صور | «بلسم» لأوجاع النازحين

الممرضة المتطوعة بلسم البغدادي في غرفة بمدرسة هارون الرشيد في خانيونس. تصوير محمد الزعنون.

صور | «بلسم» لأوجاع النازحين

الخميس 30 تشرين الثاني 2023

في مدرسة هارون الرشيد في خانيونس جنوب قطاع غزة، تستيقظ بلسم البغدادي (22 عامًا) في غرفة تضم 56 شخصًا آخرين. تتوضأ وتصلي، ثم ترتدي معطفها الأبيض لتبدأ بعدها بقليل «دوامها» كممرضة متطوعة لمصابي ومرضى المدرسة التي تضم حوالي 2600 نازحًا ونازحة. بات هذا روتينها اليومي منذ أن نزحت إلى المدرسة مع أسرتها المكونة من ثمانية أفراد، و24 آخرين من عائلتها الممتدة.

نزحت الأسرة التي تسكن منطقة المنصورة في حي الشجاعية بدايةً إلى مجمع الشفاء، لكن مع اشتداد القصف في محيط المجمع، اضطرت للنزوح مجددًا عبر طريق خطرة، مشت نصفها سيرًا على الأقدام. وبعد جولة على عدة مدارس في الجنوب لم تجد فيها متسعًا لها، وصلت الأسرة أخيرًا لمدرسة هارون الرشيد، التي كانت حينها لم تبدأ بعد باستقبال النازحين. أما من بقي في مدينة غزة من الأقارب، فالتواصل معهم مقطوع في ظل سوء الاتصالات.

سرعان ما اكتظت المدرسة بالعائلات الوافدة إليها، لتتقاسم عائلة بلسم الممتدة البالغة 32 شخصًا غرفة صفية تقارب مساحتها ثلاثين مترًا مع 25 آخرين من الجيران والمعارف. وفي ظل انقطاع الكهرباء، وشح الأكل والمياه الصالحة للشرب، وتلوث ما توفر من مياه، بدأت الأمراض تنتشر في المدرسة، خاصة بين الأطفال، فضلًا عن وصول بعض الجرحى من مصابي الحرب.

عندها، بادرت الممرضة الشابة لمباشرة عملها. «أنا تطوعت من نفسي. بحبش أشوف حدا بده إشي وأنا ما ساعدته. هاد تخصصي وشغلي».

تقول بلسم إنها تتعامل يوميًا مع حالات عديدة، خاصة بين الأطفال، من المغص والصداع والنزلات المعوية والإسهال وارتفاع الحرارة والحكة، «كل المدرسة تقريبًا بتشكي من هاي الأشياء». لكن شح الأدوية يجعل قدرتها على العلاج محدودة جدًا. «في فيروس منتشر بين الأطفال، بس فش أدوية بالمرة، بنقدرش نعالجهم». كانت بلسم تشتري على حسابها ما توفر في الصيدلية من مسكنات بسيطة وتوزعها على المرضى، إضافة للشاش لتغيير ضمادات الجرحى، خاصة من تعرضوا للحروق. وفي الآونة الأخيرة، استطاعت توفير جهاز لفحص الضغط وآخر لفحص مستوى السكر في الدم، حتى تستطيع متابعة بعض أصحاب الأمراض المزمنة، خاصة الكبار في السن.

أخذت بلسم حب التمريض منذ صغرها من جدها الذي عمل ممرضًا في وزارة الصحة الفلسطينية لأكثر من 40 عامًا. «كانت بنت بنتي دايمًا تشوف شغلي وتساعدني، وهي حبّت هذا الشغل فأنا نصحتها فيه»، يقول حسّان عبد الرحمن. «جابت مجموع في الثانوية ودخلت تمريض، والحمد لله هيها ممتازة وبتخدم، واقفة مع الشعب وما شاء الله عليها». 

لجأ حسّان مع أسرته منذ بداية الحرب من بيت لاهيا، إلى مخيم جباليا، إلى النصيرات، ليصل أخيرًا مع بقية عائلته الممتدة إلى خانيونس. يقول إنه كان على رأس عمله ممرضًا خلال الانتفاضتين الأولى والثانية وكل حروب غزة التي تلت، قبل أن يتقاعد منذ بضعة سنوات. لكنه يرى أن الأوضاع لم تكن يومًا بالصعوبة التي يشهدها اليوم. وفضلًا عن فرادة هذه الحرب عن سابقاتها من حيث حجم الدمار وعدد الشهداء والجرحى، يقول حسّان إن هذه الحرب مختلفة لإنه اعتاد حضور الحرب من المستشفيات. 

فيما تستمر بلسم في محاولة تقديم العلاج للمرضى والجرحى في المدرسة، تنخرط أسرتها كبقية النازحين في سعي مستمر لتأمين أبسط الاحتياجات اليومية. «بصعوبة بنلاقي الخبز أو الطحين. بنطلع من الفجر على المخبز نقعد للساعة 12، ومرات للعصر، حتى نجيب نص ربطة. كل واحد بطلع له نص خبزة»، تقول بلسم. وبينما انقطعت الكهرباء بشكل تام، تصل المياه غير الصالحة للشرب مرة كل يومين، ويعمل النازحون على جمعها فيما توفر من دلاء.

تتنقل بلسم يوميًا بين الغرف الصفية والخيم المحيطة في ساحة المدرسة لتقديم العلاج للنازحين.

بعد أن تمكنت من توفير جهاز لقياس الضغط، باتت بلسم تجري جولات يوميًا على النازحين خاصة المصابين بأمراض مزمنة وكبار السن.

تنتشر في المدرسة الكثير من الأمراض المعدية، خاصة بين الأطفال. ولا تستطيع بلسم أن توفر لهم أكثر من المسكنات البسيطة.

كان حسّان عبد الرحمن، جد بلسم لأمها، هو من شجعها على دراسة التمريض، بعدما رافقته في صغرها حين عمل ممرضًا لأكثر من 40 عامًا.

الغرفة الصفية التي باتت مسكنًا لـ57 شخصًا، وقد قسمت بستارة بين عائلة بلسم الممتدة وعائلات أخرى من جيرانهم ومعارفهم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية