نادي القتال – النسخة الأردنية

الثلاثاء 19 نيسان 2011

بقلم محمود أبوصيام

هل تذكرون فيلم “نادي القتال” الذي ظهر في نهاية  التسعينات؟ كان هذا الفيلم مثار جدل واسع  حتى أن بعض النقاد وصفه بأنه سيجد جمهوره المناسب في الجحيم! تدور أحداث الفيلم حول رجل يتعرض لضغوط نفسية رهيبة فيصيبه الأرق وتعييه السبل بحثا عن السعادة وعن معنى لوجوده، لكنه يلتقي بـ “تايلر” الذي يحرره من تعلقه بالمادة والأشياء وخوفه من الناس، و يؤسسان معا ناديا للقتال يتقابل فيه مجموعة من الرجال يبرحون بعضهم ضربا ويكيلون لأنفسهم اللكمات لإخراج طاقة غضبهم وسخطهم على العالم ووعوده الزائفة.

والانطباع الذي يتشكل لدي عند مطالعة الصحف المحلية أن فروعا لنادي القتال تم افتتاحها في كل حرم جامعي على امتداد التراب الوطني.

فلا تكاد تتناول جريدة الصباح حتى تنهال عليك الأخبار عن إطلاق نار في “الزيتونة” ومئات يتراشقون بالحجارة في “مؤتة” أو عن محاولة اقتحام في “البلقاء” ومشاجرة جماعية في “الأردنية” و أخرى في “الأهلية”!

والمشهد بكل إرهاصاته يبعث على الدهشة، فكيف تحولت الجامعات من مكان للحوار وتبادل الأفكار إلى حلبة لتبادل اللكمات وفرد العضلات وعرض البطولات؟

إن خطورة هذه الظاهرة تستدعي تحركاً أوسع من إقامة ورشة عمل يستضاف فيها مسؤول حكومي ليضع ساقا على ساق ويتحدث عن “ظاهرة العنف الطلابي” ، ثم يعود ذات المسؤول لـ ” يرفش ” في بطن المعلم الذي طبطب على كفّ ابنه بعصا كرتونية.

يقول “تايلر” في أحد مشاهد الفيلم: نحن أبناء التاريخ الأوسطون الذين ربّانا جهاز التلفزيون وقال لنا إننا يوما سنصبح مليونيرات ونجوم سينما ونجوم موسيقا روك، لكن هذا لن يحدث، ونحن الآن نستوعب هذه الحقيقة، ونحن ناقمون للغاية.

التوتر القائم في المجتمع – وبالتالي الجامعات – باعثه الرئيسي هو التفاوت المعيشي، وقلة الخيارات المتاحة للشباب لتحسين مستواه الحياتي.

ومن هنا تبرز أهمية الدعوة لإصلاحات سياسية – دستورية في النظام السياسي، لأن التوزيع العادل للفرص والوظائف وموارد الدولة العامة يتوقف على بنية النظام السياسي المهيمن والضمانات الدستورية لحقوق كافة الأطياف الإجتماعية، لا سيما الأكثر حرمانا منها.

وهكذا فانعدام العدالة الإجتماعية بلا ريب سيوفر أرضية خصبة للعنف واللجوء للتعصبات القبلية والفئوية والإقليمية.

وأما داخل أسوار الجامعة فالأطراف الأمنية كان لها دور في الترويج لمفاهيم مكارثية للوطنية، مفاهيم تصنف شريحة واسعة من الطيف الطلابي على أنه “خصم” و “آخر” ، ماذا يعني هذا ؟ حسنا .. هذا التصور يعني تسويغ خطاب التعبئة والحشد تجاه “الخصم المفترض” والذي يزاحم “الأنا” ، وبطبيعة الحال ستنتقل المزاحمة في لحظة ما إلى مرحلة المصدامة والعنف.

وعلى عقلاء الأجهزة الأمنية أن يكفروا عن أخطائهم ويتبعوا مسارا جديدا في الجامعات، لا يُخص فيه أي تيار بعطف خاص أو مساعدات إمتيازية. وأن يُترك كل تيار ليبرُز إلى الطلبة بقواه الذاتية ، وحينها ستنشأ علاقة تفاعلية بين التيارات الطلابية تقوم على تقبل التعدد والتنوع الطبيعي بين مختلف الاتجاهات.

وإذا أردنا تفكيك أسباب هذه الظاهرة بموضوعية فلا ينبغي أن نجعل من الحكومة وحدها كبش فداء نحمله كل مشاكلنا الحياتية ، لا شك أن السياسات الرسمية كانت من مسرعات الانزلاق نحو هاوية العنف لكنها لم تكن لتستفحل لولا بعض المقدمات الموجودة في واقعنا الإجتماعي.

ومن هذه المقدمات الخشونة في الطباع ، فالأردني بطبعه أنفه في السماء ولا يرضى أن يداس له طرف وهي صفة محمودة في الغالب ، لكنها مفعولها ينقلب ويصبح سلبيا حين تتحول إلى حدة في التعامل واستنفار شديد تجاه أقل هفوات الآخرين في حق الذات ، وكأن العطف واللين وتجاوز الزلات علامة ضعف.

هناك ميل لاتخطئه عين نحو تعظيم مظاهر القوة والشدة وتحقير صفات الحلم واللين والرأفة باعتبارها ضعفا ، ونحن اليوم في أمس الحاجة لإعلاء شأن قيم الرفق و الأناة حتى لا نقترب شيئا فشيئا من فلسفة “نيتشة” التى تمجد القوة وتستخف بالرقة وطيبة القلب.

وفي أمثالنا الشعبية تتعدد الأمثلة التي تجتمع على تمجيد العنف: ( اللي تعرف ديته أقتله ) أو ( من وفّر هواته ما ضرب )، حتى الدواب كان لها نصيب: ( الجمال بتعارك وجملنا بارك )

وعن الأغاني الوطنية فحدث ولا حرج ، فمفردات “القتل” و “التحطيم” و”الحرق” و”شرب الدم”  و”الويل” و “الغضب” تصم الآذان وتزكم الأنوف أحيانا.

وهذا الكلام لا يصب في خانة التنظير لسيناريو الرعب الذي  يبشر بتناطح المجتمع وتناحره لأنه لا يتمتع بقدر كاف من العقلانية، وإنما هو إشارة إلى  ظاهرة العنف بوصفها ظرفا عارضا غريبا تسلل إلى المجتمع بسبب ضغوط اجتماعية واقتصادية تتحمل مسؤوليتها الدولة أيضا بشكل كبير، مما سوغ لبعض الفئات التكيف مع هذه الضغوط بطريقة عنفية.

“المشاجرات الجماعية” و”اعتداء االطلبة على المدرسين” و”اعتداء المواطنين على الكوادر الطبية والموظفين” و”اعتداء البلطجية على المتظاهرين ” كلها ظواهر باتت تؤرق الأردنيين وتقض مضاجعهم، والجميع مدعو من أجل بذل مساعيه الحميدة لحصر هذه الظاهرة وعزلها.

في نهاية الفيلم ينفذ أتباع “تايلر” خطة لتدمير كافة المؤسسات التي كانت سببا في استعباد الناس، لكن البطل “جاك” وبعد أن يكتشف أنه هو نفسه “تايلر” وقد أدت أزمته النفسية لانفصام في شخصيته يفيق من هذا الانفصام ويعمل على وضع حد للعنف الذي كان هو سببا فيه. والأمل معقود على أن نفيق دولة ومجتمعا قبل أن ندلج إلى دوامة كابوسية من العنف العشوائي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية