تاريخ في أتون المعركة: حماس في خمسة كتب

السبت 30 كانون الأول 2023
كتب عن حماس
تصميم محمد شحادة.

هذه القائمة جزء من سلسلة «على هامش الحرب: كتب عن فلسطين».

تتناول هذه القائمة بالعرض الموجز خمسة كتب حول حركة حماس، الأربعة الأولى منها دراسات أكاديمية، والأخيرة مذكرات عُرِضت منفصلة لانفرادها بمعلومات خاصّة حول حماس في الضفة الغربية. وبينما يصعب إيجاز هذه الدراسات، فقد تفاوتت مساحة العرض بين كلّ واحدة منها، لتطول في دراستين بالإنجليزية «احتواء حماس: صعود مقاومة فلسطينية وركوده» لطارق بقعوني، والأخرى «حماس: تاريخ من الداخل» لعزام التميمي، وذلك لمنح القارئ العربي فرصة أفضل للاطلاع على أطروحتي الكتابين والإضافة المُقدمة في كل منهما، لا سيما مع ندرة المراجعات لهما بالعربية، علمًا بأنّ كتاب بقعوني سيصدر مترجمًا إلى العربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وقد عرضت هذه المادة كذلك الكتاب الصادر عن مركز الزيتونة «حركة المقاومة الإسلامية- حماس، دراسات في الفكر والتجربة»، وهو مجموعة من الدراسات لا دراسة واحدة، ودراسة خالد الحروب «حماس الفكر والممارسة السياسية»، وفي ختام العرض غالبًا كان يجري اقتراح عناوين أخرى للإثراء والاطلاع.

قد لا تكفي هذه الكتب لفهم حماس كما ينبغي، وهي التي تخوض اليوم كبرى معارك الفلسطينيين في «طوفان الأقصى»، وتضع تاريخها هذا كله في أتون هذه المعركة، لكن يبقى ما في هذه الكتب جانبًا من تاريخها والسجال معه الذي لا بدّ من الاطلاع عليه ونحن نعيش الفصل الأخطر والأكثر ملحمية في تاريخها هذا.

احتواء حماس: صعود مقاومة فلسطينية وركودها
طارق بقعوني
جامعة ستانفورد، 2018

تأتي أهمية كتاب طارق بقعوني من كونه دراسة أكاديمية، ممّا يعني توقّع قدر معقول من الموضوعية النقدية في مقابل الرؤية الذاتية الصرفة. وهذه الدراسة وإن كانت مكتوبة بالإنجليزية، فهي، كما يُفترض، في طور الترجمة إلى العربية، ممّا يوفّر للجمهور العربي إمكانية الاستفادة منها.

يبني الكتاب أطروحته على جملة واسعة من الوثائق والأدبيات والخطابات المعلنة لحركة حماس، وغيرها من القوى الفلسطينية، ولا سيما من الفترة الواقعة بين عاميّ 1987 و2017، مما يمنح الأطروحة قيمة إضافية نسبية لقربها الزمني من اللحظة الراهنة.

قرب صدور الكتاب من اللحظة الراهنة، هيأ له سرد مسارات حماس التالية على إدارتها لقطاع غزة مرورًا بسلسلة المواجهات الكبرى التي عبرتها منذ حرب العام 2008/2009 ومرورًا بالحرب الأكبر حتى ذلك تاريخ صدوره، أي حرب العام 2014، مع قراءة نقدية بطبيعة الحال لتعاطي حماس مع الهبّات العربية التي اندلعت في العام 2011.

لا تنحصر قيمة الكتاب في ذلك، فملاحظات المؤلف في كيفيات التعاطي مع حماس والنظر إليها، تتطابق مع الجاري الآن في معركة «طوفان الأقصى»، فمثلًا يذكر المؤلف في مقدمته التمهيدية كيف شاهد إسكات المتحدثين الفلسطينيين في القنوات التلفزيونية الغربية لفشلهم في إدانة حماس، وقد كانت تلك الإدانة المطلوبة شرطًا للانخراط في أيّ نقاش لتلك الحرب على غزّة، وكيف أن التفسير الوحيد الذي يقدّمه الإعلام الغربي لضحايا تلك الحرب هو «ما تمثّله حماس من كراهية وتعطش للدماء»، الأمر الذي دفع المؤلف للبحث في أسباب رفض النظر إلى حماس بوصفها وجهًا من وجوه النضال الفلسطيني، والسؤال عن ديناميات عزل حماس وتشويهها؛ ليفضي ذلك إلى معاناة فلسطينية أوسع بعدد سكان قطاع غزّة، فوصف حماس بالإرهاب وفق معيار أمريكي مختلّ يعني بالضرورة تجريد نضال الفلسطينيين من السياسة وتجريدهم من إنسانيتهم لشنّ حرب شاملة عليهم.

يلاحظ المؤلف كذلك كيف أن حركة مركزية في النضال الفلسطيني تعاني جهود التهميش من منافسها المحلّي، وفي النظامين الإقليمي والدولي، وإذا كان يجري تصوير غزّة غربيًّا بوصفها ملاذًا للإرهابيين ومن ثمّ تفهم تكتيكات الحرب الإسرائيلية الفتاكة بسكانها المدنيين، فإن ذلك يعني أن مصير غزّة وحماس قد صار شيئًا واحدًا وبنحو لا رجعة فيه. وإذا كان ذلك واضحًا في حرب العام 2014، فإنه الآن في حرب «طوفان الأقصى» أكثر وضوحًا. بيد أنّه، وفي حين كان الغزّي، وبقطع النظر عن موقفه من إدارة حماس للقطاع، يشعر بالفخر لاستثنائيته في التحرّر من الحضور الاستعماري المباشر، بالقياس إلى أخيه الفلسطيني في الضفة، وإلى تحديه الإسرائيلي قياسًا المجال العربي عمومًا، فإنّ نتائج «طوفان الأقصى» لم تتبين بعد على هذا الصعيد.

يمكن القول إذن إنّ ثمّة رواية مضادة لمحاولة عزل حماس عن سياقها الفلسطيني وحقيقة الاستعمار الإسرائيلي، مما يستدعي سردًا تاريخيًًا، لا يزعم فيه المؤلف أنه يقدم به تاريخًا شاملاً للعقود الثلاثة منذ انطلاق الحركة وحتى كتابه، ولا يزعم كذلك أنه يطرح مراجعة للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ولكنه يقدم لمحة عن مسار حماس التاريخي، ابتداء من الفصل الأوّل الذي حمل عنوان «صعود القومية الفلسطينية الإسلامية»، والذي يتتبع فيه المؤلف تحوّلات الحركة الإسلامية في فلسطين منذ تأسيس أوّل فرع للإخوان المسلمين فيها عام 1945 وحتى الإعلان عن حماس عام 1987، لينتقل تاليًا في فصله الثاني الموسوم بـ«المقاومة العسكرية تتراجع» إلى معالجة علاقة حماس بالسلطة الفلسطينية الناجمة عن اتفاقية أوسلو وانعكاس ذلك على إضعاف الحركة، لتدخل الحركة تاليًا بعد انتفاضة الأقصى في تحوّلها الأكبر والأكثر جذرية بمشاركتها في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة وهو الأمر الذي عالجه فصله الثالث «سياسة المقاومة»، إذ أفضى فوز حماس إلى حصارها والدفع نحو عزلها وتهميشها، أو كما وصف فصله الرابع «خنق حماس»، وقد انتهت هذه المشاركة وسياسات الخنق إلى الانقسام الذي عملت حماس، بحسب المؤلف، على مأسسته كما يروي فصله الخامس «إضفاء الطابع المؤسسي على الانقسام»، لتنتهي فصول الكتاب بمراجعة سياسة حماس إزاء الهبّات العربية التي اندلعت عام 2011 ووصفها عنوان الفصل السادس بـ«مصائب إقليمية».

استدعت الخاتمة النقدية العام 2014، وتحديدًا حدثي اتفاقية المصالحة بين حماس وفتح (اتفاق الشاطئ)، وحرب العام 2014، للقول إن تلك الحرب انتهت باحتواء حماس، وفرض الهدوء عليها إلى حين، وبينما يقدم المؤلف قراءة نقدية لاختيارات حماس السياسية وإجراءاتها الإدارية، فإنّه يفكك في الوقت نفسه المفاهيم الغربية والإسرائيلية سواء من حيث التعريف المختلّ للإرهاب أو تجريد حماس من سياقها الفلسطيني، وتجريد نضالها من أبعاده السياسية، واختزالها بوصف الإرهاب، الأمر الذي يسمح بتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتبرير الحروب الإسرائيلية الفتاكة عليهم بذريعة دفاعها عن نفسها،  وذلك في حين أنّ حماس، بحسب رؤية المؤلف، حركة قومية فلسطينية بإطار إسلامي، تفترق عن السلفيات الجهادية، وعن الأممية القتالية الإسلامية، لتكون عناصر القوّة الأيديولوجية لها في فشل مشروع التسوية الذي تبناه خصمها السياسي، وفي نجاحات المقاومة كانسحاب الاحتلال من غزة عام 2005.

كان المؤلف واعيًا بكون حماس طيفًا واسعًا، متعدد الوجوه، يتسم باللامركزية، ويضمّ عددًا من التوجهات، بما يضطرها لإدارة توازناتها باستمرار، وبما يجعل من اختزالها مجازفة علمية، إلا أنّ منهجه في تحليل الخطاب، يحول دون تحليل البنى التنظيمية للحركة وتوازناتها الداخلية وأنماط اشتغالها ومصادر تمويلها، كما أنّ تعدد مجالات اشتغالها يتطلب تعريفًا أكثر تحديدًا من كونها حركة فلسطينية بإطار إسلامي، إذ تمثّل الحركة أرضًا بكرًا لتأطيرها مفاهيميًّا من حيث طبيعتها وموقعها، إن كانت حركة اجتماعية، أم فصيلاً مسلحًا، أو غير ذلك.

ولإثراء الجانب التاريخي عن حماس، يمكن اقتراح عناوين أخرى، مثل دراسة خالد أبو العمرين «حركة المقاومة الإسلامية «حماس»: جذورها، نشأتها، فكرها السياسي»، الصادرة عن مركز الحضارة العربية عام 2000، ودراسة نهاد الشيخ خليل «الإخوان المسلمون في قطاع غزة 1967 – 1987» الصادرة عن مركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني عام 2011، ومحاورات أحمد منصور مع الشيخ أحمد ياسين في برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة والصادرة في كتاب «الشيخ أحمد ياسين.. شاهد على عصر الانتفاضة» والصادر عن الدار العربية للعلوم عام 2004.

حركة المقاومة الإسلامية – حماس: دراسات في الفكر والتجربة
تحرير: محسن صالح
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2004

يجمع الكتاب سلسلة من الدراسات التي حاولت البحث في فكر الحركة وممارستها السياسية والنضالية، ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: الأوّل الدراسات، وبلغت أحد عشر دراسة، ولتنوعها وتعدد كتابها، سيُكتفى بالإشارة إلى مواضيعها وكتابها، لبيان القيمة التي يمثّلها هذا الكتاب، ولهذا السبب لن تكون المراجعة النقدية متاحة لهذا العدد المتنوع من الدراسات.

أما القسم الثاني فهو سلسلة مقالات لخمسة من قيادات حماس، هم خالد مشعل، وإسماعيل هنية، وموسى أبو مرزوق، وسامي خاطر، وأسامة حمدان، بحيث يمكن عدّها وثائق، إلى جانب القسم الثالث (ملحق الوثائق) والذي ضمّ ثمانية عشرة وثيقة.

في الدراسات، تناولت الدراسة الأولى لمحسن محمد صالح قراءة تاريخية في رصيد تجربة حماس من العام 1987 وحتى العام 2005، بالمرور على أهمّ المحطات في الأثناء من النشأة وعبورًا بالانتفاضة الأولى ثم اتفاقية أوسلو وانتهاء بانتهاء الانتفاضة الثانية.

تتناول الدراسة الثانية ليوسف رزقة الرؤية السياسية لحماس، من حيث ماهية الفكر السياسي لحركة إسلامية وامتياز هذا الفكر عن الإسلام وروافده التي تستقي منها الحركة للخروج بتصوّر عن ماهية الحركة بكونها حركة فلسطينية وطنية بمرجعية إسلامية، ثمّ يأتي المؤلف على موقع الدين والدولة والدستور والقانون والوطنية والعلمانية والديمقراطية والأقليات في فكر الحركة.

وليس بعيدًا عن هذا الحقل تأتي الدراسة الثالثة لمصطفى أبو صوي التي تتناول رؤية حماس للآخر الذي هو عدوّها، مفككًا طبيعة الخطاب إزاء اليهود، بالعودة إلى البحث في ميثاق حماس والتباسات كتابته تاريخيًّا.

تتناول الدراسة الرابعة، لأحمد سعيد نوفل ومحسن صالح، الآخر الوطني، وتحديدًا منظمة التحرير الفلسطينية، وقواها، حركة فتح، واليسار الفلسطيني.

أما الآخر الإسلامي، فقد كان موضوع الدراسة الخامسة، لسميح حمودة، والتي ابتدأت بأسس علاقة حماس بالإسلاميين الآخرين، ثم تناولت تلك العلاقة تفصيلاً مع حزب التحرير والجماعات الصوفية والسلفية وحركة الجهاد الإسلامي.

أما الدراسة السادسة، لرائد نعيرات، فقد رصدت تحولات الموقف السياسي لحماس من عملية التسوية السلمية، من الصدام إلى الدمج الذاتي والموضوعي.

الدراسة السابعة كانت لحافظ الكرمي، عن رؤية حماس للإصلاح الاجتماعي والسياسي.

وتناولت الدراسة الثامنة لعدنان أبو عامر علاقات حماس العربية من حيث المحددات والمنطلقات والأهداف والأبعاد الشعبية، مع الإتيان على موقفها من الربيع العربي، وعدم الغفلة عن المواقف العربية منها.

يستدعي ذلك دراسة علاقات حماس مع العالم الإسلامي، وهو ما فعلته الدراسة التاسعة، لطلال عتريسي، متخذًا من تركيا وإيران نموذج الدراسة، مع إطلالة على علاقة حركة حماس بمنظمة المؤتمر الإسلامي.

الدراسة العاشرة كانت قراءة لبلال الشوبكي في أيديولوجيا حماس من حيث تجربتها في الحكم من العام 2006 وحتى العام 2012، بالعودة إلى دخولها انتخابات العام 2006، وما يتعلق بذلك من إشكاليات في النظام السياسي الفلسطيني، وفحص كيفيات تعامل حماس معه، في إطار ما واجهته من تحديات ذاتية وموضوعية.

وإذ لا يمكن فصل حماس عن المنظور الغربي لها، عالجت الدراسة الأخيرة ليوسف أبو السعود نظرة الدراسات الغربية لحماس التي تفاوتت بين أنها ميليشيا عسكرية محافظة ومنظمة سياسية واقعية وما اتصل بذلك من جدل حول ميثاقها ومشكلة الإرهاب الدولي، وما يستدعيه ذلك من سجال داخل حماس وحولها.

حماس: تاريخ من الداخل
عزام التميمي
مطبعة أوليف برانش، ماساتشوستس، 2007، 2011

صدر كتاب عزام التميمي «حماس: تاريخ من الداخل»، بالإنجليزية، في طبعتين، في عامي 2007 و2011، متوخيًا، أن تصل قصّة حماس بنحو أكثر دقة للعالم الناطق بالإنجليزية، بعدما كادت أن تنحصر الرواية الإنجليزية تجاه الحركة في وجهة النظر الإسرائيلية، كما في كتاب «حماس: السياسة والعمل الخيري والإرهاب في خدمة الجهاد» (Hamas: Politics, Charity, and Terrorism in the Service of Jihad) لماثيو ليفيت، الذي كان وقت نشره كتابه هذا عام 2006؛ مساعدًا لوزير الخزانة الأمريكية لشؤون الاستخبارات والتحليل، والذي صوّر حماس حركة إرهابية بجميع مناشطها، بما في ذلك العمل الخيري والدعوي، ومن ثمّ يأتي كتاب التميمي تصحيحًا لهذه الأطروحات، بتناول حماس في إطار أوسع، من حيث كونها حركة من شعب عربي مسلم صادف أنّه الشعب الفلسطيني الذي وقع عليه الاستعمار الصهيوني.

وتبدو قيمة الكتاب الأولى في تاريخه الزمني، بصدوره بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، مما يمنحه فرصة تفسير صعود الحركة ذلك الوقت. بيد أنّ قيمته لا تتوقف على ذلك، ولا تنحصر في الجمهور الغربي، ولا سيما الفصول المتعلقة بوجود الحركة في الأردن، وهي الفصل الرابع «إلى الأردن»، والفصل الخامس «قضية مشعل»، والفصل السادس «خارج الأردن»، وهي الفصول التي تتناول تاريخ انتقال قيادة الحركة للأردن، وتحولات علاقاتها بالحكم الأردني، والتباسات علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين الأردنية، وما اعترى هذه العلاقة من توترات آخر الأمر.

يبدأ الكتاب في فصله الأول «البدايات» بالتأريخ الموجز لجذور الحركة من بعد نكسة العام 1967، وحتى العام 1977 الذي بدأت فيه الجماعة الإخوانية الفلسطينية بالتفكير في الالتحاق بمسار مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لتبدأ الجماعة بالتحول «من الدعوة إلى الجهاد» كما عبّر عن ذلك الفصل الثاني، وفي حين أنّ المشروع تبلور في العام 1987، فإنّ «الحرب الشاملة» كما عبّر الفصل الثالث بدأت على الحركة سريعًا، ومن ثمّ يعالج هذا الفصل أبرز ملامح تلك الحرب ومحطاتها.

يدخل الفصل السابع في مناقشة «الأيديولوجية التحررية لحماس»، بما في ذلك موقفها من اليهود و«إسرائيل» وتكتيكات النضال، مع موقف نقدي من ميثاقها الأول، ولمحة عن السجال الذي ظلّ يدور حوله، لينتقل بعد ذلك إلى مناقشة مفاهيم «الجهاد والاستشهاد» لدى الحركة في الفصل الثامن، متضمنًا الجدل الذي دار حول العمليات الاستشهادية.

وأخيرًا، وبالنظر إلى تاريخ إصدار الكتاب، أي إبان فوز حماس بالانتخابات وما تلاه من صراع مع فتح والسلطة، فإنّ فصله التاسع «حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية» مفيد لفهم تاريخ علاقة حماس بالمنظمة والسلطة وتحولاتها، وصولاً إلى «حماس في الحكومة» وهي القضية التي عالجها الفصل العاشر، ثم التساؤل بـ «نحو الانتفاضة القادمة» في الفصل الحادي عشر، بتناول أزمة العلاقات بين حماس وفتح إثر عدم اعتراف الأخيرة العملي بفوز حماس، وما نجم عن ذلك من انقسام فلسطيني، ثمّ يختم الكتاب بعدد من الوثائق الأصلية للحركة، مذكرتين لمكتبها السياسي، وثلاث مقالات منشورة في الصحافة الغربية لقادتها مشعل وأبو مرزوق وهنية، والبيان الانتخابي لكتلتها «التغيير والإصلاح»، وبما يساعد على ملاحظة تحولات الخطاب السياسي للحركة.

بالتأكيد، يتوقف الكتاب عند العام 2007، إلا أنّ مضامينه التاريخية، وموقعه من رصد تحولات الحركة، تبقى قضايا مهمة قابلة للاستدعاء، وإثراء القارئ العربي حال ترجمة الكتاب، وبما أنّ فصوله الوسطى حول حماس في الأردن، هي الأهمّ، فقد تجدر الإشارة إلى كتاب «اقتل خالد» لبول ماغوو، الذي صدرت نسخته العربية عن الدار العربية للعلوم والنشر عام 2009، ومذكرات الدكتور موسى أبو مرزوق الصادرة عن مركز الزيتونة، الجزء الأول عام 2019، والجزء الثاني عام 2020، ومذكرات إبراهيم غوشة «المئذنة الحمراء» الصادرة عن مركز الزيتونة، عام 2008، ومحاورة غسان شربل لخالد مشعل والتي صدرت عن دار النهار عام 2006 بعنوان «حماس وتحرير فلسطين.. خالد مشعل يتذكر».

حماس: الفكر والممارسة السياسية
خالد الحروب
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1996

بقدر ما تقادم الزمن على أطروحة خالد الحروب «حماس.. الفكر والممارسة السياسية»، إذ إنّها صدرت في العام 1996، إلا أنّها تحتفظ بقيمة خاصة، من ثلاث حيثيات، أولًا من حيث كونها من أوائل الدراسات الأكاديمية عن حركة حماس، وثانيًا من حيث ملابستها لزمن المحنة السياسية القاسية التي مرّت بها الحركة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، ومواجهة الحركة أسئلة الشكّ والحيرة والتردد تجاه مقولتها السياسية بعدما كان مشروع التسوية بدا وكأنه يبشّر بنجاحه مع تأسيس السلطة الفلسطينية فعليًّا، لا سيما وأنّ الحروب كان قد وضع لمساته الأخيرة على كتابه في آذار 1996، في حين كانت الانتخابات الأولى للسلطة الفلسطينية قد جرت بالفعل في كانون الثاني من العام نفسه، وهي الانتخابات التي قاطعتها الحركة، وثالثًا لما ضمه الكتاب من وثائق منشورة يفيد الاطلاع عليها في مكان واحد في تتبع الفكر السياسي للحركة، وما ضمته مرجعيته في ذلك الوقت من مصادر خاصة، كان منها إجابات خطية لبعض قيادات حماس، بما يتيح رصد تحولات الحركة.

ينقسم الكتاب إلى ستة فصول، الأوّل، كما في شأن أكثر هذه الدراسات، ينظر في السياق التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين منذ العام 1946، بحسب المؤلف، وحتى انطلاقة الحركة.

بينما يمكن عدّ الفصل الثاني، أهم فصول الكتاب، لتتبعه تحولات رؤية حماس للصراع، من الحل التاريخي «فلسطين من النهر إلى البحر» إلى استدخال حلّ الدولة في فكر الحركة أو طرحها للهدنة، بالاستناد إلى أدبيات الحركة المعلنة، وأوراقها الداخلية، وتصريحاتها الصحفية، والمقابلات الخاصة التي أجراها المؤلف مع قيادتها، مما يوفّر مرجعية جيدة للاطلاع على هذا الجانب من تحولات خطاب حماس.

الفصل الثالث يتناول علاقات حماس السياسية الفلسطينية، مع المنظمة، والسلطة، والمسيحيين الفلسطينيين والحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948، وأمّا الفصل الرابع فعن علاقاتها الخارجية، ليكون أهمّ ما فيه موقف «إسرائيل» من حماس ومن الظاهرة الإسلامية عمومًا.

الفصل الخامس لا يقلّ أهمية عن الفصل الثاني، لتناوله تحولات خطاب حماس وممارستها في جملة من القضايا السياسية المتصلة بالفكر السياسي للحركة، كموقفها من التعددية السياسية، وتاريخ انخراطها في الممارسة الانتخابية، الطلابية والنقابية والبلدية، مرورًا بانتخابات السلطة المشار إليها سابقًا، ليأتي هذا الفصل على اشتغالات الحركة الأخرى؛ العمل الأهلي والاجتماعي والمسجدي والعسكري.

وأخيرًا، يختم المؤلف كتابه بالفصل السادس في جملة من الاستنتاجات النقدية على المستويين العملي والنظري.

ويمكن أن يُضاف في إطار الاقتراحات حول الدراسات المبكرة عن الفكر السياسي لحركة حماس، كتاب «دراسة في الفكر السياسي لحركة حماس 1987 – 1996»، تحرير: جواد الحمد وإياد البرغوثي، والصادر عن مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان عام 1996.

إلى المواجهة: ذكريات د. عدنان مسودي عن الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وتأسيس حماس
تحرير: بلال محمد
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2013

الأهمية الخاصة لهذه المذكرات، بالرغم من وجازتها، هو في كونها من النصوص القليلة، والنادرة، التي تناولت دور الضفة الغربية في التأسيس لحماس، فبينما تكاد تحصر الرواية شبه الرسمية تأسيس الحركة بقرار خاص صادر من غزّة، وبينما صار الحديث ممكنًا عن عدد من الروايات عن قيادات حماس خارج فلسطين، فإنّ رواية مسودي تتحدث عن مكتب إداريّ عام للإخوان المسلمين في الضفّة الغربية وقطاع غزّة عمل فيه عضوًا من العام 1980 وحتى العام 1990، وأنّ هذا المكتب هو الذي أخذ القرار في اجتماع ببلدة دورا في محافظة الخليل في 23 تشرين الأول 1987، بالمواجهة مع الاحتلال، مع ترك القرار الميداني للمناطق، لتكون الفرصة مواتية في غزة بعد حادثة استشهاد أربعة عمال فلسطينيين صدمهم مستوطن بسيارته عند حاجز بيت حانون (إيرز) بغزة.

بهذا الاعتبار يكون الفصلان السادس «نحو حماس 1981 – 1989» والسابع «ذكريات في مرج الزهور 1992 – 1993»، الأهم من بين فصول الكتاب السبعة لكونهما المخصصين للحديث عن حماس، لا سيما السادس الذي يقدّم فيه مسودي معلوماته المثيرة، وإن كانت موجزة، عن المكتب الإداري العام للإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وقياداته من كلا المنطقتين، واجتماعاته السابقة على تأسيس حماس، واللاحقة، والبيانين الأولين للحركة اللذين صدرا في غزة، وقصة اختصار اسم حركة المقاومة الإسلامية إلى حماس، وبعض ملابسات كتابة الميثاق، وحكاية الضربة الأولى للحركة عام 1989، وظروف التنسيق البكر بين الضفة الغربية وقطاع غزّة.

الملاحظ أن مساحة هذا الفصل محدودة، كما هو شأن هذه المذكرات عمومًا، بيد أن معلوماته على قلتها مهمة لإعادة بناء تاريخ حماس بصورة أكثر دقة. ومع ذلك، وبعد تجاوز الفصل الأول الذي يتحدث فيه مسودي عن نشأته، تبقى بقية الفصول مثيرة، فالفصل الثاني يقصّ من موقع شاهد العيان والمنغمس في الأحداث تاريخ الإخوان المسلمين في الخليل من العام 1956 وحتى العام 1962، وتداخل ذلك مع إخوان الأردن، لكون الضفة الغربية، ومنها الخليل، كانت جزءًا من المملكة الأردنية الهاشمية. وأما الفصل الثالث عن دراسته الطب في سوريا من العام 1962 إلى العام 1970، وكذا الفصل الخامس حيث عاد إلى سوريا لاستكمال دراسته من جديد من العام 1975 وحتى العام 1980، فهما مفيدان بالإشارة إلى واحد من روافد التأثير الإخواني الإقليمي على الإخوان الفلسطينيين، حيث انصبغ مسودي بالشخصية القطبية التي انعكست على أطروحاته في الخليل في الفترة الواقعة بين عامي 1970 و1976 وهو ما يشرحه في الفصل الرابع.

ولإثراء المعرفة بروافد الحركة الإسلامية في فلسطين قبل تأسيس حماس، يمكن العودة كذلك إلى «سِيْدِي عُمَر: ذكريات الشيخ محمد أبو طير في المقاومة وثلاثة وثلاثين عامًا من الاعتقال»، تحرير: بلال محمد شلش، والصادر عن «مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات» عام 2017،  و«نشأة الجماعة الإسلامية في سجون الاحتلال الإسرائيلي» لمحسن ثابت، بلا معلومات نشر.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية