حرب «إسرائيل» على بدو الضفة الغربية

الثلاثاء 22 آب 2023
عناصر من جيش الاحتلال خلال هدم خيام ومنشآت بدوية شرق قرية طوباس، في 8 شباط 2021. تصوير جعفر اشتيه. أ ف ب.

يشاهد المتنقل عبر الشريط الشرقي لسلسلة جبال الضفة الغربية العديد من الخِيم والبرّاكيات التي يسكنها البدو. بعضها تسهل مشاهدتها كونها موجودة على بُعد أمتار قليلة من الشوارع الالتفافية المعبدة المخصصة بالأساس لاستخدام المستوطنين، حيث تنتشر بعض المستوطنات الصهيونية على قمم بعض الجبال، والبعض الآخر من هذه الخيم والبراكيات يقع في عُمق الجبال والوديان مما يصعّب مشاهدتها نهارًا من الشوارع الالتفافية، ولكن تسمح حلكة الليل بمشاهدة الضوء الخافت الآتي من قناديل وفوانيس ساكنيها، والتي تنار بطاقة الخلايا الشمسية. تفتقر هذه التجمعات البدوية في الجبال والأودية إلى البنية التحتية الأساسية لحياة كريمة، وتشكّل تحديًا كبيرًا يعيق وصول سكانها إلى الخدمات الأساسية، وبالتحديد الصحة والتعليم.

تقع أغلب البيوت البدوية ضمن مناطق مخططات الضم التي عرضها رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب سنة 2020،[1] ضمن ما سُمّي وقتها صفقة القرن، فالشريط الشرقي لسلسلة جبال الضفة الغربية مغرٍ للضم الصهيوني، ذلك لكونه قليل الكثافة السكانية الفلسطينية، حيث يعيش في هذا الشريط الذي تبلغ مساحته 30% من مساحة الضفة الغربية حوالي 53 ألف فلسطيني، بما يشمل مدينة أريحا ومخيماتها، مقابل حوالي 11 ألف مستوطن صهيوني.[2] قلة السكان هذه وفّرت للبدو فرصة لممارسة نمط حياتهم التقليدي المعتمد على تربية الثروة الحيوانية، حيث تتوافر المراعي في مساحات كبيرة دون وجود عقبات، مثل المناطق السكنية والأراضي الزراعية الدائمة. وكذلك الحال مع محيط المستوطنات، لكن هذه المناطق يحظر أو يخاف الفلسطينيّون الوصول إليها، رغم كونها مراعٍ وفيرة.

وفّرت البيوت البدوية استئناسًا وتحفيزًا للكثير من العائلات الفلسطينية لزيارة هذه المناطق، حيث يُشْعِر وجود البيوت البدوية والرعاة في هذه المناطق الفسيحة الناس بالاطمئنان للتنزه وممارسة التجوالات. ولذا نشاهد العائلات بكثافة في المنطقة، وتحديدًا خلال فصليْ الشتاء والربيع، كما يشجع الوجود البدوي فلاحي القرى على الاهتمام بأراضيهم في هذه المناطق من خلال زراعتها أو تضمينها للبدو لحمايتها من المصادرة، فالوجود الفلسطيني الدائم يعزز مقاومة التهويد الذي تمارسه الصهيونية.

مستوطن يرعى الأبقار. تصوير أحمد حنيطي.

تعرّض البدو لاعتداءات كثيرة ودورية من قبل الجيش الصهيوني منذ عام 1967، وقد تنوعت هذه الاعتداءات ما بين إخطارات بهدم البيوت، وهدم البيوت فعلًا وخاصة في ذروة الصيف أو الشتاء، والمداهمات المتكررة، ومصادرة الممتلكات مثل الجرارات وصهاريج المياه وقطعان المواشي، واعتقال الرعاة وغير ذلك. وأحيانًا كان يجري استرداد هذه الممتلكات بإجراءات قانونية في المحاكم الصهيونية ودفع غرامات مالية، مما يرهق البدو ماليًا، ولكن تمكّن البدو من الصمود في مقاومة هذه الاعتداءات التي هدفت إلى تهجيرهم من هذه المناطق إلى أطراف القرى والبلدات الفلسطينية، وتمكنوا عبر المحاكم الصهيونية من تأجيل هدم بعضٍ من بيوتهم، أو عبر تفاهمات بالحفاظ على الوضع القائم دون زيادة أي بناء حتى لو كان قُن دجاج، وعندما كان البدو أثناء هدم بيوتهم يسألون «وين بدنا نروح؟»، كان الضباط الصهاينة يجيبون: «على المقاطعة، عند أبو مازن».

هذه الانتهاكات الصهيونية بحقّ الرعاة والبدو شهدت تحولًا بارزًا في السنوات الأخيرة، ومنذ 2017 تقريبًا تسارع انتشار البؤر الاستيطانية الرعوية التي تحاكي نمط الحياة البدوية الفلسطينية، فمثلًا، منذ بداية العام، وحتى 25 حزيران الفائت، أنشئت عشر بؤر رعوية.[3] وأغلب البؤر الاستيطانية الحالية هي من هذا النوع من الاستيطان؛ حيث يبني المستوطنون خيمًا أو «خربوشة» للسكن، ويربون قطعانًا من الأغنام والأبقار ويمارسون حياة الرعي التقليدي، كما يملكون سيارات غير مرخصة (مشطوبة) وحميرًا وأحصنة وغير ذلك في محاكاة لما يمتلكه البدو، ولا تتكون هذه البؤر من عائلات، وإنما من مجموعة فتيان متطوعين (فتيان التلال) يتغيرون كل مدة زمنية، يرأسهم عضو دائم في شبكات استيطانية، ويمارسون حياة الرعي ضمن خطة تهدف للاعتداء على البدو من أجل تهجيرهم، فيتواجدون يوميًا في المراعي وبين بيوت البدو. وطبيعة الاعتداءات التي يمارسها هؤلاء المستوطنون أشد بطشًا وقسوة من تلك التي يمارسها الجيش، حيث يعتدون على البدو والرعاة ويهاجمون بيوتهم وقطعانهم ويسرقون الأغنام والأعلاف والممتلكات، وقد تحالف الجيش والمستوطنون ضد البدو بعد إعلان ضم منطقة الأغوار[4] عام 2020، فأصبحت اعتداءات المستوطنين على البدو تتم في كثير من الأحيان بمشاركة وحماية من الجيش، وهذا جعل البدو يعيشون قهرًا يوميًا أدى إلى هجرة العديد منهم إلى أماكن أكثر أمنًا في محيط البلدات والقرى الفلسطينية.

فيما يلي سوف نتحدث عن ثلاث حالات بدوية اضطرّت لهجرة أماكن سكنها نتيجة لاعتداءات المستوطنين الدموية في شرق محافظة رام الله، الحالة الأولى هي لعائلة بدوية تسكن في طريق المُعرّجات، والحالة الثانية لعائلات بدوية تسكن في منطقة رأس التين، والثالثة لمجموعة من العائلات البدوية التي تسكن في عين سامية.

بيت بدوي فلسطيني في المعرجات. تصوير أحمد حنيطي.

عائلة أبو عبدالله

أبو عبد الله مختار، بدوي يسكن في طريق المُعرّجات. منذ حوالي السنتين أقام مستوطن يدعى «ميناحيم» بؤرة رعوية على الجبل المقابل للجبل الذي يقيم. ووفقًا لأبو عبد الله،[5] تملك هذه البؤرة حوالي 400 رأس غنم و120 رأس بقر، ويقوم المستوطنون برعي هذه القطعان في محيط بيته وفي الأراضي التي يزرعها لأغنامه، وفي كثير من الأحيان تقتحم هذه القطعان بصحبة الراعي المستوطن بيت أبو عبد الله فتأكل الأعلاف وتخرّب ممتلكات البيت، ويعتبر أي احتجاجٍ أو دفاعٍ يقوم به أبو عبد الله عن بيته وممتلكاته، سواء بإبعاد القطعان أو المستوطن عن البيت بمثابة اعتداء على المستوطنين، فيتم الاتصال مع مجموعات المستوطنين في المنطقة ويهاجمون عائلة أبو عبد الله، ويعتدون عليها جسديًا، وأحيانًا يشتكون عليها ويهددون باعتقال أفرادها. يقول أبو عبد الله «اللي عملوه المستوطنين في هالسنتين ما عملته الإدارة المدنية [الإسرائيلية] في الـ60 سنة».

تجمع المستوطن ميناحيم موسى. تصوير أحمد حنيطي.

الحدث الذي أدى لاتخاذ أبو عبد الله قرار الهجرة إلى مكان أكثر أمنًا كان اعتداء المستوطن وماشيته على بيته، فاضطر إلى ضرب المستوطن بخرطوم المياه على مؤخرته، ليتجمع المستوطنون ويعتبر هذا الضرب محاولة لقتل المستوطن، الذي ادعى أن الذي ضربه هو أحد أبناء أبو عبد الله، فتدخل الجيش والشرطة الصهيونية، ونتيجة لقرار أبو عبد الله بالهجرة من المنطقة جُمّدَ قرار الاعتقال. حفاظًا على حياة عائلته، اضطر أبو عبد الله إلى هدم بيته والهجرة في عيد الأضحى من العام الفائت. وبحسبه فقد اضطرت عشر عائلات بدوية أخرى لترك المكان بعده.

تجمع رأس التين البدوي

بتاريخ 10 تشرين الثاني 2020 انتقل مستوطن يدعى «ميخا»، مع قطعانه التي تتجاوز 500 رأس غنم إلى بُعد عدة مئات الأمتار من بيوت تجمع رأس التين في أراضي كفر مالك. يرأس «ميخا» مجموعة من الفتيان المتطوعين غير الدائمين الذين يُكلّفهم بمهمات محددة، وفي تاريخ 14 حزيران 2022 اعتدى حوالي عشرين مستوطنًا بحماية الجيش الصهيوني على أحد بيوت التجمع (بيت أبو ياسر)، حاول أصحاب البيت صد اعتداء المستوطنين بالحجارة، فأطلق الجيش الرصاص عليهم، طلب أبو ياسر من أولاده عدم رمي الحجارة خوفًا على حياتهم.

«كلبش» الجيش الأولاد فيما قام أحد المستوطنين برش وجه أبو ياسر بالفلفل الحارق وضربوه بعصا على رأسه، خرجت زوجته للدفاع عنه، فضربها المستوطن وأصيبت بنزيف في الدماغ وكسريْن في يدها، مكثت إثره في العناية المكثفة حوالي 18 يومًا. وضرب المستوطنون بقية الأبناء فيما كان الجيش يكلبشهم، وأثناء الاعتداء أغلق أمنُ المستوطنات القريبة والجيش الطريق المؤدي إلى التجمع لمنع أي نجدات للعائلة أثناء الاعتداء عليها. في اليوم التالي، هاجم الجيش البيت، وعاثوا فيه خرابًا، واعتقلوا أبو ياسر، بحيث صار عدد المعتقلين من العائلة ثلاثة، ومكثوا في الاعتقال أسبوعًا. وأفرج عنهم بعد دفع مبلغ خمسة آلاف دولار كأجرة محامٍ وكفالات. فَقَدَت عائلة أبو ياسر الأمان على حياتها مع تكرار الاعتداءات اليومية للمستوطنين بحماية الجيش، ودون مساندة من السلطة الفلسطينية والمنظمات الدولية، يقول أحد أفراد التجمع: «أبو ياسر داخليا انهار، صاروا يوم يوم ييجوا يتحركشوا فيه على البيت، طبيعة التجمع البيوت بعاد عن بعض، طيب بيجوا عليه وبروحوا وإحنا ما نعرف»، فقرر ترك المنطقة في نهاية حزيران 2022.

تجمع مؤقت للمستوطن راعي البقر وتظهر الصورة انتشار البقر بشكل مبعثر في مساحة كبيرة. تصوير أحمد حنيطي.

بعد ترك أبو ياسر للمكان، تكثّفت الاعتداءات على بيوت تجمع رأس التين، كما يقول أحد أفراد التجمع «انجنوا حسّوا بالإنجاز وقالوا إنه إحنا بنضغط عليهم كمان بنطلعهم كلهم»، طبيعة الاعتداءات من قبل المستوطنين تتكرر في كل الحالات، فمثلًا يأتون إلى بيوت التجمع ليلًا مع كلابهم ويطلقون النار، أو يرمون البيوت بالحجارة، أو يسرقون الأعلاف أو يحرقونها، فيرهقون العائلات اقتصاديًا، حيث يصل سعر طن العلف أحيانًا إلى 550 دولار، ويفرغون صهاريج المياه على الأرض التي يكلف الواحد منها (12 متر مكعب) 80 دولار، ويخربون الممتلكات كالجرارات والحظائر والبيوت، كما يقومون باقتحام البيوت بمواشيهم ويستفزون العائلات من أجل أن تدافع عن نفسها، فيتم استدعاء مجموعات المستوطنين والشرطة من أجل ضربهم واعتقالهم، لهذا يتجنب البدو أحيانًا صدهم. يقول أبو العبد أحد أفراد التجمع: «الله وكيلك ييجي راعي الغنم على مسافة 10 متر ويحشر الغنم تبعته على باب البيت، وعندما تطلب منه الذهاب يصير يرفع كتفه كتعبير عن الرفض، هو جاي ليش؟ جاي علشان أضربه، وفي حال ضربته كل الشرطة والمستوطنين يهجمون علي، (..) في إحدى المرات يوم الجمعة العصر كسروا التراكتور واتصلنا على الشرطة [الإسرائيلية] وأجت وقلنالهم هيو هناك، راح عنده قعد معاه شوي ورجع الشرطي قال هو اعترف بس هلأ دخل السبت، كل الدنيا بخدمة المستوطن وانت ما في حدا معاك».

خلال هذه الفترة، عاش بدو رأس التين معاناة شديدة، حيث يعيش البدو وخاصة الأطفال والنساء في حالة ذعر وخوف شديدين، كما هدم الجيش في العام 2021 حوالي 13 بيتًا وعاشت العائلات في العراء، يقول عمر: «صارت الناس عايشة في رعب وذعر، فمثلًا إنت صرت تروح على دارك في الليل، لما تفتح الباب وبدك تدخل، المرة بتشرد والأولاد بعيطوا، الناس عايشة في رعب، العالم نفسيا انهارت»، كما أن المبالغ التي دفعها البدو كأجرة محامين وكفالات خلال سنة واحدة (تموز 2021 حتى تموز 2022) وفقًا لرواياتهم بلغت حوالي 12500 دولار.

اتخاذ قرار هجرة جميع العائلات البدوية من تجمع رأس التين جاء خوفًا من تكرار حادثة الحرق التي تعرضت لها عائلة دوابشة في قرية دوما في تموز 2015 التي تبعد عنهم عدة كيلومترات، يقول عمر، أحد سكان التجمع، كيف أنه وفي إحدى الليالي هجم على بيت أبو العبد حوالي خمسين مستوطنًا، وأشعلوا النار من الجهات الأربعة، من الساعة 10 حتى الساعة الثانية ليلًا. «بنتصل بالمجالس القروية يا جماعة الخير، وعلى الارتباط وعلى الصليب والهلال الاحمر، بتحكي مع الشرطة الإسرائيلية بحكولك احك مع الشرطة الفلسطينية، بتحكيلهم بدي أدافع عن حالي، بقلك بحطك في السجن، وهو بعيد عن بيتك 50 متر ممنوع تحكي معاه، وما في حدا لبّى النداء».

هاجرت بقية العائلات البدوية من رأس التين في منتصف شهر تموز 2022، أي بعد 15 يومًا من هجرة عائلة أبو ياسر، وقد بلغ عدد سكان تجمع رأس التين قبيل الهجرة حوالي 180 نسمة موزعين على حوالي 20 أسرة.

بدو عين سامية

يقع التجمع في أراضي كفر مالك، في منطقة قريبة من عيون المياه. وعاشت أسر التجمع ظروفًا مشابهة في طبيعة الاعتداءات التي تعرضت لها الحالتان البدويتان السابقتان من قبل المستوطنين، وما يميز هذا التجمع وجود مدرسة تخدم أطفال التجمع بَنَتها السلطة الفلسطينية كتعزيز لصمود السكان، ولكن التحديات التي عاشها سكان التجمع ولدت بيئة خصبة للهجرة، والحدث الذي أدى لاتخاذ قرار الهجرة كان الخوف على مواشي البدو من المستوطنين، فبينما كان عطا صبح يرعى أغنامه (60 رأسًا) بجانب الشارع القريب من التجمع البدوي، هاجمه مجموعة من المستوطنين مع عربات نقل أغنام، قامت الشرطة «بكلبشته» بينما صادر المستوطنون أفضل 38 رأس غنم بحجة أنها مسروقة من عند المستوطنين، «قالهم هاي الغنم اللي معاي عليها ختم من السلطة، وقلهم أنا بجبلكم إثبات من وزارة الزراعة إنها هاي الغنم إلي، قالوله لا، اسكت. الزلمة قال للشرطي والله إنك ما بتخاف من الله، تخليهم يحملوهن وأنا مكلبش وأنا بقلك هاي الغنم إلي وأنا معي إثبات؟ أجا عليه وضربه بُكس على بطنه وقله ما تحكي ولا كلمة». يروي أحد أقارب عطا.

مستوطن يرعى الأغنام في عين سامية. تصوير أحمد حنيطي.

وبعد سرقة أغنامه اعتقلته الشرطة عطا بتهمة السرقة، ولكنه خرج من السجن في اليوم نفسه بعد دفع كفالة مقدارها 420 دولارًا. حاول عطا تقديم شكوى للشرطة الإسرائيلية لاستعادة أغنامه ولكن دون جدوى.

في اليوم التالي، هاجم المستوطنون بسلاحهم ليلًا بيوت البدو وصوّروا الأغنام في الحظائر، فخاف البدو على أغنامهم من سرقة المستوطنين لها، كما حدث مع عطا صبح، فصمود سكان التجمع أمام اعتداءات الجيش والمستوطنين السابقة نابع من أن المكان ونمط الحياة مناسبان لتربية الأغنام والرعي، وبانتفاء وجود المواشي ينتفي مبرر وجودهم في المنطقة، فقرروا الهجرة جماعيًا من التجمع حفاظًا على مواشيهم، وكان قرار الهجرة بتاريخ 25 أيار 2023. وقد انتشر مؤخرًا فيديو يوثق حالة مشابهة باقتحام المستوطنين لحظائر بدو الكعابنة في شرق القدس.

تخريب المدرسة من قبل المستوطنين. تصوير أحمد حنيطي.

خاتمة

شَعَرَ البدو خلال فترة المعاناة والقهر أنهم يواجهون المستوطنين والجيش الإسرائيلي وحدهم، وكانت نجداتهم للحماية دون جدوى، يقول أحد أفراد تجمع رأس التين: «طلبنا خيمة اعتصام كما حدث في الخان الأحمر ولكن ما حدا رد علينا». خاض البدو لوحدهم مواجهة اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال الدموية، لكنهم قرروا الهجرة ليس بحثًا عن الماء والكلأ، وإنما بحثًا عن الأمان الذي فقدوه لسنوات عدة.

بعد الهجرة، طلبت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية من البدو العودة إلى المناطق التي هاجروا منها، فرفض البدو ذلك لشعورهم بعدم الجدية بتوفير الحماية لهم أو الوقوف إلى جانبهم، وأن عودتهم هي بمثابة خسارة أرواحهم.

باع البدو خلال فترة المعاناة من المستوطنين بعضًا من أغنامهم لتغطية نفقات المحامين والكفالات، كما تقلصت المراعي نتيجة اعتداءات المستوطنين، فارتفعت التكاليف المالية لتربية المواشي، وخاصة نتيجة الارتفاع المتسارع للأعلاف، يعبر عن ذلك أحد أفراد التجمعات المهجرة، بالقول إنه خلال السنوات الماضية: «تقلصت المراعي [بسبب] المستوطنين، زمان كنت تطعم الغنم شهرين أو ثلاث، صرت تطعم الغنم كل السنة، الناس صار عندها ديون، اللي عنده 200 راس باع 100 عشان يسكر الديون»، ويضيف: «لما رحلنا هون من شهر سبعة [تموز] إلى شهر عشرة [تشرين الأول]، هذا التجمع 500 رأس غنم باع، بس هاي الفترة، وانسى الفترة اللي قبلها اللي باعت عشان تشتري الأرض». وقد اشترى معظم البدو أراضٍ في محيط القرى الفلسطينية، والبعض منهم بنى بيوتًا إسمنتية.

نمط الحياة الذي يعيشه البدو، المعتمد على البيوت المبنية من الخيم والصفيح، ونمط الرعي التقليدي، يعبر عن نمط من المقاومة الشعبية الدائمة، كوْن الوجود الدائم في المناطق المستهدفة بالاستيطان، والمستهدفة بالضم الاسرائيلي، وعدم الدفاع عنهم والوقوف إلى جانبهم كما حدث للحالات البدوية المهجرة الثلاث السابقة وغيرها من الحالات، يفقد الفلسطينيين أحد أهم الممارسات الشعبية في المقاومة، فخطة ضم الأغوار لم تتوقف على الأرض، بل تسارعت بعد الإعلان عنها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية