أسرار الغرفة 406: الوقائع الغريبة في اختفاء بابلو نيرودا

السبت 23 أيلول 2023
بابلو نيرودا
بابلو نيرودا يتسلّم جائزة نوبل للآداب عام 1971. أ ف ب.

يكسو هواءُ الربيع الجنوبي المدينةَ بدفء لطيف. تصطف أشجار جكرندا، مزينة باللونين الأرجواني والأزرق، على طول الطرق تحت سماء غارقة في الظلام. اختفت الشمس خلف سلسلة جبال الأنديز، وحل الصمت محل أصوات الطيور، لا يزعجه إلا أصوات النقر البعيدة. بدأ حظر التجول منذ ساعات قليلة في العاصمة التشيلية سانتياغو. وتقوم الدوريات العسكرية، سيرًا على الأقدام، وبالطائرات، وعلى ظهور الدبابات بتمشيط المدينة والبلاد بأكملها بحثًا عمن يسمونهم «الجرذان». بعض هؤلاء الأشخاص، الذين يعتبرونهم مسؤولين عن «السرطان الماركسي» الذي من شأنه أن يسبب «الغرغرينا» للبلاد، محتجزون بالفعل في الملعب الوطني.

في هذه المنطقة المسيجة التي تتسع لثمانين ألف شخص، يجري جميع أنواع التعذيب لانتزاع الاعترافات منهم. أثناء الاستجوابات القاسية، تُكسر العظام، وتُقطع الأصابع، ويُغتصب الرجال والنساء. بعد 11 يومًا من الانقلاب، الذي نفذه قائد الجيش أوغستو بينوشيه، يجد سبعة آلاف شخص أنفسهم محرومين من حريتهم. وبعضهم مفقود من الوجود. ما رأي بابلو نيرودا في الفوضى التي وقعت فيها تشيلي؟ أين ذهب ذلك الأمل في مستقبل أفضل، الذي بشّر به صاحب جائزة نوبل عندما كان مرشح الحزب الشيوعي في الانتخابات الرئاسية في عام 1970، ثم مساندًا للرئيس المُطاح به سلفادور أييندي؟

على هذه الأجواء القاتمة والتساؤل الغامض، تفتتح الكاتبة والصحافية الاستقصائية الفرنسية التشيلية، لوري فاشو-سيغون، الفصل الأول من كتابها الجديد عن الملابسات المريبة لرحيل الشاعر والسياسي التشيلي بابلو نيرودا، أيامًا قليلةً بعد انقلاب بينوشيه المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، والصادر حديثًا تحت عنوان: «الغرفة 406 -قضية بابلو نيرودا».[1] يأخذنا الكتاب، الذي أخذ من كاتبته عشر سنوات من العمل والتقصي، إلى رحلة بين التاريخ والحاضر، إلى فرنسا حيث عاش نيرودا، وكندا وإسبانيا داخل المختبرات التي أجريت فيها التحاليل على جثة الشاعر منذ عام 2013، عندما قرر القضاء التشيلي فتح قضية للكشف عن الظروف التي مات فيها الشاعر. لذلك فإن الأسلوب في الكتاب يتراوح بين السرد الروائي والتقرير الصحفي والتأريخ، لكن ما يشد القارئ بينها هو التشويق، على ذلك النحو الذي يجري في الأفلام البوليسية.

حجر في بركة الموت

في غرفة داخل عيادة سانتا ماريا بالعاصمة سانتياغو مات الشاعر بابلو نيرودا في 23 أيلول 1973 بسبب سرطان البروستاتا، أو هكذا كتب على شهادة وفاته الرسمية. منذ اللحظة الأولى لإعلان الوفاة سرت الشكوك داخل الحزب الشيوعي، الذي ينتمي إليه نيرودا، حول السبب الحقيقي لموته. لكن السردية الرسمية التي أنتجها النظام العسكري الجديد ووزعها على العالم كانت أكثر رسوخًا، في غياب أي أدلة على فرضية الاغتيال، رغم وجود الدافع. كانت شكوك الحزب مستندةً بشكل قوي إلى شهادة الناشط الشيوعي، مانويل أرايا، الذي كان آنذاك شابا وعينه الحزب مساعدًا وسائقًا لنيرودا. وهي الشهادة التي ستقلب وجه الحقيقة بعد سنوات. تبدأ الكاتبة من شهادة أرايا، الذي كشف لأول مرةٍ عنها في مقابلة صحافية عام 2004، مشيرًا إلى أن نيرودا قد تلقى حقنة غامضة في اليوم السابق لمغادرته إلى المكسيك، حيث كان يعتزم الذهاب إلى المنفى لقيادة المعارضة لنظام بينوشيه. ورغم أنه أيد نظرية الاغتيال لما يقرب من أربعين عامًا، إلا أن الحزب لم يطالب إلا في عام 2011 بإجراء تحقيق قضائي واستخراج الجثث لتحليلها.

كانت دوافع قتل نيرودا من طرف النظام العسكري الجديد حاضرةً وبقوة: شاعر شيوعي معادٍ للولايات المتحدة الأمريكية ومساند قوي للرئيس سلفادور أييندي وجزء من النظام الاشتراكي المُطاح به، وقد كان سفيرًا لتشيلي في باريس بين عامي 1971 و1972، وله ثقل معنوي وأدبي عالمي كحائز على جائزة نوبل، أي أن النظام لا يمكن أن يعتقله كبقية مناضلي اليسار. ولم يكن ينقص هذه الدوافع سوى الأدلة، لذلك كانت شهادة مانويل أرايا حاسمةً في إعادة تحريك القضية.

خلال الأشهر القليلة من حملته الانتخابية للرئاسة عام 1970، لم يكن نيرودا يظن أنه سيبقى في السباق، فترشيحه كان مجرد حيلة من الحزب الشيوعي للضغط على بقية اليسار للحصول على مرشح مشترك. أخيرًا يسحب نيرودا ترشيحه للانضمام لصديقه الاشتراكي سلفادور أييندي. ليفوز اليسار المتحد ضمن ائتلاف الوحدة الشعبية بهذه الانتخابات للمرة الأولى في تاريخ البلاد. انزعج بينوشيه من وصول أييندي إلى السلطة. في ذلك المساء الذي باحت فيه صناديق الاقتراع بنتائجها، كان على رأس الفرقة السادسة من الجيش المتمركزة في إيكيكي، شمال البلاد، وقال للضباط في المقر: «إن شعب تشيلي لا يفعل ذلك، لا أعرف الطريق الذي يسلكه. لقد تم خداعه ويبدو أنه غير مدرك إلى أين ستأخذنا الماركسية اللينينية. أعزائي الضباط، أعتقد أن تشيلي ستصبح في النهاية مجرد ذيل لروسيا السوفيتية (..) تدخل مسيرتي المهنية أيامها الأخيرة. مشكلة إنقاذ تشيلي ستكون بين أيديكم. كان الله في عون وطننا».

أيام نيرودا الأخيرة

بينما كانت وحدات الجيش تحاصر قصر لا مونيدا، حيث قرر أييندي أن يموت دون استسلام، كان بابلو نيرودا مستلقيا على السرير في غرفة تقع في الطابق الرابع من عيادة خاصة مشهورة في سانتياغو. يتتبع الكتاب أيام الشاعر التشيلي الأخيرة بين منزله والمصحة، حيث يتابع علاج سرطان البروستات. بدأت الاضطرابات بعد ثلاثة أيام من الانقلاب، في 14 أيلول 1973. فقد قامت وحدة من الجنود بتفتيش المنزل الذي كان يتقاسمه مع زوجته. في سيرتها الذاتية «حياتي إلى جانب بابلو نيرودا»، التي نُشرت بعد وفاته عام 1986، تتذكر أرملة الشاعر، ماتيلدا أوروتيا، «هؤلاء الجنود الذين كانوا ينظرون إلى كل شيء في المنزل بفضول كبير، دون أن يجرؤوا على لمس أي شيء. وكأنهم، رغم كل شيء، يشعرون بنوع من الاحترام للفائز بجائزة نوبل للآداب عام 1971. وفجأة، ينقر أحد الجنود على الأرض بقوة بحذائه، «هل يوجد في منزلك ممرات تحت الأرض؟ هل يوجد ممرات تحت الأرض؟».[2] ماتيلدا لا تزال مذهولة. فهل يتصور أن الشيوعيين المسلحين المختبئين تحت الأرض يستعدون للانقضاض عليهم وقتلهم بدم بارد؟

يتلقى نيرودا تتابع الأخبار السيئة منذ الانقلاب كالخناجر. تتراكم فوق طبقات ألم العلاج طبقة حزن لا تغادره. يوافق 18 أيلول العيد الوطني في تشيلي. مع عودة الأيام المشمسة، اعتاد التشيليون على التجمع حول حفلات الشواء ورقص الكويكا في غرف كبيرة تسمى فونداس مزينة ببالونات ورايات زرقاء وبيضاء وحمراء، وهي ألوان العلم التشيلي. لكن هذا العيد له طعم مرّ لأيام الحداد. توضح ماتيلدا في مذكراتها أنها استسلمت لاستدعاء طبيب زوجها روبرتو فارغاس سالازار. الذي وعد بإرسال سيارة إسعاف في اليوم التالي لنقل بابلو إلى العيادة. تفتح ماتيلدا الباب بقلق وترى سيارة الإسعاف في الممر الترابي المؤدي إلى المنزل. يأخذ السائق مانويل أرايا مكانه في سيارته بينما يركب بابلو سيارة الإسعاف. خلال المسافة التي تفصل منزل نيرودا عن العيادة، يتم فحص سيارة الإسعاف وسيارة مانويل عدة مرات على حواجز الطرق التي أقامتها الشرطة. تطلب منهم الشرطة أوراقهم ومن أين أتوا وإلى أين يتجهون. ماتيلدا تمسك بيد بابلو وهو مستلقٍ في سيارة الإسعاف عندما تطلب منه السلطات الخروج. إنها لا تصدق ذلك. كيف يمكنهم أن يخبروني بهذا؟ ألا يرون أن بابلو مريض وأنه يحتاج إلى الراحة؟ ولا يخرج صوت من فمه. ورغم ذلك فهي تمتثل. بمجرد انتهاء تفتيش الشرطة، وبعد عودتها للسيارة، رأت الدموع مستديرة كالرخام في عيني زوجها.

بعد يومين من مقامه بالعيادة، يتلقى نيرودا دعوة من غونزالو مارتينيز كوربالا، سفير المكسيك في تشيلي، لزيارة مكسيكو سيتي. لكن الشاعر يرفض، فيما تحاول ماتيلدا إقناع زوجها بالمغادرة، تُسر له بأن منزلهم في سانتياغو قد تعرض للنهب، وتم تدميره جزئيًا، وأنه قد يكون من الصعب العثور على الدواء لعلاج سرطان البروستاتا. يستمع بابلو لها، وهو متشكك في البداية، ثم يقول مسلمًا: «سأعود على أية حال. هذا بلدنا وهذا مكاني». ولكن قبل المغادرة، يريد بابلو من ماتيلدا أن تجلب له بعض الكتب. تتوجه مع مانويل أرايا إلى المنزل، وتترك بابلو وحده في العيادة.

ساعات نيرودا الأخيرة

يأخذ التشويق مداه الأقصى، في كتاب لوري فاشو-سيغون، عندما تروي الساعات الأخيرة من حياة نيرودا في عيادة سانتا ماريا، مستندةً إلى مذكرات زوجته وشهادة مساعده أرايا. كانت ماتيلدا في 22 أيلول منشغلةً بإعداد الأمتعة في الطابق الأول، حتى بلغها أن بابلو قد اتصل للتو بنزل سانتا إيلينا المجاور، فالمنزل لا يحتوي على هاتف. «تعالي فورا، لا أستطيع أن أقول لك المزيد». اعتقدت ماتيلدا أن زوجها قد تم اعتقاله. ثم سلكت مع مانويل أرايا طريق العيادة في سيارته البيضاء من طراز فيات. كانت تجري وتتسلق الطوابق الثلاثة التي تفصلها عن بابلو، وتدفع أخيرًا الباب إلى الغرفة رقم 406. إنه هناك في سريره. فجأة يرفع بابلو يديه عن يديها. يأخذ بيجامته بكلتا يديه ويسحبها ويصرخ بصوت عالٍ: «يطلقون النار عليهم جميعًا! يطلقون النار عليهم جميعا!»، وكأنه يرى كابوسًا في يقظته.

يخبر مانويل أرايا، الشاهد الرئيسي، الكاتبة، بأنه كان ينام على كرسي داخل الغرفة 406 لمراقبة نيرودا. باستثناء يوم الأحد، 23 أيلول، حيث لم تكن ماتيلدا ولا هو في العيادة. لا أحد يراقب الغرفة. في ذلك اليوم، حوالي الساعة الرابعة مساءً، أبلغهم فندق سانتا إيلينا، المجاور لمنزل نيرودا، أن بابلو قد اتصل للتو. ويطلب منهم العودة على الفور. يقول مانويل: «قال بابلو نيرودا إن طبيبًا أيقظه وأعطاه حقنة في معدته».

يقول مانويل إنه أخذ منشفة وبللها في الحمام قبل أن يضعها على معدة نيرودا لخفض الحمى. يتذكر أنه شاهد عند بطنه، حول مكان الحقنة، بقعة حمراء بحجم عملة معدنية من فئة 5 بيزو. وفي هذه الأثناء يدخل الطبيب. إنه شاب أشقر ذو عيون زرقاء وله شارب. يطلب من مانويل الذهاب لشراء علاج يتناوله نيرودا عادةً أثناء نوبات التهاب المفاصل.  يغادر مانويل الغرفة، غاضبًا. إنها الساعة 6:50 مساءً. فقد وجد طلب الطبيب غريبًا. وفجأة تحاصره سيارة عند زاوية شارعي بلماسيدا وفيفاسيتا. كل شيء يحدث بسرعة كبيرة. يأمره رجال يرتدون ملابس مدنية بالخروج من سيارته، ثم ينهالون عليه بالضربات دون تفسير ثم ينتهي به الأمر عند أقرب مركز شرطة، حيث سيقضي بضع ساعات، بين الاستجواب والعنف الجسدي. بينما يعيش بابلو نيرودا لحظاته الأخيرة، لا يفهم مانويل ما يحدث له. في الساعة 10:30 مساءً، يلفظ بابلو نيرودا أنفاسه الأخيرة. حوالي منتصف الليل يأخذ مانويل مكانه في الملعب الوطني -المحتَشد الجديد للنظام العسكري- حيث يوجد آلاف الرجال والنساء المشتبه في أنهم يهددون النظام القائم الجديد. ويتم تعذيبه هناك واستجوابه مرة أخرى. بعد أسبوع تقريبًا من اعتقاله، علم مانويل بوفاة نيرودا من الكاردينال راؤول سيلفا هنريكيز، الذي جاء لتقديم الدعم للمحتجزين. منذ ذلك اليوم، لم تفارق مانويل قناعة واحدة: لقد اغتالوا بابلو.

قصص كثيرة لميتة واحدة

تتبع الكاتبة الروايات التي نشرت في الصحف المحلية والعالمية عن موت نيرودا وأسبابه. في أعقاب الانقلاب العسكري اضطرت جميع الصحف ووسائل الإعلام الداعمة للوحدة الشعبية والرئيس أييندي إلى تعليق أنشطتها. فيما أخذت الصحف اليمينية تعيد تكرار المعلومات التي تصنعها السلطة الجديدة بما فيها رواية موت بابلو نيرودا متأثرًا بسرطان البروستات. من خلال عملية تنقيب ومسح شامل قامت بها الكاتبة في أرشيفات الصحف التشيلية والأجنبية في ذلك الوقت لتحليل قصص وفاة نيرودا، والعثور على دليل، ومفتاح، أو لكشف التناقضات المحتملة. تلاحظ الكاتبة أنه في ذلك الوقت لم يشك أحد في ملابسات وفاة نيرودا، على الأقل بشكل علني.

كان أوغستو بينوشيه يخشى رمزية بابلو نيرودا، لذلك كان عليه أن يكتم أنفاسه قبل أن ينجح في الخروج من البلاد، وتشكيل جبهة معارضة ضد نظامه الوليد. وفي الوقت نفسه كانت تلك الرمزية تمنع بينوشيه من اعتقاله.

ورغم أن الوفاة لا تثير الشكوك ولكنها كانت موضوعًا لقصص مختلفة. في 25 أيلول 1973، كتب مارسيل نيديرغانغ، مراسل صحيفة لوموند الفرنسية في تشيلي، أن نيرودا «كان يعاني من سرطان البروستاتا لقد كان يعلم جيدًا أنه محكوم عليه بالموت بسبب هذا الشر الذي لا يرحم. خلال أسابيعه الأخيرة في باريس عام كان يتحرك بصعوبة، ويمد ساقه اليمنى المتصلبة».[3] كما تعود الكاتبة إلى المقابلة التي أجراها أوغوستو بينوشيه مع راديو وتلفزيون لوكسمبورغ في 16 أيلول 1973، أي قبل سبعة أيام من وفاة الشاعر، عندما سئل عن وجود شائعات تتطاير حول اختفاء بابلو نيرودا، هل تم القبض عليه؟ فأجاب: « نيرودا لم يمت، إنه حر. يتحرك بحرية مثل أي شخص كبير في السن ومريض مثله. نحن لا نقتل أحدا. وإذا مات فهي وفاة طبيعية». كان الجواب غريبًا.

أما صحيفة نيويورك تايمز، فقد نشرت بقلم ستيفن وايزمان، رواية مختلفة تمامًا: «توفي نيرودا بسبب سكتة قلبية وفقًا لأطبائه».[4] من هم هؤلاء الأطباء الذين شخصوا السكتة القلبية؟ تتساءل الكاتبة، التي بحثت عن الصحفي وايزمان وسألته فقال لها إنه كان في تلك الليلة يعمل في نيويورك وكان عليه أن ينشر بسرعة نعيًا للشاعر. لكنه لم يعد يعرف من أين جاءت المعلومات المتعلقة بالسكتة القلبية التي ذكرها الأطباء. لا تذهب حفريات الكاتبة الصحفية سدى. فجأةً تجد ضالتها في مقال قصير نشرته جريدة الميركوريو، المحافظة والموالية للانقلاب العسكري بتاريخ 24 أيلول، يقول إن نيرودا مات بالسكتة القلبية، لكنه يضيف تفصيلًا في ذلك الوقت: توفي بابلو نيرودا بعد تلقيه حقنة مهدئ تسبب في انخفاض مفاجئ في ضغط الدم. كان أوغستو بينوشيه يخشى رمزية بابلو نيرودا، ليس فقط التشيلية، بل العالمية. لذلك كان عليه أن يكتم أنفاسه قبل أن ينجح في الخروج نحو المكسيك، وتشكيل جبهة معارضة ضد نظامه الوليد. وفي الوقت نفسه كانت تلك الرمزية التي يحظى بها الشاعر الكبير، تمنع بينوشيه من اعتقاله. فلم يكن من موته مهرب.

تخرج الكاتبة من جدران الغرفة 406، ومن أسوار الماضي إلى حاضر القضية المتشعب، لتلاحق نتائج التحاليل في مختبرات إسبانيا وكندا، حيث أخذت عينات من جثة بابلو نيرودا لفحص إمكانية وجود سموم داخلها. وتقول الكاتبة إنه تم استخراج الجثة عام 2013، وتم الاحتفاظ بهذه العينات لمدة ثلاث سنوات في مختبرات مختلفة، وخاصة في أوروبا. حيث كشفت أربع فرق من الخبراء عن استنتاجاتهم والاكتشاف الأخير هو الأكثر إثارة للاهتمام: «لقد عثروا على بكتيريا في إحدى الأسنان، تسمى «المطثية الوشيقية» (Clostridium botulinum)، تفرز أحد أكثر السموم فتكًا في العالم الحي. ويكشف البحث الأخير أن هذه البكتيريا كانت موجودة في جسد بابلو نيرودا وقت وفاته».

  • الهوامش

    [1] Laurie Fachaux-Cygan, Chambre 406. L’affaire Pablo Neruda, Les éditions de l’atelier, 2023.

    [2] Pablo Neruda, J’avoue que j’ai vécu, traduction de Claude Couffon, Paris, Gallimard, coll. « Du monde entier », 1975, p. 430.

    [3] LA MORT DE PABLO NERUDA – MARCEL NIEDERGANG – Publié le 25 septembre 1973.

    [4] «He died of heart collapse, his doctors said», New York Times, 23 septembre 1973.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية