حرب على الأونروا: ما الذي يعنيه وقف تمويل الوكالة؟

الخميس 01 شباط 2024
في إحدى مدارس الأونروا التي نزح إليها الأهالي في رفح جنوب قطاع غزة، في تشرين الثاني 2023. تصوير سعيد خطيب. أ ف ب.

نهاية الشهر الفائت، بعثت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) برسالة للصحفيين تؤكّد فيها أنها وعلى إثر انتشار «مزاعم» مشاركة 12 موظفًا من العاملين لديها في غزّة في هجوم السابع من أكتوبر، ومن منطلق أن الوكالة تتبنّى «سياسة عدم التسامح المطلق تجاه مثل هذه الأفعال»، فقد أنهت عقود الموظفين المعنيين، ورتبت لإجراء تحقيق بقيادة مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية (OIOS)، وهي أعلى سلطة تحقيق في منظومة الأمم المتحدة.

ورغم هذه الاستجابة السريعة للوكالة للاتهامات الإسرائيلية، والتي كانت صدرت قبل أيّام فقط من رسالة الأونروا، وعدم خروج نتائج التحقيق بعد، إلّا أن الولايات المتحدة -إحدى أبرز المساهمين في تمويل الوكالة- جمّدت تمويلها لها، ولحقت بها 15 دولة ممولة؛ منها كندا وأستراليا وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا واليابان والنمسا وإستونيا والسويد.

قبل تجميد التمويل ومنذ بدء الحرب على غزة، يستهدف جيش الاحتلال العاملين في الوكالة ومقرّاتها بالإضافة إلى مدارسها التي تحوّلت إلى مراكز إيواء للنازحين، كما ويستهدف عملها في شمال القطاع بشكل ممنهج ويمنعها من توزيع المساعدات فيه. وحتى نهاية الشهر الفائت، وصل عدد من قتلهم جيش الاحتلال من العاملين في الأونروا 152 عاملًا. كما استشهد العديد من الغزيين الذين لجأوا إلى مقرات الوكالة، وأحدث تلك الاستهدافات، قصف أحد مراكز تدريب الوكالة في جنوب غزة، والذي نجم عنه استشهاد 12 شخصًا وجرح العشرات.

استنكرت حركة حماس قرار فصل الموظفين المتهمين بمزاعم أوردها الاحتلال دون تحقيق، ووصف القيادي في الحركة أسامة حمدان هذا الإجراء بأنه خطوة تفتقر للمهنية. كما اعتبر تجميد تمويل الوكالة خطوة غير مسؤولة تتسق مع السعي الصهيوني لتصفية الأونروا على طريق إنهاء قضية اللاجئين وتصفية القضية الفلسطينية. فيما اعتبرت الفصائل الفلسطينية في غزّة قرار فصل الموظفين رضوخًا من الأونروا لابتزاز صهيوني. وأكّدت جامعة الدول العربية في بيان لها أن وقف تمويل الوكالة أو تخفيضه يعرّض أجيالًا من اللاجئين الفلسطينيين لخسارة الخدمات الصحية والتعليمية والخدماتية، مطالبةً بتجنب تحميل الوكالة تبعات الاتهامات الإسرائيلية الجائرة لبعض موظفيها.

تقدّم الوكالة[1] منذ مباشرة عملها عام 1950 خدمات الإغاثة، وتشغيل لاجئي فلسطين، والتعليم الابتدائي والمهني، والرعاية الصحية الأولية، وشبكة الأمان الاجتماعي والدعم، وتحسين البنية التحتية في المخيمات، والإقراض الصغير للاجئين، والاستجابة الطارئة بما في ذلك في حالات النزاع المسلح. ويحصل على هذه الخدمات قرابة ستة ملايين لاجئ مسجّل على قوائم الوكالة في 58 مخيمًا في غزة والضفة الغربية والقدس والأردن ولبنان وسوريا. ويتركّز العدد الأكبر منهم في الأردن، حيث يوجد 2.2 مليون لاجئ مسجّل، وفي قطاع غزّة حيث يوجد 1.48 مليون لاجئ مسجّل. وتتلقّى الوكالة تمويل عملياتها بشكل كامل تقريبًا من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وبشكل أقل من تبرعات الأفراد والهيئات المدنية.

«إسرائيل» والولايات المتحدة: تاريخ من السعي لوقف الأونروا

خلال السنوات الماضية، كانت الدول الممولة للوكالة -وعلى رأسها الولايات المتحدة- تتخذ قرارات تقليص أو تجميد أو وقف تمويلها للوكالة لاعتبارات سياسيّة تتعلق بقضية اللاجئين وحق العودة، مدفوعةً بضغط من «إسرائيل». قبل أيّام، عبرت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة أن بلادها تريد استئناف تمويلها للوكالة لكن بعد إجراء الوكالة لتغييرات جوهرية. وفي تصريحات صحفية، قال مسؤول إسرائيلي إن الاحتلال يعارض إلغاء الأونروا، تحديدًا خلال الحرب على القطاع «فقد يتسبب ذلك في كارثة إنسانية ستجبر «إسرائيل» على وقف قتالها ضد حماس (..) وهذا لن يكون في مصلحة «إسرائيل» وحلفائها». ومع اعتراف الولايات المتحدة و«إسرائيل» بأنه لا بديل عن الأونروا، يتحدث كلاهما عن ضرورة إجراء تغييرات جوهرية في عملها، بجعلها مرتبطة بالإغاثة وحسب.

بخلاف المنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، كانت فكرة الوكالة ومن ثم ممارسة عمل موظفيها لسنوات طويلة منذ تأسيسها مرتبطة بشأن سياسيّ يتعلّق بقضية اللاجئين وحق العودة، إذ تعرّف الوكالة اللاجئ الفلسطيني -المستحق لخدامتها- بأنّه الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، والذي فقد منزله ومورد رزقه نتيجة حرب عام 1948، وأن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضًا للتسجيل لدى الأونروا. هذا التعريف لمن هو اللاجئ مزعج لإسرائيل، وقد عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي في تغريدة له مؤخرًا عن سبب رفض دولته للوكالة بالقول إن «إسرائيل» حذّرت منذ سنوات من أن الوكالة تديم قضية اللاجئين، وتعرقل عمليّة السلام، وتعمل ذراعًا مدنيًا لحماس في غزة.

في هذه الحرب قادت الخارجية الإسرائيليّة نشاطًا دبلوماسيًا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم توجهها بألا تكون الوكالة جزءًا من اليوم التالي للحرب على غزّة.

الشكل الذي يُراد للوكالة أن تكون عليه عبّرعنه جيمس ليندساي، المستشار العام السابق للأونروا والباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير له منشور عام 2009 حين اتهم الوكالة بالفشل في توطين اللاجئين في البلدان المضيفة على غرار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وأن هذا الفشل يعود إلى قرار سياسيّ لدى الوكالة بضرورة عودة اللاجئين إلى الأراضي التي تسمى الآن «إسرائيل».

ويتجلّى الربط بين تمويل الوكالة وقضيّة اللاجئين، خلال نقاشات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع دول عربيّة بشأن صفقة القرن التي سعت لحل القضية الفلسطينية ومنها قضية اللاجئين. إذ أوقفت الولايات المتحدة حينها تمويل الوكالة نهائيًا في 2018 «لأنها تزيد إلى ما لا نهاية وبصورة مضخّمة أعداد الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم وضع اللاجئ، وبأن توسع مجتمع المستفيدين أضعافًا مضاعفةً وإلى ما لا نهاية لم يعد أمرًا قابلًا للاستمرار»، بحسب المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية وقتها. لكن هذا القرار تم التراجع عنه مع قدوم إدارة بايدن.

في هذه الحرب، ومع النقاشات والحراك الدبلوماسي الذي يبحث مسألة غزة بعد الحرب، وبألا تكون حماس جزءًا من الحكم في غزّة وحل القضية الفلسطينية ومن بينها قضية اللاجئين العالقة، قادت الخارجية الإسرائيليّة نشاطًا دبلوماسيًا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم توجهها بألا تكون الوكالة جزءًا من اليوم التالي للحرب على غزّة.

قبل أسابيع من قرار اتخاذ قرار تجميد التمويل الأخير، ومن أجل سوق حجج لوقف تمويل الوكالة، ارتكزت منظمة الرقابة على الأمم المتحدة (UN WATCH)، وهي منظمة مؤيّدة لإسرائيل، في تقرير رفعته إلى مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد على منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي نشرها مدرسون يعملون في مدارس الوكالة في غزة قالت إنهم أيدوا فيها أحداث السابع من أكتوبر من أجل دعوة الممولين الرئيسيين للوكالة إلى التأكد من أن أيًّا من تبرعاتهم مجتمعة البالغة 1.2 مليار دولار للأونروا لن تستخدم في تمويل المعلمين الذين ينشرون الكراهية، ومحاسبة الوكالة على انتهاكاتها.

وقف تمويل الأونروا وتأثيراته الكارثية

قبل الحرب، اعتمد لاجئو مخيمات قطاع غزّة على خدمات الوكالة في مجالات الغذاء والتعليم والصحّة بشكل أساسي، بفعل الظروف المعيشيّة الصعبة التي تسبب بها الحصار المفروض على القطاع منذ العام 2007، وبسبب آثار الحروب المتتالية. ففي مجال الغذاء، كان قرابة 700 ألف فلسطيني من غزّة يتلقون مساعدات غذائيّة طارئة من الوكالة، ورغم هذا عانى 95% من السكّان من انعدام المياه النظيفة، و63% من السكّان من انعدام الأمن الغذائي. وفي مجال التعليم، كان قرابة نصف الطلبة في قطاع غزة (نحو 300 ألف طالب وطالبة) يتلقون تعليمهم في مدارسها.

وفي مجال الصحّة، شكّلت الخدمات الصحيّة المقدمة من الوكالة لأهل غزة حاجة أساسيّة، إذ قدّمت لهم الرعاية الصحية من خلال 22 مركزًا تابعًا لها، وتنوّعت هذه الخدمات ما بين خدمات العيادات والفحوص المخبرية، والأمومة وتنظيم الأسرة والعناية ما قبل الولادة، والتصوير بالأشعة، وطب الأسنان، بالإضافة إلى تقديم التطعيم ضد عشرة أمراض بنسبة تغطية قريبة من 100%. ولذا يمكن القول إن الوكالة شكّلت عصب حياة أساسي لأهالي القطاع، حتى قبل الحرب. ومع العدوان على القطاع، زادت حاجة الغزيين لخدمات الأونروا، مع إجبار أكثر من 1.7 مليون شخص على النزوح من بيوتهم، وإصابة عشرات الآلاف بالنيران الإسرائيلية.

توقف أعمال الإغاثة التي تقدمها الوكالة في غزة الآن، سيتسبب في كوارث كبرى باعتبارها الجسم الوحيد الذي يقدم هذه الخدمات من خلال ثلاثة آلاف موظف لقرابة 2.3 مليون غزي.

توقف أعمال الإغاثة التي تقدمها الوكالة في غزة الآن، سيتسبب في كوارث كبرى باعتبارها الجسم الوحيد الذي يقدم هذه الخدمات من خلال ثلاثة آلاف موظف لقرابة 2.3 مليون غزي، كما يقول عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي للأونروا في القطاع. وأفاد بيان للوكالة صدر اليوم الخميس أنه من المرجح أن تضطر الوكالة إلى إيقاف عملياتها بحلول نهاية شباط إذا بقي قرار تجميد التمويل، ليس في غزة وحسب، إنما كذلك في جميع مناطق عملها.

وحول حجم تأثير قرار تجميد التمويل على الخدمات المقدمة يؤكّد أبو حسنة أنه وفي حال عدم تراجع هذه الدول عن قرارها فإن كل البرامج ستتأثر، بسبب أن ستة من هذه الدول قدمت في العام 2023 ثلثي حجم الأموال المقدمة للأونروا أي حوالي 847 مليون دولار.

يصف صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني،[2] الدور الذي تقوم به الوكالة بأكسجين الحياة الوحيد الذي يدعم الفلسطينيين الآن في القطاع، خاصةً أولئك الذين يعيشون في مقرات تابعة لها مثل مدارس الإيواء ووقف تمويلها يعني إهلاك اللاجئين بسبب الجوع والعطش وانتشار الأمراض وتحديدًا في شمال القطاع. يقول عبد العاطي إن حملات التحريض على الوكالة ليست جديدة وأن قرار تجميد التمويل جاء كعقاب لها بعد حُكم محكمة العدل الدولية الذي استأنس بتقارير للوكالة في موضوع بحثها بوجود إبادة جماعية في غزة.

في الأردن، حيث يعيش أكبر تجمّع للاجئين الفلسطينيين (2.2 لاجئ مسجّل) داخل 10 مخيمات[3] يقدم 25 مرفقًا صحيًا، تابعًا للوكالة، الخدمات الصحية لقرابة نصف اللاجئين المسجلين (1.1 مليون)، بالإضافة إلى ذلك يعتمد 70 ألف مريض بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم على الفحوصات والأدوية التي تقدمها هذه المرافق. وفي مجال التعليم، يتلقى 121 ألف طالب وطالبة تعليمهم في 169 مدرسة تابعة للوكالة. ومع اندلاع الحرب في سوريا، ولجوء الكثير من فلسطينيي مخيماتها إلى الأردن، زاد الطلب على خدمات الوكالة وتحديدًا على الخدمات الإغاثية.

في المرة الأخيرة التي أوقفت فيها الولايات المتحدة دعمها، اعتمدت الوكالة في الأردن على حلول تقشّفية في تقديم خدماتها إلى اللاجئين مثل الاعتماد على العقود السنوية في التوظيف أو تقليص عدد الموظفين في بعض الأقسام، أو تقليص أعداد الصفوف الدراسيّة وزيادة أعداد الطلبة في كلٍ منها.

يؤكّد وزير الاتصال الحكومي الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين على موقف الأردن الذي عبر عنه وزير خارجيتها خلال لقائه المفوض العام للأونروا الذي يدعو الدول التي جمّدت تمويلها إلى مراجعة قرارها. يرفض مبيضين التعليق على الآثار المترتبة على استمرار تجميد تمويل الوكالة أو وقفه على الخدمات المقدمة في مخيمات الأردن، لكنه يؤكّد أن الوكالة ومنذ سنوات تمرّ بمرحلة تمويلية صعبة، وإذا ما استمر هذا التجميد فسيؤثر على الخدمات المقدمة في المخيمات وهذا «ما لا يريده الأردن».

يقول مبيضين، إن تمويل مؤسسة كبيرة مهمة مثل الوكالة يعمل فيها آلاف الموظفين لا يجب أن يتأثر بشكوك أو ادعاءات حول 12 موظفًا فيها، داعيًا الدول التي اتخذت قرار تجميد تمويلها للوكالة بأن تراجع موقفها، حتّى لا تمس تبعات هذا القرار بالواجبات التي تقوم بها الوكالة.

يقول أبو حسنة، إنه وفي حال لم يتمّ التراجع عن قرار وقف تمويل الوكالة، فإن انهيارًا سيحصل في الخدمات التي تقدّمها لستة ملايين لاجئ. وحول فيما إذا ما كان دافع هذا القرار سياسيًا يسعى إلى إنهاء الوكالة في المستقبل يجيب أبو حسنة «لا أحد يستطيع أن يحل مكان الأونروا، ومن يريد أن يحلّها فليذهب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ويحصل على تفويض منها».

  • الهوامش

    [1] تأسست بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدّة.

    [2] مؤسسة أهلية حقوقية غير ربحية، تسعى إلى حماية حقوق الإنسان في فلسطين ورصد انتهاكات الاحتلال الاسرئيلي والانتهاكات الداخلية ومتابعتها مع الأجسام الدولية.

    [3] بالإضافة إلى 3 مخيمات غير معترف فيها وهي: مأدبا، حي الأمير حسن، السخنة

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية