حوار مع لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية

الثلاثاء 11 شباط 2014

حين أعلنت لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية عن القائمة القصيرة للروايات المرشحة لها، كان إعلانها إشهارًا للجنة نفسها بقدر ما هو إشهار للمرشحين. فاللجنة التي ظلت سرية طوال مراحل الجائزة السابقة ظهرت للعامة أول مرة على منصة المؤتمر الصحفي، لتصبح أشخاص حكامها وخلفياتهم ومعايير حكمهم على الروايات محل نقاش كما الروايات نفسها.

المجالات الإبداعية أو العملية للحكام الذين يختارهم مجلس أمناء الجائزة تبرز كعامل في تقدير سلامة أحكامهم في كل سنة. فبينما هوجمت لجنة السنة الفائتة لاحتوائها على من وُصفوا بالبعيدين عن حقل النقد الأدبي الروائي، تبدو لجنة هذه السنة خيارًا آمنًا إذ إن أربعة من الحكام الخمسة متخصصون في النقد الروائي، وذوو مواقع أكاديمية متقدمة في هذا المجال.

كذلك، ما يبدو مشتركًا بين معظم الأعضاء العرب (أحد الحكام أكاديمي تركي) هو قربهم من الأوساط الرسمية في بلدانهم أو في بلدان عريبة أخرى. فرئيس لجنة التحكيم الباحث والناقد السعودي سعد البازعي عضو مجلس شورى سعودي، والناقد العراقي عبد الله إبراهيم مستشار ثقافي في الديوان الأميري في قطر، بينما الأكاديمية المغربية زهور كرّام كانت إحدى أعضاء لجنة تحكيم جائزة الكتاب لوزارة الثقافة المغربية، حاصلة على “توشيح ملكي” للكفاءة الوطنية في المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء عام 2012.

الإعلان عن القائمة (التي احتوت روايات لسوري، عراقيين، مغربيين، ومصري) جدد المناسبة لتساؤل كثير من المتابعين حول معايير اختيار الواصلين إليها واستبعاد غيرهم، ومنهج عمل لجنة التحكيم ومحدداته بشكل عام. التوجهات النقدية للحكام ودور مجلس الأمناء الذي اختارهم والمنافذ التي تتسرب منها السياسة إلى قراراتهم وما إذا كانت البلدان التي يأتي من الكتّاب ذات اعتبار في قراراتهم كانت أبرز المواضيع التي سوئلت بشأنها اللجنة، وردت عليها بواقعية واعتراف أحيانًا وبكثير من الدفاعية والنفي أحيانًا أخرى.

حبر قابل أعضاء اللجنة الذين شاركوا في الإعلان، ونقل على ألسنتهم هذه الردود والتفسيرات.

IMG_4157سعد البازعي، باحث وناقد سعودي ورئيس لجنة التحكيم

غلب على روايات القائمة القصيرة التجديد في أساليب السرد والرواية. وغلب عليها أيضًا الاهتمام بقضايا الوطن العربي الحالية ومشاكل الربيع العربي ومعاناة الفرد أمام المؤسسة السياسية والثقافية. كل هذا من المشتركات بين الروايات.

كثير من الروايات ركزت على الوضع في سوريا والعراق بشكل خاص، ولدينا ثلاث روايات من هاتين المنطقتين. وطبعًا تصادف أنها روايات جيدة، فليس لأنها من العراق أو سوريا تم اختيارها. هي متميزة سرديًا أسلوبيًا ومتميزة لأنها واجهت مشكلات العالم العربي. الروايات الأخرى أيضًا اتجهت إلى مشاكل مشابهة لكن من زوايا أخرى. فمثلًا الرواية المغربية “تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية” تحدثت عن أوضاع العالم العربي لكن من خلال التراث العرب الإسلامي وخلق نص روائي يشبه الكتابات القديمة.

IMG_4150عبد الله إبراهيم، ناقد عراقي متخصص في الدراسات السردية والثقافية

هذه الأعمال الستة تكشف التنوع العميق في الثقافة العربية وطريقة الكتابة من المشرق إلى المغرب. (..) أنا أقيم أحكامي على تطبيق المعاير النقدية. الأعمال كلها كتبت وتتوفر فيها درجة ما من الشروط. ولكن الأعمال التي وصلت إلى القائمة القصيرة هي الأعمال التي تتوفر فيها أرفع درجة من الشروط الأدبية. العدد الذي قُدم، وهو 160 رواية، كان فيه نسبة كبيرة من الروائيات، ولكن عملية التنقية الأدبية أبعدت الأعمال التي لا تتوفر فيها الشروط الفنية. ومع ذلك فإن القائمة القصيرة فيها سيدة كاتبة، ونحن نقيم عملاً بناءً على توافره الشروط الفنية وليس بناءً على الكاتب أو البلد الذي ينتمي إليه.

من الطبيعي أن الكتابة السردية تتطور. ونحن نراقب هذا التطور ونقيمه تقييماً أدبياً، وإن كان هذا النمط من الكتابة يحظى بالتقدير فنحن لا نبخل عليه بالتقدير. الكتابة الجديدة هي ابنة الوقت الجديد.

IMG_4145أحمد الفيتوري، روائي وصحفي ليبي ورئيس تحرير جريدة الميادين الأسبوعية

أنا أعتقد أن الجوائز لا تمنح قيمة للعمل الروائي وأنها احتفائية أكثر منها تقييم نقدي، وحين نقول أننا اطلعنا على أكثر من 150 رواية موضوعيًا وعقليًا يعني أنها ستُفهم بشكل انطباعي وبمعنى استثنائي ولحظوي وليس بالمعنى النقدي.

أعتقد أنه من السذاجة أن نتكلم عن أن جائزة جعلت من هذه الرواية رواية أو من هذا الكاتب كاتبًا. وأنا لا أقرأ روايات لمجرد أنها فازت ولا أستمع لمطرب لمجرد أنه مشهور ولا أتفرج على مباراة لمجرد أنها أثارت ضجيجًا. أستمتع بعقلي أكثر مما أستمتع بالآخرين لأن الجوائز والتقييمات هي اتفاقات عامة، والرواية لا يمكن أن يحدث عليها اتفاق كامل.

أحيانًا كنا نمارس الاعتباطية في اختيار الكتب للقراءة. كنت أدخل آخذ كتابًا ولا أطالع لا عنوانًا ولا اسم كاتب محاولًا أن أخلق نوع من التعاطف أو العلاقة مع الكتابة بذاتها. ما يجب الإشارة إليه أن من بين الـ157 كتابًا هناك كتب كثيرة لا علاقة لها بالكتابة، ناشرين يرشحون أعمال ليس لها علاقة بالرواية أساسًا.

هناك تيمات مسيطرة في عديد من الروايات المقدّمة للجائزة. في مصر مثلًا كان هناك روايات كثيرة عن الثورة المصرية. وهذه تيمة أيضًا، أن يتم كتابة الرواية ضمن إطارها وفي وقتها. كذلك هناك تيمة المهاجرين الأفارقة الذن يتم تهريبهم إلى أوروبا، هذه أيضًا تداولها العديد من الكتاب.

أنا قارئ عام أكتب الرواية ولست متخصصًا في البحث والرواية، بالتالي كنت أثير الكثير من الجدل حول ما كان يبدو أنه مصطلحات محددة في تقويم العمل الروائي الذي أمامي، لذا كنت وكأنني صوت الروائيين في اللجنة.

IMG_4149زهور كرّام، روائية وناقدة وأكاديمية مغربية

كان لدينا مساحة كبيرة متسعة لنختار ١٦ رواية، ولذلك كنا ندخل كل الروايات التي تبدو أنها ذات بناء مرتب سردياً ولغة قوية ابداعياً. (..) في اللائحة القصيرة ست روايات، أصبح الاختيار صعباً جداً، لذلك كان التنافس بين مجموعة من الروايات مهمة ولكن الحظوة كانت دائماً تكون للرواية التي استطاع كاتبها أن يتجاوز بعض الخلل الذي يوجد في روايات أخرى. (..) هناك بعض الروايات ربما تركيبتها جيدة لكن اللغة بها خلل كبير ولذلك الروايات التي استطاع أن تكتب العالم الروائي بلغة رزينة ومسؤولة من حيث إقامة حكي متوازن، إلى غير ذلك، استجابت لهذا الخيار.

النقد هو مسؤولية تاريخية، ومن يهادن في عمله النقدي ومن يتعامل مع النقد بثقافة المجاملة كأنه يخون مسؤولية تاريخية. أنا أعتبر النقد منطقًا علميًا. لم يكن حاضراً البعد الجغرافي، لم يكن حاضراً بعد الجندر، كاتبة أو كاتب، حتى أننا في اللائحة الطويلة لم ننتبه إلا بعد أن رتبنا النصوص، انتبهنا أن هناك كاتبتين. لم نضع اعتبار الترجمة.. مفهوم الترجمة لم يكن حاضراً. الاعتبار الوحيد الذي كان حاضراً هو طبيعة بناء هذه الرواية لأنه في النهاية نحن مسؤولين عن هذا الاختيار.

عندما كنا نلتقي في الاجتماع، في غالب الأحيان، ٨٠% من الوقت كانت اختياراتنا متقاربة بل متشابهة وهذا دليل أننا اشتغلنا بمسؤولية الناقد.

هذا العدد الكبير، ١٥٦ رواية التي قرأناها، جعلتنا نتعرف على نوعية المواضيع التي يهتم بها الكاتب العربي.من أهم أهم المواضيع، الحديث عن الربيع العربي. هناك روايات كثيرة تتحدث عن الربيع العربي، عن الثورات العربية. روايات كثيرة تعيد التصالح مع الماضي.. خلق وإنتاج وعي بالماضي من خلال كشف وتعرية هذا الواقع سواء كان واقع سياسي أو اجتماعي.

هناك موضوعات تهتم بالفرد العربي، ونحن تعودنا دائماً الحديث عن الجماعة في المجتمع العربي، ولكن هناك توجه جديد في الرواية العربية من خلال هذا العدد الذي قرأناه، أنه صار هناك اهتمام بالفرد، وأيضاً حكي الحالة، أو روائية الحالة وكأن الروائي العربي الآن بدأ يتجه للفرد باعتباره حالة ويحاول أن يخلق نوعاً من الوعي بوضعية هذا الفرد الذي يعيش في إطار هذا العنف وفي إطار هذه الأوضاع الاجتماعية.

غالباً كان الحكي يعطى إما للمثقف أو أن السارد يكون هو المهيمن ويتدبر شأن العالم الروائي، ولكن الكثير من الروايات الآن نجد أن الإنسان العادي، المواطن العربي العادي هو الذي يتدبر شأن العالم الروائي وينتج معرفة انطلاقاً من موقعه وانطلاقاً من منظوره. (..) أعطيت في الرواية الفرصة للشخصيات العادية بأن تبوح، بأن تسرد حكايتها بدون سلطة سارد آخر مهيمن.

 مع الأسف، الرواية المغربية وصلت بشكل متأخر إلى المشرق العربي. المشرق العربي ينظر إلينا في المغرب باعتبارنا نقاد وقرّاء ولذلك فالاهتمام بالمغرب هو الاهتمام بالمغرب النقدي أو الفكري أو الفلسفي، وقلما تم الاهتمام بالإبداع المغربي. هذه فرصة من خلال هذه الجوائز للتعرف على طبيعة التجربة الإبداعية الروائية في المغرب.

لا أظن أن الكتابة بالعامية تماشي هذه الجوائز. هذا صعب. وهذا موضوع أولاً لا بد أن يكون فيه تراكم. (..) في كل مجتمع عربي هناك لهجات – منطقة الشمال لا تشبه الجنوب لا تشبه الشرق الغرب الوسط الداخل إلى غير ذلك. على المبدع أولًا أن يرتب المنظومة اللغوية التي يحكي بها، لا أن يبدأ بالرواية ثم عندما يحدث له نوع من الإعاقة في التعبير يبدأ يشتغل على اللغة.

—-

(شكر خاص لماكس مارين لمشاركته في التغطية)

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية