«دلتا» في الأردن: إصابات أقل، نسب إدخال للمستشفيات أعلى

عامل صحي يجهز جرعة لقاح ضد فيروس كورونا في مركز صحي بالمفرق، 18 كانون الثاني، 2021. تصوير خليل مزرعاوي، أ ف ب.

«دلتا» في الأردن: إصابات أقل، نسب إدخال للمستشفيات أعلى

الإثنين 23 آب 2021

مرّ الأردن بموجتي كورونا، بدأت الأولى في أيلول العام الماضي ووصلت ذروتها في تشرين الثاني، ثم انخفضت أعداد الإصابات في الشهرين التاليين. وما كادت الموجة الأولى تنتهي حتى بدأت الثانية في شباط الماضي وبلغت ذروتها في آذار، الذي سُجّلت فيه أعلى حصيلة إصابات منذ دخول الوباء، ثم انتهت هذه الموجة في حزيران، عندما وصلت أعداد الإصابات إلى أدنى حصيلة شهرية مسجلة منذ الموجة الأولى.

مع نهاية حزيران، لاحظ عاملون في القطاع الصحيّ إصابة فئات عمرية أصغر سنًا، بالإضافة إلى أعراض جديدة صارت تظهر على المصابين.

تتوافق شهادة مدير مستشفى عمان الميداني خلدون خضر مع شهادة مدير مستشفى إربد الميداني عماد أبو يقين حول وجود إدخالات أكثر من الفئة العمرية الأصغر التي تضمّ الشباب والأطفال، مقارنةً بإصابات الموجتين السابقتين. يقول خضر إن مصابين بفيروس كورونا ضمن الفئة العمرية بين 14 و18 عامًا صارت حالاتهم الصحيّة تتطلب الدخول إلى المستشفيات بشكل أكبر من السابق، «الأعمار هاي ما كانت تدخل بكميات، صرنا نلاحظ دخول المرضى بأعمار أصغر من المتوقع».

كانت هذه إحدى التغيّرات التي فرضها المتحور الجديد «دلتا»، الذي أعلن وزير الصحة فراس الهوّاري عن اكتشاف أول ثلاث إصابات به في الأردن في الأوّل من أيار الماضي، ومع أواسط تموز أعلن الهوّاري أن متحور دلتا هو السائد في الأردن، وهو متحوّر اكتُشف لأول مرة في الهند خلال موجة إصابات غير مسبوقة هناك في شهري نيسان وأيار الماضيين، ويعدّ أكثر عدوى بحوالي 50% من المتحور السابق له والمسمّى ألفا، والذي يعدّ بدوره أكثر عدوى بـ50% من فيروس كورونا الأصلي الذي ظهر لأول مرة في الصين عام 2019.

وبحسب خضر، فإن الحالة المرضية للمصابين بدلتا في مستشفى عمان الميداني تطوّرت بسرعة، من ذلك ظهور الالتهاب الرئوي الحاد بعد سبعة أيام من الإصابة بدلًا من عشرة. كما لاحظ عاملون في مجال الرعاية الصحية ممن يتعاملون مع مرضى كورونا في المنازل استمرار ارتفاع درجات الحرارة لمدة أطول من الإصابات السابقة، وعدم استجابة بعض الحالات لخافضات الحرارة.

تقول الطبيبة لارا حجّاج، التي تعمل مع إحدى شركات الرعاية الصحية التي تقدم خدماتها في المنازل إن عَرَض ارتفاع درجات الحرارة بين المصابين الذين تعاملت معهم يزداد حدة. «قبل كانت الحرارة أخفّ (..) حاليًا الحرارة كثير مزعجة (..) بالوضع الجديد في ثلاثة إلى أربعة أيّام مستمرة [الحرارة] جدًا عالية، مع إنهم بياخدوا خوافض الحرارة كل أربع ساعات بانتظام»، في حين كانت درجة الحرارة للمصابين سابقا تنخفض لمدة 12 إلى 16 ساعة قبل أن تعاود الارتفاع.

مع دخول تموز، بلغت نسبة المصابين بمتحور دلتا في الأردن 90% من مجمل الإصابات، كما يقول أمين عام وزارة الصحة لشؤون الأوبئة عادل البلبيسي لـ«حبر».

من جديد، بدأت الأعداد بالارتفاع في هذا الشهر بعد استقرارها في حزيران، وتضاعفت أعداد الإصابات في الأسبوع الأخير من الشهر (24-30 تموز) عن الأسبوع الذي قبله (17-23 تموز)، وشكلت الأسابيع الثلاثة (24 تموز- 13 آب) بداية موجة ثالثة كما يقول عضو لجنة الأوبئة بسام حجاوي لـ«حبر».

عزا الهواري، في حديث للتلفزيون الأردني، ارتفاع الإصابات إلى فتح القطاعات والحدود وعودة المغتربين، وتوقع ارتفاعاتٍ أخرى في الإصابات. وكانت الحكومة بين شهري نيسان وآب قد سمحت بفتح الحدائق العامة، ورفعت السعة المقعدية لوسائط النقل العام، وفتحت حدود جابر قبل أن تغلقها بسبب تطورات الحالة الأمنية في الجانب السوري، كما عاد المغتربون في عيدي الفطر والأضحى للبلاد، وعادت جماهير كرة القدم إلى الملاعب.

ارتفعت أعداد الإصابات في الموجتين السابقتين بشكل مضاعف من شهر لآخر، وانخفضت بشكل مضاعف شهريًا كذلك بعد وصول الموجة إلى ذروتها. أما في هذه الموجة، فقد ارتفعت أعداد الإصابات الشهرية لكن ليس بشكل مضاعف، إنما في زيادة أقل منها في الموجتين السابقتين؛ إذ سجّل في حزيران ما يقرب من 15 ألف إصابة، فيما سُجل في تموز حوالي 19 ألف إصابة. بالمقابل، عندما انتهت الموجة الأولى في كانون الثاني الماضي كان عدد الإصابات قد وصل قرابة 32 ألف إصابة، وتضاعف عدد الإصابات في الشهر الذي يليه عند دخول الموجة الثانية مسجلًا أكثر من 64 ألف إصابة.

يرجع حجاوي سبب عدم ارتفاع الإصابات بشكل كبير، رغم وجود متحوّر دلتا سريع الانتشار وفتح القطاعات، إلى عاملين هما عدد الإصابات السابقة التي وفرّت مناعةً طبيعية للمصابين السابقين، وحملة التطعيم التي وصلت نهاية حزيران إلى 1,378,000 ملقّح بجرعتين.

المناعة واللقاحات في مواجهة متحور دلتا

أظهرت دراسة حديثة أعدها مركز الحسين للسرطان، حول المناعة المجتمعية ضد كوفيد-19، أن 74% من حجم العينة البالغ 530 شخص يحملون أجسامًا مضادّة لفيروس سارس-كوف-2. وتعتبر الدراسة هذه النسبة مؤشرًا على أن المجتمع حقق «معدلًا كبيرًا من مناعة القطيع»، لكنها تضيف أن هذه النسبة غير كافية بعد للحد من انتقال العدوى.

يقول معدّ الدراسة، رئيس قسم المختبرات وعلم الأمراض في مركز الحسين للسرطان، ماهر الصغيّر لـ«حبر»، إن تحقيق هذه المعدلات العالية من تشكيل الأجسام المضادة يعود إلى زيادة أعداد الملقحين وارتفاع أعداد من أصيبوا سابقًا بالفيروس. وتوضح الدراسة أن 30% ممن ظهرت لديهم أجسام مضادة لم يأخذوا اللقاح، كما لم تُسجّل إصابتهم بكورونا سابقًا، وهو ما يفسّره بأن هؤلاء الأشخاص أصيبوا ولم تظهر عليهم أعراض الإصابة أو لم يقوموا بإجراء الفحص، في حين بلغت نسبة الملقحين ممن ظهرت لديهم الأجسام المضادة 61%.

يرى الصغيّر أن ارتفاع نسب المناعة المجتمعية ساعد في عدم تسجيل ارتفاع «حاد» في الإصابات وفي نسب الفحوصات الايجابية، رغم التوسع في فتح القطاعات في حزيران وتموز وتزايد الاختلاط بين الناس.

حتى بداية آب، كان 85% من المرضى في قسم العناية الحثيثة في مستشفى عمان الميداني ممن لم يتلقوا اللقاح، أو تلقوا جرعة واحدة منه فقط، أو تلقوا جرعتين ولم يمض وقت كافٍ على أخذهم الجرعة الثانية.

بدأت حملة التطعيم في الأردن يوم 13 كانون الثاني الماضي، مع توقعات بوجود حماية مرتفعة توفرها اللقاحات على اختلاف أنواعها، وصلت الحماية التي يوفرها لقاح سينوفارم مثلًا إلى 86% ضد دخول المصابين إلى المستشفيات بحسب اختبارات المرحلة التجريبية للقاح بدايات العام الجاري، والتي شارك فيها الأردن بـ470 عيّنة، كما يقول المشرف على التجارب ومدير مستشفى حمزة السابق ماجد نصير. لكن التوقعات انخفضت نسبيًا بحسب دراسات في دول أخرى.

يقول نصير إن كلّ اللقاحات ما زالت قادرة على مواجهة المتحوّرات رغم أن نسبة الإصابة أعلى مما كانت عليه قبل ظهور المتحورات. فيما يقول البلبيسي إن نسبة الحماية ضد دلتا تبلغ في الأردن 85% ضد إدخالات المستشفيات والعناية الحثيثة والوفاة.

حتى بداية آب، كانت نسبة  85% من المرضى في قسم العناية الحثيثة في مستشفى عمان الميداني ممن لم يتلقوا اللقاح، أو تلقوا جرعة واحدة منه فقط، أو تلقوا جرعتين ولم يمض وقت كافٍ على أخذهم الجرعة الثانية (الذي يقدر بـ14 يومًا لإنتاج أجسام مضادة للفيروس)، بحسب مدير المستشفى خلدون خضر.

يقول خضر عن المتواجدين في العناية الحثيثة ممن أخذوا جرعتين من اللقاح: «قليل جدًا، وبكون في أسباب أخرى [لدخولهم العناية]، ما هو مريض الكورونا بكون عنده مشاكل صحية أخرى».

خارج المستشفيات، تقدّر حجاج من خلال معالجتها مرضى كورونا في بيوتهم، أن العدوى بين أفراد العائلة التي حصل أفرادها على جرعتي لقاح أقل من تلك التي لم يأخذ أفرادها أي جرعة. وأفاد أربعة أشخاص قابلتهم «حبر» ممن تلقوا جرعتين من لقاحات سينوفارم أو فايزر، وأصيبوا بالفيروس بين أيار وآب، أن أحدًا من أفراد عائلاتهم لم يصب بالعدوى جرّاء مخالطتهم.

تقول هدى جاد الله (68 عامًا) إنها كانت تلقت جرعتين من لقاح سينوفارم بين أواخر شباط وأوائل آذار، وأصيبت بعد يوم من تلقي زوجها الجرعة الثانية من لقاح سينوفارم. «ما عزلت لإنه أنا واياه لحالنا بالبيت»، تقول جاد الله، لكنه زوجها لم يصب بالعدوى رغم ذلك.

لا تعاني جاد الله من أمراض مزمنة كالسكري أو الضغط. عند ظهور أعراض كورونا عليها، ظنّت أنها أعراض إنفلونزا، وكانت حينها ترافق زميلة لها بسيارتها يوميًا من بيتها إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن، «وتقعد حدّي، والله ما انصابت»، تقول جاد الله.

يقول البلبيسي إن تلقي اللقاح لا يعني عدم الإصابة بالمرض، لكن في حال التعرض له فإن المرض يكون أقل حدّة، «وبتخليهوش يدخل مستشفى، وإذا دخل بتقلل نسبة الوفاة». ورغم أنه لم يقدم نسبًا محددة إلا أنه أكد أن اللقاحات قد «قللت نسبة العدوى، وقللت الإدخال للمستشفيات، وقللت نسبة الوفيات والعناية الحثيثة». 

ترقّب المرحلة المقبلة

تلقى أكثر من ثلاثة ملايين و321 ألف شخص الجرعة الأولى من لقاح كورونا، فيما بلغ عدد متلقّي الجرعة الثانية أكثر من مليونين و686 ألف حتى 20 آب الجاري، وزاد عدد الإصابات المسجلة عن 788 ألف.

وقد تضاعفت في الموجة الثالثة نسبة مصابي كورونا الداخلين إلى المستشفيات مقارنة بالموجة السابقة؛ بسبب قدرة متحور دلتا على الانتشار بشكل أسرع، ورغم ذلك ما زالت نسبة إشغال أسرة العزل في المستشفيات منخفضة، وتتراوح بين 10% و18% للأسرة العادية، وبين 14% و31% لأسرة العناية الحثيثة، وبين 10% و12% لأجهزة التنفس في الأقاليم الثلاثة، حتى 20 آب.

يقول البلبيسي إن الوضع الوبائي الآن أفضل لناحية نسبة إدخال المستشفيات، فيما تعلّق عضو لجنة الأوبئة نجوى خوري بأن العالم يشهد ارتفاعًا في معدل إدخالات المستشفيات جراء انتشار متحور دلتا، وترى أنه يجب أخذ عدة أمور بعين الاعتبار عند النظر لنسبة إدخال المستشفيات، مثل العامل الاجتماعي، حيث تكثر حفلات التخرج والأعراس صيفًا، فضلًا عن عودة جماهير مباريات كرة القدم إلى المدرجات، بالإضافة إلى التجمعات التي حصلت عقب إعلان نتائج التوجيهي.

مع بداية الشهر المقبل، تفتح المدارس أبوابها بشكل كامل للطلبة، ومن المتوقع أن تستقبل الجامعات طلابها في تشرين أول المقبل، وهو ما سيزيد من الاختلاط.

وحول توقعاته للمرحلة المقبلة، يقول أستاذ المناعة السريرية لؤي أبو قطوسة إن هناك تخوفًا من إقبال المملكة على انفتاحات مثل فتح المدارس، «لازم يصير فيه ارتفاع في الإصابات، خاصة بكرة في مدارس ويرجع التعليم الوجاهي، بدناش هذا الارتفاع يصل إلى مرحلة أسيّة، هذا الحكي بده الناس تاخذ مطاعيم، وهذا اللي إحنا بندعي الناس إله، وخاصة الجرعة الثانية».

فيما يرى حجاوي أن عدم ارتفاع أعداد الإصابات بشكل كبير خلال هذه الأيام يدلّ على تسطيح المنحنى الوبائي، وهو ما يسمح للقطاع الصحي باستقبال الحالات المرضيّة دون ضغط، عازيًا ذلك إلى تسارع حملة التطعيم.

هكذا، يبقى كل شيء رهن الانتظار لما ستؤول إليه الأمور في الأيام القادمة؛ فاللقاحات وعدد الإصابات السابقة توفرّ حماية من الإصابات الشديدة ودخول المستشفيات، يقابل ذلك فتح القطاعات في ظل انتشار المتحوّر الجديد «دلتا».

ساهمت دانة جبريل في إعداد هذا التقرير.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية