بالنار والرصاص، المستوطن يعيد تشكيل جغرافية الضفة الغربية

آثار رصاص المستوطنين في منزل عبد اللطيف أبو عليا في قرية المغير شمال شرق رام الله، بعد هجوم في 12 نيسان أدى إلى استشهد شاب وإصابة 40. تصوير شذى حمّاد.

بالنار والرصاص، المستوطن يعيد تشكيل جغرافية الضفة الغربية

الأربعاء 24 نيسان 2024

تُرشد نقاط الدم التي تملأ المكان إلى الطريق نحو سطح منزل عبد اللطيف أبو عليا في قرية المغَيِّر، حيث خاضت العائلة معركة صد هجوم شنّه مئات المستوطنين ظهر 12 نيسان، تزامنًا مع البحث عن مستوطن فُقدت آثاره في المنطقة ووجد قتيلًا فيما بعد. لم تنظف عائلة أبو عليا الأرض من الدماء، كإعلان بأن المعركة لم تنته بعد، وحرص الجميع ألا يمشي فوقها، فهي دماء الشهيد جهاد أبو عليا، الذي ارتقى مدافعًا عن هذا المنزل.

توسع هجوم المستوطنين من قرية المغير شمال شرق رام الله، إلى نحو 36 قرية وبلدة فلسطينية خلال اليومين التاليين، ليكشف بصورة أوضح عن ملامح واقع جديد يفرضه الاحتلال في الضفة الغربية، يتضمن توسيع البناء الاستيطاني، وزيادة تسليح المستوطنين، وتنظيم هجماتهم على القرى والتجمعات الفلسطينية التي يزداد تشديد الحصار عليها وتقطيع أوصالها. 

كل ذلك جزء من الحرب التي يشنها الاحتلال منذ تشرين الأول 2023، حيث تعيش الضفة وجهًا آخر للإبادة الممارسة في غزة. وكما عائلة أبو عليا، يعي الفلسطينيون أن الأيام القادمة تحمل الأسوأ، وأن المعركة مع المستوطنين بدأت وستشتد، وأن صمودهم وحده قد لا يكون كافيًا للتصدي. رغم ذلك، يقول عبد اللطيف «سنبقى ثابتين حتى تقوم الساعة، لن نتزحزح.. لو جاء العالم أجمع، لن أخرج من داري».

عبد اللطيف أبو عليا على سطح منزله في قرية المغير، مشيرًا إلى آثار رصاص المستوطنين. تصوير شذى حمّاد.

المغير: صورة عن قُرب

يتفقد عبد اللطيف آثار رصاص المستوطنين، فلا يجد حائطًا خاليًا منها. طال الرصاص أيضًا خزانات المياه، التي استقر في أحدها 17 رصاصة، واستهدف المستوطنون معظم النوافذ والأبواب وحطموها. تُؤكد بعض الآثار أن إطلاق النار لم يكن عشوائيًا، إذ تدل على محاولات قنص نفذها المستوطنون، فكلما حاول أحد أفراد العائلة أن يطل برأسه أُطلقت رصاصة باتجاهه. تكررت المحاولات حتى نالت من جهاد عفيف أبو عليا (25 عامًا) الذي حضر من القرية لمساندة عائلة عبد اللطيف، وبقي ينزف محاصرًا لا تستطيع طواقم الإسعاف الوصول إليه، حتى ارتقى شهيدًا. 

يقع منزل عائلة عبد اللطيف على بعد 197 مترًا من شارع ألون الاستيطاني، ويبعد المنزل عن مركز القرية نحو 1.5 كم، ما جعله عرضة لهجمات متكررة من المستوطنين منذ إقامته عام 1980. إلا أن الهجوم في 12 نيسان لم يكن يشبه ما سبقه، من حيث أعداد المستوطنين المشاركين وحجم تسليحهم. يقول عبد اللطيف لـ«حبر»: «كنا 12 شخصًا داخل المنزل، لا يوجد معنا إلا بعض الحجارة ونفدت سريعًا، وحولنا مئات المستوطنين المسلحين يحاصروننا بمساندة جيش الاحتلال». 

يؤكد عبد اللطيف أنه شاهد جنود الاحتلال يتبادلون مخازن الرصاص مع المستوطنين. «كالعادة تواجد الجيش لتسهيل هجوم المستوطنين. هو يتواجد ليقوم بقمعنا إذا دافعنا عن أنفسنا.. ولكن هذه المرة تجاوز مرحلة التواجد فقط. لقد رأينا الجنود يعبئون مخازن الرصاص للمستوطنين».

آثار الرصاص في نوافذ بيت عبد اللطيف أبو عليا، وجزء من المركبات التي حرقها المستوطنون في القرية، وشارع ألون الاستيطاني المحاذي لمنزل عبد اللطيف. تصوير شذى حماد.

انقسم المستوطنون خلال الهجوم إلى مجموعتين: واحدة تتمركز بأسلحة M16 والمسدسات، وأخرى تتقدم نحو المنازل والمركبات وتهاجمها وتشعل النار فيه، ما يشير إلى أن الهجوم كان منظمًا ومدروسًا. يقول كاظم الحاج محمد، أحد نشطاء القرية، لـ«حبر» إن الهجوم كشف عن تنظيم وتسليح غير مسبوقين بين المستوطنين، ما ينبئ بخطر تصاعد هجماتهم في الأيام القادمة وما قد تؤدي إليه. 

ويشير كاظم إلى أن نحو 40 فلسطينيًا بينهم امرأة أصيبوا بهجوم المستوطنين، كما حُرق 16 منزلًا، وأصيبت منازل أخرى بأضرار جزئية، إضافة لحرق نحو 20 مركبة. وسرق المستوطنون خلال الهجوم نحو 155 رأس غنم من مراد أبو عليا وأشقائه، وحرقوا «مشطبًا» للسيارات ملحقين خسائر فيه بقيمة 30 ألف شيقل (8 آلاف دولار). 

يحاصر الاستيطان قرية المغير، ما يجعلها عرضة لهجمات المستوطنين المتكررة الهادفة بالأساس للاستيلاء على مزيد من الأراضي، ومنع المزارعين ورعاة الأغنام من التواجد فيها. إذ يحاصر شارع ألون الاستيطاني القرية من جهتها الشرقية، وقد فصل 90% من أراضي القرية عنها. وتحاصرها من باقي الجهات مستوطنات عدي عاد، وشيلو، شفوت راحيل، إضافة لبؤر استيطانية رعوية متناثرة على أراضي القرية وفي محيطها.

مستوطنون يزدادون تسليحًا وتنظيمًا 

منذ بداية معركة طوفان الأقصى، عمل الاحتلال على تسليح المستوطنين تخوفًا من توسع العمليات الفدائية في الضفة الغربية، وقاد وزير أمن الاحتلال إيتمار بن غفير الحملة، معلنًا عن تسليح نحو 100 ألف مستوطن منذ تشرين الأول 2023، ونشر صورًا ومقاطع مصورة لإشرافه على أولى حملات توزيع السلاح على المستوطنين. 

خلال شهر واحد، منح الاحتلال نحو 31 ألف رخصة سلاح وهو ما يفوق عدد الطلبات التي قُدمت خلال الـ20 عامًا الماضية، واشترى 18 ألف مستوطن المسدسات بعد حصولهم على الرخص، وذلك حسب معطيات صدرت عن وزارة أمن الاحتلال في تشرين الثاني 2023.

لم يتوقف تسليح الاحتلال للمستوطنين عند منحهم رخص حمل السلاح فحسب، فبعض المعلومات تشير إلى أن الاحتلال يسعى لتزويدهم بالأسلحة الثقيلة. إذ كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن جيش الاحتلال يدرس خيار تسليح عناصر أمن المستوطنات بصواريخ مضادة للدبابات، إضافة لتحصين المستوطنات بصواريخ محمولة على الكتف، ووسائل قتالية ثقيلة، وذلك تحسبًا لتكرار سيناريو طوفان الأقصى. 

سريعًا، انعكس تسليح المستوطنين على الضفة، وأصبحت هجماتهم على القرى والتجمعات البدوية مسلحةً بالمسدسات ورشاشات M16. وقد ارتفع عدد الشهداء الذين ارتقوا برصاص المستوطنين منذ السابع من تشرين الأول وحتى 20 نيسان 2024 إلى 18 شهيدًا. لقرية قُصْرة جنوب نابلس النصيب الأكبر من هذه الحصيلة، إذ ارتقى أربعة شهداء خلال هجوم على القرية، وفي اليوم التالي، استهدف المستوطنون جنازة الشهداء، وقتلوا اثنين آخرين من المشيعين.

ليس التسليح وحده سمة الهجمات الأخيرة، وإنما كذلك التنظيم الذي برز بالقدرة على حشد أعداد كبيرة من المستوطنين للمشاركة في هذه الهجمات على القرى والشوارع. لا يعني ذلك أنها لم تكن منظمة بالسابق، إلا أن معظم شهادات القرى والتجمعات التي تصاعد الهجمات عليها أكدت على أنها امتازت بقدرة المستوطنين على الحشد الكبير والسريع لمهاجمتهم. 

يستمر التعامي عن هذا الواقع الجديد حسبما تعكس التهديدات الغربية –الأمريكية والبريطانية والبلجيكية– الصادرة مؤخرًا بمحاكمة مستوطنين شاركوا في الاعتداء على الفلسطينيين في الضفة، وهو ما يشير إلى نية محاكمتهم كأفراد ونفي صفة التنظيم عنهم، إضافة لنفي مسؤولية حكومة الاحتلال عن هذه الهجمات. في حين لم تصدر تلك الدول تهديدات مشابهة لمحاكمة الاحتلال على الإبادة الجارية في غزة. 

قصرة وخنق قرى جنوب نابلس

لم تنتهِ هجمات المستوطنين على قصرة بقتل ستة من أبنائها في يوم واحد، كما لم تبدأ الهجمات على القرية المحاصرة بالاستيطان من ذلك اليوم، بل كانت امتدادًا لهجمات سابقة تسعى للتضييق على القرية والاستيلاء على مزيد من أراضيها. حال قصرة هو حال بقية قرى جنوب نابلس التي تصاعدت عليها الهجمات. وليسهل الاحتلال المهمة على مستوطنيه، وضع بوابات حديدية على مداخلها، للحد من فزعة القرى لبعضها البعض، وفرض عقاب على أهلها كلما قاومت أو تصدت.  

تختصر منال شحادة عبد الرازق (50 عامًا) قصة قريتها قصرة، فمنذ 28 عامًا تخوض وعائلتها مواجهة مستمرة مع المستوطنين. اعتقدت منال أن المواجهة بلغت ذروتها مع استشهاد زوجها محمود أحمد عودة برصاصهم عام 2017. إلا أن هجومهم مجددًا على المنزل في 11 تشرين الأول الماضي كان أعنف ما تتعرض له العائلة، وقد أجبرها هذه المرة على ترك المنزل الواقع شرقي قصرة، والانتقال إلى منزل نجلها في مركز القرية.

«لم يكن يمر أسبوعان أو 20 يومًا دون أن نتعرض لهجوم من المستوطنين، إلا أن هذه المرة كانت مرعبة. هجموا علينا بأعداد كبيرة وبالأسلحة.. ما حصل كان مجزرة»، تقول منال لـ«حبر». سرعان ما لبى أهالي قصرة نداء عائلة منال، واندلعت مواجهات عنيفة بين المستوطنين والأهالي، انتهت باستشهاد أربعة منهم برصاص المستوطنين والجيش. فيما أُصيب نجل منال برصاصة بوجهه، ونجت حفيدتها رهف (خمس سنوات) من رصاصة اخترقت صدرها.

يافطة بالشهداء الستة خلال الهجوم الأول والهجوم الذي تلاه أثناء التشييع. ورهف (خمس سنوات) التي نجت من هجوم المستوطنين على قصرة، ومهند أبو سرور (عودة) حاملًا صورة ابنه الشهيد حسن. تصوير شذى حمّاد.

بذلت منال وزوجها الشهيد محمود سنين عمرهم في زراعة أرضهم، الممتدة على مساحة خمسة دونمات، بنحو 600 شجرة زيتون، لم تنجُ من هجمات مستوطني بؤرة «ياش كود»، إذ قطعوا بعضها، وحرقوا بعضها الآخر، وما نجا منها لا تستطيع منال الوصول إليه اليوم مع التمدد المستمر للبؤرة الاستيطانية. تعلق منال: «وجودنا يحمي جبلًا كاملًا، ورغم ذلك صمدنا لوحدنا بأرواحنا وإمكانياتنا، ولم يساعدنا أحد من السلطة أو المؤسسات الحقوقية.. الكل خبط علينا ومشى».

تمهد هجمات المستوطنين الدائمة للإسراع في إحداث تغيير على أرض الواقع، ليس في قرية قصرة بحد ذاتها، وإنما تغيير يمهد لتقسيم الضفة. يقول رئيس بلدية قصرة، هاني عودة، لـ«حبر» إن المخطط الاستيطاني لتوسيع المستوطنات المقامة على أراضي جنوب نابلس وربطها ببعضها البعض يعني فصل شمال الضفة عن وسطها، إضافة لفصل نابلس عن امتدادها نحو الأغوار الشمالية عبر إقامة مجموعة من البؤر الاستيطانية والرعوية. 

ورغم أن الاحتلال يعمل على هذا المخطط منذ التسعينيات، إلا أنه حكومة الاحتلال الجديدة سارعت منذ العام الماضي في توسيع المستوطنات وإقامة الشوارع الاستيطانية، وهو ما تزامن مع تصعيد المستوطنين لهجماتهم وتكثيفها على قصرة التي تحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا جنوب نابلس. كان آخر هذه الاعتداءات العنيفة في 13 نيسان 2024، حيث حُرقت سبعة منازل ومزرعة دواجن وقاعة البلدية، إضافة لمهاجمة 30 منزلًا وحرق 13 مركبة، بحسب إحصائية للبلدية. 

لم يتبق لأهل قصرة، التي تمتد على مساحة تسعة آلاف دونم، سوى ثلاثة آلاف دونم من أراضيهم، إذ تصنف اتفاقية أوسلو ستة آلاف دونمًا منها كمناطق (ج)، تخضع للسيطرة العسكرية والإدارية الإسرائيلية، وقد استولى الاستيطان على معظمها. «لا يمر يوم على قصرة دون اعتداءات المستوطنين وهجماتهم. تصاعدت عربدتهم حتى منعونا من أن نصل الزيتون في شمال وجنوب القرية، وهو يعتبر مصدر الدخل الأساسي لمعظم الأهالي»، يقول عودة. 

منظر عام لقرية قصرة، وصورة من داخل القرية لمستوطنة ملاصقة لها. تصوير شذى حمّاد.

كانت قصرة من أوائل القرى التي شكلت لجنة حراسة في عام 2016 لتنبيه الناس من هجمات المستوطنين. إلا أنه بحسب عودة لم يعد للجان الحراسة فاعلية أمام تزايد هجمات المستوطنين المسلحة. «لم يعد الوضع كما السابق، المستوطنون يزدادون تسليحًا، ولا يترددون بإطلاق النار على أي شخص يقف بوجههم». يقول عودة. «لا يوجد أمام الناس إلا الصمود، ولا يوجد خيار لها إلا المقاومة. لكن الناس خائفة اليوم من المستقبل. مستقبل وجودنا أصبح مجهولًا، حتى إننا لا نعرف ما قد يحصل في اليوم التالي». 

التجمعات البدوية تحت النار 

ما بين تشرين الأول 2023 ونيسان 2024، أجبر المستوطنون 24 تجمعًا بدويًا على الإخلاء والنزوح عن أراض مصنفة (ج)، استقر بعضهم فيها منذ أكثر من 30 عامًا، حسب رصد لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو. فأمام تصعيد الهجمات وتسليح المستوطنين، لم تقوَ تلك التجمعات على الصمود أكثر. 

يقول المشرف العام على منظمة البيدر، حسن مليحات، لـ«حبر» إنه خلال السنوات السبع الأخيرة، صعّد الاحتلال من خنقه للتجمعات البدوية عبر الهدم، والمنع من البناء والتوسع وإنشاء البنى التحتية، ومنع الأهالي من رعي مواشيهم. في المقابل، كانت المستوطنات تزداد توسعًا، وتزداد الصلاحيات الممنوحة للمستوطنين في إقامة البؤر الرعوية. وفي عام 2019، أصبح هناك قفزة أخرى بالتضييق على التجمعات البدوية تزامنًا مع إعلان خطة الضم، إذ إن وجود التجمعات البدوية يعرقل من التوسع الاستيطاني إلى عشرات آلاف الدونمات المصنفة (ج). 

استغلت «إسرائيل» حربها على غزة لتسرّع سياساتها القائمة سلفًا عبر المستوطن وسلاحه، الذي يرتدي ملابس تشبه ملابس الجيش، وينصب الحواجز العسكرية، ويدقق بهويات الناس ويخضعهم ومركباتهم للتفتيش، ويصادر المواشي، ويفرض الغرامات المالية أيضًا عبر ما يسمى مجلس المستوطنات. 

إلا أنه في 15 نيسان 2024، بلغت مهاجمة المستوطنين للتجمعات البدوية ذروتها في خربة الطويل شرق بلدة عقربا، جنوب نابلس، والتي أسفرت عن استشهاد الشابين عبد الرحمن ماهر بني فاضل (30 عامًا) ومحمد أشرف بني جامع (21 عامًا). 

يقول غالب الميادمة، عضو مجلس بلدية عقربا، لـ«حبر» إن المستوطنين منذ سنوات يصعّدون من هجماتهم بغرض الاستيلاء على سهول المنطقة التي تمتد لنحو 20 ألف دونم، وأقاموا بؤرًا رعوية فيها، وأصبحوا يطلقون أغنامهم ومواشيهم باتجاه محاصيل الناس ومزروعاتهم. ويشير إلى أن الأيام التي لا يهاجم فيها المستوطنون الخربة، يهاجمها جيش الاحتلال الذي يعمل على إخلائهم بشكل مستمر بحجة تنفيذه تدريبات عسكرية في المنطقة.

واقع جديد في الضفة 

لم يعد هناك مجال للشك في أن المستوطنين فرضوا واقعًا جديدًا في الضفة الغربية. فبينما يشن جيش الاحتلال الحرب على غزة، يشن المستوطنون الحرب على الضفة، بدعم وتوجيه من دولتهم التي بثت الحكومة اليمنية الحالية الروح فيها، دافعةً نحو تسريع التوسع الاستيطاني، سواء عبر البناء في المستوطنات القائمة، أو تجهيز بنى تحتية استيطانية مثل شق الشوارع لتقطيع الضفة، وبناء بؤر استيطانية جديدة، وشرعنة أخرى قديمة. 

هذا ما عززه أيضًا نقل صلاحيات الإدارة المدنية الإسرائيلية لوزير المالية المستوطن بتسلئيل سموتريتش، والتي تضمنت المصادقة على المشاريع الاستيطانية، في اختصار للمراحل التي كان يتطلبها الإعداد لهذه المشاريع. وفي ظل هذه الصلاحيات، تمكن سموتريتش من توفير الميزانيات لبناء هذه المشاريع الاستيطانية والإسراع فيها. 

يقول سهيل خليلة، مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد أريج، لـ«حبر» إنه خلال عام 2023، صادقت حكومة الاحتلال على بناء أكثر من 24 ألف وحدة استيطانية في الضفة والقدس، إضافة لمشاريع توسيع الطرق الالتفافية، أهمها توسيع الشارع الاستيطاني رقم 60. ويضيف خليلة أن حكومة الاحتلال خصصت أكثر من ستة مليار شيقل (1.6 مليار دولار) لصالح الاستيطان، نصفها خُصص لتطوير الطرق الاستيطانية في الضفة الغربية، إضافة لشق شوارع جديدة. «الاستيطان اليوم يرسم جغرافية سياسية جديدة للضفة الغربية؛ جغرافية تتحول لأمر واقع يصعب اقتلاعه مستقبلًا»، يقول خليلة. 

ينهب الاستيطان الضفة الغربية ويغير جغرافيتها، منهيًا مسعى السلطة الفلسطينية لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، الذي ترفعه شعارًا وهدفًا. وبينما تبحث السلطة عن الاعتراف بها كـ«دولة» في الأمم المتحدة، وتقدم نفسها للاحتلال كجهة قادرة على حكم قطاع غزة بعد الحرب، يتكرر على ألسنة الناس في الضفة السؤال عن دور السلطة وأجهزتها الأمنية في كل مرة يتصدون فيها وحيدين لهجمات المستوطنين وتغولهم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية