في مستشفى حمزة: كيف يبدو المشهد في العناية المركزة؟

من قسم العناية الحثيثة في مستشفى الأمير حمزة. تصوير دانة جبريل.

في مستشفى حمزة: كيف يبدو المشهد في العناية المركزة؟

الثلاثاء 03 تشرين الثاني 2020

بعد الثامنة صباحًا بقليل، يدخل الطبيب الثلاثيني مصطفى* الأخصائي في التخدير والإنعاش، غرفة خاصة بالأطباء في الطابق الأرضي في مستشفى الأمير حمزة، تقابل إحدى أقسام العناية الحثيثة (ICU) في المستشفى

«ثمانية بثمانية بثمانية»، يقول أحد أطباء الاختصاص التخدير والانعاش موجهًا كلامه إلى مصطفى، قاصدًا يقصد وجود ثمانية مرضى بفيروس كورونا في كل قسم من أقسام العناية الحثيثة (ICU) الثلاثة الموزعة في المستشفى. وإلى جانب هذه الأقسام  الثلاث، خصص قسمان  من العناية المتوسطة (CCU)، لاستقبال الحالات الشديدة من كورونا. وتشكل أقسام العناية الحثيثة والمتوسطة معًا قسم العناية المركزة.**

سيتوزّع أطباء التخدير والانعاش الستة المخصصّون لتلك المناوبة على غرف العناية الحثيثة الثلاثة، في وقت يعمل أربعة أطباء من تخصصات الباطنية والصدرية في غرفتي العناية المتوسطة، وسيتعاملون جميعًا مع 48 مريضًا من الحالات الشديدة كانوا في كلا القسمين، من أصل 264 مريضًا كانوا في المستشفى ذلك اليوم، في منتصف تشرين الأول الماضي. كانت حينها أعداد المصابين بفيروس الكورونا في الأردن في ازدياد متواصل، لكن في الأسبوعين التاليين ستزداد أكثر، وستمتلئ بعض الأقسام في المستشفيات، ويزداد ضغط العمل. 

يرافق هذا التقرير أطباء في غرفة العناية الحثيثة في مستشفى الأمير حمزة، لمعرفة شكل العلاجات والمراحل التي يمرّ بها المرضى في غرف العناية الحثيثة.

كيف يتوزّع المرضى داخل المستشفى؟

مع نهاية تشرين الأول، وبعد ثمانية أشهرٍ على بدء انتشار جائحة كورونا في الأردن، وصلت نسبة إشغال أسرّة العناية الحثيثة في مستشفيات وزارة الصحة إلى 50% بحسب تصريحات غازي شركس، مساعد الأمين العام للرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة. بينما كان ماجد نصير مدير مستشفى حمزة قد صرّح الأسبوع الماضي قائلًا إن عدد المرضى في العناية المركّزة بلغ 70 مريضًا مطلع الأسبوع الماضي، من أصل 265 مريضًا في المستشفى، أي ما نسبته 18.5% لذلك اليوم. 

أمّا بشأن وضع المرضى في قسم العناية الحثيثة، فقد وضّح نصير في مقابلة في التاسع من تشرين الأول أن نسبة الوفيات لمن دخلوا للعناية المركزة في حمزة تراوحت بين 30-40%، فيما تراوحت نسبة الوفيات ممّن وُضعوا على أجهزة التنفس الاصطناعي بين 85-90%.

يتوزع المرضى في العناية المركزة في مستشفى حمزة في قسميْن من العناية، المتوسطة (CCU) والحثيثة (ICU). ويفصلّ البروتوكول العلاجي الأردني مراحل الانتقال لكلٍ منهما، حيث تدخل الحالات الأكثر شدة إلى العناية الحثيثة، والتي توفر أجهزة التنفس الاصطناعي النافذة، على خلاف غرفة العناية المتوسطة.

يصل المرضى إلى أقسام العناية في حمزة إمّا محوّلين من مستشفيات أخرى بعد أن ساءت حالتهم في تلك المستشفيات، أو قادمين من منازلهم بأوضاع صحية شديدة، يتم إدخالهم من الطوارئ إلى غرف العناية، أو مرضى ساءت حالتهم الصحية بعد أن تم إدخالهم إلى الطوابق العادية في المستشفى، كما حصل مع يزن (34 عامًا).

في الأسبوع الأول من الشهر الفائت، أُدخِل يزن، الذي يقول إنه غير مدخّن وغير مصاب بأيٍ من الأمراض المزمنة، إلى الطوابق العادية في مستشفى حمزة بعد أن وصف الأطباء حالته بالمتوسطة، وتستدعي إدخالًا للمستشفى. بعد يومين، انخفضت نسبة تشبع الأكسجين بالدم إلى نحو 83% كما يقول أحد الأطباء الذين تابعوا حالة يزن لحبر، وقرّر الأطباء نقلَه للعناية المتوسطة، وركّبوا له كمّامة أُكسجين تضمن إيصال هواء مشبع بنسبة 100% بالأكسجين إلى الرئة. 

وصلت نسبة إشغال أسرّة العناية الحثيثة في مستشفيات وزارة الصحة إلى 50% بحسب تصريحات غازي شركس.

وجود المريض في أيٍ من القسميْن، العناية المتوسطة أو الحثيثة، يعني قيام الكادر بإجراء فحوصات دم مستمرّة له على مدار اليوم، ومراجعة مستمرة من الطبيب المختص، للتأكد من غازات الدم والتجلط والتميّع وسرعة التنفس ونسبة الأكسجين في الدم. 

تتدرج أجهزة الأكسجين للمرضى، حسب البروتوكول الأردني، من كمامة أكسجين التي يستخدمها يزن مرورًا بأجهزة التدفق العالي والتنفس الاصطناعي غير النافذ. وصولًا نهاية إلى جهاز التنفس الاصطناعي النافذ، الذي يستلزم تخدير المريض بالكامل كي لا يبدي أي استجابات تجاه الأنبوب الرغامي الواصل من الفم الى القصبات الهوائية، كأن يحرّك الأنبوب أو يعضه كما يشرح مصطفى.

لم يتمكن يزن من الحركة في اليومين الأولين، بسبب آلام العضلات وعدم القدرة على التنفس بدون الكمامة، لاحقًا مدّد الأطباء وصلات إضافية للكمامة لمساعدته على الذهاب إلى الحمام، وأصبح المريض أكثر تقبلًا للغرفة وللأسلاك الملتصقة بصدره لقياس المؤشرات الحيوية، وتصالحَ مع النوم على جانب واحد أو على ظهره، «المهم صرت أعرف أنام» يقول.

كيف يعمل الأطباء في غرف العناية الحثيثة؟ 

من بين المرضى في العناية الحثيثة، كان هناك محمد،* وهو ستينيّ مريضٌ بالضغط والسكري، وأدخِل إلى العناية الحثيثة بعد تضاعف الالتهابات الرئوية التي أصيب بها بسبب الكورونا قبل خمسة أيام، ووضع على أحد أجهزة التنفس الاصطناعي النافذة. كان من مهام مصطفى وزملائه القيام بأولى محاولات «الفطام» لذلك المريض عن جهاز التنفس، بعد تحسّن مؤشراته الحيوية، واتخاذ قرار بجعله يتنفس مجددًا من رئتيه. 

في اليوم الثاني من مناوبة مصطفى، كان محمد ما يزال لا يبدي أي استجابات، بعد أن قام الأطباء بوقف أدوية المخدر لجعل الرجل يعود للوعي تمهيدًا لسحب الأنبوب الرغامي من جوفه. 

في حال أبدى محمد استجابات تدلّ على استعادته الوعي، كحركة في اليدين أو العينين مثلًا، فإن ذلك يعني بأن طبيب التخدير والإنعاش يجب أن يبقى جالسًا لساعتين على أقل تقدير بجانبه لمراقبته، وذلك للتصرف مع استجاباتٍ قد يقوم بها المريض تجاه الأنبوب، قد تتطلّب تدخلًا سريعًا. وفي حالة الكورونا، لا يمكن لذلك أن يحدث دون بقاء طبيب الاختصاص جاهزًا بالبدلة الواقية من الكورونا داخل الغرفة وبجانب المريض، يقول مصطفى، لأن الوقت المُستغرَق لارتداء البدلة قد يصل إلى عشرة دقائق، وهي مدة طويلة في حال احتاج مريضٌ في مرحلة الفطام لتدخل سريع من طبيب التخدير والعناية.

تتوزع غرف العناية الحثيثة الثلاثة في حمزة على ثلاثة طوابق، تضم في المجموع 37 سريرًا، إذ تحتوي الأولى على 16 سريرًا، والثانية افتتحت مؤخرًا وبداخلها 11 سريرًا، والغرفة الثالثة هي غرفة الكوفيد ذات الضغط السالب، والتي خُصّصت لاستقبال مرضى الكورونا مع تخصيص مستشفى حمزة لاستقبال الحالات في آذار، وتحتوي على عشرة أسرة، وسميت بغرفة الضغط السالب لأنها تقوم بشفط الرذاذ الصادر عن المرضى لحماية الكوادر الصحية. لاحقًا، ومع تزايد أعداد المرضى صار بالإمكان استقبال المرضى في قسمي العناية الأخرى، وهو إجراء لا يتنافى مع إرشادات منظمة الصحة العالمية.

يشرف على أقسام العناية الحثيثة في حمزة 12 طبيبًا اختصاصيًا في التخدير والإنعاش، بعضهم التحق بالمستشفى خلال الجائحة قادمًا من مستشفيات حكومية أخرى، وتم نقله لحمزة لتعزيز الكوادر، وبعضهم تمتد خبرته في حمزة لسنوات. بحسب مديرة الاختصاص في وزارة الصحة إسراء الطوالبة، فإن أطباء العناية الحثيثة والتخدير يشرفون على أقسام العناية الحثيثة لغياب تخصص أطباء العناية المركزة في الوزارة. 

يتقسّم الأطباء على مناوبتين، تغطي المناوبة الأولى أربعة أيام في بحر الأسبوع، فيما تغطي المناوبة الثانية ثلاثة أيام في نهاية الأسبوع. ويعمل في كل مناوبة ستة أطباء اختصاصيون، بمعدل طبيبين لكل غرفة من غرف العناية الحثيثة الثلاث، أي ما يتراوح بين خمسة وثمانية مرضى لكل طبيب مختص في حالة امتلاء القسم. كما يعمل في كل مناوبة 12 طبيبًا مقيمًا من كبار وصغار المقيمين، بنظام مناوبات يضمن وجود اثنين في كل قسم عناية كل يوم. ويغطي الأطباء المقيمون الفترات الليلية، مع بقاء أطباء الاختصاص على استعداد دائم (on call). 

ويعمل في الأقسام ذاتها بين خمس وست ممرضين في كل منها، بمعدل يتراوح بين 3.2 و1.6 مريض لكل ممرض في حالة امتلاء القسم. وتختلف المعدلات حسب أعداد المرضى في الأقسام أو حدوث إصابات بين الكوادر التمريضية، ما يؤدي إلى الحاجة لتعويض النقص في بعض الأفرقة. 

توضح طوالبة أن كبار المقيمين، أو المقيمين المؤهلين كما تعرّفهم الوزارة، هم من المقيمين الذين اجتازوا امتحان الجزء الأول من البورد الأردني، وأنهوا أربع سنوات في برامج الاقامة. يقول رئيس جمعية أطباء التخدير والانعاش في وزارة الصحة إن أولئك الأطباء قادرون على التعامل مع أقسام العناية الحثيثة بعد عملهم فيها لسنوات خلال برامج الإقامة.

أمّا قسما العناية المتوسطة، فيضمان بالمجموع 48 سريرًا على الأقل، فيشرف على كل قسم منهما اثنان من أطباء الاختصاص في الباطنية والصدرية، بحسب طبيب اختصاصي في القسم، بمعدل طبيب لكل 12 مريضًا في حال امتلاء القسم، وهو أكثر من ضعف المعيار في الدليل الإرشادي الذي يحدد طبيب لكل خمسة. كما يعمل في العناية المتوسطة 16 ممرضًا بنظام المناوبات، بحيث يعمل في كل قسمٍ أربعة إلى ستة ممرضين، بمعدل يتراوح بين أربعة إلى ستة مرضى لكل ممرض في حالة امتلاء القسم. 

ويبلغ عدد أطباء التخدير والانعاش المسجلين في نقابة الأطباء 676 طبيبًا، لكنه عدد غير محدث بشكل مستمر، بحيث قد يشمل أطباءً لم يعودوا داخل الأردن. لكن جمعية أطباء التخدير والانعاش في وزارة الصحة تقول إن عدد الأطباء يصل حوالي 600 طبيب، منهم 76 طبيبًا في مستشفيات وزارة الصحة بحسب الطوالبة.

خلال أشهر الجائحة، اختلفت الأدوار والمسؤوليات الملقاة على عاتق الأطباء في مستشفى حمزة، فبينما كان أطباء التخدير والإنعاش، قبل الجائحة، يعملون في غرف العمليات الجراحية، صاروا في بداية أشهر الجائحة، ومع تخصيص مستشفى حمزة للكورونا، يشرفون على أقسام العناية الحثيثة، ويعملون إلى جانب أطباء الباطنية والصدرية في أقسام العناية المتوسطة.

ومع تزايد الأعداد منذ آب الماضي، تغيّر توزيع العمل بحيث يعمل أطباء التخدير والإنعاش في قسم العناية الحثيثة فقط، وأطباء الباطنية والصدرية في أقسان العناية المتوسطة. وخلال الأسبوعين الأخيرين، عززّت إدارة المستشفى قسم العناية الحثيثة بطبيبين من الباطنية والصدرية، وعوّضت قسم العناية الحثيثة بطبيبين من أطباء الطوابق العادية.

يقول دليل إرشادي غير منشور صدر عن مجلس اعتماد المؤسسات الصحية، وهي مؤسسة مستقلة غير ربحية، إن نسبة أطباء الاختصاص للمرضى في قسم العناية المركزة يجب أن تكون بحدود 1:5، كما يشرح عمر الطراونة المستشار المعتمد في المجلس لحبر. في حين تحدّد ورقة صادرة عن المجلس التمريضي الأردني الحد الأدنى الموصى به من نسبة الممرضين للمرضى في أقسام العناية الحثيثة بـ1:2، مقابل 1:3 في أقسام العناية المتوسطة.

يقول الطراونة تعليقًا على أعداد الأطباء للمرضى إن وجود 10 أطباء اختصاص للعناية بخمسين مريضًا يشكّل تطابقًا نظريًا للنسبة، لكنّه يعتمد على توزيع الأطباء داخل نفس الأقسام التي تتباين بأعداد أسرتها. ففي حال امتلاء أسرة العناية الحثيثة في حمزة بالمرضى، قد يتجاوز معدل المرضى لكل طبيب اختصاص الحد الموصى به. في حين تشهد الطواقم التمريضية نقصًا أوضح في الأعداد بحسب المعايير، في ظل تزايد أعداد المرضى في أقسام العناية الحثيثة وبقاء أعداد الممرضين ثابتة، بحسب ما يؤكد ممرّضون في مستشفى حمزة لحبر، بالإضافة إلى وجود إصابات بين الطواقم التمريضية. 

يرتدي مصطفى الملابس اللازمة للوقاية من العدوى على باب الدخول لغرفة المرضى، غطاءين للجسم، ومثلهما للرأس والقدمين، إضافة لكمامتين ونظارة شفافة تغطي الوجه كاملًا، وقفازين، ويدخل من باب من غير المسموح أن يخرج منه، بعد تخصيص مناطق دخول وخروج على باب الغرفة ووضعت أمامه سلة قمامة كبيرة لخلع الملابس، التي تخضع لآلية محددة أيضًا لضمان عدم اختلاط الملابس الملوثة بالنظيفة.

يشرح الممرّض الثلاثيني سالم* ما يشعر به خلال ارتداء البدلة اللازمة للوقاية من العدوى: «ما في مُتَنَفّس، الهوا الي بتطلعه بتتنفسه، الرؤية بتصير سيئة، البدلة حامية، حرارة، تعرّق، جوا الوضع بكون سيء (..) بنحس حالنا رح نختنق». 

لا يحتمل سالم البدلة لأكثر من ساعتين كما يقول، ويحتاج بعدها لوقت من الراحة والتنفس، يكون خلالها قد قام «بالتشييك» على المرضى، مع استمرارية التناوب بين الممرضين في الدخول للغرفة طوال فترة المناوبة بحسب ما يؤكد. يقول دليل مجلس الاعتماد إنه يجب على الممرضين القيام بجولة على المرضى لأخذ العلامات الحيوية للمرضى مرّة في الساعة، وأخذ بعض العينات المخبرية كل ساعتين، كذلك تغيير وضعية المرضى المنوّمين مرة كل ساعتين، مع وجود استراحة للممرضين مرّة كل أربع ساعات.

يختلف شكل الرعاية بالنسبة لسالم من مريض منوّم لآخر مستيقظ. يقول إن التعامل مع المرضى المنوّمين يصبح أصعب ويتطلب وقتًا أطول، نظرًا للمهام التي على الممرض القيام بها من متابعة تغذية المريض وتقليبه لمنع تشكّل التقرحات والقيام بباقي المهام دون أي مساعدة من المريض. 

يقول سالم إن ضغط العمل على الممرضين كبير، نظرًا لأعداد المرضى المتزايد في غرف العناية الحثيثة. بحسب الطراونة فإن أي نقص في تركيبة الكوادر داخل غرف العناية يؤدي الى قيام كوادر أخرى بمهام ليست ضمن مهامها، فمثلًا سيقوم الأطباء بمهام الممرضين في حال نقصهم، وسيقوم الممرضون بتنفيذ توجيهات الأطباء عن بعد عبر التواصل الهاتفي مثلًا، ما يشكّل ضغطًا على الأفرقة كلها ويؤثر في مستوى الرعاية الطبية ودقة تقديمها.

الأحد الماضي، أعلن الدكتور وائل الهياجنة، مسؤول ملف كورونا في وزارة الصحة، عن فتح الإعلان عن الحاجة لأطباء من تخصصات مختلفة، ولكوادر تمريضية وفنيي تنفس، دون توضيح أعداد أو مواعيد التعيينات.

في الأيام الماضية أدت إصابات بين الممرضين في مستشفى حمزة إلى حصول نقص بأعداد الكواد، دون أن تسجل أي من الحالات المصابة مضاعفات في الأعراض. ويكتفي المصابون بالعزل المنزلي لغاية الآن كما يقول الأطباء المتحدثون لحبر. وفي الشهر الفائت سُجلت إصابة واحدة بين الأطباء العاملين في حمزة، وخضعت لعزل منزلي قبل استئناف العمل مجددًا قبل أسابيع.

بعد نحو 40 دقيقة داخل غرفة العناية الحثيثة، يخرج مصطفى من الغرفة، في جولة مرّ خلالها على كل المرضى لمتابعة أوضاع أجهزة التنفس والأنابيب الموصولة لهم للتغذية. ومع فشل المحاولة الثانية لإعادة الوعي لمحمد، يُقرر مصطفى تخديره مجددًا والعودة لاستشاريّ العناية الحثيثة في المستشفى لاتخاذ قرار جماعي حول موعد وإجراءات المحاولة الثالثة.

مع تزايد الإصابات، تزايد في الوفيات

مساء ذلك اليوم من مناوبة مصطفى، توفي محمد. ليكون واحدًا من تسع وفيّات شهدها مستشفى حمزة ذلك اليوم. يقول أطباء في العناية الحثيثة في حمزة إنه وبعد تزايد الحالات منذ شهر آب، لم يستيقظ أي مريض موضوع على جهاز تنفس اصطناعي نافذ. 

تبلغ نسبة الوفيات في الأردن نحو 1.14% من مجمل الإصابات، حتى الأول من تشرين الثاني. وبلغ عدد الوفيات حتى الثاني من تشرين الثاني ما مجموعه 913 ، أي ما يعادل 91.6 وفاة لكل مليون نسمة من سكان الأردن. ولم يجب الهياجنة أو نصير عن أعداد الوفيات والإدخالات لأقسام العناية الحثيثة في أسئلة حبر. 

تقول دراسة صادرة عن المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية التابع لمعاهد الصحة الأمريكية وتحلل نتائج سبع عشرة دراسة أخرى أجريت على 2486 مريضًا في خمس دول، وصدرت في آب الماضي، إن ربع المرضى الذين دخلوا المستشفيات احتاجوا للعناية الحثيثة، واحتاج سدسهم (16%) إلى أجهزة تنفس اصطناعية نافذة، وسدس آخر توفي. 

أمّا المرضى الذين دخلوا للعناية الحثيثة، فتقول الدراسة أن ثلثيهم احتاجوا للتنفس الاصطناعي النافذ، وثلاثة أرباعهم كانوا يعانون من متلازمة ضيق التنفس الحادة، وبلغت نسبة الوفاة في العناية الحثيثة 40%، ونسبة الوفاة للمرضى على جهاز التنفس 59%، ونسبة الوفاة بين المرضى المصابين بالتهابات رئوية بلغت 45%.

يقول مصطفى إن أحد أسباب تزايد نسب الوفيات هو وصول المرضى في مراحل متأخرة للمستشفى، مما يصعّب على الأطباء عملهم ويقلل من نسب الشفاء.

يروي مصطفى قصة سيدة وصلت قسم العناية الحثيثة في حمزة، بعد عشرة أيّام على إصابتها وعزلها منزليًا. في المستشفى يوضح مصطفى تم وضعها على أحد أجهزة التنفس غير النافذة. ويقول إنها «صبرت على حالها كثير»، حيث لم تراجع المستشفى رغم شعورها بارتفاع درجات الحرارة والكحة وضيق النفس.

يربط فراس الهواري، المختص بالأمراض الصدرية وعضو لجنة الأوبئة، بين زيادة أعداد الوفيات وأعداد الكوادر وكفاءاتها في المستشفيات، التي يقول إنها بحاجة إلى تدريبات وتأهيلات طويلة المدى تمتد لسنوات. يقول الطراونة إن تحسين الرعاية الصحية المقدمة، وتقديمها في الوقت المناسب سيزيد من نسب شفاء المرضى.

قبل نحو ثلاثة أشهر، بدأ المجلس الطبي الأردني في دراسة فتح تخصصات العناية المركزة بالأردن. يقول محمد العبداللات أمين عام المجلس لحبر بإن اللجان المشكلة لدراسة التخصص انتهت بتوصية فتح برنامجٍ تدريبي لمدة عامين، موجّه لتدريب الأطباء في تخصصات التخدير والإنعاش، والباطنية، والجراحة، والأطفال لتدريبهم على للعناية المركزة.

في حين يقول عزمي محافظة، عضو لجنة الأوبئة وعضو المركز الوطني للسيطرة على الأوبئة، إن النقص الشديد في المعلومات حول أعمار الوفيات والأمراض، يمنعه من إبداء الرأي حول أسباب تزايد الأعداد وتحليلها. 

بعد عشرة أيام على دخوله العناية المتوسطة، تحسنت حالة يزن، وبدأ في تمرينات تساعده على التنفس من رئتيه. استمرت التمارين وتحسنت حالة يزن لخمسة أيام. وخرج بعدها إلى الحجر المنزلي مع توصيات وإرشادات من الطبيب، ووصفة أدوية.

بعد خروجه من المستشفى بأسبوع، أصيب يزن بآلام وانتفاخ في قدمه، تبين لاحقًا أنها جلطة دموية أصابت قدمه. يقول طبيبه المشرف إن حدوث مضاعفات هو أمر وارد، ما يدفع الأطباء للتشديد على ضرورة استمرار العلاج بعد الخروج من المستشفى. 

نجا يزن من الجلطة بعد زيادة عيار أدوية المميع كما يقول. وفي نهاية الأسبوع أنهى الحجر المنزلي وعاد لحياته الطبيعية ولعمله في مركز التربية الخاصة الذي يعمل فيه، بعد غياب امتد لما يزيد عن شهر قضى نصفه في العناية المركزة. 


* اسم مستعار.

** تدخل الحالات المؤكدة المتوسطة الشدة إلى الطوابق العادية في المستشفيات، أمّا الحالات الشديدة فتدخل إلى وحدات العناية المتوسطة أو وحدات العناية الحثيثة. أمّا الحالات الحرجة فتدخل إلى وحدات العناية الحثيثة.بحسب البروتوكول العلاجي الأردني.

في مستشفى حمزة خصصت أقسام العناية القلبية (CCU) كوحدات للعناية المتوسطة، وتظهر أرقام المستشفى وتصريحات إدارته احتساب كل المرضى في العناية المتوسطة والحثيثة بصفتهم مرضى في العناية المركزة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية