أبعد من تشديد المخالفات: كيف نفهم قانون السير الجديد؟

الشارع المؤدي إلى منطقة رأس العين. تصوير مؤمن ملكاوي.

أبعد من تشديد المخالفات: كيف نفهم قانون السير الجديد؟

الأربعاء 13 أيلول 2023

على الطريق، وفي الإذاعات، وفي كثير من الجلسات، كان قانون السير الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ ليلة الإثنين، حاضرًا في نقاشات الكثير من الأردنيين، بين من يشكو من تشديد العقوبات على المخالفات المرورية ومن يرحب بها. ورغم أن «قائمة الأسعار» الجديدة انتشرت على نطاق واسع بين السائقين، منذرةً بما قد يقعون فيه قريبًا، إلا أن الأهم يظل النقاش الأوسع حول إعادة التفكير بضبط عملية المرور في الأردن، وجدوى القانون في ظل الصعوبات المتعلقة بالبنية التحتية، وآليات تنفيذ القانون، الذي يعدّ جزءًا واحدًا ضمن منظومة السير بأكملها.

يقترب عدد المركبات المسجلة في الأردن في السنوات الأخيرة من مليوني مركبة، وتدخل سنويًا أراضيه نصف مليون مركبة أجنبية، في ظل تحديات منظومة السلامة المرورية التي تعاني غيابًا لآليات تنظيم السير والرقابة، وضعف التزام الكثير من السائقين، ما يؤدي إلى زيادات سنوية بوقوع الحوادث. في العام السابق، وقع 169 ألف حادث مروري، أدى إلى وفاة 562 شخص و805 إصابة بليغة، بتكلفة مادية بلغت 322 مليون دينار.

كمحاولة لضبط العملية المرورية، غلظ القانون المعدل لقانون السير 2023 عقوبات الحبس والغرامات المالية في مخالفات تعد الأخطر من حيث حدتها كقطع الإشارة الضوئية الحمراء ومعاكسة السير وقيادة المركبة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، وغيرها من المخالفات. 

في هذا الحوار، يحدثنا مدير المعهد المروري الأسبق، المهندس أحمد الوراورة، حول آفاق التعديلات القانونية الجديدة، وأثرها على منظومة السلامة المرورية، ومحددات تطبيق القانون، إضافة إلى مساعدتنا في فهم عوامل ازدياد الحوادث في الأردن والخسائر الناتجة عنها، وأسباب الازدحامات المرورية وإمكانيات التعامل معها.

رحمة حسين: بدايةً؛ ما هي مبررات إجراء تعديلات على قانون السير رقم 49 لسنة 2008؟

أحمد الوراورة: العملية المرورية دائمة التغيّر، وهي بحاجة لإعادة النظر بشكل دوري ومستمر في التشريعات الناظمة لها. لقد أصبح عمر قانون السير 15 عامًا؛ في هذه المدة حصلت العديد من التطورات التي ينبغي معالجتها. 

كانت المبررات الرئيسة لتعديل القانون هي زيادة أعداد المركبات وظهور مركبات حديثة بتجهيزاتها وقدراتها تم التعامل معها بوضع أسس للسلامة من خلال التعديلات، وينبثق عنها تعليمات تجهيز المركبات الحديثة أيضًا. كما أصبحت هناك أنماط جديدة من النقل، كالتطبيقات التي تستخدم المركبات الخاصة في النقل العام، إذ كانت تعمل بشكل غير مقونن في السابق وإن امتلك السائق تصريحًا. وصارت لدينا مسارات مخصصة للباصات ذات التردد السريع، والتي لم يكن هنالك ما يخالف دخول المركبات غير المخصصة هذه المسارات من خلال القانون.

كذلك، أصبح لدينا حاجة لاعتماد رخص القيادة ورخصة المركبة الإلكترونية عبر تطبيق سند، إذ لم تكن معتمدة قانونيًا في السابق، وتم الإعلان عن اعتمادها قانونيًا بموجب التعديلات الجديدة. لدينا أيضًا مسألة اعتماد المعلومات المتعلقة بالمركبات التي تقدمها الضابطة العدلية عبر الوثائق والصور، ففي السابق كان القاضي يأخذ بها  كمؤشرات لا كأدلة، وتمت معالجة هذا الأمر عبر التعديلات وأصبحت حججًا أمام القضاء.

باعتقادك، ما هي أبرز التعديلات الواردة في القانون المعدل لقانون السير لعام 2023، والتي سيكون لها أثر إيجابي في الحفاظ على السلامة المرورية مستقبلًا؟ 

أهم التعديلات الواردة في القانون هو تعريف الحادث المروري بإضافة عبارة «غير مقصود» وهو ما يتوافق مع التعريفات العالمية له، لأن الحادث المروري إن كان مقصودًا بطُلت عنه صفة الحادث ولا يدخل ضمن صلاحيات قانون السير ويحول للجهات المعنية.

هنالك العديد من التعديلات الإدارية للتسهيل على المواطنين، مثل إناطة مهام كتاب العدل في إدارة الترخيص بالرقيب الجامعي إضافةً للضباط، بعد كانت منوطة بالضباط وحدهم.

وتم تغليظ العقوبات على عددٍ من المخالفات المتحركة الخطرة من حيث حدتها ونتائجها؛ من هذه التعديلات الأساسية زيادة قيمة المخالفة على تجاوز الإشارة الحمراء، لتصبح من 200 لـ300 دينار والحبس من شهر إلى شهرين. وعند تجاوز السرعة المقررة بـ50 كم/ساعة يُخالف السائق بـ100 دينار أو الحبس من شهر لثلاثة أشهر أو كلتاهما معًا.

التعديلات الجديدة غلظت العقوبة على سير المركبات على شكل مواكب؛ إذ كانت خالفتها سابقًا 30 دينار وارتفعت الآن لتصبح من 50 الى 100 دينار، مع اتخاذ اجراءاتٍ إدارية وهي حجز الرخص وحجز المركبة لمدد متفاوتة لا تقل عن 24 ساعة ولا تزيد عن شهر. وتكمن خطورة هذه المخالفة بتعطيل حركة السير وتعطيل حركة سيارات الإسعاف والدفاع المدني.

إضافة إلى ذلك، غُلظت عقوبة القيادة بتهور وطيش، وكذلك الأمر بما يتعلق باستخدام الهاتف النقال وهو من أهم أسباب وقوع الحوادث في الأردن، حيث يتسبب الهاتف بتشتيت السائق. أيضًا مخالفة عدم وضع حزام الأمان أُضيفت على العقوبة السابقة زيادة متواضعة نوعًا ما، بزيادة خمسة دنانير.

ازدحام مروري في منطقة وسط البلد. تصوير لينا خالد.

بمناسبة الحديث عن مخالفة عدم التقيد بوضع حزام الأمان، قد يستهين البعض بهذه المسألة. نود أن نعرف أكثر من أين تأتي أهمية حزام الأمان للسائق والركاب؟

لمعرفة أهمية وضع حزام الأمان، ينبغي أن نعرف أن الحادث المروري ينقسم لثلاثة أقسام؛ وهي مرحلة ما قبل وقوع الحادث، أي إن حدث أي مسبب أدى إلى وقوع الحوادث. ومرحلة وقوع الحادث نفسه، ومرحلة ما بعد وقوع الحادث.

الآن، أثناء وقوع الحادث، تكمن خطورة عدم تقيّد الأشخاص داخل المركبة بالحزام، باحتمالية اصطدام الركاب ببعضهم البعض مما قد يؤدي إلى نتائج قاتلة تحديدًا بين ركاب المقاعد الخلفية. والمسألة الثانية هي قد يتسبب الحادث دون الحزام باندفاع ركاب المقاعد الأمامية من الزجاج، وكثيرًا ما صودف أن نجد الأشخاص المتضررين والمصابين من الحوادث خارج المركبة. 

البعض يقول إنه لا ينبغي أن يكون حزام الأمان إلزاميًا داخل الحدود التنظيمية كالمدن والقرى، إلا أن الدراسات العالمية أثبتت إمكانية أن تتنج حالات وفاة عن حادث بسرعة 56 كم/ساعة. عدا عن ذلك، فإن وضع الحزام يخفض خطورة الحوادث بنسبة 50%، أي أنه بدلًا من خسارة الراكب بحالة وفاة يمكن أن يُصاب إصابةً بليغة، وتخفض احتمالية الإصابات البليغة لتصبح إصابات متوسطة، وهكذا. 

هنالك معلومة أود التطرق إليها وأعتقد أن كثيرًا من الناس لا يعرفونها، وهي أن الوسادة الهوائية لا تعمل في المركبة إلا إذا كان حزام الأمان مربوطًا. لذلك، فاستخدام الحزام مهم للغاية.

قلت في مقابلة سابقة إن القانون المعدل الجديد جيد بنسبة 90%، لكن ما هي تحفظاتك على بعض مواده؟

تحفظي الأول هو أنه عندما أقرَّت التعديلات إنشاء المجلس الأعلى للسلامة المرورية، أناطت رئاسة المجلس بوزير الداخلية. لكننا كنا نطالب بأن تكون برئاسة رئيس الوزراء حتى يكون لها قوة أكبر في اتخاذ القرارات وفي التأثير على الوزارات الأخرى.

أما النقطة الثانية، هي تحفظي على المادة 27 ج التي تنص على عدم ملاحقة السائق جزائيًا إذا كان فعلُ المتضرر هو السبب الرئيسي في وقوع الحادث. المتضرر المقصود في هذه الحالة هو المشاة عبر حوادث الدهس. وتعززها المادة 38 بالفقرة الثانية في البند 34 التي تنص على مخالفة «عبور المشاة في الأماكن غير المخصصة لذلك على الرغم من توفرها فيه»، ومخالفتها هي 15 دينارًا. السؤال هنا هو من الذي يقرر توفر هذه الممرات للمشاة من عدم توفرها؟ أعتقد أن المادة لها محاذيرها لأن المشاة يعانون من بنية تحتية غير آمنة لهم، وتفتقر إلى ممرات المشاة. بالتالي فإن تحميلهم مسؤولية عدم جاهزية البنية التحتية ستسبب مشاكل اجتماعية لهم. المادة أيضًا لا تراعي حالات دهس الأطفال عند قطعهم الشارع من مكان غير مخصص له. فالطفل غير مكلف بأن يعرف قانون السير مثل الشخص الذي يحق له إصدار رخصة القيادة وله مركبة مؤمنة، وبطبيعة الحال فالمشاة غير مؤمنين؛ بالتالي سوف تتسبب المواد بإشكالية عدم موافقة التأمين على التعويض، ويمكن أن تصبح للتأمين حجة على الشخص المتضرر وأن يطالب بتعويض منه. 

لكن ألا توجد هناك خطوط حمراء ينبغي على المشاة عدم اختراقها، وإن لم تكن هنالك ممرات للمشاة بالقرب؟ كقطع الطريق على مقربة من الأنفاق وغيرها؟

نعم، إلا أن الجهات المسؤولية ينبغي أن يكون لها دور مباشر في منع المشاة من قطع المناطق الأكثر خطورة. في هندسة المرور هناك العديد من الحلول لمنع التعارض بين المشاة والمركبات؛ كوضع السياج بهذه المناطق، ومتابعة جودة وسلامة هذا السياج كل حين. في حالة تجاوز المشاة لهذه الموانع عندها يمكن مخالفتهم أو اعتبارهم مسببًا للحادث. 

هل يمكن أن يسائل المتضررون من حوادث الطريق الجهاتِ المسؤولة عن عدم وجود بنية تحتية آمنة لمستخدمي المركبات والمشاة؟

طبعًا، بإمكان المتضررين أن يحملوا الجهات المسؤولة كالبلديات أو وزارة الأشغال العامة المسؤولية عن وقوع الحوادث أمام القضاء. أذكر أن إحدى مشاريع الطرق في عمان تسببت في عدد من الحوادث. وقتئذ تم تحميل المسؤولية للجهة المسؤولة وتبين أنها كانت على المتعهد لإنشاء الطريق، وذلك لأن وزارة الأشغال العامة نبّهت المتعهد خلال كتاب رسمي لتصحيح الأخطاء الإنشائية في الطريق خلال مدة معينة ولم يأخذ هذا التنبيه بعين الاعتبار. 

يمكن تحميل المسؤولية للجهة الرسمية المسؤولة، لكن هذا الأمر يقع على عاتق المحامين الذين يترافعون عن هذه القضايا، إذ يجب أن يكونوا على دراية كافية بالقانون وكذلك الأمر بالنسبة للادعاء العام والقضاة.

96% من الحوادث في الاردن يتسبب فيها البشر، بحسب إحصائيات مديرية الأمن العام. لكن العديد من حالات الحوادث التي توضع على عاتق السائقين يتسبب بها أو بجزء منها غياب الشواخص التحذيرية أو الإضاءة أو وجود خلل بهندسة الطريق. كيف تفسر ذلك؟

نعم، صحيح. لنتحدث بصراحة: عند فحص مندوب الحوادث لواقعة الحادث، هناك بعض العوائق أو النواقص التي يمكن أن يلاحظها بسهولة، وينبغي عليه تدوين عيوب الطريق في «الكروكا». لكن هنالك بالفعل بعض العيوب الإنشائية المسببة لحوادث الطريق، يكون عادةً من الصعب على مندوب الحوادث أن يلاحظها وهي تحتاج لخبراء في هندسة الطرق، وعملية التثبت من وجود العيوب الإنشائية تحتاج أجهزة معينة للقياس لمعرفة إذا ما كان هنالك خلل في طريق أم لا.

لذلك أعتقد أنه ينبغي أن نعتمد نوعين من التحقيق في الحوادث، والأول يتم فيه دراسة الحادث بشكل عام وهو ما يقوم به مندوبو الحوادث عادةً، أما الآخر فهو التحقيق الذي يتعمق في كافة تفاصيل الحادث وهو بحاجة إلى خبرات فنية ليدرسوا الطريق والمركبة وفعل السائق والمشاة. بسبب غياب هذا النوع من التحقيقات المرورية نجد ارتفاعًا دائمًا بالعامل البشري مع انخفاض اعتبار الطريق مسببًا للحوادث. 

تجمع للسرافيس في منطقة وسط البلد. تصوير شربل ديسي.

هل لدينا إمكانيات وآليات مراقبة دقيقة لتنفيذ هذا القانون بفعالية؟

يمكن للجهات المسؤولة أن توفر هذه الإمكانيات بسهولة، إن عزمت على ذلك. أود أن أذكر أن البرمجيات التي تستخدمها السعودية منذ عشر سنوات من أجل تشغيل الكاميرات المخصصة لرصد المخالفات بدقة هي من وضع مهندسين أردنيين. فالأصل هو سهولة توافر البنية التحتية لهذه الكاميرات من خلال توافر البرمجيات، وتستطيع هذه الكاميرات تمييز مخالفات عدم التقيّد بحزام الأمان واستخدام الهاتف أثناء القيادة وغيرها. 

الأصل أن نتوجه في مسألتي تنظيم حركة المرور والرقابة إلى آليات التنظيم الإلكترونية. إن غياب هذه الآليات يفرض على رجال شرطة السير والمرور والدوريات أن يتفرغوا لعمليتي تنظيم حركة المرور بسبب الازدحامات والرقابة العشوائية على حساب مسؤوليتهم في تشغيل الشبكة المرورية والتواجد في الميدان فقط في وقت الحوادث كالدول الأخرى. كذلك يفترض بالشرطة إخبار الجهات المسؤولة عن حاجات الطريق لأجهزة معينة؛ عدم تلبية هذه الآليات يفرض على الشرطي أن يسد هذا الفراغ. ومن يعتقد أن الشرطة وحدهم قادرون على مراقبة جميع المركبات المارّة بجانبهم مع وظيفة تنظيم السير فهذا أمر مستحيل وغير عملي.

هل السبب في عدم وجود هذه الأجهزة وآليات المراقبة الدقيقة هو العبء الاقتصادي الذي لن تتمكن الدولة من تحمّله لتوفيرها وتشغيلها؟

بما أننا تطرقنا إلى مسألة اقتصاديات المرور، سأتطرق إلى بعض الأرقام التقديرية لتوضيح أن العبء الاقتصادي الحقيقي على الدولة يأتي من خسائر الحوادث سنويًا إضافةً إلى تكلفة حرق الوقود الضائع أثناء الازدحامات.

في السنوات العشر الماضية، وقع في الأردن ما يقارب المليون حادث مروري نتج عنها قرابة ستة آلاف وفاة و161 ألف إصابة، وخسائر مادية تقدر بحوالي ثلاثة مليارات دينار. بحسبة بسيطة أخرى لتكلفة الوقود المحترق أثناء الازدحامات، فلدينا حوالي مليونيْ مركبة مسجلة في الأردن؛ إن قدرّنا صرف كل مركبة بسبب الوقود الضائع في الازدحامات بدينارين يوميًا، فهذا يعني أننا نحرق قرابة أربعة ملايين دينار يوميًا، ومليار و200 مليون دينار سنويًا. في عشر سنوات، نتحدث عن حوالي 12 مليار دينار فقط من الوقود المحترق أثناء الازدحامات، مع إضافة الخسائر الناتجة عن الحوادث، ينتج لدينا 15 مليار دينار من الخسائر خلال السنوات العشر الأخيرة. هذا المبلغ كفيل بإنشاء بنية تحتية مرورية أفضل للمواطنين، بحيث تتسبب هذه البنية بتقليل هذا الكم المستمر والمتزايد من الخسائر.

ما هي أسباب ارتفاع المخالفات والحوادث في الأردن داخل وخارج المدن بالرغم من وجود قانون سابق لضبط هذه المنظومة؟

القانون هو جزء من منظومة السلامة المرورية، أي أن حل إشكاليات السلامة المرورية يحتاج عدّة تطبيقات أخرى؛ منها إيجاد خطة استراتيجية وطنية لتخفيض الحوادث والإصابات الناتجة عنها، إضافة إلى تطوير هندسة الطرق والبيئة المحيطة بها بأن نكون على دراية بمناطق الخلل الإنشائية والنقاط السوداء التي تكررت فيها الحوادث والعمل عليها.

أعتقد كذلك أنه من الأهمية إيجاد الوسائل لتوعية أفراد المجتمع، بدءًا بالأطفال وصولًا إلى كبار العمر، بمسائل استخدام الطريق وحقوقهم وواجباتهم في هذه المسألة. أيضًا هنالك دور ذو أهمية لتطوير الخدمات الطبية الطارئة بعد وقوع الحوادث. إضافة إلى ما ذكرناه سابقًا حول غياب التنظيم والرقابة الإلكترونية.

الآن، انتقالًا لأسباب الحوادث داخل المدن، فإن المسبب الأكبر للحوادث الأكثر خطورة داخل المناطق التنظيمية هو استخدام الهاتف والذي يتسبب بتغيير المسرب بشكل مفاجئ؛ ونسبة الوفيات الناتجة عنها مرتفعة. أما الحوادث على الطرق الخارجية فهي متعلقة بالسرعة، خاصة إن ترافقت مع تغيير المسرب. نعلم جيدًا أن هذين السببين يزيدان من احتمالات الحوادث المرافقة للوفيات أو الإصابات. 

هل يرتبط ازدياد حجم السيارات باحتمالية وقوع حوادث الأكثر خطورة؟

نعم بالتأكيد، فمثلًا وقوع الحوادث بين الشاحنات الكبيرة والسيارات الصغيرة يتسبب بأضرار عنيفة على ركاب السيارات الصغيرة، وذلك بسبب تحرر الطاقة الكامنة من الشاحنات وبخاصة إن كانت حمولتها ممتلئة بوزن 50 طن تقريبًا، على سيارات بحجم 2.5 طن، لذا فإن هذا الاصطدام سيؤدي بالضرورة إلى الوفيات والإصابات الخطرة.

وبحسب إحصائيات الأمن العام، فإن حوادث الشاحنات الكبيرة تعد الأخطر من بين الحوادث التي تتسبب بالوفيات. كما أن أهم أسباب وقوع حوادث الشاحنات هي قيادة المركبة برخصة لا تخول قيادتها، أو عدم حيازة رخصة من الأساس. وأعتقد أن أحد أهم التعديلات هي زيادة العقوبات على هذه المخالفة وجعلها أكثر تفصيلًا من السابق، وأعتقد أن هذه التعديلات تحديدًا ستنعكس إيجابا بتقليل الحوادث، وبخاصة حوادث الشاحنات.

فيما يتعلق بضوابط ركوب الأطفال في السيارات؛ لماذا يشدد القانون على جلوس الأطفال الأصغر من عشر سنوات في المقاعد الأمامية، رغم أن إحصائيات الأمن العام تؤكد أن ركاب المقاعد الخلفية يتعرضون أيضًا لنسبة كبيرة من الإصابات؟

بحسب الدراسات العالمية، فإن جلوس الأطفال في المقاعد الأمامية يشكل خطورة على حياتهم لأن أحجامهم ضئيلة، ويمكن أن يفلتوا بسهولة من حزام الأمان في المقاعد الأمامية. الأطفال في سنواتهم الأولى ينبغي أن يجلسوا في الكراسي المخصصة للأطفال. كذلك، ثبت أن خروج الوسادة الهوائية على الطفل الجالس في المقعد الأمامي يمكن أن تؤدي إلى إصاباتٍ بليغة وإلى الوفاة بسبب اندفاعها الكبير، لذا فإن الآمن جلوس الطفل في المقاعد الخلفية.

انتقالًا لمسالة ازدياد الأزمات المرورية، كثيرًا ما يقع اللوم على المواطنين بسبب زيادة أعداد المركبات سنويًا. كيف تفسر ذلك؟

لا نستطيع أن نضع اللوم على المواطن، فالمواطنون يعانون من تراجع كفاءة النقل العام. عندما نتحدث عن حافلة نقل عام سعتها 50 شخصًا، إذا قسمناها على ما يسمى معدل ما تحمله السيارة الواحدة خلال الرحلة في عمان وهو 1.4 راكب، فإن الحافلة الواحدة يمكن أن تختصر 25 إلى 30 سيارة في الرحلة الواحدة. لو كان لدينا نقل فعال وآمن وقتئذ لن يضطر المواطن لاستخدام سيارته الخاصة.

هنالك أمر آخر متعلق بهذه المسألة، وهو عدم وجود بيانات حول الأحجام المرورية لدى الجهات المسؤولة؛ والحجم المروري هو عدد المركبات التي تمر عبر نقطة معينة خلال ساعة واحدة. هذه البيانات تعد مؤشرًا على مستوى كثافة السير على الطرقات وبالتالي فهي تساعد بشكل فعال على التخطيط للطرقات وتقليل الازدحامات المرورية. اليوم، هنالك حوالي مليون مركبة تستخدم الطرقات في عمان وحدها، ويقدر عدد سكان عمان بـ5 ملايين نسمة. وبحسب الدراسات الهندسية، فإن كل شخص يقطن في عمان بحاجة على الأقل إلى رحلتين يوميًا للذهاب والعودة من الدوام، أي بمعدل 10 ملايين رحلة يوميًا تعتمد بشكل أساسي على المركبات الصغيرة. بالتالي، حكمًا سنرى أعدادًا كبيرة من المركبات تستخدم شبكات طرق محدودة جدًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية