المهن الطبية المساندة: الجائحة تفاقم صعوبات فنيين لا نقابة لهم

الأحد 17 كانون الثاني 2021
فنية في مختبر أطراف صناعية في إربد تتحدث مع مريض فقد يده، في حزيران 2018. تصوير خليل مزرعاوي. أ ف ب

«كثير زعلان إنه أبوي توفّى بسببي، أكثر إشي مأثّر عليّ بحياتي»، يقول الثلاثينيّ محمود* الذي توفي والده الخمسينيّ مطلع تشرين أول الماضي إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد. يعمل محمود مساعدَ صيدليّ في مستشفىً حكوميّ في محافظة عجلون، ويَعتقدُ أنه نقل العدوى إلى والده بعدما أصيب هو بالفيروس منتقلًا إليه في مكان عمله، خصوصًا أنه لا يختلط بأشخاص من خارج المستشفى، وأن والده كان ملازمًا للمنزل منذ بدء الجائحة، حسبما يقول.

بدايةً، ظهرت أعراض الإصابة بكوفيد-19 على محمود، ثم على 16 فردًا من عائلته، بحسب ما توصلت إليه فرق التقصي الوبائي. يقول محمود إن هناك نقصًا في معدات الوقاية في المستشفى، فلا تتوفر لديهم كمامات N95 ذات الحماية العالية، بل الكمامات العادية (الجراحية)، كما أن هناك شحًا في المعقمات، ولا تُعقّم الأدوات والآلات بشكل دوريّ، ما تسبب -باعتقاده- بزيادة انتشار الفيروس وانتقاله إليه.

محمود هو أحد العاملين فيما يسمى بالمهن الطبية المساندة، الذين واجهوا منذ بدء الجائحة ضغطًا كبيرًا في العمل، واشتكوا مثل بعض العاملين في القطاع الصحي من ظروف عمل صعبة.

يؤكد منذر العيسى، رئيس اللجنة المركزية التابعة للجنة الوطنية للمهن الطبية المساندة، ما قاله محمود حول نقص معدات الوقاية ومنها الكمامات عالية الحماية، وغياب التعقيم المستمر في بعض المنشآت الصحية، مضيفًا أنه لم يتوفر للعاملين في هذه المهن اللباس العازل لحمايتهم في حال مخالطتهم مصابين بالفيروس، رغم أنهم يتعاملون مع أعداد كبيرة من المرضى يوميًا.

يقول عمار السويطي، الناطق باسم وزارة الصحة، إن الكمامات الطبية متوفرة في كل مكان، وعلى الفنيّين حماية أنفسهم أثناء العمل نظرًا لتواصلهم الدائم مع المرضى، مضيفًا أن الكمامات التي توزعها الوزارة على الأطباء والممرضين، لا تختلف عن تلك التي توزعها على غيرهم من الكوادر الصحية.

لكن مشاكل العاملين في هذه المهن لا تقتصر على ظروف عملهم في الجائحة، إذ يشير العيسى إلى أن العاملين منهم في القطاع الحكومي يشتكون من تدني علاوتهم الفنية، وعدم حصولهم على بدلات التنقل أو بدلات اقتناء سيارات، وتأخير حوافزهم حيث يحصلون عليها بعد 3 سنوات من بدء الخدمة. ويعتبر العيسى أن أهم مطالب العاملين في هذه المهن هو إنشاء نقابة لهم تمثلهم وتحميهم وتنقل مطالبهم إلى الجهات المعنية، علمًا بأنهم يطالبون بإنشائها منذ العام 2012.

يقدّر العيسى أعداد العاملين في هذه المهن بنحو 6 آلاف عامل في القطاع الحكومي، و30 ألف عامل في القطاع الخاص. وتندرج تحت مسمى المهن الطبية المساندة 24 مهنة، هي: فنيّو الأشعة، والمختبرات، والتخدير والإنعاش، والعلاج الطبيعي، والتغذية، والأسنان، والتعقيم، والسمع والنطق، والبصريات، والأطراف الصناعية، والتقنيات الحيويّة، والصحة البيئيّة والمهنيّة، والأجهزة الطبيّة، وعلوم الأسنان، وفني صحة مشارك، ومساعد الصيدلي، والسجلات طبية، ومرشد صحي وسني، ومراقب صحي، والإسعاف والطوارئ، والفيزيائي، والباحث النفسي والاجتماعي، والكيميائي، والهندسة الوراثية.

محطة أولى للمصابين، ولا بدلات إضافية

يعمل محسن* (36 عامًا) فنّي مختبرات وتحاليل طبية في مستشفى حكومي في محافظة الكرك، وقد زادت ساعات عمله منذ الشهور الأولى للجائحة، حيث منع الحظر الشامل بعض زملائه من سكان المحافظات من الوصول بسهولة إلى المستشفى نظرًا لعدم توفر المواصلات العامة أحيانًا، وهي ما يعتمدون عليه في تنقلهم، ما شكل ضغطًا إضافيا في العمل. «بعد قوانين الدفاع اختصروا الكادر، مش كلنا كنا نداوم، كنا 15، صرنا خمسة، فتضاعف الشغل وعدد ساعات العمل تضاعفت»، يقول محسن.

أصيب محسن بفيروس كورونا المستجد، ثم انتقل الفيروس إلى زوجته في تشرين الأول الماضي، ما اضطرهم إلى إرسال أطفالهم الثلاثة إلى أقارب لهم، مع أخذ احتياطات الوقاية كارتداء الكمامات والقفازات عند اضطرارهم للتعامل مع الأطفال. توقع محسن أن يظل المستشفى الذي يعمل فيه على تواصل معه للاطمئنان على صحته، إلا أنه لم يتلق منهم غير اتصال وحيد يدعونه فيه للعودة إلى العمل: «بعد تسعة أيام بالضبط [من الإصابة] حكوا معي، قالولي بكرة دوامك، ما تنسى، [لا] تسوّي حالك مريض، بدون فحص ولا إِشي بتيجي بتداوم»، يقول محسن.

يتفق معظم من أُجريت معهم مقابلات من العاملين في المهن الطبية المساندة على أهمية إنشاء نقابة تدافع عن مصالحهم وتحفظ لهم حقوقهم.

يتقاضى محسن راتبًا شهريًا قدره 380 دينارًا، وكان قد حصل على أول حافز على الراتب بعد ثلاث سنوات من تعيينه، ويشير إلى تدني العلاوة الفنية التي يحصل عليها بالمقارنة مع بقية العاملين في القطاع الصحي، خصوصًا الأطباء والممرضين، ويقول: «إحنا محطوطين ع الرف، وما حدا مهتم باللي بنساويه».

سليم*، فني الأشعة في مستشفى حكومي في عمّان، أصيب هو الآخر بفيروس كورونا خلال تشرين الثاني الماضي، وانتقل الفيروس إلى زوجته وأطفاله الثلاثة؛ أصغرهم في الثانية من عمره، وأكبرهم في التاسعة. تزامنت إصابة سليم مع إصابة زملاء له في المستشفى، ويقول إن غرفة الأشعة تستقبل بين 250 و300 مريض كل ثماني ساعات، ويعمل فيها أربعة موظفين في المناوبة الواحدة، دون تعقيم المعدات أو ارتداء اللباس العازل المخصص لحماية الكوادر الصحية، فلا يميزون المرضى المصابين بالفيروس من غيرهم، ويعرفون بالإصابة بعد إجراء صورة الأشعة للمريض. «ما بنعرف عنهم غير تا نفحصهم»، يقول سليم.

يتقاضى سليم 400 دينار شهريًا، 30% منها علاوة على راتبه الأساسي، وقد عمل خلال الجائحة ساعتين إضافيتين على الأقل يوميًا، لكنه لم يحصل على بدلٍ عن عمله الإضافي هذا. يشعر سليم أن بعض زملائه العاملين في القطاع الصحي يتناسون أهمية المهن الطبية المساندة: «إحنا القاعدة الأساسية لاستقبال المرضى، فني السجلات اللي بسجلهم بمجرد دخولهم للمستشفى، وفني المختبر اللي بفحصهم، واللي بعمل إنعاش للمرضى أو بيعطيهم الأكسجين أغلب الأوقات في غرف الطوارئ والعمليات فني تخدير، واللي بصورهم فني أشعة، كل هاظ صار منسي»، يقول سليم.

ليس سليم وحده من لم يحصل على بدل العمل الإضافي، فقد حصل الأمر نفسه مع المراقب الصحي مروان* (44 عامًا) الذي عمل خلال الجائحة مع فرق التقصي الوبائي في مديرية صحة البلقاء. إضافة إلى ذلك لم تتوفر لمروان وسيلة نقلٍ من وزارة الصحة لتسهيل مهمته وزملائه، في عمليات التفتيش، «عدم وجود وسيلة نقل هاي أهم تحدي قبل وخلال الجائحة» يقول مروان، مشيرًا إلى أنه يعمل مراقبًا منذ 22 عامًا، وأنه استعان بعد 11 سنة على تعيينه بـ«واسطة» من أجل الحصول على بدل التنقل البالغ 20 دينارًا. 

يعتقد مروان أن العاملين في المهن الطبية المساندة مهمّشون، وأنه يتوجب أن يكون بين المسؤولين في المديريات عاملون في هذه المهن، لأنهم الأقدر -باعتقاده- على فهم قضاياهم ومطالبهم وظروفهم، «تم تهميشنا لإنه فش ناس يدافعوا عنا»، يقول مروان.

سنوات من المطالبة بنقابة

يتفق معظم من أُجريت معهم مقابلات من العاملين في المهن الطبية المساندة على أهمية إنشاء نقابة تدافع عن مصالحهم وتحفظ لهم حقوقهم. وكان قد اجتمع عاملون في هذه المهن عام 2012 وشكّلوا اللجنة الوطنية للمهن الطبية المساندة، بحسب رئيس اللجنة حسين العوران. وكانت مطالبهم آنذاك منح علاوة خطورة، ورفع العلاوة الفنية لكافة فنيي المهن الطبية بحيث لا تقل عن 100% من الراتب، وتعديل الحوافز الممنوحة لهم، وصرف علاوة العمل الإضافي لجميع فنيي المهن الطبية.

يؤكد رئيس اللجنة المركزية التابعة للجنة الوطنية للمهن الطبية المساندة عدم توفر لباس عازل لحماية هؤلاء العاملين في حال مخالطتهم مصابين، رغم تعاملهم مع أعداد كبيرة من المرضى يوميًا.

وكان إنشاء النقابة على رأس مطالبهم، حتى إن اللجنة أعلنت في آذار 2012 عن توقّف فنيي المهن الطبية المساندة في المستشفيات الحكومية عن العمل في المناوبة الصباحية لثلاثة أيام احتجاجًا على تأخر الحكومة بالموافقة على إنشاء نقابتهم.

في اليوم الثالث من إضرابهم، نسّب وزير الصحة آنذاك، عبد اللطيف وريكات، لرئيس الوزراء باستحداث نقابة للمهن الطبية المساندة، ودعا الوزيرُ إلى منح العاملين في هذه المهن علاوة فنية تتلاءم مع مهامهم، وبعد أشهرٍ وافق مجلس الوزراء على استحداث النقابة، إلا أن ديوان التشريع والرأي لم ينجز مسوّدة قانون النقابة حتى كانون الثاني من عام 2014.

ظلّت مسودة القانون في الأدراج لأشهر أخرى، ما دفع اللجنة الوطنية للمهن الطبية المساندة لمخاطبة المركز الوطني لحقوق الإنسان، بحسب العوران، للمطالبة بإنصاف العاملين في هذه المهن بما يتعلق بالعلاوات والحوافز والبدلات والمسارات المهنية. كما نفذت اللجنة اعتصامًا أمام مجلس النواب في تشرين الثاني 2014 للمطالبة بـ«تحريك» قانون النقابة، والتقى حينها عدد من النواب بالمعتصمين، وتعهدوا لهم بتبنّي مشروع القانون والمطالبة بالاستعجال به، وهو ما حصل فعلًا، إذ وقع 34 نائبًا على مذكرة نيابية طالبوا فيها الحكومة بعرض مشروع القانون على مجلس النواب، لكن المذكرة لم تأت بنتائج تُذكر.

عقدت خلال السنوات الماضية عدة لقاءات واجتماعات بين اللجنة الوطنية ووزارة الصحة وديوان الخدمة المدنية، ويقول العوران إن اللجنة تلقت وعودًا بالمضي في الإجراءات اللازمة لإنشاء النقابة، لكن ذلك لم يحدث، مشيرًا إلى أهمية تأسيس عمل نقابي لضمان حقوق العاملين في المهن المساندة والدفاع عنهم بطريقة منظمة، خصوصًا مع ما يتعرضون له من خطورة أثناء تأدية أعمالهم.

في الأيام الأولى من العام الماضي، أصدرت اللجنة بيانًا قالت فيه إنها قررت «المضي بإصرارٍ لاتخاذ كافة الإجراءات التصعيدية التي تضمن حقوقها»، متهمةً حكومة عمر الرزاز بمخالفة الدستور والقوانين والأنظمة، كما طالب حينها رئيس اللجنة العوران بصرف علاوة خطر المهنة للعاملين في المهن الطبية المساندة، ورفع علاوتهم الفنية إلى 135% من الراتب الأساسي، وتعديل نظام الحوافز الممنوحة لهم، وتحسين تقاعدهم.

وبعد أيام من صدور البيان، اعتصم عاملون في هذه المهن أمام مبنى وزارة الصحة «للمطالبة بمساواتهم بعلاوات زملائهم من منتسبي النقابات المهنية»، وقالت حينها المتحدثة باسم اللجنة الوطنية لموقع الأردن24 إنّ «موظفي المهن الطبية المساندة تعرضوا لظلم كبير بعد حرمانهم من العلاوات، نظرًا لعدم وجود نقابة تحميهم وتمثّلهم». ويقول رئيس اللجنة المركزية، منذر العيسى، إنهم تلقّوا على إثر هذا الاعتصام وعودًا بإيجاد حلول لمشاكلهم، لكنها لم تتحقق.

من جانبه يقول الناطق باسم وزارة الصحة، عمار السويطي، إنَّ وزير الصحة السابق سعد جابر رفع الكتاب الخاص بتأسيس النقابة إلى رئاسة الوزراء، وإن الحوافز والعلاوات محدّدة من قبل جهات عدة من بينها ديوان الخدمة المدنية، فلا شأن للوزارة بهذا الأمر. 

بالمقابل يقول العيسى، إن استمرار تجاهل مطالبهم سيضطرهم للعودة إلى «الميدان» واتخاذ إجراءات تصعيدية لتنفيذ مطالب العاملين في المهن الطبية المساندة: «لما نتهمّش من خلال جهة حكوميّة فهي بتجرّنا للإضراب».


* أسماء مستعارة بناءً على طلب أصحابها.

تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع «عيون» للصحافة المحلية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية