجمة عن تباين الأراشيف وسياسات الأرشفة، وبالتركيز على الحياة اليومية وعلى الأشخاص واللحظات التي تبدو هامشية، من خلال التركيز على المكاتب ودوائر الممارسة اليومية للبيروقراطية. 

صدر لفيلدمان أيضًا عن جامعة ستانفورد في العام 2015 كتابها مواجهات الشرطة، الأمن والمراقبة في غزّة تحت الحكم المصري (Police Encounters: Security and Surveillance in Gaza under Egyptian Rule).

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية