حماس، فتردد، فبرود: أين يقف الأردن من المشاريع الصينية؟

الأحد 10 أيلول 2023
مشروع العطارات. المصدر: موقع شركة APCO.

قبل ثمانية أعوام من الآن، في أيلول 2015، وقّع الملك عبدالله الثاني والرئيس الصيني شي جين بينغ بيانًا مشتركًا لإقامة شراكة استراتيجية بين البلدين تضمنت عددًا من اتفاقيات الاستثمار بقيمة سبعة مليارات دولار. وصف الملك هذه الزيارة للصين بـ«فصل جديد في العلاقات الثنائية»، وقال منتصر العقلة، مفوض مجلس الاستثمار الأردني الأسبق إنها «صفقات حقيقية سيتم تنفيذها خلال السنوات المقبلة»، واحتفى بها الاقتصاديون والمسؤولون في القطاعين العام والخاص بوصفها ستعطي دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وستفتح آفاقًا استثمارية أمام الأردن الذي يشكل «واحة من الهدوء في منطقة مضطربة».

بشكل رئيسي، توزعت قيمة الاتفاقيات البالغة سبعة مليارات على أربعة مشاريع رئيسة هي مشروع بقيمة 1.7 مليار دولار لبناء أول محطة أردنية لتوليد الكهرباء باستخدام الصخر الزيتي في منطقة العطارات، واستثمار بقيمة 2.8 مليار دولار لبناء شبكة السكك الحديدية الوطنية، واتفاق مع شركة هانرجي الصينية العملاقة لبناء محطة طاقة متجددة 1000 ميغاوات بتكلفة تقارب المليار دولار، واتفاقية استثمار وقعتها سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة مع غرفة الاستثمار الصينية لتطوير منطقة صناعية ولوجستية على مساحة تبلغ حوالي مليون متر مربع.

بعد مرور ثمانية أعوام على توقيع الشراكة التي تضمنت نحو 29 مشروعًا تنمويًا في الأردن غالبيتها في قطاعيْ الطاقة والبنية التحتية، وتبعها شراء الشركات الصينية حصصًا في شركة البوتاس العربية الأردنية وشركة العطارات للطاقة، تعثرت معظم هذه المشاريع إما منذ بدايتها مثل توقف تنفيذ شبكة السكك الحديدية بعد توقيع مذكرة التفاهم مع الشركة الصينية CCECC التي أبدت اهتمامها بالمشروع وأوفدت فريقًا هندسيًا إلى المملكة لدراسة وتتبع مسار الشبكة، أو بعد بدء تشغليها التجريبي مثل مشروع العطارات الذي ذهبت فيه الحكومة الأردنية إلى التحكيم الدولي. فكيف بدأت هذه المشاريع وما الذي أعاق تنفيذها؟

الطريق من القطيعة إلى الشراكة

سادت حالة من القطيعة السياسية بين الأردن والصين، بالتزامن مع الحرب الباردة بين المعسكر الغربي الرأسمالي والمعسكر الشرقي الاشتراكي، حيث كانت الصين تتسم بخط أيديولوجي ثوري «معادٍ للإمبريالية» يطالب بإسقاط الأنظمة الملكية ويدعم الحركات التحررية في الوطن العربي. لكن سبعينيات القرن الماضي شهدت تقاربًا أمريكيًا صينيًا توِّج بزيارة الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون للصين عام 1972 وتوقيع إعلان شنغهاي الخاص بمواصلة الجهود الخاصة بتطبيع العلاقات بين بكين وواشنطن، ما فتح آفاقًا دبلوماسية لحلفاء الولايات المتحدة، بما فيهم الأردن، الذي دشن علاقاته الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية عام 1977، بحسب الباحث والأكاديمي في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك، خير ذيابات.

يقول الكاتب والباحث في الشؤون الآسيوية، سامر خير أحمد، إن هذا الانفراج السياسي رافقه عودة الصين إلى المحافل الدولية، بالتحديد استعادتها المقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي في أواخر عام 1971 (بدلًا من تايوان) كممثل للأمة الصينية، وإطلاقها سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978. بعد انتهاء الحرب الباردة، باتت الصين شريكًا في النظام الدولي الجديد ومستفيدًا منه رغم الخلافات التجارية والمالية مع الولايات المتحدة، وتحولت إلى «عملاق اقتصادي» قادر على تبادل المصالح، أهمها التجارية، مع دول العالم ومنها الدول العربية. بلغت قيمة أول تبادل تجاري بين الصين والأردن، عام 1979، 135 مليون دولار من الصادرات، قفزت إلى ثمانية مليارات دولار مع نهاية عام 1988، عندما كان الأردن «وسيطًا في شراء أسلحة صينية لصالح العراق أثناء حربه مع إيران».[1]

وبعكس أول زيارة للملك عبدالله الثاني إلى بكين عام 1999، والتي شهدت توقيع بيان مشترك مع الرئيس الصيني ركّز على خطوط سياسية عريضة أبرزها الأمن والاستقرار الإقليميان، وعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، والتنمية المحلية في الأردن، فقد جاءت زيارة عام 2015 للتوقيع على الشراكة الاستراتيجية التي تضمنت مجموعة من التزامات الاستثمار الصينية في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والاتصالات. شكلت 2015 ذروة العلاقات الصينية الأردنية خصوصًا مع انضمام الأردن إلى مبادرة الحزام والطريق، وهو المشروع الاقتصادي الضخم الذي أطلقه الرئيس الصيني عام 2013 بهدف ربط الاقتصاد الصيني بالمناطق الاقتصادية الحيوية في العالم.

ما بين الأعوام 2015 حتى 2022، لم تزدد أو تنخفض قيمة التبادل التجاري بين البلدين بشكل واضح، بل ظلت متذبذبة ولا تمتلك نسقًا محددًا، بسبب الفجوة بين حجم الاقتصاديْن. حتى عندما وصل حجم التجارة بين البلدين عام 2021 إلى 4.4 مليار دولار، وأصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للأردن بعد السعودية، ظلت النسبة الكبرى من التبادل التجاري معتمدة على قيمة الواردات إلى الأردن أكثر من قيمة الصادرات.

بخلاف التبادل التجاري الذي يصدّر فيه الأردن البوتاس والفوسفات للصين بشكل رئيسي، كانت الأردن موطنًا للعديد من فروع الشركات الصينية في مجاليْ السيارات والألبسة، أبرزها شركة شيري الصينية لصناعة السيارات، التي افتتحت صالة عرض لها في الأردن عام 2012 وقدمت أسعارًا تنافسية بهدف إنشاء خط تجميع في الأردن بقيمة 30 مليون دولار،[2] وشركة «جرش لصناعة الملابس والأزياء» التي تبلغ عائداتها السنوية 70 مليون دولار وأدرجت عام 2018 على بورصة نيويورك، أكبر سوق لتداول الأوراق المالية.

ما الذي يعيق تعزيز العلاقات الاقتصادية؟

تزامن تطور العلاقات الأردنية الصينية بعد سنوات طويلة من الهدوء، مع بدء الولايات المتحدة تصعيد تحركاتها ضد الصين على مستوى قضية تايوان أو شنّها حربًا تجارية وتكنولوجية ضدها، كجزء من التوجه الأمريكي لاستكمال سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، القائمة على نقل مصالح الولايات المتحدة إلى منطقة جنوب شرق آسيا، حيث يمكن «ضرب الصين في عقر دارها» والحفاظ على النفوذ الأمريكي العالمي. يعتبر الخبير الاقتصادي زيان زوانة أن التقاطع بين مصالح الأردن الاقتصادية مع الصين وتحالفاتها السياسية مع الولايات المتحدة هو أحد أبرز العوامل التي تقف عثرة في طريق تنفيذ المشاريع الصينية، أبرزها مشروع العطارات الذي كان، برأيه، الثمرة الرئيسية للشراكة.

وقّعت حكومة عبدالله النسور اتفاقية عام 2014 مع شركة العطارات للطاقة، وهي ائتلاف شركات من الأردن وماليزيا وإستونيا، لإنشاء محطة تولّد 470 ميغاواط من الكهرباء تغطي نحو 16% من احتياجات الأردن من الكهرباء بحلول عام 2020. باع الشريك الأردني حصته لصالح شركة صينية عام 2017، وخصصت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين 2.1 مليار دولار للمشروع من أجل بدء إنشاء البنية التحتية. لكن، في نهاية 2020، لجأت الحكومة الأردنية إلى التحكيم الدولي أمام غرفة التجارة الدولية في باريس ضد شركة العطارات المملوكة بنسبة 45% للحكومة الصينية على أرضية «الغبن الفاحش» بسبب ارتفاع التكلفة، مقدرةً الخسائر بأكثر من 200 مليون دينار سنويًا.

في مقالٍ له، يقول جيسي ماركس، الباحث في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط، إن الأردن حريص على عدم تجاوز ما يسمّيها بـ«بعض الخطوط الحمراء» في علاقته مع الولايات المتحدة، والتي تشمل -بحسبه- المشاريع الاقتصادية الضخمة، بما فيها العطارات والتعاون العسكري وأنواعًا معينة من الاستثمار في التكنولوجيا والاتصالات والبنية التحتية، التي يمكن أن تقوّض المصالح الاستراتيجية الأمريكية. وقد أظهرت وثائق بنتاغون مسربة، مطلع 2023، ضغوطًا أمريكية على الأردن لإقصاء شركة هواوي من عطاءات تزويد معدات الجيل الخامس. بعد أن كانت هواوي المُقدم الرئيسي لمعدات البنية التحتية الخاصة بشبكات الجيل الثاني والثالث والرابع في الأردن، توجهت شركات الاتصالات، زين وأمنية وأورانج، للتعاقد مع شركات سويدية أو فنلندية متعددة الجنسيات، لتطوير شبكات الجيل الخامس.

التقاطع بين مصالح الأردن الاقتصادية مع الصين وتحالفاتها السياسية مع الولايات المتحدة هو أحد أبرز العوامل التي تقف عثرة في طريق تنفيذ المشاريع الصينية، أبرزها مشروع العطارات الذي كان، برأيه، الثمرة الرئيسية للشراكة.

يقول زوانة إن ضغوطات التخلي عن عروض هواوي لم تُمارس على الأردن فحسب، إذ استجابت بريطانيا أيضًا لمطالب واشنطن ضد الصين، حيث أمر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بإزالة معدات هواوي بالكامل من شبكة الجيل الخامس بحلول نهاية عام 2027. كما عقدت الولايات المتحدة اتفاقًا تلزم بموجبه «إسرائيل» بعدم استخدام التكنولوجيا الصينية في شبكات الجيل الخامس، كجزء من «مبادرة الشبكة النظيفة» التي تضم أيضًا أستراليا وكندا واليابان وتايوان ومعظم الدول الأوروبية. على النقيض من ذلك، توجهت الكويت والسعودية والإمارات لتجديد تعاقدها مع هواوي، وتجنبت ألمانيا في البداية فرض حظر تام على الشركة، لكنها عادت لمناقشة «حظر بعض مكونات شبكات الاتصالات التي تصنعها هواوي» وإجراء تقييم حول «المخاطر الأمنية المحتملة».

في إفريقيا أيضًا، يشير خير أحمد أن وعود واشنطن بتخصيص 55 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات، وعقد القمة الأميركية الأفريقية الثانية،[3] «بغرض عدم ترك القارة للنشاط الصيني» تهدد الاستثمارات الكثيفة للصين هناك. بالنسبة له، فإن سباق النفوذ يمكن تلخيصه بأن «الصين تستعمل الاقتصاد والولايات المتحدة تستعمل الأمن»، أي أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع العالم لم تعد تتمتع بالأريحية ذاتها التي كانت عليها قبل اندلاع الصدام بينها وبين الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة باتت تستعمل ما تسميه استراتيجية الردع المتكامل تجاه الصين، وهذا يتضمن السعي لمواجهة نفوذها على كافة المحاور بما فيها الاقتصادية والسياسية.

على الصعيد المحلي، يؤثر ارتفاع كلفة المنتج المحلي (الطاقة، الأيدي العاملة، النقل) على اجتذاب أو تنفيذ المشاريع الاستثمارية أو حتى العطاءات الحكومية. عام 2019، صرح السفير الصيني في عمّان، بان ويفانغ بتعثر بعض المشاريع الصينية، مثل انسحاب شركة صينية من تنفيذ عطاء لإنشاء محطة لإنتاج الكهرباء من النفايات الصلبة بسبب «ارتفاع أثمان الطاقة الكهربائية».

في هذا الشأن، يوضح ذيابات أن العلاقات الاقتصادية بين الأردن والصين تتسم بغياب التكافؤ، «دولة تنافس على النظام الدولي باقتصاد رقم واحد وقوة عسكرية وحجم بشري هائل ومساحة جغرافية شاسعة، مقابل دولة صغيرة لا تمتلك موارد طبيعية كافية وتتوسط حالة من عدم الاستقرار الإقليمي». ولذلك، يعتقد ذيابات أن الصين لا تنظر لعلاقاتها مع الأردن بأية خصوصية، بل كجزء من سياستها العامة تجاه الشرق الأوسط، «حتى لو تم تأطير العلاقة باسم شراكة استراتيجية، الصين وقعت شراكات مشابهة مع 180 دولة في العالم»، بحسب قوله.

ما السبيل لتطوير العلاقات الاقتصادية؟

«ليس هناك دولة لا تمتلك مصالح اقتصادية مع الصين»، يقول رئيس الاتحاد الدولي للكتّاب العرب أصدقاء الصين، مروان سوداح، مؤكدًا ضرورة الدفع باتجاه استغلال الفرص الاستثمارية، حتى لا تغدو علاقاتنا الاقتصادية مع الصين محصورة في التبادل التجاري، أو مجرد مساعدات من الأرز لتكية أم علي، أو دفعة تبرعات من لقاح سينوفارم المضاد لفيروس كورونا. يضيف سوداح أن التفكير بالصين يجب أن يتجاوز صندوق استقبال المنح والمساعدات المالية، لأن الصين وإن قدمت، في السنوات الماضية، 10 أطقم من معدات الفحص الجمركي الى دائرة الجمارك الأردنية، أو بنت مدينة الحسن الرياضية للشباب في إربد، أو منحت مساعدات إنسانية بقيمة 15 مليون لإغاثة السوريين في الأردن، فهي تتطلع لتبادل المصالح الاقتصادية، ولا تسعى لأن تتنافس مع المساعدات المالية الأمريكية المقدمة للأردن خلال العقود الماضية.[4]

بالنسبة لزوانة، فإن الأردن بحاجة للتوازن والدبلوماسية في إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة والصين، والتي ستمكّنه من استغلال النوافذ السياسية الناتجة عن اعتماد الاقتصاديْن الصيني والأمريكي على بعضهما البعض -رغم الخلافات السياسية والاقتصادية بينهما- لتنفيذ بعض المشاريع الاستثمارية في الأردن. يؤكد زوانة أن التوازن في إدارة العلاقات مع الشرق والغرب مكّن السعودية -مثلًا- ليس فقط من استقطاب استثمارات صينية بقيمة 43.5 مليار دولار عام 2020، بل من القدرة على تحقيق مكاسب سياسية، مثل المصالحة السعودية الإيرانية التي رعتها الصين، ورفض اعتراضات الولايات المتحدة على خفض إنتاج النفط.

الأردن بحاجة للتوازن والدبلوماسية في إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة والصين، والتي ستمكّنه من استغلال النوافذ السياسية الناتجة عن اعتماد الاقتصاديْن الصيني والأمريكي على بعضهما البعض لتنفيذ بعض المشاريع الاستثمارية في الأردن.

في عام 2016، أسفرت زيارة ولي العهد، محمد بن سلمان، إلى الصين عن تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتسريع وتوسيع التبادل التكنولوجي. بشكل ملموس، شهدت السعودية شراكات واستثمارات ضخمة حول المدن الذكية وإدارة شبكات الطاقة والبنية التحتية الرقمية. كما أصبحت هواوي لاعبًا رئيسيًا في تطوير شبكات الجيل الخامس في السوق السعودي للاتصالات، وبلغت واردات الصين من السعودية 57 مليار دولار مقابل 30.3 مليار دولار من الصادرات. وصلت العلاقات السعودية الصينية إلى توجه أرامكو لبناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات بقيمة 10 مليارات دولار في شمال شرق الصين، بالإضافة لإنتاج واختبار مكونات مختلفة من الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع مع الشركة الصينية لعلوم وتكنولوجيا الفضاء.

بالمقابل، يرى خير أحمد أن التقاء المصالح والرؤى بين الدول العربية الغنية والصين يختلف عن حاله بين الصين والدول النامية غير النفطية ومنها الأردن، عازيًا ذلك إلى هامش المناورة الأوسع الذي تتمتع به دول الخليج في موازنة مصالحها. أولًا، لامتلاكها النفط الذي يعد من أبرز محركات السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط وحاجة الاقتصاد الصيني لاستيراد كميات كبيرة منه. وثانيًا لأن الدول الغنية تمتلك اقتصادات كبرى وتطلعات تنموية يمكن للصين المساهمة فيها من خلال دمج مشروعات مبادرة الطريق والحزام مع المشروعات التنموية لتلك الدول، بما يتضمن نقل التكنولوجيا الصناعية المتطورة إليها.

أما ذيابات فيعتقد أن الاهتمام الصيني في الشرق الأوسط يتمحور حاليًا حول الطاقة الموجودة في دول الخليج، والتكنولوجيا الزراعية والعسكرية الموجودة في «إسرائيل»، والأسواق الواسعة للدول الكبيرة سكانيًا أو اقتصاديًا، فهو يأمل أن تمتلك الأردن قيمًا استراتيجية تجذب الصين وغيرها من الدول الكبرى، مثل تلك المرتبطة باليورانيوم والصخر الزيتي والطاقة المتجددة، أكثر من التعويل على الامتيازات التقليدية أو الظروف المحيطة. مضيفًا أن الموقع الجغرافي للأردن والذي كان مهمًا جدًا وقت الحرب الباردة تم اختزاله في التطور التكنولوجي ولا يمتلك قيمة حالية بدلالة أن الخط المفترض لمبادرة الحزام والطريق لا يمر به كمركز رئيسي، وأن وعود إعمار سوريا -إذا قُدِّر للصين المشاركة فيها- سيكون من المنطقي أن تتم عبر سوريا نفسها وليس الأردن، بحكم تقدّم العلاقات السورية الصينية، فضلًا عن ارتفاع كلفة المنتجات والأيدي العاملة الأردنية.

من جهته، يقترح سوداح تنويع العلاقات والشراكات الاقتصادية مع دول آسيا بشكل عام، من أجل إتاحة هامش أوسع من تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين، والتي قد تشمل الاستفادة من التقنيات التي تطورها الصين في القطاع الزراعي، أو تشجع رجال الأعمال والشركات الخاصة على تنفيذ شراكات اقتصادية، منها مثلًا حصول البنك العربي على موافقة الجهات التنظيمية الصينية لفتح فروع له في الصين، وقيام شركة المناصير بتوقيع اتفاقية مع شركة صينية لصناعة السيارات الكهربائية في الأردن، رغم أن القرار السياسي الصيني شديد العمق في القطاع الخاص نظرًا لطبيعة اقتصاده التي تجعل من معظم شركاته مملوكة أو شبه مملوكة للحكومة.

«يجب أن ندرك جيدًا أننا دولة شرقية وليست غربية وإن كانت تحالفاتنا مختلفة»، يقول سوداح، مقترحًا أن تشكّل العلاقات الثقافية بوابة غير مباشرة لتعزيز الفرص الاقتصادية، مثل مشروع بناء الجامعة الصينية الأردنية، التي ستتيح تدريس تخصصات علمية باللغتين العربية والصينية في مجالات تقنية حديثة. يعتقد ذيابات أن تبني وجهات نظر صينية سياسية هو جزء من تطوير العلاقات الاقتصادية، مؤكدًا أن الصين، إلى جانب المصالح الاقتصادية، تبحث عن التوافق السياسي أو فرصه المحتملة مع شركائها، مثل عدم الاعتراف بتايوان، أو مشاركتها الرؤى المتعلقة بالأمن العالمي. يقول ذيابات إن المضي قدمًا في توطيد العلاقات مع الصين ليس مرهونًا بإرادة الأردن فقط، «فالمصالح موجودة لكن قد يكون لها ثمن».

  • الهوامش

    [1] دراسة سالم خير ذيابات (2019): العلاقات الأردنية-الصينية: من القطيعة السياسية إلى الشراكة الاقتصادية 1977 – 2016، مجلة دراسات للعلوم الإنسانية والاجتماعية.

    [3] بعد تعثر المشاريع التي طرحتها القمة الأولى المنعقدة في عهد الرئيس الأسبق أوباما عام 2014.

    [4] قُدرت المساعدات الخارجية العالمية للصين بين 4.8 مليار دولار إلى 5.9 مليار دولار في عام 2019، في حين وصلت المساعدات الخارجية العالمية الأمريكية في عام 2019 إلى 31.2 مليار دولار (لا تشمل المساعدات العسكرية والأمنية)، بحسب دراسة تقدّر المساعدات الخارجية للصين.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية