كيف تخيّلنا الوحش: قصة تطوّر تصورات السبينوصوروس

الخميس 08 تشرين الأول 2020
الحديقة الجوراسية
السبينوصوروس (يسار) كما ظهر في الجزء الثالث من أفلام الحديقة الجوراسية.

مؤخرًا، ظهرت من أعماق الإنترنت نكتة ألمعية تلمِّح إلى معنى ربما لم يطرق أذهان أغلب الناس من قبل: فنحن جميعًا قد رأينا فرس النهر، لكن أكثرنا لم يرَ الملامح الرهيبة لجمجمته، التي تعرضها لنا النكتة في مربعها الأعلى مصحوبةً بوصف: «الجمجمة»، ثم تعرض في المربع الأوسط رسمًا لوحشٍ خيالي مخيف، مع تعليق: «هكذا قد يتخيل الفضائيون الحيوان»، قبل أن تضيف صورة فرس نهر يغمض عينيه في كسل وتعلِّق: «الحيوان».

تطرح هذه النكتة -ببساطة عبقرية- نقدًا بارعًا للكثير من محاولات خبراء الأحافير تخيُّل أشكال الحيوانات المنقرضة من خلال هياكلها العظمية فقط، بل من أجزاء متناثرة من العظام أحيانًا. وتشير إلى الفارق الشكليّ العملاق الذي قد يصنعه توزيع الأنسجة العضلية والدهنية المتصلة بعظام جمجمة فرس النهر، بنتوءاتها الحادة وأنيابها الهائلة. وما ينطبق على فرس النهر ينطبق بالطبع على غيره.

لكن هذا النقد لم يغب تمامًا عن أعين بعض علماء الباليونتولوجي (علم الإحاثة، أو علم الأحياء القديمة) وفنانيه. فعلى سبيل المثال، قام الرسام التركي سي إم كوسمِن -وهو فنان مهتم بعلوم الحيوان والحفريات- بتجربة فنية قدَّم فيها تخيُّلات لأشكال حيوانات معاصرة مبنية على هياكلها العظمية فقط، مع تجاهُل متعمَّد لدور أنسجتها الرخوة، والتي تعطيها في النهاية ملامحها المميزة. فنرى في إحدى اللوحات تخيُّلًا لبجعة (يسار) وطائر أبو مركوب (يمين) لا يضع في الاعتبار وجود الدهن والريش وحتى الأجنحة، وفي لوحة أخرى نرى زوجًا من طيور التم، وقد تمادى الفنان في دعابته ليفترض أنها كانت تصطاد الأسماك بطعنها بأطراف «أذرعها» المدببة! وفي لوحة ثالثة نرى أعلى اليمين حصانًا، وتحته وحيد قرن بلا قرون، وبحدبة كبيرة أعلى ظهره قد ينبئ بها بالفعل شكل هيكله العظمي، وعلى اليسار نرى فيلًا عجيبًا بلا خرطوم!

إعادة تصور للحصان (يمين أعلى) ووحيد القرن (أسفل) والفيل (يسار) بناء على هياكلها العظمية فقط، لوحة سي إم كوسمِن.

هذه «الدعابات» تريد أن تخبرنا في الحقيقة شيئًا ما. شيء أخبرتنا به أيضًا قصة من قلب علم الأحياء القديم نفسه، ستقف أمامنا طويلًا كمثال متجسد لحجم الدور الذي قد يلعبه الخيال في العلم البشري. من بين كل القصص الغريبة التي يمتلئ بها تاريخ الباليونتولوجي، سيبرز اسم «سبَيْنُوصوروس إيجيبتيكَس» كنموذج لديناصور لا تكاد صورته لدينا تثبت على حال! فمع كل كشف جديد «يتطور» السبينوصوروس -الذي انقرض قبل أكثر من 90 مليون عام- شيئًا فشيئًا في نظر العلم، وفي خيال البشر. ولهذا لن تحكي السطور التالية قصة السبينوصوروس نفسه، قدر ما ستحكي قصة تصوُّرنا له.

من التماسيح إلى تي-رِكس

أولى نوادر هذه الديناصورات أنها اكتُشفت -بشكلٍ ما- قبل عقود طويلة من اكتشافها، وأن من يُنسَب إليهم هذا الكشف الأول هما ببساطة السير ريتشارد أوين، الرجل الذي صك مصطلح «ديناصور» لأول مرة، وجيديون مانتِل، الرجل الذي أطلق اكتشافه لسِن متحجرة -ولهذا وحده قصة مثيرة لن يتسع لها المقام- علم دراسة الأحافير كله!

ففي أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر قدَّم أوين وصفًا علميًّا لأحافير أسنان -حصل عليها من مانتِل- استنتج فيه أنها تنتمي لجنس قديم من رتبة التمساحيات، قبل أن يعيد العلمُ النظرَ في أمرها بعد عقود طويلة ويقطع بانتمائها إلى عائلة السبينوصوريات. ولا يمكن إلقاء الكثير من اللوم على أوين، فأسنان السبينوصوريات المخروطية الملساء أقرب كثيرًا في الشكل إلى أسنان التماسيح منها إلى الأسنان المعقوفة المشرشرة لديناصورات لاحمة مثل تي-رِكس.

«لا تنفي الأسطورة أي شيء، وإنما دورها أن تتحدث عن الأشياء. فهي تطهرها وتجعلها بريئة وتفسرها تفسيرًا خالدًا. تضفي الأسطورة على الأشياء وضوحًا. ليس وضوح الشرح، ولكنه وضوح الإدلاء بحقيقة».

كان الأمر يحتاج إلى أكثر من بضعة أنياب حتى ننتبه إلى أننا أمام مخلوق عتيق جديد تمامًا. احتاج الأمر إلى أن يقوم عالِم الأحافير الألماني إرنست سترومر برحلات استكشافية متتالية إلى صحاري مصر منذ العام 1910، بصحبة صياد الحفريات النمساوي ريتشارد ماركجراف، بحثًا عن حفريات ثدييات منقرضة. لم يعثرا سوى على القليل منها، لكنهما ظَلّا يجدان الكثير من حفريات القروش والسلاحف والتماسيح، حتى جاء العام 1912 ليزف الكشف الأضخم. جزء من فك سفلي شبيه بفكوك التماسيح بأسنان شبيهة بأسنانها، مع بعض فقرات ظهرية عملاقة تبرز منها نتوءات هائلة يتجاوز طول الواحدة منها مترًا ونصف، هي التي ألهمَت سترومر بتسمية الديناصور الجديد «سبينوصوروس إيجيبتيكَس»، أي: العظاءة المصرية ذات الأشواك، وكان ذلك في عام 1915 -في أتون الحرب العالمية الأولى- بعد أن عاد بعيناته إلى ألمانيا ليدرسها ويرسمها.

ورغم يقين سترومر من غرابة تشريح هذا الديناصور، إلا أنه عندما صمَّم أخيرًا نموذجًا له في عام 1936، حاول ألا يجمح كثيرًا في تخيُّل شكل جمجمته، وفضَّل أن يختار لها تصورًا لا يبتعد كثيرًا عن جماجم أقرانه من الديناصورات اللاحمة الأخرى، ومثلها أيضًا انتصب النموذج على قائمتيه الخلفيتين.

وقد ظل هذا النموذج المهيب -بالشراع الهائل بطول ظهره- يخلب ألباب زائري متحف الأحياء القديمة بميونخ، لكن السنين المظلمة التالية لم تكن على الإطلاق أفضل الأوقات لأصحاب الخيال الرحب، وكما وُلد ديناصور سترومر مع مخاض الحرب العالمية الأولى، فقد جاءت نهايته المؤسفة على أيدي قصف الحلفاء لألمانيا في أبريل 1944، في غارة جوية دمَّرت الكثير من مقتنيات المتحف الذي رفض مديره توسلات سترومر بنقل عيناته إلى مكان أكثر أمنًا.

لم تأخذ الحرب من سترومر ديناصوراته فقط، بل أخذت معها اثنين من أبنائه قضيا نحبهما في الجبهة، وابنًا ثالثًا وقع في أسر السوفييت. تركت له فقط قلبًا ملوعًا وتلك الرسوم الجميلة الحزينة لديناصورات مصر الضائعة.

مات سترومر عام 1952، لكن رسومه الناجية ظلت تُلهم خيالات رسامي الديناصورات، خاصةً مع الكشف عن المزيد من عظام السبينوصوروس في السبعينيات، في المغرب وغيرها من بلاد شمال أفريقيا. وفي عام 1986 أُعلن عن اكتشاف نوع جديد من الديناصورات في إنجلترا أُطلق عليه اسم باريونيكس، بعظام فك طويلة ومستدقة تذكرنا مجددا بالتماسيح. وقد شجَّع الباريونيكس بعض العلماء على إعادة النظر في جمجمة سبينوصوروس سترومر، والتجرؤ على اقتراح أن عنق الوحش العملاق قد حمل رأسًا أقرب كثيرًا إلى رؤوس التماسيح. وهكذا ظل الرأس يتأرجح في الخيال البشري بين رأس سترومر التقليدي والرأس التمساحي الثوري.

وقد شهدت التسعينيات ربيعًا ديناصوريًا فريدًا، أطلقه -عام 1993- فيلم ستيفن سبيلبرج الخالد «الحديقة الجوراسية» المبني على رواية مايكل كرايتون المذهلة التي صدرت عام 1990. ودفع النجاحُ المدوي صناعَ الفيلم إلى إنتاج جزء ثانٍ منه عام 1997 وثالثٍ عام 2001.

تولى جو جونستون إخراج الجزء الثالث خلَفًا لسبيلبرج، وأراد لفيلمه ديناصورًا جديدًا يصلح لسحب البساط من تحت قدمي تي-رِكس العظيم (رِكس تعني الملك، بالمناسبة)، فلجأ إلى عالِم الباليونتولوجي الشهير جاك هورنر -المستشار العلمي للفيلمين السابقين- الذي رشح له الديناصور الجدير بهز عرش تي-رِكس: صاحبنا السبينوصوروس، الذي ترسَّخَت صورته السينمائية في خيال الملايين وحشًا جديدًا للشاشة، آلة قتل جبارة لا تستثني حتى تي-رِكس!

السبينوصوروس، كما ظهر في أفلام الحديقة الجوراسية، وكما يظهر أيضًا في مكتبة كاتب هذا المقال. 

صورة الوحش تهتز

للأمانة، كانت هناك عدة أوراق بحثية صدرت قبل الفيلم بسنوات، تقترح أن السبينوصوروس كان على الأرجح -بناءً على تشريح الفك والأسنان- متخصصًا في اصطياد الأسماك، رغم ضخامته الفريدة التي تجعله أكبر ديناصور لاحم معروف. لكن صناع الفيلم قرروا تجاهل هذه النسخة المملة لصالح صورة السفاح، قاتل القَتَلة، الذي هيمن على شاشات السينما وعلى قلوب الكثير من عشاق الديناصورات، وأحدث القدر المطلوب من الإثارة والجدل بعد معركته الدامية مع تي-رِكس، والتي يدعو بعض محبي تي-رِكس المخلصين إلى إعادتها في النسخة القادمة من السلسلة السينمائية!

المهم أن صورة سبينوصوروس ترسخت تمامًا في الخيال البشري كما ظهر في الفيلم: وحشًا شبيهًا بتي-رِكس لكنه أكبر، له شراع هائل بطول الظهر، ورأس أقرب إلى رؤوس التماسيح. بتلك الصورة تربَّع السبينوصوروس على قمة مجده وشهد أوقاتًا رائعة. وربما كان هذا سببًا أساسيًا في وجود شيء من «المقاومة الشعبية» لنتائج الأبحاث العلمية التي اقترحت أن هذا الوحش الأثير كان يكتفي بصيد السمك. والعجيب أن هذه المقاومة لم تقتصر على محبي الديناصورات الهواة فقط، وإنما تفشَّت -ربما بصورة أقوى- بين علماء الباليونتولوجي أنفسهم.

لم تظهر تلك المقاومة بصورة أوضح مما حدث مع ما «اقترفه» عالِم الباليونتولوجي المغربي الألماني نزار إبراهيممنذ عام 2008 وإبراهيم يطارد حفريات السبينوصوروس في وطنه الأم. وفي 2014 تكللت جهود فريقه العلمي بنشر ورقة بحثية قلبَت صورة الوحش العتيق رأسًا على عقب، و«نكَّسَته» من انتصابه المعهود إلى وضع جديد يزحف فيه على أربع.

انبرى كثيرون في «الدفاع» عن صورة الوحش التي في الخيال، حتى أنهم استعانوا في دفاعهم نفسه بالخيال، حين اتهموا نموذج نزار إبراهيم الجديد بأنه أقرب إلى مسخ فرانكنشتاين، أو إلى الكِمِّير.

اقترح نزار إبراهيم ورفاقه أن طول القائمتين الخلفيتين للسبينوصوروس قد بولغ في تقديره، وأن أسلوب حياته -الذي اعتمد كثيرًا في رأيهم على خوض المياه- فرض على تشريحه أن يلجأ فوق اليابسة للمشي على أطرافه الأربعة. وهي الصورة التي استُقبلت بعاصفة من نقد المتخصصين قبل العوام.

من نقد سكوت هارتمان -بخبرته في إعادة تمثيل هياكل الحيوانات المنقرضة- لمقاييس رسم النموذج الجديد، وتقديمه لنموذج بديل مبني على نفس البيانات، يحفظ للسبينوصوروس القديم ماء وجهه، وقدرته المحبوبة على الركض الرشيق بالاعتماد على رجليه فقط، إلى إشارة جريجوري بول -بخبرة في الديناصورات تمتد لأكثر من ثلاثة عقود استفاد منها فيلم الحديقة الجوراسية- إلى غموض عينات نزار إبراهيم، كونها استُخرجت من مساحة جغرافية شاسعة وطبقات من الأرض لم تُحدَّد أعمارها بدقة كافية، إذ من التسرُّع استنتاج أن هذه المجموعة من البقايا العظمية كانت تنتمي لنوع واحد من الديناصورات باعتقاده.

باختصار؛ انبرى كثيرون في «الدفاع» عن صورة الوحش التي في الخيال، حتى أنهم استعانوا في دفاعهم نفسه بالخيال، حين اتهموا نموذج نزار الجديد بأنه أقرب إلى مسخ فرانكنشتاين المرقَّع من جثث بشرية مختلفة، أو إلى الكِمِّير، المخلوق الأسطوري الهجين بين الأسد والماعز والأفعى.

تصوّر نزار إبراهيم للسبينوصوروس

لكن قبل شهور معدودة -في أواخر نيسان 2020- نشر نزار إبراهيم وفريقه دراسةً جديدة زادَت الوحش بلَّة! هذه المرة يصف نزار العديد من عظام فقرات ذيل سبينوصوروس عُثر عليها في المغرب. ذيل شبه مكتمل لم يُرَ مثله من قبل، تحمل فقراته نتوءات أيضا تذكِّرنا بنتوءات الشراع الشهير، أشواكًا عظمية تخبرنا بوضوح بأن السبينوصوروس كان يملك ذيلًا مفلطحًا ولافت المرونة يستعمله -ولا بد- كمجداف ودفَّة، في سعيه اليومي الذي ينكشف لنا الآن أنه كان مرتبطًا بالمياه أكثر مما تخيلنا، فهو -بتعبير نزار إبراهيم- لم يكن فقط يكتفي بخوض المياه، وإنما كان أيضًا على الأرجح يطارد فيها فرائسه. وهو ما يجعل السبينوصوروس استثناءً نادرًا بين الديناصورات التي تعتبر إجمالًا حيوانات بريَّة بشكل أساسي، فالموزاصوريات والبليزيوصوريات والإكثيوصوريات وغيرها لا تنتمي تصنيفيًا إلى الديناصورات، وإنما إلى الزواحف البحرية المنقرضة. 

النكتة والأسطورة 

إذن فقد صار رأس السبينوصوروس الآن شبيها برأس التمساح، وفكه وأسنانه، وكذلك -وفق آخر التصورات- ذيله، وانسيابية حركته في المياه، ومشيته الأقل رشاقةً فوق اليابسة على أطرافه الأربعة. وهو ما قد يعود بنا كثيرًا -ويا للسخرية- إلى الاقتراب من أول تخيُّل للسبينوصوروس، إلى تمساح ريتشارد أوين، صاحب مصطلح «ديناصور»، بمعناه الذي لا يخلو أبدًا من خيال طفولي مرح: العظاءة الرهيبة.

يتجاوز الخيال الطفولي أحيانًا إلهام صناع الأفلام إلى الإسهام -بنسبة ربما لن نحب كثيرًا مصارحة أنفسنا بها- في أشد جهود البحث العلمي جديةً ورصانةً.

هذا الخيال الطفولي الذي يقدم شيئًا من التفسير لتصميم صنّاع الجزء الثالث من أفلام الحديقة الجوراسية على تقديم نسختهم الجبارة من السبينوصوروس، وتصميم سبيلبرج من قبل ذلك على مضاعفة أحجام ديناصورات فيلوسيرابتور لتظهر على الشاشة بتلك الخطورة الخالدة، إذ يحكي جاك هورنر أنه قال لسبيلبرج ذات يوم: «ستيفن (..) نحن نعرف أن الفيلوسيرابتور، على الأقل، كان يمتلك ريشًا كالطيور، ريشًا زاهي الألوان أيضًا على الأرجح»، وأن سبيلبرج أجابه -وهو يضحك- بأن الديناصورات ذات الريش الملون لن تخيف أحدًا!

لكن الخيال الطفولي يتجاوز أحيانًا إلهام صناع الأفلام إلى الإسهام -بنسبة ربما لن نحب كثيرًا مصارحة أنفسنا بها- في أشد جهود البحث العلمي جدية ورصانة. وإن لم يكن ما حكيناه هنا عن كل تلك التقلبات التي حدثت لصورة صاحبنا المنقرض دليلًا كافيًا، فسوف نختم -كما ابتدأنا- بنكتة أخرى، لكنها نكتة لم تكن تُضحك أحدًا في الماضي، لأنها خرجت ذات يوم من عقل إنسان ألمعي مرموق، تمتَّع بكل الاحترام والمهابة التي تليق بالعلم والعلماء.

ففي عام 1663 عُثر في بلدة كفيدلينبرج الألمانية على مجموعة من عظام وحيد القرن الصوفي المنقرض، وأثار الاكتشاف انتباه الفيزيائي المعروف أوتو فون جيريكيه، ولا بد أنه قد أثار خياله كذلك. فقد قرر الرجل استعمال العظام لبناء نموذج متفرد لا يزال يقف حتى اليوم في متحف ماجديبرج للتاريخ الطبيعي، تكمن خصوصيته في كونه النموذج الوحيد لأحادي القرن (اليونيكورن) الذي تستطيع أن تراه في أي متحف تاريخ طبيعي في العالم كله! هذا اليونيكورن الأسطوري لم يخدع فقط أخيلة العوام، وإنما حظى أيضًا بتعليقات جادة للغاية من رجل بقامة جوتفريد لايبنتز، العالِم الألماني الموسوعي، مؤسس التفاضل والتكامل.

يقول رولان بارت: «لا تنفي الأسطورة أي شيء، وإنما دورها أن تتحدث عن الأشياء. فهي تطهرها وتجعلها بريئة وتفسرها تفسيرًا خالدًا. تضفي الأسطورة على الأشياء وضوحًا. ليس وضوح الشرح، ولكنه وضوح الإدلاء بحقيقة».

وإذ نتأمل وقائع ما حدث لصورة السبينوصوروس في خيالنا، نستطيع أن نتخيل قدر ما بنيناه -من معارفنا البشرية وعلومنا الطبيعية- على أسس أسطورية، تدغدغ مشاعرنا وتثير دهشتنا، وتهرب بنا من طرفي النقيض الكريهين: أن نشعر أننا نحيا في عالَم مجهول إلى درجة لا نطيقها، أو أن نغرق في الملل والإحباط من واقعٍ تبدو فيه أفراس النهر على هذه الصورة البائسة، رغم امتلاكها لتلك الهياكل الفاتنة.

يقول نزار إبراهيم في حديث مع كاتب هذه السطور:

«ليست هذه التحولات سوى انعكاسات لما عرفناه عن هذا الديناصور في الأعوام القليلة الماضية. يجب أن تتذكر أن الهيكل العظمي (الجزئي) الآخر الوحيد له قد تعرض للدمار في غمار الحرب العالمية الثانية، وأن الهيكل الجديد -الذي وصفناه- قد ظهر للوجود بعد قرن كامل من تعارفنا الأول على السبينوصوروس».

ولم ينسَ نزار أن يعد بالمزيد من النتائج «المثيرة» التي قد تعلنها قريبًا أبحاثهم المستمرة، لكنني لم أستطع أن أعده في المقابل بأن أتخلى بسهولة عن إيماني بأن وحشي المفضل كان ليستطيع أن يلقِّن ملك الديناصورات الطاغية درسًا لا يُنسَى، ولو بعد مئة مليون سنة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية