الحمّة الأردنية: نبع السياحة الذي كفّ عن الجريان

مشروع الفندق البيئي التابع لشركة الحمة المعدنية الأردنية، تصوير مؤمن ملكاوي.

الحمّة الأردنية: نبع السياحة الذي كفّ عن الجريان

الأربعاء 23 آب 2023

أخذت قرية الحمّة الأردنيّة، التي تتبع إداريًا إلى لواء بني كنانة في محافظة إربد شماليّ الأردن، شهرتها من نبع مياهٍ ساخنة عُرفت في أرضها منذ آلاف السنين،[1] وقصدها أهالي بلاد الشام للعلاج بالاستحمام في مياه ينابيعها الساخنة والغنيّة بالمعادن، واستراحوا تحت ظلّ الشجر المجاور للنبع، أو في خيمةٍ وربّما كانت معرّش قصب، بُنيَ حول النبع.

وقد شهدت القرية بناء أوّل منشأة سياحيّة حول النبع عام 1964 عندما تأسست شركة «الحمّة المعدنيّة الأردنيّة» كشركة مساهمة عامّة، تملك الحكومة أكثر من نصف أسهمها، ويملك مساهمون من عدة محافظات أردنية بينهم أبناء القرية بقيّة الأسهم. وعلى مساحة تبلغ نحو 17 دونمًا، أقامت الشركة حول النبع ستّة شاليهات، وثلاث برك سباحة، ومطعمًا شعبيًا، وفندقًا من طابقين يتسّع لـ12 غرفة، في كل طابق ست غرف.

جذبت هذه المنشأة سكانًا جددًا إلى القرية، وبنى مساهمون في الشركة بيوتًا لهم فيها، منهم مثلًا عائلة مدير المنتجع في فترة من الفترات فتحي سمارة. كما ظهر نشاط اقتصادي جديد، فباع أهالي القرية المشغولات اليدوية، مثل السلال المصنوعة من القصب الذي ينمو حول نهر اليرموك، وسمك الزينة الذي يُجلب من روافد النهر. وصار مزارعو القرية يفضّلون بيع محصول الليمون الذي تشتهر القرية بزراعته إلى السيّاح بدل تصريفه في الحسبة المركزيّة. وانتشرت البسطات والأكشاك التي تبيع مواد البِقالة، وأخرى لتأجير إطارات العوم حول المنتجع. كما عمل بعض شباب القرية في المنشأة نفسها بائعي تذاكر، وعمّال نظافة، وعمالًا في المطعم، ومُنقذين.

بالإضافة إلى ذلك، نشأ في القرية نشاط اقتصاديّ يقوم على تأجير بيوت أهل القرية، أو أجزاء منها، للعائلات القادمة من محافظات بعيدة أو من خارج الأردن، وبيعت فيها أحيانًا وجبات الطعام للسيّاح، فيما تشارك المستأجرون والمؤجرون في أحيان أخرى وجبات الغذاء نفسها.

مع الوقت، صارت القرية واحدةً من الوجهات الرئيسيّة للسيّاح الأردنيين، وخاصة من سكّان محافظات الشمال، فضلًا عن السيّاح العرب من الدول المُجاورة وخاصة السوريّين. يتذكّر يوسف الشمّري، ابن القرية المولود سنة 1966 تلك الفترة، حين كانت القرية في مساءات يومي الخميس والجمعة تعجّ بآلاف السيّاح الذين زاد عددهم في الثمانينيات عندما تحسّنت العلاقات الأردنية السورية وتنقّل الناس بين البلدين على البطاقة الشخصيّة: «كنّا نقعد المسويّات، وحاطين أم كلثوم، وناس رايحة، وناس جاية، الكل شغّال، دايمًا كان مع أجيالي مصاري».

أما رائد سمارة، ابن فتحي سمارة مدير المنتجع من السبعينيات إلى التسعينيّات، فيتذكّر حادثةً ظلّت عالقة في ذاكرته وقعت يوم جمعة من إحدى سنوات الثمانينيات تدلل على عدد الزوّار الكبير، ففي ذلك اليوم اضطر مدير شرطة إربد حينها، وكان ضيفًا على أبيه في البيت، على ترك مُضيفهِ والخروج لمساعدة رقباء السير في تنظيم حركة السيّارات المكتظة حول المنتجع.

ظلّت المنشأة السياحيّة هذه، التي صُنِّفت خدماتها بين نجمتين إلى ثلاث، الوحيدة في القرية، وتتقاضى من الزوّار رسومًا منخفضة، ومع ذلك كانت تجني أرباحًا وتوزعها في نهاية كل سنة على المساهمين، ومن بينهم -مثلًا- والد الشمّري الذي كانت تصله الأرباح بالبريد بعد صدور التقارير المالية وعرضها في الاجتماعات السنوية للشركة.

الحمّة قبل أن تتوقف عن العمل من هاتف يوسف الشمري

خصخصة من أجل «تحسين» الإنتاجية

سنة 1996 بدأت الحكومة انتهاج سياسة الخصخصة كمكون أساسي في أجندتها الاقتصادية، وأُقر قانون التخاصيّة عام 2000. وقد نصّ القانون على عدة أسباب لتبني هذا النهج، منها: رفع كفاءة المشروعات، وتحسين الإنتاجية والقدرة التنافسيّة، والإسهام في تشجيع الاستثمارات المحليّة والعربية والدوليّة، وإدارة المشاريع الاقتصادية بأساليب حديثة.

باعت الحكومة عددًا من المؤسسات للقطاع الخاص، سواء تلك التي كانت تملك أسهمها بالكامل، أو تساهم في جزء منها. عمومًا، بلغت مساهمة الحكومة في الشركات المساهمة العامة عند بدء عملية الخصخصة نحو 15%، ثم انخفضت إلى ما دون الـ8% بعد بيع مساهمتها في معظم هذه الشركات، ومن بينها شركة «الحمّة المعدنيّة الأردنيّة»، إذ اشترت شركة زارة للاستثمار القابضة، عام 1997، أسهم الحكومة وبعض المساهمين الأفراد فيها، لتملك حينها 55.8% من الأسهم، بتكلفة 1.14 مليون دينار، وتؤول إدارة شركة الحمة لها.

كانت شركة زارة قد تأسّست عام 1994 من قبل مجموعة مستثمرين، وبنوك محلية، وشركات استثمار، موجهةً استثماراتها لبناء شبكة من الفنادق والمنتجعات التي تصنّف ضمن فئة الخمس نجوم. وقد أعدّت الشركة عام 1998 دراسة جدوى اقتصادية بهدف تحديث وتطوير منتجع الحمّة السياحي، تضمنت الدراسة إقامة غرف فندقيّة، وبرك سباحة، ومطاعم، وشاليهات، بالإضافة إلى عدد من المرافق المساندة التي من شأنها «أن تشكّل عامل جذب للسياحة المحليّة والعربيّة والدوليّة»، بحسب ردّ الشركة على استفسارات حبر عن المشروع.

قامت فكرة تحديث وتطوير المشروع على تنويع الخدمات والمرافق التي يتضمنها المشروع؛ سواء من حيث الاستفادة من خواص المياه المعدنية المتوفرة فيه، أو من حيث توفير المرافق الترفيهية الأخرى التي سوف تجعل من هذا المشروع «نقطة جذب للسياحة لشمال المملكة، وفرصة متاحة لاستيعاب الأيدي العاملة من سكّان المنطقة والمناطق المحيطة».

منظر عام لمنطقة المسابح في الحمة.

بين الأعوام 2003 و2006، وكان المنتجع ما زال يعمل حينها، ظهرت مشكلة تلوّث مياه النبع الرئيسي، الأمر الذي دفع وزارات: السياحة والآثار، والصحّة، والبيئة، لإغلاق المنتجع خمس مرات على الأقل في هذه السنوات. وهو ما دعا الشركة عام 2006 إلى التوقف عن التشغيل «نظرًا لتكرار إغلاق منتجع الحمّة»، فهدمت وأزالت جميع مرافقه بهدف إعادة تأهيله بالكامل.

ارتأت الشركة ضرورة استملاك الأرض المقام عليها المنتجع والبالغ مساحتها نحو 17 دونمًا، ثم اشترت إضافة إليها نحو 30 وحدة سكنية تحيط بالمنتجع، وتتراوح مساحة الواحدة منها بين 300 و500 متر، بهدف هدمها من أجل السيطرة على تلوّث مياه النبع الذي كان يُعتقد أنّ مصدره الحفر الامتصاصية لهذه الوحدات. دخلت الشركة في مفاوضات على السعر مع أصحابها، وقد أخرت هذه المفاوضات المضي بالمشروع سنتين على الأقلّ، إذ اعترض أصحاب هذه الوحدات على السعر الذي عرضته الشركة لهم في البداية قبل أن يجري الاتفاق، ليصير الحجم الكلي لما تملكه الشركة نحو 49 دونمًا.

صار السيّاح يدخلون الحمّة وما يلبثوا أن يغادروها بعد أن يعرفوا مصير المنتجع القديم المتوقف والمهدّم. هكذا توقّفت الحمّة لأوّل مرّة منذ قرابة أربعة عقود عن استقبال السيّاح، وانتهت معها ذكريات الكثير من زوّار المنتجع، وكذلك النشاط الاقتصادي الذي أوجده هذا المنتجع في القرية.

لماذا تأخر مشروع تطوير الحمة؟

بالإضافة إلى مشكلة تلوّث المياه، التي ظلّت قائمة «رغم إزالة جميع المسببات المشكوك في أمرها» بحسب ردّ الشركة، واستمرارها بإجراء فحوصات مخبرية لينابيع مياه المنتجع، نشأ خلاف نهاية العام 2007 بين الشركة وبلدية خالد بن الوليد، التي تتبع القرية لها، حول ملكيّة أرضٍ تقع داخل المنتجع، وتحيط بالنبع الرئيسي، وتبلغ مساحتها قرابة أربعة دونمات.

برز هذا الخلاف بعد إجراء رفعٍ مساحيّ أعاد توزيع الملكيات والمرافق العامة في القرية بما فيها الشوارع، وكانت قطعة الأرض هذه -بحسب البلدية- تقع ضمن شارعٍ عامٍ من ملكيّة البلدية، فطلبت من الشركة مبلغ 400 ألف دينار مقابل التنازل لها عن قطعة الأرض هذه، أو أن تلتزم الشركة للبلدية بمجموعة شروط منها: أن تقيم الشركة حمّة شعبيّة في القرية، أو أن توظف نسبة من أبناء القرية في المشروع، أو أن تحصل البلدية على نسبة من أرباح المنتجع الجديد، كما يقول لـ«حبر» رئيس البلدية حينها رافع العُقلات. وهو يعزو هذه المطالب إلى أن أرباح المشروع ستكون مخصصة للشركة، ولن تستفيد القرية منه، بالإضافة إلى عدم تمكّن الأهالي من الدخول إلى المشروع كونه غير مخصص لعامة الناس. في هذه الأجواء، تدخلت سلطة وادي الأردن في الخلاف عام 2009 معتبرةً الأرض المتنازع عليها ملكًا للحكومة، لا البلدية، فاتجهت البلدية إلى القضاء، الأمر الذي أخّر المضي بالمشروع.

منظر عام للقرية

وخلال الفترة بين 2007 و2017، برزت عوائق جديدة لتنفيذ المشروع، مثل اعتبار دائرة أراضي لواء بني كنانة أن جزءًا من أرض المشروع مسجلة بصفة حراج لا يجوز إقامة بناء عليها، أو الخلاف بين البلدية والشركة على صفة استعمال الأرض، ليظلّ المشروع متوقفًا طوال هذه السنوات.

بحسب تقرير الشركة السنوي، فقد أرسلتْ عام 2013 عدة خطابات للوزارات والدوائر الحكوميّة المختلفة، «لإيجاد حل لوضع الأراضي العالقة التي تملكها الشركة، إلّا أنه لم يردها أي رد من أي جهة كانت بما آلت إليه الإجراءات لتصويب وضع الأراضي العالقة».[2]

نوقش موضوع الحمّة داخل مجلس النواب أكثر من مرة، وتدخل على الأقلّ رئيسيْ وزراء، ووزراء سياحة، ومياه، وبلديات، لحل الخلاف. كما وناقش مجلس الوزراء عام 2015 على مدى جلستين[3] موضوع المشروع المتوقف، وشُكلت لجنة لدراسة موضوع الأرض مكونة دائرة الأراضي والمساحة في وزارة المالية، وديوان الرأي والتشريع، ووزارة الزراعة، وسلطة وادي الأردن التابعة لوزارة المياه والري، وديوان المحاسبة.

وفي عام 2017، حُلّ موضوع الأراضي بعد التفاوض على أن تحصل البلدية على أراضٍ بالقرب من بركة العرائس في لواء بني كنانة، مقابل تنازلها عن الأرض المتنازع عليها، لكن المجلس البلدي الجديد الذي جاء العام 2017 تراجع عن هذا الاتفاق، معتبرًا نتائج تفاوض المجلس السابق غير عادلة، كما يقول لـ«حبر» رئيس البلدية حينها حسين ملكاوي.

من جديد، تم الاتفاق على استبدال جزء من الأراضي التي حصل عليها المجلس السابق بأخرى قريبة من القرية، وتوصلت الشركة في عام 2019 إلى تسوية جميع الخلافات على الأرض مثار الخلاف، وأعطت البلديةُ الشركةَ إذن أشغال في العام نفسه لإكمال مشروعها كما يقول ملكاوي، وهو ما يؤكّده ردّ الشركة على استفسارات حبر والذي جاء فيه أن الشركة أعلمت «الجهات المعنيّة بالانتهاء من ضمّ وتوحيد أراضي الشركة، والجدول الزمني المتوقع للبدء بأعمال التطوير في المشروع خلال 30 شهرًا من تاريخ 27-2-2019».

مشروع شركة زارة في الحمة الأردنية

سعت الشركة إلى الحصول على الموافقات اللازمة للبدء بتنفيذ أعمال المشروع في العام 2020 من وزارات: الداخلية، المياه، البيئة، واشترطت الأخيرة لإعطاء الموافقة إعداد دراسة تقييم أثر بيئي مبدئي للمشروع، وحصلت الشركة على موافقة الوزارة منتصف العام 2021 بعد تقديم الدراسة.

يُظهر التقرير السنوي للشركة[4] الانتهاء من المرحلة الأولى المتعلقة بالبنية التحتية للمشروع، كما يتوقع الانتهاء من المرحلة الثانية بنهاية 2024 «حيث تم تمديد انتهاء المرحلة الثانية لضعف التدفقات النقدية بسبب جائحة كورونا».

يؤكّد مدير الهندسة في مجموعة زارة المهندس عمر النوايسة ان الشركة حلّت موضوع التلوث من خلال تنظيف قاع البركة من الرواسب، وإلى نيّتها تشغيل نظام تدوير المياه داخل البركة لمنع ركود المياه على الأطراف، بالإضافة إلى وجود نظام يعمل على حقن مواد تعقيم في البركة، ما سيجعل المياه آمنة للاستخدام.

مؤخرًا، ظهر خلاف آخر بين البلدية والشركة حول تصنيف مياه النبع؛ ما إذا كانت بركةً طبيعية أم صناعية، الأمر الذي تختلف معه رسوم الترخيص التي تتقاضاها البلدية. يقول رئيس البلدية الحالي يوسف مبروك لـ«حبر» إن هناك خلافًا مع الشركة يتعلق بمبلغ تراخيص تقدر بنحو 800 ألف دينار يمنع إعطاء الشركة إذن إشغال، وأن لا نيّة للبلدية للدخول في مفاوضات مع الشركة حوله. فيما يقول القائم بأعمال المدير العام لشركة الحمة المعدنية الأردنية، أحمد جمجوم، إن الشركة ترفض دفع رسوم على أساس أنها بركة صناعية، كونها نبع طبيعي.

يضيف جمجوم إن كل خلافٍ في مشروع الحمة كان يأخذ من سنتين إلى ثلاث سنوات من أجل حلّه، معتبرًا هذه الخلافات شيئًا طبيعيًا قد يحدث لأيّ مستثمر، ويرى أن الخلل يكمن في عدم وجود جهة واحدة تحلّ مشاكل المستثمر.

وحول ما إذا كان هناك عوائق أخرى للمضي بالمرحلة الثانية من المشروع، يقول جمجوم إنه لا يفضل القول إن إذن الإشغال هو العائق الوحيد في الوقت الحالي: «ممكن تخلّص، يرجعوا يحكولك والله شغلة ثانية، مستقبلًا ما بنعرف، بس نتمنى إن هذا العائق [إذا] انحل، خلص يمشي [المشروع]، بس نحكي هذا العائق الوحيد؟ ما نعرف، لا نستطيع التكهن».

مشروعات بديلة لتطوير الحمة

عندما طال توقف مشروع الشركة، أنشأ الأهالي وبعض المستثمرين أو المساهمين السابقين في الشركة، ممن عملوا سابقًا داخل المنتجع أو حوله، مسابح شعبيّة داخل البيوت والحدائق أو في قطع أراض يملكونها، معتمدين على مياه النبع الرئيسيّ، والتي تُجرّ إلى هذه المسابح بواسطة مضخات.

يقول مستثمرٌ في إحدى هذه المسابح -فضّل عدم ذكر اسمه- إنه حاول بناء منشأة سياحيّة تحاكي المنتجع القديم من أجل استعادة دوره، لذا أنشأ عام 2010 استراحة فيها جلسات للزائرين وبرك مياه تعتمد على مياه النبع. وبحسبه فإن الإقبال على هذه المنشآت كان جيدًا، ويشهد زيارات عائلات أردنيّة، لكنها لم تكن بكثافة الزوّار أيّام المنتجع القديم. وقد وفّرت هذه المسابح والاستراحات الشعبيّة فرص عمل لأبناء القرية، مثلًا شغّل مسبح هذا المستثمر وحده في وقتٍ سابقٍ 15 عاملًا.

أحد المسابح الشعبية في الحمة الأردنية

تدخلت الحكومة للرقابة على هذه المسابح، وأخذت من بعضها عيّنات بقصد فحصها لتجد أن مياهها ملوثة، فأغلقتها، لكن ما لبث أصحابها أن عاودوا فتحها، لتتكرر هذه العمليّة، ما أدى إلى زيادة انخفاض وتيرة السياحة في القرية، مثلًا اضطر المستثمر إلى تقليص عدد العاملين لديه إلى اثنين بسبب قلّة الزائرين، ويقول إن التلوث يمكن السيطرة عليه لو توفرت الإرادة للجهات المختصة.

وصل عدد هذه المسابح إلى عشرات، عمل أغلبها دون ترخيص، وشهدت تلك الفترة كذلك قيام فندق صغير، وعدة مسابح ملحقةٍ فيه. ومن جهتها، اتجهت البلدية عام 2016 لإعادة بناء مبنى قديم تملكه في القرية ليكون حمّة شعبيّة كان هدفها كما يقول لـ«حبر» رئيس البلدية حينها محمد ملكاوي: «أخلّي المواطن الأردني يتحمم ويفوت مسبح بأقل الأسعار، للناس العاديين».

ضمّ هذا المشروع الذي مُوّل بمنحة فرنسيّة تقدر بـ650 ألف دينار مطعمًا، وعدة شاليهات مكيفة، وعدة مسابح تُغذى من نبع الحمّة، وهو يبعد 500 مترٍ عن منشأة شركة «الحمّة المعدنية الأردنية» المتوقف، وقد أجّرته البلدية لمستثمر أردني لعشر سنوات مقبلة من أجل تشغيله. لكن، لم يشغّل المستثمر الحمّة الشعبيّة، ولم يدفع بدل إيجاره، فرفعت البلدية قضيةً عليه انتهت بصدور قرار قطعي «بفسخ عقد الإيجار» وتسليم العقار للبلدية، لعدم التزامه ببعض بنود العقد.

مشروع البلدية المتوقف عن العمل

مقومات غير مستغلّة في القرية

تعدّ نبع الماء التي بنت شركة «الحمّة المعدنيّة الأردنيّة» حولها المنشأة السياحية القديمة أساس السياحة في القرية، بما توفره من مصدر مياه ساخنة ومعدنيّة، تنبع منذ آلاف السنين. لكن وجود القرية في محيط سياحي في نفس اللواء يسمح لها بأن تكون مصدر جذب سياحيّ أيضًا، إذ يحوي اللواء بالإضافة إلى الحمّة كموقعٍ جاذب في سياحة العافية، على أربعة أنواع من السياحة: دينية يوفرها كهف السيد المسيح، وآثاريّة في موقع آثار أم قيس، وتاريخية في موقع معركة اليرموك، وبيئيّة حول بركة العرائس التي تملك البلدية أراض قريبة منها، وتبعد عن وسط القرية أقل من كيلومتر واحد.

بالإضافة إلى ذلك يرى أصحاب مسابح شعبيّة في الحمّة أن السماح لهم بترخيص مسابحهم، سيكون خطوة أولى لتطويرها مستقبلًا لتكون قادرة على تقديم منتج سياحيّ أفضل كمًا ونوعًا. يرى أحدهم أن وضع الحمّة ضمن محمية أو منطقة اقتصاديّة خاصّة من شأنه أن يشجع الاستثمار في القرية، ويعمل على تنظيم وترتيب هذه المسابح التي لها دورٌ في تشغيل شباب القرية أو العائلات.

ما زالت الحمّة خارج الخارطة السياحية للأردن، إذ يقتصر الترويج للمواقع السياحية في الأردن -كما ردّت وزارة السياحة على سؤال حبر- على المواقع السياحيّة الجاهزة لاستقبال الزوّار، لهذا فالحمّة الآن ليست ضمن المواقع التي تروج لها الوزارة لوجود مشروع قيد التنفيذ فيها. وتشكّل سياحة العافية، واحدة من أربعة أشكال للسياحة الترفيهية تختصّ بصحة العقل والجسد والروح.[5]

وفي حين تقول وزارة السياحة إن سياحة العافية من المتوقع أن تنمو عالميًا بنسبة 7.5% سنويًا بحلول العام 2030، وأنها ستركّز على ترويج هذا النوع من السياحة في الأردن، غير أن واحدًا من أهم المناطق التي تملك إمكانيات هذه السياحة ما زال متوقفًا منذ سنوات مفوتًا فرصة المساهمة في الاقتصاد المحليّ. يُذكر أن مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت حوالي 13% عام 2019.[6] هذا فضلًا عمّا فوّته عدم قيام هذه المشاريع؛ سواء أكان مشروع الشركة أو البلدية، أو العمل على ترخيص بعض المنشآت الشعبيّة مثل الاستراحات والمسابح، من تنميةٍ محتملة للقرية.

في الطريق إلى القرية الواقعة أقصى شمالي الأردن، وبعد النزول من أم قيس أو الانتهاء من طريق الأغوار الشماليّة، كانت الحفر تنتشر في الشارع، وعند الدخول إلى القرية تظهر الشوارع غير المعبّدة أو المتهالكة، وعلى أطرافها تنتشر بعض تجمعات المياه. أما مشروع البلدية الذي يستقبل الداخل إلى القرية فقد نمت على بابه شجيرات صغيرة، ونمى العشب في بركته المهجورة.

شبان يسبحون في منطقة الشونة.

ما زال بعض شباب القرية يعملون في المسابح والاستراحات الشعبيّة، يقول أحدهم، وهو يتجول معنا على آثار سدّ خالد بن الوليد، والمناطق المرتفعة حول القرية: «شو بيفرق هذا المكان عن منطقة عجلون عشان مايكون فيه تلفريك؟».

ربما لا يتذكر الجيل الجديد من شباب القرية الحمّة الشعبية القديمة وكيف كانت، لكنهم يسمعون عنها من الأهل، ويتمنّون لو كانت موجودة للسباحة فيها، هذا ما قاله واحدٌ منهم، وكان برفقة مجموعة الشباب يمارسون السباحة في قناة الملك عبدالله: «يعني لو فيه حمّة بدي آجي هون؟».

  • الهوامش

    [1] «الحمّة» لغةً كما وردت  في معجم العين للخليل الفراهيدي هي عينٌ فيها نبع ماء حارّ يُستشفى فيه بالغُسْل.

    [2] التقرير السنوي التاسع والأربعين لمجلس الإدارة عن أعمال الشركة والقوائم المالية للسنة المنتهية في 31 كانون الأول 2013، ص 9.

    [3] معلومات الشركة والحمة المقامة والشركات والخلاف مأخوذة من بيانات الشركة التي زودت بها حبر بشكل مكتوب، بالإضافة إلى محضر الجلسة الثامنة عشر من الدورة العادية الثانية لمجلس النواب السابع عشر المنعقدة يوم الثلاثاء 3/3/2015، الصفحات من: 61-64.

    [4] التقرير السابع والخمسين لسنة 2021.

    [5] وهي: سياحة التعافي، السياحة العلاجيّة، السياحة الدينية، سياحة المغامرة. الاستراتيجية الوطنيّة للسياحة في الأردن 2021-2025، وزارة السياحة ص 13

    [6] الاستراتيجية الوطنيّة للسياحة في الأردن 2021-2025، وزارة السياحة ص 4

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية