خالد الطريفي: أبو الفوانيس الخارج من صندوق الفُرجة

تصميم محمد شحادة.

خالد الطريفي: أبو الفوانيس الخارج من صندوق الفُرجة

الإثنين 25 آذار 2024

اقتحمت الشرطة المصرية خشبةَ المسرح، وفي أول مشهدٍ تفاعلي له في حياته الفنية، اقتادوه مخفورًا بالكلبشات من معهد الفنون المسرحية إلى المطار، ومن هناك أقلعت به الطائرة هو وزملاءه إلى بغداد.

لكن فلنعد خطوات للخلف.

رغم معارضة والده، اشترى خالد الطريفي تذكرة سفر، «وان واي تيكيت، كما هو المسرح» بحسب تعبيره، وذهب إلى القاهرة بغرض التسجيل في معهد القاهرة للفنون السينمائية، لكنه تفاجئ بأن القبول والتسجيل قد أغلق أبوابه ولم يعد بالإمكان الالتحاق بالمعهد. وفي الوقت نفسه، وجد أن باب التسجيل ما زال مفتوحًا في مكانٍ آخر مشابه؛ المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة. وكي لا تضيع الفرصة توجه إليهم وهناك قدّم مشهد امتحان القبول، وهو المشهد نفسه الذي كان تدرب عليه وأعده لامتحان معهد الفنون السينمائية.

بعد إبعاده من مصر أكمل الطريفي في بغداد ما بدأه في القاهرة، إذ التحق بأكاديمية الفنون الجميلة في بغداد/ قسم المسرح، وتخرّج منها بدرجة البكالوريوس عام 1979.

خالد الطريفي في مصر أثناء الدراسة.

إثر النكبة، قَدِمت عائلة خالد من دير طريف قضاء اللد إلى محافظة الزرقاء، وفيها ولد عام 1955، وعندما كان طفلًا في الثانية عشرة من عمره، ذهب مع العائلة لحضور حفل زفافٍ لأحد الأقارب في رام الله. هناك وعلى مدى سبع ليالٍ، كانت عيون خالد تلمعُ بينما يشاهد الأهازيج الشعبية، والعروض الفلكلورية والزجل، ليعود بحمولةٍ كافية من المخيال لم تلبث أن تشوّه، إذ بعدها بأيام قليلة حدثت النّكسة، وعلى نحوٍ مفاجئ وسريالي وغير مُفسّر صار شعر خالد الطفل أبيض، حقيقة لا مجازًا، ليعود بعدها بأيام إلى سابق عهده من السواد. «في ذلك الوقت أصبح الطفل كهلًا» كما تروي زوجته بشرى حاجو على لسانه.

وأمام النافذة الكبيرة في بيت الجدّة الطيني، في غويرية الزرقاء، استمع خالد لجدّته تروي الخراريف والحكايا ليؤطرها في خياله، كيف لا وهي الراوية الغامضة، وساردة الحكايات، ونافذتها تلك هي المسرح.
وفي الحارة حيث نشأ، تعرّف إلى صندوق الفرجة، الشرارة الأولى لكل ما سيجيء فيما بعد من شغف. وسمع صاحب الصندوق الخشبي المزركش ينادي:

شوف اتفرج يا سلام، شوف أحوالك بالتمام
شوف قدامك عجايب، شوف قدامك غرايب

وعبر هذا الصندوق رأى الأساطير والملاحم؛ بطولات الزير سالم وأبو ليلى المهلهل، وبينما يضع خالد وجهه الصغير على فتحة الفرجة، مغلقًا جانبيْ رأسه بيديه الصغيرتين لتتضح الصورة ويتجلّى الحلم. يسمع صوتَ الراوي العميق الأجش يحكي لهم، بينما يدير بيده أسطوانة الصور، تلك الحكايات رافعًا نبرة صوته، أو خافضًا لها حسب السّياق.

تولّع خالد بمبدأ الفُرجة، و«خراريف» الجدّات وصندوق «العجايب»، وكان لا يخفي هذا الولع الملتصق في ذاكرته الأولى كلما سنحت الفرصة، ففي أكثر من لقاءٍ صحفي وتلفزيوني، يردد خالد هذا التعلق، إذ يجيء إليه الصوت القادم من البعيد: «تع تفرج يا سلام…».

لم يكن الطريفي يستمتع بالعرض، ومشاهدة قصص عنترة بن شداد والزير سالم وحسب، إنما ومن خلال تلك الفتحة الصغيرة، كان يرى ذاته هو، ساردًا للحكايات وخالقًا ومؤديًا، كان صاحب الصندوق وراوي حكاياته وكل الشخصيات فيه. كان يؤسس ذهنيًا لما سيكون عليه في قادم الأيام، يغرسُ الشتلات الأولى كما لو أنها فسائل الحب والإبداع، لتستطيل فيما بعد مسرحًا وفرجةً وفوانيس، تلك الفوانيس التي أراد لها أن تكون مصدر نورٍ وإشعاع، في سياق حركة إبداعية رائدة ومختلفة عمّا كان سائدًا في المسرح الأردني، يقول المؤرخ المسرحي عبد اللطيف شما.

ومن على جدران سينما سلوى في الزرقاء، تظهر مؤشرات أخرى من الفتى الذي سيصبح مستقبلًا «يابا» المسرح الأردني، إذ يخرج الطريفي من مدرسته ليُعرّج عليها، وبسبب ضيق ذات اليد، لا ينصاع لنداء الرجل الملوّح بالتذاكر بأن يبتاع واحدة ويدرك العرض، إنما يكتفي بمشاهدة الهوامش من الصور والبوسترات المُعلقة على الجدران، وفي البيت يُقصقص وجوه الممثلات والممثلين من المجلات الفنية، ويلصقها على الدفاتر والكتب في لوحاتٍ كولاجية حالمة.

بقيت هذه الذكريات عالقة في الرأس واتسع إطار الصورة وانفتحت الصورة على مهل، إذ وفي الصف الأول إعدادي يراسل خالد معهد السينما في مصر، معبّرًا عن رغبته المُلحة بالدراسة لديهم، وسألهم بكل جدية عن آلية القبول والتسجيل وعن الأوراق والمستندات المطلوبة، وجاءه الرد الجدي أيضًا، والذي أفرح قلبه وملأه بحصةٍ كبيرة من الأمل وقرب اللحظة الحاسمة.

أبو الفوانيس: كل عام وإنت بخير

بعد التخرج من بغداد، ذهب خالد الطريفي عام 1979 إلى بيروت، التي كانت عاصمة للثقافة العربية حينها، حافلة بكل مشاهد الإبداع والاشتباك الفني بين المثقفين، وفيها عمل على إعداد وتقديم البرامج على أثير إذاعة فلسطين. 

وفي أحد أيّام العام 1982، وفيما كان الطريفي وزملاؤه يعملون على بروفات عرض مسرحيّ، فوجئوا بقصف إسرائيلي لأهداف ملاصقة لمكان التدريب. ومن بيروت جاءت اللازمة التي كانت مرافقة له، يقولها لكل من يلتقيهم، «كل عام وإنت بخير»، تقول بشرى حاجو، زوجة خالد التي رافقتها على مدى ثلاثين عامًا.

خالد الطريفي في بيروت.

مع خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، عاد خالد إلى عمان. لم يكن هذا الخروج الإجباري الأول بالنسبةِ لخالد الطريفي، فقد سبقه الطرد الأكثر إيلامًا وحزّة بالنفس، إذ أُسدل الستار على الفصل الأول من مسرحية المحروسة مصر، حتى قبل اكتماله. ففي السنة الدراسية الثانية، اعتقلته الشرطة المصرية وقادته وزملاءًه من طلبة الاتحاد الفلسطيني، مخفورين بالكلبشات من قاعاتِ معهد الفنون الجميلة في القاهرة، المكان الذي أحب وكافح وناضل وانتظر في سبيل الوصول إليه. وكان السبب سياسيًا بحتًا، إذ خرج هؤلاء الطلبة بمظاهرات تندد بكامب ديفيد، فما كان من الأمن المصري إلا أن اعتقلهم، ثم سفّرهم بالجملة.

مسرح الفوانيس

«على خشبة المسرح، هناك، فقط، تشعر أنك كائن حي، إنسان حقيقي».

عام 1983 تأسس مسرح الفوانيس في عمّان، منبثقًا عن مؤسسة أضواء الفن، وقد شكّل الطريفي مع الراحلَين، نادر عمران، وعامر ماضي، ثلاثيًا مبدعا كما كتب الصحافيّون والمشتغلون بالمسرح آنذاك؛ نادر يكتب ويُصمم الديكور، وعامر يُلحن ويعزف، والطريفي يُخرِج ويساهم في الكتابة والإعداد، فكان هذا الثلاثي كما لو أنه ركائز أساسية، لقِدر العمل المسرحي الإبداعي، والذي راح يغلي على نار هادئة.

يقول الناقد المسرحي محمود إسماعيل بدر، في كتابه «استلهام التاريخ في المسرح الأردني، مرحلة التسعينيات»، حول فرقة الفوانيس: «كان هناك بحثًا دائمًا في الأشكال المسرحية ومحاولة تطوير العرض، ما بين التكثيف الجمالي للغة العرض لمضاعفة التشكيل الفني، إلى اللجوء إلى الأسطورة والرمز والخيال والأسلوب التقديمي في المسرح».

وجاء في بيان تأسيس مسرح الفوانيس، الذي وزع على الجمهور في أولى مسرحيات الفرقة، «دم دم تك»: «المسرح هو فن الإنسان للإنسان، وهكذا تشتعل الفوانيس، آخذة بعض الدروس من الحركة المسرحية المحلية، وكثيرًا من الدروس عن الحركة المسرحية العربية، وفي هذا كل التراث المسرحي العالمي».

وإن كان الطريفي قد أسس لتحيته الخاصة بتمني الخير للآخرين في كل عام، فإنهم سرعان ما أعطوه لقب «أبو الفوانيس»، إذ كان الطريفي يحمل فانوسه بيده، متجوّلًا فوق خشبة المسرح، مخاطبا النّظارة وكاسرًا حاجز الفرجة. لكن الفرحة لم تطل، إذ انحلّت الرابطة الثلاثية لسببٍ أو لآخر، وكانت النهاية صيف عام 1986 مع عرض مسرحية «أبو الفوانيس في قاع السكساك» وهي مسرحية للصغار.

بدايات جديدة

في العام 1991، افتتح وزير الثقافة خالد الكركي مهرجان المسرح الأردني الأول، الفعل الثقافي الرسمي، الذي جاء رفقة حالة من الانفراج السياسي للبلاد وانتهاء رزمة الأحكام العرفية، فجاء في كلمة الكركي: «إذا كان الإبداع فعل حرية، فإن المسرح لا يزدهر في غير أجواء الحرية والديمقراطية والانفتاح، الأمر الذي يجعل من المهرجان فرصة كبيرة لبناء مسرح حر يعكس آمال الناس وتطلعاتهم وأفكارهم».

أما رئيس رابطة الفنانين الأردنيين محمد القباني، فقال في كلمته: «صحيح أن الإمكانيات المادية الصرفية التي توفرت لهذا العرس قليلة، لكنه عرس الأحبة والعشاق، الذين لا يتكلفون في أعراسهم».

وبصدفة جميلة، لم تكن افتتاحية هذا المهرجان المُهم، بمعزلٍ عن عرس الأحبة كما قال القباني، إذ كانت لمسرحية «عرس الأعراس»، للمخرج الطريفي، والتي أعدها عن نصٍ مسرحي للشاعر الإسباني لوركا، وجاء عنوانها في ملصق العرض : «تع تفرج يا حمام، على عرس الأعراس يا سلام».

في العام 1994، في الحادي والعشرين من شهر آب تحديدًا، أسهم الطريفي في تأسيس فرقة مسرحية ثانية، «مسرح المسرح»، ويقول البيان الأول الذي صاغه لإعلان التأسيس: «إن مسرح المسرح العربي الجديد، الجديد فيما نرى، جديد فيما ينفض من الرماد عن حجر الأصالة العربية المتوهج في أعماق كل منا، والعربية تعني لنا قبل كل شيء، الأصالة، والأصالة في قاموس الأب والأم والجد والجدة، قبل وبعد، تعني الجذور والتمسك بالعودة إليها عندما نفقد الاتجاه».

اليابا معلّمًا

يقول أحمد سرور، الممثل والمخرج الشاب، الذي رافق خالد كظله في سنواته الـ15 الأخيرة، إن تلك العلاقة بدأت من سنوات الدراسة الأولى في قسم المسرح، في كلية الفنون والتّصميم في الجامعة الأردنية، إذ تعرّف إليه في ندوة من الندوات المسرحية.

في بواكير العمل مع خالد، وفي إحدى المسرحيات، يقول سرور «ضربني كفّ، فعليا خالد سلخني كف على وجهي، وقالي اطلع من المسرح كله إذا بدك تضل بهاي النفسية». كان ذلك عندما وجه سرور انتقادًا لأحد الممثلين لعدم تمكنه من حفظ دوره، وقد تسلل إليه، كما يقول، شيءٌ من الأنا المتضخمة.

خلال الثواني المعدودة، التي تلت تلك الصفعة، يقول سرور، وبينما أقف أمامه، وبداخلي كمٌ هائل، متداخل ومتلاطم من المشاعر المختلفة، غضب ولوم وقهر وشعور بالذنب، راح الطريفي يتحدث عن المسرح كفن إنساني نبيل، مليء بالقيم والمُثل والمحبة، وختم ذلك بالقول: «روح روّح هسا، وإذا قررت إنك تيجي بكرة تكمل العمل معنا، وأنت إنسان أحسن من هيك، فأهلا وسهلا».

يقول سرور، عدت في اليوم التالي وكما لو أني تغيرت بالفعل. ويضيف أن علاقات مميزة كانت تجمع الطريفي مع كل تلاميذه، وكان يؤمن أن المسرح كصنعة يحتاج إلى العمل الجماعي، وكان يخاطبنا بـ«يابا» لدرجة أننا جميعنا أصبحنا نناديه بهذا اللقلب «اليابا». وأهم ما يميز الطريفي من وجهة نظر سرور، بالإضافة لما لديه من مكنة عالية في التمثيل والإخراج ونظرته الفنية الفريدة ونهجة المسرحي المميز، هو تلاميذه، «ما في مسرحي عنده هذا الكم من التلاميذ، وما بقصد صغار التلاميذ، أو الشباب الجدد، إنما تلاميذ خالد عابرين للأجيال».

عمل الطريفي لعدة سنوات، محاضرًا غير متفرغ في كلية الفنون في الجامعة الأردنية، وأشرف على مشاريع تخرج طلبة قسم المسرح، تقول بُشرى عن تلك الحقبة إنها كانت من أجمل أيام خالد على الإطلاق، يعود للبيت بحملٍ كبير من الفرح والسعادة، ترى كل ذلك في بريق عينيه البُنّيتين، لا لشيء سوى أنه يحب العمل مع الشباب، يأخذ بأيديهم ويرشدهم في كل كبيرة وصغيرة في كل الأوقات، يأتي إليه الشباب ويطلبونه بالهاتف «يابا مش عارف أعمل هالشغلة، يابا بدي تساعدني بالشخصية الفلانية، بالنّص الفلاني، بالرؤية الفلانية، إلخ» وبكل حب ودون تلكؤ يقدم لهم خالد كل ما بوسعه من معرفة وعلم ومحبة.

خالد الطريفي وزوجته بشرى في إيطاليا.

تقول بشرى، إن خالد يمارس الثقافة ولا يدعيها، «عفوي وبسيط». وعطفًا على قول بشرى فإن المتتبع للطريفي يلاحظ أنه وفي أهم اللقاءات المتلفزة وأمام أكثر الإضاءات سطوعًا، يتحدّث بيديه كثيرًا، رفقة قلبه ولسانه، ولا تبدو حركات اليدين على أنها مدروسة أو متكلفة، رغم أنه الممثل القدير، إنما حركات عفوية تصاحب الكلام أو تسبقه، أو تُلّمح إلى المضمون بدلًا عنه في بعض الأحيان، لا سيما إن كان السياق ساخرًا، وفي كثير من الأحيان وأثناء الحديث يضع يده على خده أو يحك بها ذقنه، ثم يعود ويدلل بها على ما يقول، كما لو أنه يجلس إلى صديقٍ في مقهى ما وليس في لقاءٍ تلفزيوني.

في مكتبه الحميمي الصغير في شقته المستأجرة منذ عشرين عامًا، تتكدّس الأشياء الجميلة؛ هدايا وتذكارات وصور مُعلقة على الحائط والأرفف والزوايا، وبصوتٍ مُغلّف بالشجن تُشير بشرى إلى صورةٍ ملوّنة بالكاد تجمعها مع خالد الأربعيني ذي الذقن السوداء حينها، يجلسان في مقهى ما، وعلى طاولة ثنائية صغيرة، تجبر الجالسيْن على الاقتراب ما أمكن، يتناولان القهوة بأجواءٍ من المرح والسعادة الغامرة والبائنة في الملامح.

وهناك فوق طاولته وبشكلٍ يوحي بالتناول في أي وقت ودون صعوبة تذكر، تطالعك مجلدات متراصة فوق بعضها من سلاسل الكتب والمؤلفات، وكلها تشي باهتمام خالد ومطالعاته؛ قصص العرب بأجزائها الأربعة، والسلسلة الكاملة للمفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي، ورباعية ألف ليلة وليلة، وكتاب مقامات بديع الزمان، وعلى ناحيةٍ قريبة، تحفة العروس وكتاب اللؤلؤ لجون فريدرك كونز،[1] وكتاب التاريخ والفن والعلم. الغالبية العظمى من هذه الكتب بطبعات قديمة، وحواف مهترئة، تفضح وتكشف بواكير الاهتمام والشغف الأول عند خالد.

مكتب خالد الطريفي وفيه تظهر كتبه وتذكاراته وصوره.

بالإضافة لعشرات الأعمال المسرحية المهمة الممتدة خلال مسيرة حياته، ومن أبرزها شاطئ الزيتون (1974)/ القاهرة، وطريق السلامة (1982)، ودم دم تك (1983)، وعرس الأعراس (1991)، وعرار (1996)، وتعليلة سلطية (2008)، وحلم اسمه ليلة حب (2009)، والهيئة العربية للمسرح، لا يعرف الكثيرون ربما أن للطريفي تجارب تلفزيونية عديدة سبقت أعماله المسرحية أو تزامنت معها، ففي العام 1981 وعندما كان في بيروت، خاض الطريفي بواكير تجاربه التلفزيونية، إذ شارك كممثل في المسلسل السوري «عزّ الدين القسّام»، من إنتاج تلفزيون قطر ودائرة الإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية، رفقة نجوم الدراما السورية. وكذلك عمل في المسلسل الكارتوني الشهير «كاليميرو»، والذي عُرض في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

وفي العام 1983 شارك الطريفي في المسلسل الأردني «جبل الصوان»، من تأليف صاحب التغريبة وليد سيف، والمستلهم عن مسرحية ناظم حكمت «حكاية حب»، وكان العمل من بطولة عبير عيسى وربيع شهاب، وبمشاركة نخبة من نجوم الدراما الأردنية الرواد. وفي سينما الأفلام المستقلة، لعب دور الأب عبد الرحمن، في الفيلم الأردني الروائي الطويل، «بنات عبدالرحمن».

تقول الفنانة المسرحية ناندا، ابنة بُشرى حاجو من زواجها الأول، «كنت في التاسعة من عمري عندما التقيتُ ببابا خالد أول مرة، أخذني بالأحضان. قلتُ لنفسي إن هذا أبي، إذ كان أبي البيولوجي قد اختفى تمامًا عنا». وتضيف إنها عندما تعرّفت إلى من سيكون زوجها، باحت بالسرّ لخالد لا إلى أمها، على خلاف ما كانت تتوقعه من نفسها، «وعندما التقى بسامي لأول مرة، قال له «سمّعني شي على الكمان»، الآلة التي يعزف عليها. وهكذا تزوجتُ بمهرٍ ما هو إلا معزوفة على الكمان».

وتروي ناندا إن الطريفي كان يخطّط لإنجاز مسرحية عن عائلته، مسرحية «عيلة مش عيلة»، ويقصدنا أنا وأمي وزوجي سامي وأحمد سرور، كما لو أنه يؤكد أن العائلة ما هي إلا أربطة من المحبة والعطاء، أكثر من كونها روابط بيولوجية، وتختم بالقول: «لم أر إنسانا معطاء يشابه بابا خالد في هذا».

من حفل زفاف خالد الطريفي وبشرى حاجو وتتوسطهما ابنتها ناندا.

الفنانة الأردنية أمل الدباس، والتي رافقت الطريفي منذ الفوانيس الأولى وما بعدها من عروض وفرق مسرحية، تقول إن لدى خالد معين حب لا ينضب، لا يعرف الضغينة أو البغضاء، وهي التي رافقته بآخر أدواره التمثيلية، بدور زوجته أم حسن، في مسلسل شارع طلال،[2] حين «تعرض لوعكة صحية أثناء التصوير، ونقلناه على إثرها للمشفى»، وهناك تبين أن خالد مصاب بالسرطان.

حتى في أيامه الأخيرة، تروي الدّباس، بقي خالد متفائلًا، يتحدث بحب عن المسرح والدراما. وتلك الليالي التي سبقت وفاته كانت مليئة بالضحك والحديث الودي، رفقة بشرى وبعض المحبين الذين كانوا حول خالد.

في 11 أيلول من العام الفائت، وعلى أحد أسرّة مركز الحسين للسرطان، رحل الطريفي تاركًا خلفه شخصية أبو حسن، صاحب المقهى المحب في شارع طلال، والتي شاء لها القدر أن تكون آخر أعماله، لتُشبهه إلى حدٍ بعيد كما تقول الدباس، برصيدها من الحب والعطاء والبساطة.

  • الهوامش

    [1] تأليف جرج فريدريك كونز، عالم معادن أمريكي، كبير خبراء الحجار الكريمة في «تيفاني وشركاه» توفي سنة 1982

    [2] مسلسل حاليًا قيد الإنتاج.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية