عطش في الأفق: أزمة المياه في الأردن

ناقة تشرب من مياه مسالة من فتحة تهوية على خط مياه الديسي. تصوير شربل ديسي.

ملف

عطش في الأفق: أزمة المياه في الأردن

الأربعاء 07 تموز 2021

في عالم اليوم، لا يتوقف الحديث عن ندرة المياه كأزمة مستقبلية وشيكة تهدد مجتمعاتنا ومصادر بقائها وتنميتها؛ أزمة نحن في الأردن نعيش في قلبها. يعد الأردنيون من أكثر شعوب الأرض حرمانًا من المياه، إذ انخفض نصيب الفرد منها مؤخرًا إلى أقل من 100 متر مكعب بالسنة، في حين أن ندرة المياه القصوى تحدد باستهلاك الفرد 500 متر مكعب أو أقل سنويًا. ورغم أن أزمة المياه أزمة عالمية مرتبطة بأنظمة العالم القائم وطبيعة اقتصاده وكيفية إدارة موارده من قبل المتحكمين فيه، إلا أن البلدان والمناطق والشعوب المختلفة لا تعاني منها بالقدر نفسه.

يضرب الاحتباس الحراري منطقتنا التي يغلب عليها الطابع الصحراوي بشدة، إذ تتراجع معدلات هطول الأمطار سنة بعد سنة بشكل يصعب الاستفادة منه. ترتفع درجات الحرارة ويتسارع التبخر وتتوسع الأراضي والمساحات القاحلة وتزداد الصراعات على الموارد المائية. في الأردن، تحصل 90% من مساحة البلاد سنويًا على معدل هطول أمطار يقدر بأقل من 100 مم سنويًا، يضيع غالبيتها نتيجة التصحر. في المستقبل، ستزداد الصورة قتامة، حيث من المرجح أن يتراجع هطول المياه في المملكة بنسبة 30% ويتضاعف الجفاف ثلاث مرات بحلول عام 2100. ثمانية بلدان فقط في العالم تحصل على هطول سنوي أقل مما نحصل عليه اليوم.

لا شك أن البلاد تواجه أزمة مائية متنامية ومتشابكة تتداخل فيها عوامل عدة، بعضها تاريخي وسياسي، وبعضها اقتصادي وإداري. تتعرض إمدادات البلاد من المياه للخطر المستمر ويتراجع أمننا المائي ليصل العجز السنوي إلى ما بين %30 و40% من الحاجة المائية لمختلف الاستخدامات حسب الموسم المائي. يطال هذا العجز المياه المخصصة للشرب خصوصًا في فصل الصيف، كما هو الحال في هذه الأيام التي وصلت بنا إلى أن نطلب ممّن نهب مياهنا أن يقطر علينا بالقليل منها، وأن ندفع له مقابل ذلك.

تركز العديد من التقارير الدولية والأوراق المتخصصة التي تدرس الشأن المائي في الأردن على قضايا مثل اللجوء والنمو السكاني كمسببات رئيسية لأزمة المياه. ورغم أن سيولة المياه تعيق أي عملية ضبط مكتبية لها ويصعب معاينتها اجتماعيًا وسياسيًا وبيئيًا معاينات مخبرية، إلا أن العديد من نشطاء وخبراء البيئة والمناخ لا يكفون عن فعل ذلك: تُعزل قضايا المياه وتجزّأ، تنزع عنها السياسة أو تهمش، وتُحمّل العوامل الطبيعية -أو ما يعتقد أنها طبيعية- أكثر مما تحتمل. لا الجفاف، ولا التغيير المناخي، مشاكل بيئية طبيعية بحتة، ولا اللجوء والنمو السكاني على أهمية تأثيرهما، أسباب كافية لاضمحلال المياه في بلادنا. 

نسعى في حبر من خلال هذا الملف لمقاربة المشهد المائي من زوايا متعددة، في محاولة لرسم صورة أوسع لأزمة المياه في الأردن. لا يقدم الملف إجابات نهائية مكتملة عن الأزمة بقدر ما يضيء على تمظهراتها ومسببات نشوئها وانعكاسها على مجمل شؤون حياتنا. 

تتشكل إمدادات المياه في الأردن وتتأثر بجغرافيته السياسية. فرغم أن المياه لا تخضع لمنطق الحدود، إلا أن هذه الحدود ترمي بثقلها بشكل كبير على واقعنا المائي. كان لوجود «إسرائيل» الوقع الأكبر على الخارطة المائية في الإقليم عمومًا والأردن بشكل خاص. بعد نشوئها، استولت دولة الاحتلال على حصة الأردن من أعلى حوض نهر الأردن وأقامت بوابات حديدية لمنع المياه من التدفق إلى الجزء السفلي من النهر الذي انخفض إلى 2% من تدفقه التاريخي، بعد أن نقلت مياه النهر من بحيرة طبريا إلى صحراء النقب عبر مشروع «الناقل الوطني الإسرائيلي» في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. فضلا عن ذلك، عرقلت «إسرائيل» عددًا كبيرًا من المشاريع المائية المشتركة بين الأردن ودول الإقليم وخاصة سوريا، وداخل الأردن نفسه، وحرمته من حصص كبيرة من المياه السطحية التي تشكل حوالي ثلث إمدادات المياه في البلاد اليوم.

عند الحدود الأردنية السعودية وعلى امتداد آلاف الأمتار، يتشارك البلدان حوضًا مائيًا جوفيًا غير متجدد. في سبعينيات القرن الماضي، بدأت السعودية باستخدام كميات كبيرة من مياه الحوض العذبة الصالحة للشرب لزراعة الصحراء. بعد عقد من الزمن، سحب الأردن أيضّا كميات أقل، ومنحَ امتيازات لشركات خاصة لاستخدام المياه العذبة لزراعة القمح والحبوب للاستهلاك المحلي. وبعد أن اشتدت الأزمة المائية في الأردن نتيجة شح المتوفر وازدياد الطلب، جرّت الحكومة الأردنية عام 2013 المياه من حوض الديسي إلى عمان والعقبة لغايات الشرب، على أمل أن تسقي الأردنيين من مياهه لخمسين سنة، قبل أن يجف بالكامل. لكن، ونتيجة للسحب الكبير منه لغايات الزراعة تحديدًا من قبل السعودية، بات البعض يشكك بمقدرة الحوض على الاستمرار للمدة التي يتوقعها الأردن، الأمر الذي يهدد مصدرًا رئيسيًا من مصادر مياه الشرب في المملكة ويطرح أسئلة عديدة حول مدى استدامته.

داخليًا، يتدهور وضع المياه الجوفية بسرعة تتجاوز قدرة الطبيعة على تغذية المتجددة منها، حيث يستنزف الأردنيون الـ12 حوضًا جوفيًا موزعة في أرجاء المملكة متجاوزين بذلك كل حدود السحب الآمنة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستويات غالبيتها وتردي نوعية مياهها بشكل خطير، الأمر الذي انعكس في جفاف آلاف الآبار خلال العقود الماضية. تأتي الحصة الأكبر من مياه الشرب والزراعة من المياه الجوفية، ويذهب أكثر من ثلث المستخرجة منها داخليًا للزراعة. ورغم حاجتنا لكل قطرة ماء، إلا أننا نصدّر جزءًا كبيرًا منها للخارج، على شكل خضروات وفواكه. كما تفقد شبكات المياه ما يقارب نصف مياهها في طريقها إلى منازل الأردنيين. يعزو البعض ذلك لأسباب فنية مرتبطة بنظام التقنين المتقطع الذي يمد السكان بالمياه ليوم أو يومين بالأسبوع، الذي يؤدي إلى إتلاف الشبكات وبالتالي التسرب، وأمور أخرى كالاعتداءات المستمرة على خطوط إمداد المياه.

أنه لأمر مقلق حقًا أن تستنفد الدولة مياهها الجوفية التي تعد أثمن مصدر من مصادر البلاد المائية وأكثرها أهمية، فنحن نحصل على قرابة ثلثي مياهنا من طبقات المياه الجوفية، الداخلية والمشتركة، وجميعها مهددة بالنفاد في المستقبل القريب، كما هو حال المياه السطحية النابعة من «إسرائيل» ودول الجوار.

يناقش هذا الملف هذه المواضيع بالتفصيل ويقاربها من زوايا مختلفة. تستعرض دلال سلامة أزمة المياه الجوفية ومستقبلها في ظل السحب الجائر الذي تعاني منه الآبار المتجددة وغير المتجددة. وتتناول دانة جبريل مسألة حوض الديسي المشترك بيننا وبين السعودية، وتقاربها من بوابة استدامة الخط وتكاليفه الباهظة، وذلك بعد كل الكميات التي سحبتها السعودية منه لغايات زراعة الصحراء على مدار العقود الخمسة الماضية. يحتوي الملف أيضًا على ورقة مترجمة للباحث يوسف عبد الرحيم من الجامعة العربية الأمريكية في رام الله حول التهديد الذي تمثله الهيمنة المائية الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني. ويناقش عمار الشقيري بتقريره موضوع الفاقد المائي وأسبابه وعدم إحراز تقدم ملموس في حل مشاكله، رغم كل الخطط الرسمية والأموال التي دفعت لوقف نزف المياه من الشبكات ومنع الاعتداءات على الخطوط. فيما تستعرض ليلى العاجيب أزمة الزراعة في ظل شح المياه، وطرق تكيّف مزارعي بعض مناطق شمال المملكة باستخدام عدّة طرق للري بينها الري بالتنقيط وسقاية المزروعات بالمياه المعالجة، شارحة الصعوبات التي تواجه المزارعين في كل من الطريقتين اللتين يرى  خبراء أنها مجرد حلول مؤقتة. وفي ظلّ الشحّ الذي شهده الموسم المطري الفائت، يستعرض حارث الطوس أبرز ملامح النقاش حول السدود في الأردن ومدى نجاعة هذه الوسيلة في تحقيق حصاد مائي جيد والاستفادة من مياه الأمطار.

 

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية