أكثر، وأوسع، وأقوى: تصاعد عمليات المقاومة في الضفة

الإثنين 20 تشرين الثاني 2023
من الخليل، طوفان الأقصى
من الخليل، تشرين الثاني 2023، تصوير مأمون وزوز، أ ب أ

صباح الثاني من تشرين الثاني الجاري، خرج أحد المستوطنين مرتديًا زيًا عسكريًا بسيارته، وسارت خلفه سيارة تحمل لوحة فلسطينية. ما إن تجاوز مفترق بلدة بيت ليد الواقعة شرق مدينة طولكرم حتى سبقه سائق السيارة الفلسطينية. أخرج الشاب الذي يجلس على الكرسي المجاور للسائق سلاحه وأطلق النار تجاه المستوطن فأرداه قتيلًا.

لكن القصة لم تنتهِ هنا، فبعد إطلاق النار توجه المنفذون إلى طريق فرعية بالقرب من قرية بلعا القريبة، تسمى «خرق بلعا»، وضعوا السيارة هناك وأشعلوا النار فيها، وغادروا الموقع. وصل أربعة جنود إسرائيليين إلى المكان، اقتربوا من السيارة المحترقة قليلًا، فتفجرت تحت أقدامهم ثلاث عبوات متتاليات دوى صداها عاليًا.

صوتٌ لم يكن ليسمعه أحد لولا تبني كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، العملية وتوثيقها بفيديوهات مصورة. جيش الاحتلال لم يعلن سوى عن «قتيل بسبب انقلاب سيارته بعد تعرضها لإطلاق نار»، أما الباقي فكشفته لنا الكتائب. 

مثلت عملية بيت ليد مؤشرًا على التوسع في إطار ونوعية عمليات المقاومة في الضفة الغربية منذ بدء معركة طوفان الأقصى. فقد شهدت الضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول أكثر من 630 عملية إطلاق نار، وتفجير عشرات العبوات الناسفة، وإلقاء مئات العبوات اليدوية (الأكواع)، بحسب مركز معلومات فلسطين (معطى).

توسع رقعة العمليات 

في العاشر من تشرين الأول، أعلنت كتيبة جنين أن قيادتها «قررت توسيع دائرة عملياتها البطولية صوب نقاط وتمركزات جيش الاحتلال». جاء ذلك هذا البيان بعد يوم واحد من محاولة اقتحام حاجز الجلمة بعملية مشتركة نفذتها مختلف فصائل المقاومة (سرايا القدس – كتيبة جنين، كتائب شهداء الأقصى – عش الدبابير، كتائب عز الدين القسام، ألوية الناصر صلاح الدين).

بعدها بأربعة أيام، نفذت الكتيبة هجومًا واسعًا ونوعيًا في مختلف المستوطنات والحواجز المحيطة بجنين، ففي مستوطنة ميراف شرق جنين مثلًا، اقتحم المقاومون المستوطنة وأطلقوا النار داخلها وحققوا إصابات مباشرة، حسب ما أعلنت الكتيبة.

شهدت الضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول أكثر من 630 عملية إطلاق نار، وتفجير عشرات العبوات الناسفة، وإلقاء مئات العبوات اليدوية (الأكواع)، بحسب مركز معلومات فلسطين (معطى).

مستوطنة عناب جنوب شرق طولكرم لم تكن أحسن حالًا، حيث تسلل عناصر من سرايا القدس – كتيبة طولكرم إلى داخلها واقتحموا البرج العسكري فيها وأطلقوا النار تجاه المستوطنين، وأصابوا أحدهم حسب بيانهم

في طولكرم تعمل كتائب شهداء الأقصى – الرد السريع وكتائب القسام إلى جانب سرايا القدس معًا، حيث نفذوا عشرات العمليات الهجومية تجاه الحواجز والمستوطنات القريبة ضمن معركة طوفان الأقصى. 

أما عرين الأسود في نابلس، فقد أعلنت مسؤوليتها عن تنفيذ 14 عملية إطلاق نار تجاه نقاط عسكرية ومستوطنات مختلفة، كما نفذت كتائب شهداء الأقصى – شباب الثأر والتحرير في مخيم بلاطة عدة عمليات استهدفت حواجز ومستوطنات قريبة.

هذا بالإضافة إلى عمليات مختلفة ينفذها «ذئاب منفردة»، مثل ذلك عملية إطلاق نار تجاه قوات الاحتلال قرب بلدة النبي الياس شرق قلقيلية، وعملية إطلاق نار استهدفت سيارة مستوطنين قرب مستوطنة ايتمار في نابلس، ومعظم عمليات الدهس أو الطعن.

منذ بداية معركة طوفان الأقصى، عزل الاحتلال مناطق الضفة الغربية عن الأراضي المحتلة عام 1948، وعن بعضها البعض، بإغلاقه للحواجز والمعابر المنتشرة على مساحة الضفة. وتنفذ قواته يوميًا عمليات دهم واعتقالات واسعة، تهدف إلى اعتقال كل من يمكن أن يشكل خطرًا ولو بالكلمة. كما تسعى «إسرائيل» للحيلولة دون انتقال عدوى التشكيلات العسكرية إلى مناطق جديدة، ومحاولة إضعاف الحواضن الموجودة للمقاومة التي انتشرت في جنين ونابلس وطولكرم وطوباس وأريحا. 

تأتي الاقتحامات المتكررة والواسعة لمدينة طولكرم ومخيميها، مخيم طولكرم في داخل المدينة ومخيم نور شمس شرقها، مثالًا على ذلك. إذ تحاول قوات الاحتلال من خلال هذه الاقتحامات وأد حالة المقاومة في المخيمين والتضييق على حاضنتهما الشعبية.

طائرات وجرافات وعبوات

قرابة الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الإثنين الماضي، انتشرت مجموعة من القوات الخاصة الإسرائيلية بسيارة مدنية بالقرب من مدخل مخيم طولكرم، لم يلبثوا طويلًا حتى اكتشف أمرهم الشهيد حازم الحصري، ليقوم بدوره بتنبيه شباب الكتيبة قبل ارتقائه شهيدًا. 

بعد اكتشاف القوة الخاصة دار اشتباك بينها وبين شباب الكتيبة، وتأخرت قوات الجيش في الوصول إلى المخيم لأكثر من 15 دقيقة، ثم اقتحمت عشرات الآليات العسكرية مدينة طولكرم متوجهة نحو مخيمها، وفرضت طوقًا واسعًا حوله، دخلت فرق القناصة إلى بعض البنايات القريبة، وحلقت فوقها طائرات مسيرة.

استمر العدوان لأكثر من 15 ساعة، استخدمت خلالها قوات الاحتلال الطائرات المسيرة الانتحارية، التي استهدفت إحداها مجموعة شبان مدنيين كانوا متجمعين داخل المخيم، استشهد بعضهم وأصيب آخرون بجروح.

استخدام الطائرات المسيرة والطيران الحربي في طولكرم لم يبدأ مع المعركة الجارية. فقبل شهر من هذا العدوان نفذ الاحتلال هجومًا واسعًا استمر لـ27 ساعة متواصلة على مخيم نور شمس شرقي مدينة طولكرم، والذي يبعد ثلاثة كيلومترات فقط عن مخيم طولكرم، استخدم الاحتلال خلاله صاروخًا أطلق من طائرة مسيرة لاستهداف المقاوم محمد شناعة وآخرين كانوا بمحيطه، يومها حلقت أيضًا طائرات الأباتشي في أجواء المخيم.

في حزيران الماضي، استخدم الاحتلال سلاح الطيران الإسرائيلي لأول مرة منذ عشرين عامًا، كان ذلك في معركة «بأس الأحرار» في جنين ومخيمها، التي استشهد فيها خمسة فلسطينيين، وأصيب سبعة من جنود الاحتلال من وحدة المستعربين بعد تفجير ناقلة جند بعبوة ناسفة. 

تكرر ذلك بعدها بأسبوعين، حين شنت قوات الاحتلال أكبر عملية عسكرية تنفذها في جنين منذ انتفاضة الأقصى أسمتها عملية «بيت وحديقة» وشارك فيها نحو ألف عنصر، وردت عليها كتيبة جنين بإطلاق معركة «بأس جنين»، لتستمر المواجهات لأكثر من 48 ساعة متواصلة، وشهدت ارتفاعًا واضحًا في استخدام العبوات الناسفة أدى لمقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخرين، فيما استشهد 12 فلسطينيًا.

هذه النقلة النوعية باستخدام الطائرات في الضفة الغربية لم تكن وليدة الصدفة، بل اعترافًا اسرائيليًا بتطور قدرات المقاومة على الأرض، وعدم قدرة جيشه على تحقيق الأهداف المرجوة من الاقتحامات برًا.

يكمن سر هذا التطور العسكري، بتنامي قدرات المقاومة في تصنيع العبوات الناسفة وتمكنها من إعطاب الآليات العسكرية، ما يحول دون تمكن القوات من التقدم، وهو ما حصل تمامًا في «بأس جنين»، عندما تمكنت المقاومة من إعطاب عدد من الآليات المقتحمة وإصابة ما فيها من جنود.

(تامر 1) (طارق 1) هكذا تكنى العبوات الناسفة في جنين، فالأولى سميت تيمنًا بالشهيد تامر النشرتي، أما الثانية نسبت للشهيد طارق الدمج. نفس الأمر في طولكرم، حيث تسمى العبوات بأسماء الشهداء (سيف 1) نسبة للشهيد سيف أبو لبدة، و (أمير 1) تيمنًا بالشهيد أمير أبو خديجة، وأحدثها على الإطلاق (جهاد 1) التي دخلت الخدمة حديثًا بعد استشهاد قائد كتائب شهداء الأقصى – الرد السريع في طولكرم جهاد شحادة. 

خوفًا من هذه العبوات، عمدت قوات الاحتلال على إدخال جرافاتها المحصنة D9 المتخصصة في «اختراق المحاور، وفتح الطرق، وإزالة الألغام وتدمير البنى التحتية». في جنين، دمرت الـD9 «دوار الشهيدين جرار» نسبة للشهيدين أحمد نصر وأحمد إسماعيل جرار، و«دوار الحصان» الذي يمثل نصبًا تذكاريًا بني من بواقي السيارات المدمرة بعد اجتياح مخيم جنين عام 2002، وعددًا آخر من الشوارع والميادين.

أما في مخيم طولكرم، هاجم الاحتلال صورة علقت على مدخل مخيم طولكرم الجنوبي للشهداء أمير أبو خديجة وسيف أبو لبدة وسامر الشافعي وحمزة خريوش، ناهيك عن الدمار الواسع في شوارع المخيم والبنية التحتية فيه، بالإضافة إلى تدمير مبنى النادي وميدان الشهيد سيف أبو لبدة وعددًا من الشوارع في مخيم نور شمس.

حجة الاحتلال في كل هذا الدمار، هو البحث عن العبوات الناسفة لإبطال مفعولها، ويبدو أنها تفشل في ذلك أيضًا. ففي الاقتحام الأخير لمخيم نور شمس انفجرت عبوة «شمس» بقوة خاصة للاحتلال لتقتل قائدها وتصيب الآخرين، أما في مخيم طولكرم أعلنت سرايا القدس- كتيبة طولكرم تمكنها من إعطاب آليتين عسكريتين بعد استهدافهما بعبوات ناسفة وصليات من الرصاص. 

في جنين، كان الأمر مشابهًا ولكن أكثر كثافة، ففي كل اقتحام تنفجر عشرات العبوات تحت الآليات في كل تقدم وعند كل محور. لم تسلم الجرافات المدرعة نفسها من العبوات، فإحداها قد أعطبت بفعل عبوة التامر شديدة الانفجار.

كتيبة في كل مدينة

تظهر مساعي توسيع رقعة عمليات المقاومة في الضفة في الأشهر الماضية في دخول مدن أخرى على الخط بعمليات شبيهة. ففي أريحا شرق الضفة الغربية، بدأ هذا التوسع مطلع العام الحالي حين توجه شابان في 28 كانون الثاني إلى مطعم إسرائيلي قرب مستوطنة ألموغ، وأطلقا النار تجاه المستوطنين، قبل أن يتعطل السلاح فيضطرا للمغادرة. تبين بعدها أن الشابين هما رأفت عوضات (21 عامًا) ومالك لافي (22 عامًا) اللذان استشهدا لاحقًا. 

كانت هذه العملية إيذانًا بامتداد نموذج «الكتيبة» إلى مخيم عقبة جبر في أريحا. «كتيبة عقبة جبر»، هكذا اتخذ الشبان لمجموعتهم اسمًا. ضمت الكتيبة بالأساس عناصر من كتائب القسام الذراع العسكري لحماس وسرايا القدس الذراع العسكري للجهاد الإسلامي، وعانت الكتيبة من اقتحامات مستمرة وملاحقة أمنية من الاحتلال والسلطة كنظيراتها في الضفة.

في محافظة طوباس، التي تقع إلى الجنوب الشرقي من جنين وشمال شرق نابلس، ظهر التأثر بنموذج الكتيبة في الانخراط في التصدي للتوغلات الإسرائيلية في المدن القريبة. إذ استشهد الشاب أحمد دراغمة (23 عامًا) من طوباس أثناء تصديه لاقتحام قبر يوسف شرق نابلس، وفيما شاركت «كتيبة طوباس» في القتال إسنادًا لكتيبة جنين أثناء معركة «بأس جنين».

تطور العمل المقاوم وتوسعه في الضفة بدأ يأخذ منحى جديدًا مع طوفان الأقصى، فدخلت مدن جديدة على خط المواجهة مثل قلقيلية، وصعّدت الكتائب الموجودة في مدن جنين ونابلس وطولكرم وطوباس وأريحا من عملياتها. 

ففي قلقيلية جنوب طولكرم، فلم يعد هناك اقتحام للمدينة إلا يقابله شبابها بالرصاص والعبوات، كما تستهدف هناك سيارات المستوطنين وحواجز الاحتلال في عمليات متكررة، كان آخرها إطلاق النار على سيارة بالقرب من بلدة النبي الياس شرق قلقيلية. 

أما في الخليل، فتوجه ثلاثة شبان، هم عبد القادر القواسمي، ونصر القواسمي، وحسن مأمون قفيشة، مجهزين بالأسلحة والعتاد نحو حاجز النفق بين بيت لحم والقدس، فاقتحموا الحاجز وأطلقوا النار داخله باتجاه جنود الاحتلال، وقتلوا أحدهم وأصابوا سبعة اخرين واستشهدوا، في عملية تبنتها كتائب القسام، قد تحمل ورائها أمواجًا جديدة في جنوب الضفة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية