التربة الزراعية في صناعة الأسمنت: عندما تستسلم الحكومة للخلل

التربة الزراعية في صناعة الأسمنت: عندما تستسلم الحكومة للخلل

الأربعاء 20 أيلول 2017

ليس التعديل الأخير على تعليمات حماية الأراضي الزراعية، الذي سمح لمصانع الأسمنت باستعمال التربة الزراعية في صناعة الأسمنت، هو ما سيفتح الباب أمام هذه الممارسة؛ فمنذ سنوات، ووسائل الإعلام تنقل أخبار تعدّي العديد من هذه المصانع على التربة الزراعية، واستخدامها بشكل غير قانوني، لانخفاض كلفتها مقارنة بالبدائل الأخرى.

ما فعله التعديل، هو أنه «شرْعن» ذلك، في خطوة يرى خبراء أنها استمرار لمسلسل التشوّه في التعاطي مع ملف الأراضي الزراعية، في بلد تعاني 90% من مساحته من التصحر، و تتآكل مساحته الخضراء الباقية أمام زحف عمراني متواصل، بحسب تقرير أصدرته وزارة البيئة العام الماضي.

وزارة الزراعة التي أصدرت قبل 8 سنوات تعليمات مشددة منعت بموجبها استخدام كل أنواع التربة الزراعية مُدخلَ إنتاجٍ في أي نوع من الصناعات، وحصرت استخدامها بالأغراض الزراعية، عادت في آب (أغسطس) الماضي، وحصرت المنع بنوع واحد هو التربة الطينية، مُستثنية من ذلك التربة المخلوطة الناتجة عن شقّ الطرق وأعمال البنية التحتية وغيرها.

يبرر مسؤولون التعديل بأن التربة الزراعية التي كان يحظر على مصانع الأسمنت استخدامها، كانت تُهدر، حيث كانت تتراكم نفاياتٍ على جوانب الطرق، وفي مكبّ الغباوي، ويقولون إن رفع الحظر سيتيح للمصانع الاستفادة منها، ويتيح للحكومة الاستفادة أيضا من الرسوم التي تتقاضاها على بيع هذه التربة للمصانع.

لكن خبراء يستغربون هذا التبرير، ويقولون إنه بدلا من إرسال تربة زراعية، يحتاج تعويضها إلى آلاف السنوات، إلى «محارق» مصانع الأسمنت، فإنه يمكن استخدامها في إعادة تأهيل العديد من الأماكن المتضررة بيئيّا في الأردن، وعلى رأسها المحاجر والمقالع، التي يتركها المتعهّدون، بعد استنزافها، مكارهَ بيئية، رغم أن القانون يلزمهم بإعادة تأهيلها.

لماذا تفضل مصانع الأسمنت التربة الزراعية؟

يوجد في المملكة ست مصانع للأسمنت، تقع في المفرق والطفيلة والكرك والفحيص والموقر والدامخي على الطريق الصحراوي. ووفق الخبير في صناعة الأسمنت، سهيل عكروش، يدخل في تصنيع الأسمنت مواد أولية أهمها الحجر الجيري والحديد والرمل والجبس. وهي مواد يمكن للمصانع الحصول عليها من مصادر عدة، فهي موجودة في التربة الزراعية، وموجودة أيضا الأماكن الجرداء.

وفق عكروش، الذي تقاعد بعد 20 عاما من العمل في مصنع الفحيص للأسمنت، فإنه يُفترض لاعتبارات بيئية، أن تأتي المصانع بهذه المواد من الأماكن الجرداء، لكن بعضها يلجأ، إلى التربة الزراعية لأنها أقل كلفة، عندما تجلب من أماكن قريبة نسبيا من المصنع. فالنقل، كما يقول، يشكل ما لا يقل عن 40-50% من كلفة الإنتاج، سواء نقل المواد الأولية إلى المصنع، أو نقل الأسمنت نفسه إلى الأسواق، وبالتالي، فإن قرب الموقع الذي يمكن نقل المواد الأولية منه يلعب دورا كبيرا في تخفيض التكلفة.

ويؤكد ذلك مسؤولٌ في هيئة تنظيم الطاقة والمعادن، فيقول إن نقل طنّ «الكاولين» -وهو طين معدني يشكل أحد مصادر العناصر الأولية التي تدخل في صناعة الإسمنت – قد يكلّف 10 أو 11 دينارا، في حين قد لا يكلف طن التربة الزراعية أكثر من 5 أو 6 دنانير.

لكن هذا المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لأنه كما قال غير مخوّل بالتحدّت إلى الإعلام، يضيف سببا آخر لتفضيل بعض المصانع التربة الزراعية، هو أن الكاولين في بعض المناطق يتّسم بارتفاع نسبة الكلور فيه، وهذا يحتاج من المصنع تركيب أجهزة (Bypass Systems) للتخلص منه. هذه الأجهزة كما يقول، تكلف 3 أو 4 ملايين دينار، وليست كل المصانع على استعداد لدفع هذا المبلغ.

وزارة الزراعة.. من التشدد إلى التراخي

في العام 2009، أصدرت وزارة الزراعة تعليمات مشددة، منعت بموجبها استخدام كل أنواع التربة الزراعية مُدخلَ إنتاجٍ في أي صناعة، وحصرت استخدامها بالأغراض الزراعية وتأهيل المقالع والمحاجر. ولمزيد من التشدد، أصدرت الوزارة عام 2014 تعليمات جديدة أضافت إلى البند الذي يحظر استخدام التربة الزراعية في أي نوع من الصناعات، بندا آخر خاصا بمصانع الأسمنت حَظرَ عليها «استقبال أو استخدام التربة الزراعية في صناعة الأسمنت». وهو بند ظل واردا في تعليمات أخرى صدرت عام 2016، إلى أن حذف في آب أغسطس الماضي.

وأقرّت التعليمات، بدلًا من البند الذي يحظر بالمطلق استخدام كل أنواع التربة الزراعية، أيّا كان مصدرها في صناعة الأسمنت، بندًا حظر استخدام «التربة الزراعية الطينية ذات القوام الثقيل» في الصناعات، مستثنية من الحظر «الأتربة المخلوطة والناتجة عن عمليات الحفر وشق الطرق».

والتربة المخلوطة بحسب المسؤول في «الطاقة والمعادن» هي خليط من مكونات مختلفة، مثل التربة الحمراء والكلسية والحصى وغيره، ولا تعدّ بذلك «تربة زراعية من الدرجة الأولى».

وزير الزراعة السابق، عاكف الزعبي، الذي تولى الوزارة ما بين آب (أغسطس) 2014 وأيار (مايو) 2016، ووُضع البند المتعلق بمصانع الأسمنت في عهده، يقول إنه لم يكن صحيحا، من ناحية تشريعية، إضافة هذا البند إلى تعليمات وزارة الزراعة، لأنه يتعلق بمسألة فنية، لا تقع ضمن اختصاصها؛ فصلاحيات الوزارة تقتصر على التأكد من أن التربة المجرّفة ناتجة عن مشروع بناء مرخّص، لا عن تجريف بهدف بيع التربة، وبذلك فإن ما يعنيها هو معرفة من أين أتت التربة، لا إلى أين ستذهب.

لكن الزعبي يبرر إضافة هذا البند، آنذاك، بحالة «الفلتان» في استخدام التربة الزراعية في صناعة الأسمنت، الأمر الذي دفع الوزارة إلى التدخل، بشكل استثنائي في محاولة لضبط الوضع، حتى لو عَنى ذلك تداخل الصلاحيات. وهو أمر يقول إن الوزارة اضطرت إليه سابقا في ما يتعلق بالاعتداء على أشجار الحراج وأراضيه، إذ كان يمكن لمن قطع مئات الأشجار الحرجية أن يعاقب بغرامة 60 دينارًا مثلا، وذلك استنادًا إلى بند في قانون العقوبات يخفف العقوبة. فاضطرت الوزارة إلى تعديل قانون الزراعة الذي لم يكن قد مضى على إصداره أربعة أشهر، لإضافة بند يمنع اللجوء إلى العقوبة المخففة في حالة الاعتداء على الحراج.

لكن هذا لا ينجح، كما يقول الزعبي، فجهة واحدة لن يمكنها أبدًا إحكام السيطرة على كامل الحلقات المتعلقة بقضية معينة.

هذا التشدد في الحفاظ على التربة الزراعية «هو الأصل»، كما يقول خبير التربة والأستاذ في الجامعة الأردنية، طالب أبو شرار، فمعظم مساحة الأردن -تاريخيا- هي صحراء، ولا تزيد المساحة الصالحة للزراعة فيه عن 5500 كم مربع. وهذه المساحة الخضراء الضئيلة، تضاءلت أكثر فأكثر بفعل الزحف العمراني وعوامل التعرية.

.التغير في نمط استعمالات الأراضي لصالح النشاطات العمرانية والحضرية بين عامي 2003 و 2011 في منطقة شمال عمان

هذا يعني، كما يقول أبو شرار، أن أي تخطيط يتعلق بالأراضي الزراعية يجب أن يتعامل معها بوصفها موردا محدودا، يجب الحفاظ عليها، ويُمنع التصرف في التربة بتجريفها ونقلها إلى أماكن أخرى. وبحسبه، لو كان هناك رؤية حقيقية، فإنه يجب أن يحرف مسار الطُّرق عن الأراضي الزراعية تجنبّا لتدميرها، حتى لو عنى ذلك كُلفًا أكبر. «هذه التربة هي حصيلة عمل استمر في الطبيعة 10 آلاف سنة، وحتى نعوضها نحتاج إلى 10 آلاف سنة أخرى (…) [وأي تخطيط] يجب أن يبدأ من تقدير قيمة هذا المورد الطبيعي الذي لا يمكن أن توجد حياة على اليابسة من دونه، وخسارته لا تعوض» يقول أبو شرار.

يضيف الخبير البيئي، الدكتور أيوب أبو دية إلى ذلك أضرارا أخرى؛ فإزالة التربة السطحية، بما عليها من غطاء نباتي  ينتج عنه انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز أكسيد النيتروز في الجو، ما يساهم في الانحباس الحراري، ويتعارض مع برنامج الحد من انبعاث الغازات الدفيئة الذي التزم به الأردن بموجب اتفاقية باريس للمناخ الموقعة عام 2016. كما أنّ كشف الطبقة السطحية بما عليها من غطاء نباتي يقضي على التنوع الحيوي الموجود في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فإن تعرية الطبقة السطحية، يعني، بحسبه، نزول مياه الأمطار واختلاطها باليورانيوم وتلويث المياه الجوفية، في بلد يعاني من نقص في المياه مقداره 200 مليون متر مكعب سنويا.

أهمية تقدير الموارد الزراعية القليلة الباقية في الأردن، والتخطيط الحكيم لاستدامتها، هو أحد المحاور الأساسية لتقرير حالة البيئة الصادر عن وزارة البيئة العام 2016، الذي يلقي الضوء على الأضرار البيئية التي تعاني منها قطاعات واسعة في الأردن. جزء منها بفعل عوامل طبيعية، لكن الكثير منها بفعل عوامل بشرية، يمكن ضبطها في حال كان هناك سياسات إدارة حكيمة للموارد الطبيعية.

لم تستطع الحكومة معالجة الهدر فقررت الاستفادة منه

التعليمات القديمة حصرت، كما سبق القول، استخدام التربة الزراعية بأنواعها كافة بالأغراض الزراعية، لكن ما كان يحدث على الأرض، كما يقول وزير الزراعة خالد الحنيفات، هو أن أصحاب المنشآت صاروا يُلقونها في أكوام على أطراف المدن وفي المحافظات، وباتت تتسبب بـ«تلوث بصريّ». وهذا كما يقول، هو مبرر التعديل؛ إذ كان لا بد من معالجة هذا التشوه من خلال فتح الباب أمام مصانع الأسمنت للاستفادة منها. الأمر الذي يمكّن الحكومة من الاستفادة أيضا، بحسبه، لأنها تتقاضى رسوما لقاء بيع هذه التربة للمصانع.

وبحسب مسؤول «الطاقة والمعادن»، فإن هذا التعديل، حلّ واقعي، فالتعليمات، من جهة، حَمَت التربة الطينية، وهي «ما نخاف عليه»، كما أنها من جهة أخرى، فتحت الباب للاستفادة من التربة الأقل جودة، التي كانت، إضافة إلى تراكمها على أطراف الطرق، تُلقى في مكب الغباوي، وتختلط بالنفايات الأخرى، وتفقد بذلك مواصفاتها وخصائصها: «صارت تروح هدر؛ كانوا يحطّوا التراب الأحمر فوق الأبيض فوق كسر الطوب فوق الشجر فوق الزبالة».

لم تكن التربة الزراعية تُهدر فقط في الغباوي، فخلال السنوات السابقة، عندما كان القانون يمنع استخدامها في الصناعات، لم يَبدُ أن وزارة الزراعة استطاعت ضبط الأمر. يتّضح هذا من التقارير التي ظلت وسائل الإعلام، خلال السنوات الماضية، تنقلها عن هذه التعديات، وعن تحذيرات وزارة الزراعة لهذه المصانع، ولمن يبيعونها التربة.

يقول الزعبي إن «الزراعة» أرسلت كتبا رسمية إلى المصانع تبلغها بمنع استخدام التربة الزراعية، وإن لجنة شُكّلت للتفتيش على المصانع، ووُجدَ لديها الكثير من التربة. الكمية الأكبر منها تصل المصانع عن طريق مقاولين تعاقدت معهم لتوريد التربة الناتجة عن مشاريع كبيرة، وهي بالطبع مرخصة، فلم يكن من صلاحيات الوزارة بالتالي التعامل معها، كما سبق القول.

لهذا، فإن ما فعلته الوزارة وقتها هو أنها خاطبت، كما يقول، دائرة المواصفات والمقاييس، وهي الجهة المفترض أن تراقب الأمر لأنه، كما يقول الزعبي، يتعلق بجودة الأسمنت، وأبلغتها بوجود تربة زراعية في مصانع الأسمنت.

تواصلت «حبر» مع «المواصفات والمقاييس» في محاولة للحصول على معلومات في ما يتعلق بدورها في هذه القضية، لكن الدائرة، ورغم مخاطبات استمرت عشرين يوما، امتنعت عن الإجابة.  

مصانع الأسمنت والغباوي … ألا يوجد طريق ثالث؟

مصانع الأسمنت ومكب الغباوي ليسا المصرف الوحيد للتربة الزراعية، كما يقول خبراء، إذ يمكن استخدامها، كما يقول أبو شرار في ترميم الكثير من مناطق الأردن التي تضررت بيئيا بفعل عوامل التعرية، والرعي الجائر وتحطيب الغابات، والمقالع والمحاجر التي تُتركُ بعد استنزافها من دون تأهيل: «عندما تخرب من جهة، عليك أن تعمر من جهة أخرى. ما يحدث لدينا تخريب من دون تعمير (…) ولجوء للحلول السهلة».

يركز أبو شرار على إمكانية استخدام هذه التربة في تأهيل المقالع والمحاجر، التي يُلزم القانون أصحابها بتأهيلها بعد انتهاء العمل فيها، لكنها تُترك مع ذلك بالتشوّه البيئي الذي سَبّبه التعدين فيها. ويقول إن إلزام أصحاب المشاريع بتأهيلها يجب أن يشمل إلزامهم، قبل البدء بالعمل، بتقديم مخطط لعملية التأهيل. وهو مخطط يوضحون فيه كيفية سير العمل، والوضع المتوقع للموقع بعد 10 أو 20 سنة، مثلا، وتصوّرا للكيفية التي سيتم بها تأهيل الموقع.

يؤكد على ذلك أبو دية الذي يذكّر بإمكانية استخدام التربة الزراعية المهدورة في تأهيل مناجم الفوسفات في الرصيفة، التي ما زالت جبال مخلفاتها موجودة مسببة بذلك «أضرارا بيئية هائلة».

يُذكر أن تقرير حالة البيئة في الأردن، الصادر عام 2016 عن وزارة البيئة، قد أشار إلى التعدين الذي «يؤثر سلبا على الخصائص الفيزيائية والكيميائية والحيوية للتربة». وبحسبه، مُنحت ما بين 2006-2013 تراخيص لما يقارب 2000 مقلع، عملت على 8 آلاف دونم تقريبا. لا يلتزم، بحسبه، كثير من أصحابها بالمساحات التي يحددها الترخيص لهم، ويمتدون إلى مساحات أكبر، أو يعملون في مناطق غير التي رُخصوا للتعدين فيها. كما يشير التقرير إلى قيام مشاريع تعدين من دون ترخيص. يضاف إلى ذلك، عدم التزام أصحاب المشروعات بتأهيل المواقع بعد انتهاء العمل فيها، مع أن عقودهم تلزمهم بذلك.

الحنيفات يقول إن الأولوية لاستخدام التربة الزراعية، وفق التعليمات، ستكون للأغراض الزراعية. ولن تذهب هذه التربة إلى مصانع الأسمنت إلا عندما لا يكون هذا الخيار متوفرا. وفي هذه الحالة، فإن توريد التربة إلى المصانع سيخضع «لإجراءات صعبة جدا»، إذ ستقيّم لجنةٌ فنية كل حفرية، ولن يُسمح باستخدامها في المصانع إلا بعد الحصول على الموافقات اللازمة من جهات عدة مثل أمانة عمان، والبلديات وهيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن وغيرها من الجهات ذات العلاقة.

لكن خبراء يتخوفون من عدم قدرة وزارة الزراعة على ضبط الأمور. فيقول نقيب الجيولوجيين، صخر النسور،  إن التعليمات الجديدة ستفتح الباب على مصراعيه أمام استخدام المصانع للأسمنت: «إذا كان هناك مصانع تستخدم التربة الزراعية عندما كان ممنوع قانونا استخدامها، فكيف سيكون الحال عندما تصبح هذه الممارسة قانونية؟».

النسور يقول إن النص الذي صيغت به التعليمات في ما يتعلق بنوع التربة الزراعية الذي تقرر حمايته «مطّاطي»، ويفتح المجال واسعا أمام «التحايل»، في ما يتعلق بنوع التربة، إذ سيمكن ببساطة بيع التربة الحمراء على أنها «طمم». وهذا يعني، بحسبه، التحايل أيضا على الرسوم التي ستُدفع للحكومة، فالرسوم التي تتراوح ما بين دينارين وأربعة للطن الواحد، تدفع بحسب نوع التربة. لهذا فإن: «ما يجب أن يحدث هو العودة إلى النص الذي يمنع استخدام التربة الزراعية في صناعة الاسمنت.. نقطة».

أصلحوا الخلل بدل أن تنحنوا له

يقول عكروش إن التربة الزراعية ليست مكونا لا يمكن لمصانع الأسمنت الاستغناء عنه. فهذه الصناعة يمكنها أن تقوم على الحجر الجيري الموجود في الصحراء والجبال الصخرية الجرداء، وعلى المصانع أن تحضر موادها الأولية من هذه الأماكن، وأن تتحمل ارتفاع كلفة التصنيع مقابل حماية الأراضي الزراعية.

ويضيف، أن مسألة التربة الزراعية تفتح الملف الأكبر، وهو الأماكن التي اختيرت لإقامة بعض مصانع الأسمنت عليها، إذ أقيمت على أراض زراعية ودمرتها، ولوّثت الهواء للسكان المجاورين، فقط لتكون قريبة من الأسواق.

في حين يقول الحنيفات إن الوزارة ضد استخدام التربة الزراعية في صناعة الأسمنت، وضد «الجوْر» على الأراضي الزراعية والزحف العمراني عليها، لكن التشوه الناجم عن التوسع العمراني في الأراضي الزراعية «قديم جديد».

خلاصة قضية التربة الزراعية ومصانع الأسمنت هي أن تشريعا أُقرّ لحماية هذا المورد الطبيعي، لكن هذا التشريع لم يُدعم بآليات تنفيذية على الأرض تضمن تطبيقه، فاستمر الهدر. وبدلا من أن تقوم الجهات ذات العلاقة (ووزارة الزراعة هي مجرد واحدة منها)، بمعالجة الخلل في التنفيذ، هي الآن تسلّم بالتشوه الحاصل بوصفه الأمر الواقع، وتستفيد منه.


تنويه: تم تصحيح خطأ كان قد ورد في المادّة، وهو أن كافة العناصر الأولية اللازمة لصناعة الأسمنت موجودة في الكاولين، بينما الصواب هو أن الكاولين أحد مصادر العناصر الأولية. كما تم إضافة توضيح أكثر عن الكاولين مع رابط تعريفي، وإضافة فقرة توضيحية عن الضرر البيئي الذي تسببه مشاريع التّعدين غير الملتزمة بشروط الترخيص.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية