جبهة جنوب لبنان: هل تعلن «إسرائيل» الحرب الشاملة؟

الأحد 14 كانون الثاني 2024
كفار يوفال
توتر في مستوطنة كفار يوفال قرب الحدود اللبنانية، بعد استهدافها بصاروخ مضاد للدبابات من حزب الله، في 14 كانون الثاني 2024. تصوير جلاء مرعي. أ ف ب.

هذه المقابلة جزء من ملف «مائة يوم من الحرب: غزة والمستقبل».

بعد مائة يوم من الحرب على غزة، وأكثر من 700 عملية نفذها حزب الله عبر الحدود في جنوب لبنان، ما يزال السؤال حول احتمالية تطور القتال إلى حرب إقليمية واسعة حاضرًا، خاصة فيما يتعلق بحجم ومدى انخراط حزب الله، وإمكانية ذهاب «إسرائيل» لتصعيد الهجوم عليه. 

في هذه المقابلة المترجمة التي أجرتها مجلة جدلية، تتحدث الباحثة اللبنانية أمل سعد، المحاضرة السياسة والعلاقات الدولية في جامعة كارديف في ويلز. نشرت سعد عدة كتب وأوراق حول حزب الله ومحور المقاومة، منها كتاب «حزب الله: الدين والسياسة» الصادر عام 2001، و«الرابط الإيراني: نحو فهم تحالف سوريا وحزب الله وحماس»، الصادر عام 2011، فيما سيصدر خلال العام الحالي أحدث كتبها بعنوان «حزب الله ومحور المقاومة: من المقاومة الوطنية إلى القوة الإقليمية». ويحاورها معين رباني، وهو كاتب وباحث في الشؤون الفلسطينية ومحرر مشارك في جدلية.

معين رباني: لعل من الجيد البدء بإلقاء نظرة عامة أو ملخص للتطورات على الحدود اللبنانية منذ الثامن من أكتوبر. ما هي دوافع وأهداف حزب الله لهذا التصعيد؟ المصطلح الذي يستخدم غالبًا لوصف هذه التطورات هو التصعيد المضبوط، هل هذا توصيف دقيق من وجهة نظرك؟

أمل سعد: أعتقد أنه دقيق إذا نظرنا إلى الأمر من جانب حزب الله. أستطيع أن أقول بشيء من اليقين إن حزب الله منخرط في تصعيد مضبوط. لا أستطيع التحدث عن «إسرائيل» لأنه من الصعب للغاية التأكد من نواياها. لكن في الوقت الحالي، أعتقد أنه تصعيد يمكن التحكم فيه إلى حد ما، ويدار من قبل الجانبين. لا أعرف إلى متى ستتم السيطرة عليه من جانب «إسرائيل» على الأقل. من الواضح أن حزب الله يسيطر عليها من جانبه. لكن مرة أخرى، لست متأكدة إلى أين تتجه «إسرائيل». لذا، فإن فكرة كون الصراع تحت السيطرة تفترض أنه سيبقى محصورًا في حرب متوسطة الشدة، وهذا شيء لا أعتقد أن أي أحد يمكنه الجزم به في هذه المرحلة. 

لكن في الجوهر، استراتيجية حزب الله حتى الآن هي الانخراط [بهذا الشكل] لأول مرة في تاريخه، وأعتقد أن هذا شيء لا يذكر بشكل كافٍ. لقد قال نصر الله بنفسه موخرًا أن هذا أمر غير مسبوق بالنسبة لحزب الله، وهو أمر مثير للاهتمام، وحتى هو لم يذكره من قبل. أتذكر أنه عام 2009 حين غزت «إسرائيل» غزة، كان هناك الكثير من الناس يطرحون نفس السؤال الذي طرح في بداية هذا الغزو، وهو لماذا لا يتدخل حزب الله؟ وكان هذا السؤال يطرح في كل حروب غزة السابقة. لذا، فهذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها حزب الله بطريقة كبيرة إلى حد ما، وأود أن أقول إنه ليس تدخلًا منخفض الشدة، من النوع الذي عادة ما يكون مصحوبًا بتكتيكات وأسلحة على غرار حرب العصابات، مثل العبوات الناسفة وأشياء من هذا القبيل، ولا ترى فيه استخدام الصواريخ وخاصة الصواريخ الموجهة المتطورة والمضادة للدبابات، والمسيرات المتطورة التي نراها الآن، ولا عدد الهجمات والعمليات الذي تجاوز الـ700 خلال الأشهر الثلاث الأولى من الحرب. لذلك، نحن ننظر إلى حرب متوسطة الشدة، إن جاز التعبير، فهي لا تزال دون مستوى الحرب التقليدية عالية الشدة، وهذا ما أعتقد أننا جميعًا نخشاه، وهذا ما يحدث عمليًا في غزة.

هل تعتقدين أن حزب الله يبقي أنشطته ضمن حدود معينة من أجل إبقاء الأضواء مسلطة على غزة، أم لاعتبارات لبنانية داخلية، أم بسبب طبيعة تنسيقها مع أعضاء المقاومة الآخرين؟ كيف تفسرين ذلك؟ ولو بدأنا الإجابة بسؤال آخر، إذا كنت أتذكر بشكل صحيح، فالهجوم الذي شنه الحزب عام 2006 والذي أدى إلى اندلاع الحرب، ألم يكن ذلك أيضًا لدعم الفلسطينيين الذين تعرضوا للقصف لأسابيع متواصلة عام 2006 في غزة؟

بالضبط. أشكرك على تذكيرنا جميعًا لأن هذا شيء ينساه الكثير من الناس. كان ذلك هجومًا تضامنيًا، إن جاز التعبير. كما كان يتعلق بالأسرى والوعد بعودتهم، والعدد الأكبر منهم كان من الأسرى الفلسطينيين، لا اللبنانيين. لذا، يمكن وصف كل أفعال وهجمات الحزب، بشكل أو بآخر، كحملات تضامن عسكرية حتى لو كانت محصورة بلبنان. لكن من الواضح أن التدخل الحالي كان مختلفًا على المستوى النوعي. 

من الواضح أن حزب الله لا يريد الحرب، لكن هذا لا يعني أنه خائف منها أو أنه غير مستعد لها، وهنا يكمن التمييز المهم للغاية الذي قد لا يدركه الكثير من الناس، حتى الإسرائيليون، وهنا تكمن الخطورة.

أما بالنسبة لسؤالك حول لماذا اختار الحزب إبقاء الأمور عند هذا المستوى المتوسط [من القتال]، أعتقد أنه من الواضح أن حزب الله لا يريد الحرب، لكن هذا لا يعني أنه خائف منها أو أنه غير مستعد لها، وهنا يكمن التمييز المهم للغاية الذي قد لا يدركه الكثير من الناس، حتى الإسرائيليون. وهنا تكمن الخطورة، فهم يعتقدون أنه لمجرد أن الحزب حذر أو عازف عن الحرب، فهذا يعني أنه سيتجنب الحرب بأي ثمن. الأمر ليس كذلك على الإطلاق؛ لن يتجنب الحرب بأي ثمن، لكن من الواضح أنه لا يريد الحرب ولا يسعى إليها. هذه هي الاستراتيجية الحالية للحزب. 

أما بالنسبة إلى ما إذا كان ذلك يعود إلى اعتبارات داخلية أم لا، هناك بعض الاعتبارات الداخلية، لكنني شخصيًا لا أعتقد أن حزب الله مقيد بالانقسامات الداخلية أو حتى بالاقتصاد بالدرجة التي يفترضها العديد من المراقبين. أولًا، لم يكن في لبنان كبلد في يوم من الأيام إجماع على المقاومة. كان هناك دائمًا جزء كبير من الجمهور اللبناني -ولا أستطيع أن أعطي نسبة محددة- لا يريد أن يذهب حزب الله إلى الحرب. لكن، عندما تندلع حرب، كما حدث في عام 2006، تحتشد أغلبية ساحقة من اللبنانيين خلف المقاومة الإسلامية. لذا، فإن ذلك سيتغير بسهولة على أي حال، ولا أعتقد أن الحزب يخشى أن يخلق ذلك أعداءً جددًا. هناك عدد قليل من الجماعات المسيحية اليمينية، مثل القوات اللبنانية وغيرها، ممن قد يعترضون على ذلك، لكن هذا لن يشكل عائقًا.

بالتالي، التفسير الذي نسمعه في كثير من الأحيان بأن حزب الله يرغب في الذهاب إلى أبعد من ذلك لكنه مقيد بعوامل داخلية ليس تفسيرًا تتفقين معه.

بالطبع لا. نصر الله قال في مناسبات عديدة ما مفاده «لسنا بحاجة إلى إجماع حول السلاح». وبصراحة، حزب الله يتمتع بالشرعية القانونية والسياسية داخل لبنان؛ يتمتع بالشرعية القانونية لأن كل بيان وزاري يحمي مقاومة حزب الله، وهو محمي بموجب اتفاق الطائف من حيث الاحتفاظ بسلاحه. كما أنه يتمتع بعلاقات جيدة للغاية مع الجيش اللبناني الذي قاتل في الواقع إلى جانب حزب الله ضد الجماعات الجهادية من سوريا. والجيش اللبناني في الواقع مستهدف من قبل «إسرائيل» الآن، ومنذ بضعة أيام استشهد أحد جنوده. لذا، حزب الله يتمتع بالفعل بتلك الشرعية. إذا كانت هناك بعض الانقسامات في لبنان، فلن تكون هذه عقبة. وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء أيضًا سيغيرون موقفهم، والكثير من الناس سيدعمون حزب الله. 

في الواقع، لدينا تركيبة داخلية اليوم تختلف تمامًا عما كانت عليه في عام 2006. في عام 2006، كان لبنان مستقطبًا بشدة بين ما يسمى بقوى 14 آذار و8 آذار التي كان حزب الله جزء منها. وقوى 14 آذار كان يقودها حينها حزب الحريري السياسي [المستقبل] وكان فؤاد السنيورة رئيسًا للوزراء، وكان مناهضًا بشدة للمقاومة وحزب الله. وكما أظهرت وثائق ويكيليكس لاحقًا، فقد تآمر مع آخرين في 14 آذار ضد حزب الله، داعيًا الأميركيين إلى حث الإسرائيليين على مواصلة قصف جنوب لبنان. هذا ليس الحال الآن. هذا ليس موقف رئيس الوزراء نجيب ميقاتي اليوم، الذي أصدر إدانة في الأمم المتحدة [للقصف الإسرائيلي] وكانت تصريحاته داعمة للغاية لموقف حزب الله، أو متعاطفة معه على الأقل. لذا، الواقع اليوم مختلف. كما أننا لا نواجه نفس الدرجة من الاستقطاب الطائفي الذي كان موجودًا في ذلك الوقت، مثل التوترات السنية-الشيعية. في الواقع، جرى الكثير من نزع الطائفية على مر السنوات الأخيرة، والمجتمع السني اليوم يقف تمامًا مع الفلسطينيين في غزة، كما هو الحال مع الشيعة في لبنان، وكما هو الحال مع الكثير من المسيحيين. لذلك، أعتقد أن هناك دعمًا شعبيًا للفلسطينيين أكثر مما كان في السابق، وسيحظى حزب الله لو ذهب للحرب اليوم بدعم أكبر مما حظي به في الماضي. لذا، أعتقد أنه يتعين علينا أن نتخلى عن هذا التفسير. لن يكون هناك عائق.

القضية الأخرى هي الاقتصاد. وبالتأكيد، نعاني في لبنان من أزمة اقتصادية حادة. لقد انهار الاقتصاد وكان في حالة سقوط حر منذ عام 2019، لكنني بصراحة أنظر إلى هذه المسائل من الناحية النسبية لا المطلقة. ما يمكن أن تخسره «إسرائيل» أكثر بكثير مما يمكن أن يخسره لبنان اقتصاديًا. وقد خسرت «إسرائيل» الكثير بالفعل. أنا لست خبيرة اقتصادية، لكن مما رأيته فقد تعرضت «إسرائيل» لخسائر اقتصادية، وبالتأكيد ستتعرض لما هو أكثر بكثير إن خاضت حربًا مع حزب الله. [أما في لبنان]، فعن أي بنية تحتية نتحدث؟ الناس ليس لديهم كهرباء، ولم يحصلوا عليها منذ سنوات. الوضع أصلًا فظيع ومحزن للغاية، لذلك لا أعتقد أنه يمكن استخدام الوضع الاقتصادي كورقة ضد حزب الله، للقول بأنه إن ذهب للحرب فإن اقتصادك سيتضرر. عن أي اقتصاد نتحدث؟ هذا فيما يتعلق بالأمور الداخلية.

أما فيما يتعلق بحماس، أنا متأكدة من أن هنالك تنسيق، وقد تحدث مسؤولو حزب الله عن أنهم تشاوروا مع مسؤولي حماس، وسألوا عن مقدار الدعم الذي يريدونه، وكان هذا هو المستوى المتفق عليه المطلوب من الحزب في هذه المرحلة. من المهم التنبه إلى أن الحزب كان دائمًا حريصًا جدًا على إبقاء الفلسطينيين في المركز. فعلى الرغم من أن فلسطين هي قضية إسلامية وعربية، فهي أولًا وقبل كل شيء قضية وطنية فلسطينية. وأعتقد أن حزب الله كان دائمًا حريصًا على ألا يبدو وكأنه يحل محل الفلسطينيين أو يتخذ قرارات نيابة عنهم. لذلك فكل أشكال الدعم الذي يقدمه -وقد قدم الدعم السياسي لحماس على مدى عقود حتى قبل الدعم العسكري- لن يترجم إلى أن يتصرف بالنيابة عن الفلسطينيين، أو أن يصبح رأس الحربة. هذا لن يحدث، الفلسطينيون هم رأس الحربة، وقد قال حزب الله ذلك في مناسبات عديدة.

لكن بالنظر إلى هذا التنسيق، أود أن أسألك عن حادثة محددة وهي اغتيال «إسرائيل» لصالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، في الثاني من كانون الثاني. لماذا اعتبرت تلك حادثة ذات أهمية خاصة بالنسبة لحزب الله؟ فالعاروري كان عضوًا في حماس لا الحزب، لكن الرد -على الأقل في لبنان- جاء من قبل الحزب، وليس من قبل حماس أو مجموعات أخرى. كيف تقيمين رد حزب الله على هذا الأمر ولماذا أولى أهمية خاصة بهذا الاغتيال؟

كان على الحزب أن يرد، وقد أعلن نصر الله إنه سيرد، ليس فقط لأن المستهدف كان مسؤولًا في حماس بل أيضًا لأن الاستهداف حدث في بيروت. 

..وهو خط أحمر رسمه الأمين العام للحزب منذ سنوات.

وقد أكد عليه مرة أخرى مؤخرًا، في آب الماضي. وكان ذلك حين هددت «إسرائيل» باغتيال العاروري. لذلك، تحديدًا بسبب التهديدات باغتيال العاروري، قال نصر الله إننا لن نتسامح مع أي اغتيالات على الأراضي اللبنانية. وكون الاغتيال حدث في بيروت، في الضاحية الجنوبية، لم يكن فقط خرقًا للخطوط الحمراء ولقواعد الاشتباك وأعمق هجوم [داخل لبنان]، بل من الواضح كذلك أنه كان مقصودًا أن يكون تصعيدًا كبيرًا. لذلك كان استفزازًا متعمدًا، وكان حزب الله يعلم أن عليه أن يرد. فالخوف كان أنه إذا لم يرد، فإن «إسرائيل» ستستمر. 

الآن، الجميع يتحدث عما يسمى المرحلة الثالثة من الحرب، وبصراحة لم أر فرقًا كبيرًا بين المرحلة الثانية والثالثة حتى الآن، لكن يفترض أننا في مرحلة انتقالية بين المرحلتين الثانية والثالثة، مع انسحاب بعض القوات الإسرائيلية أو نصفها من شمال غزة، وبدء ما يسمى «ضربات دقيقة» في جنوب غزة. عمليًا، هذه المرحلة الثالثة هي المزيد من الشيء نفسه، لكن هناك جانبًا إضافيًا الآن، وهو سلسلة من الاغتيالات. رأينا ذلك بوضوح باغتيال رضي الموسوي، مستشار الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ثم العاروري، ثم القيادي في الحشد الشعبي في العراق، واغتيال أحد قيادي حماس في سوريا. بالتالي، تزايدت عمليات الاغتيال بشكل يومي، وبالأمس [8 كانون الثاني] كان اغتيال القيادي في حزب الله وسام الطويل. لذلك خشي حزب الله -على نحو محق- أن «إسرائيل» ستستمر في هذه الاغتيالات المستهدفة كجزء من استراتيجية جديدة من هذا النوع من الضربات الدقيقة، إذا لم يرد الحزب. صحيح أنها مستمرة على جميع الأحوال، لكنها ربما كانت ستزيد أكثر، وتتصاعد إلى ما هو أبعد من ذلك. لذلك، كان هناك خوف حقيقي من أن يكون ميزان الردع قد اختل أو حتى انقلب. ولهذا السبب، كان الرد ضروريًا جدًا.

إذن، من وجهة نظر حزب الله، لم يكن الأمر مسألة عقاب جراء خرق «إسرائيل» للخطوط الحمراء فحسب، بل كان أيضًا مسألة حفاظ على الردع في هذا الصدد. ما الذي يمكنك أن تخبرينا به بخصوص رد حزب الله؟

الرد الأول كان يوم السبت [6 كانون الثاني] على قاعدة ميرون، وهي قاعدة استخبارية جوية، ضربها حزب الله بـ62 صاروخًا على ما أعتقد، واستخدم جزءًا منها لإعماء القبة الحديدية، وقد اعتُبرت ضربة ناجحة. لم تنقل «إسرائيل» الخبر ليومين على ما أعتقد، وحتى الإعلام الغربي كان صامتًا تمامًا. واجهت صعوبة في إيجاد أية معلومات حول الموضوع، رغم أن حزب الله أصدر بيانًا مفصلًا للغاية، مرفقًا بفيديوهات. بدا وكأنه إن لم تنقل «إسرائيل» الخبر، فهو لم يحدث. على أي حال، خرجت المعلومات، وكذلك بيانات من الجيش الإسرائيلي أظهرت أن 103 إسرائيليين أصيبوا خلال 24 ساعة، عزا الجيش 19 فقط منهم لغزة. ما يعني أن 84 أصيبوا إما في الضفة الغربية أو على جبهة لبنان، وبالتأكيد كانت الغالبية العظمى منهم على الجبهة اللبنانية على يد حزب الله. لذا، ما زلنا لا نعلم التفاصيل، فـ«إسرائيل» لا تنشر بدقة معلومات عن إصاباتها. لا نعلم بالضبط عدد المصابين والجرحى، لكنني أفترض أن العدد أعلى بكثير مما نشر. 

«إسرائيل» تراهن على الدعم الأمريكي باعتباره فرصة ذهبية لجر الولايات المتحدة. لذا، من الممكن جدًا أن تحاول استفزاز حزب الله لتصعيد ضخم لا يترك لها مجالًا إلا مهاجمة لبنان.

بالتالي، يمكنني القول إن الهجوم تسبب بدمار كبير وأن عدد المصابين لا يستهان به. وبحسب ما قاله رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، السيد هاشم صفي الدين، في بيان له، يبدو أن «إسرائيل» لم تكن تعلم بمعرفة حزب الله بهذه القاعدة. لست متأكدة من ذلك، لكن وفقًا له، فإن حزب الله يعرف بوجود قواعد كثيرة تظن «إسرائيل» أنها سرية. لذا، يمكنني القول إن هذا هو بالضبط نوع الهجوم الذي يمكن توقّعه من حزب الله. فقد كان محسوبًا بدقة، وشكّل تصعيدًا لكنه لم يجتز عتبة الحرب الشاملة، أي لم يحرج «إسرائيل» لدرجة استفزازها لفتح حرب شاملة. وكان هجومًا مختلفًا نوعيًا، بعمق ثمانية كيلومترات. واليوم [9 كانون الثاني]، كان هناك هجوم آخر بعمق 12 كيلومترًا على قاعدة قرب صفد. ما زلنا لا نعرف الكثير حول هذا الهجوم، أتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية لمحاولة معرفة حجمه، وأعتقد أن إحدى هذه الوسائل استخدمت أوصاف من نوع «هجوم دراماتيكي». لكن على الأقل، على المستوى الرمزي، هي قاعدة عسكرية وأبعد عن الحدود، بالتالي هو هجوم أعمق، وهي مركز سيطرة وتحكم بجزء كبير من الشمال، وتشرف على قيادة فرقتين عسكريتين مسؤولتين عن كثير مما يحدث في جنوب لبنان. 

بالمناسبة، أعتقد أنه من المهم الإشارة إلى أن حزب الله حين استهدف قاعدة ميرون، ربط ذلك الهجوم بأن القاعدة كانت سببًا في استهداف العاروري، أي أن ميرون كانت مسؤولة إلى حد كبير عن ذلك الاستهداف. والمثير للاهتمام هو أنه حين ردت «إسرائيل» منذ ذلك الحين، باغتيال وسام الطويل ثم علي برجي اليوم، فقد حاولت كذلك ربط هذين المقاتلين بالهجمات على قاعدتي ميرون وصفد. ففي حالة الطويل، قالت «إسرائيل» إنه كان مسؤولًا عن التخطيط للهجوم على ميرون، واليوم زعمت أيضًا أن علي برجي كان قائدًا في القوة الجوية لحزب الله. لا أحد يعلم ما كان موقعه بالضبط، لكن حزب الله لم يسمه بالقيادي في بيان نعيه. وحزب الله لم يخف في تاريخه قط أي خسائر. من المستحيل أن يستطيع فعل ذلك حتى لو أراد. [عندنا] الجميع ينعى موتاه بشكل علني وفي مراسم عامة، وحتى إن لم يكن شخصًا معروفًا ولا مقاتلًا سيحضر جنازته العشرات والعشرات. بالتالي، حزب الله لا يخفي شهداءه بل يسمي كل واحد منهم. وأعتقد أنه بمعزل عن موقفك من حزب الله، بغض النظر من أنت وفي أي مكان في العالم، عليك أن تستند إلى بيانات النعي هذه كمؤشر على خسائر حزب الله. لذا، بالنظر إلى أنه لم يصف هذا المقاتل الأخير بالقيادي، فأنا أشك أنه كان كذلك.

لكن على كل الأحوال، لقد وصفت اغتيال العاروري بأنه ليس فقط هجومًا على حماس، وإنما هو أيضًا استفزاز متعمد لحزب الله. والآن وصلنا إلى نقطة باتت «إسرائيل» تستهدف فيها قيادي حزب الله ومقاتليه بشكل مباشر. وفي هذا السياق، هناك وجهتا نظر حول نوايا «إسرائيل» تجاه لبنان. الأولى تصر على أن «إسرائيل» تدرك أنه ليس بمقدورها التفوق على حزب الله عسكريًا، وأن حربًا مع لبنان ستكون كارثة ليس فقط على لبنان وإنما على «إسرائيل» كذلك، بالتالي علينا أن ننظر إلى التصريحات الإسرائيلية حول تكرار ما فعلته بغزة في لبنان بوصفها جعجعة لأنها لن تقدم على ذلك. وهناك وجهة نظر أخرى تشير إلى أن الدول والقادة غير العقلانيين يمكن أن يتصرفوا بشكل غير عقلاني وأحمق، وأنه في هذه الحالة «إسرائيل» تعتقد أن بوسعها جر الولايات المتحدة للصراع مع لبنان، وربما مع أعداء «إسرائيل» الآخرين في المنطقة. ما هو تقييمك للأجندة الإسرائيلية؟

أعتقد أن وجهتي النظر يمكن أن تكونا صحيحتين. أتفق مع أنه حين تطلق «إسرائيل» هذه التصريحات التي نسمعها منذ أسابيع والتهديدات بأنه إن لم ينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني ويوقف هجماته عبر الحدود، والرسائل التي أرسلها غالانت وآخرون عبر وسطاء غربيين بأنه إن لم يفعل حزب الله ذلك، فسوف يهاجمون لبنان، كل هذا أرى أنه جعجعة بالفعل. لأنني لا أعتقد على الإطلاق بأن «إسرائيل»، أو أي دولة أخرى في الحقيقة، يمكنها أن تخوض حربًا على جبهتين، وثانيًا بالتحديد لأن «إسرائيل» لا يمكنها مواجهة حزب الله وحدها، وهي لم تتمكن من فعل ذلك عام 2006. 

وتلك كانت حربًا على جبهة واحدة.

صحيح، وكانت في مواجهة النسخة الأولى من حزب الله، إن جاز التعبير. وهذا يقودني إلى السيناريو الثاني الذي تحدثتَ عنه. أعتقد أن «إسرائيل» تراهن بالفعل على الولايات المتحدة. فهي تنظر إلى الدعم العسكري غير المسبوق المقدم لها، ونحن لا نتحدث فقط عن التمويل والتسليح المستمرين منذ بداية الحرب واللذين شهدا زيادة بالغة، ولا فقط عن مجلس الأمن والغطاء السياسي وما إلى ذلك، بل نتحدث أيضًا عن جنود أمريكيين وقوات مارينز تم توظيفها وحاملات طائرات وغواصات نووية. إنها شريك حقيقي في الحرب وهي جاهزة للتحرك، وهذا ما تراهن عليه «إسرائيل» باعتبارها فرصة ذهبية لجر الولايات المتحدة. لذا، من الممكن جدًا أن تحاول «إسرائيل» استفزاز حزب الله لتصعيد ضخم لا يترك لها مجالًا إلا مهاجمة لبنان وبالتالي جر الولايات المتحدة.

لكن على الرغم من ذلك، ما زلت أعتقد أن هذه التهديدات فارغة، لأن «إسرائيل» لن تنفذها بدون الولايات المتحدة. وحتى الآن، لا تبدو إدارة بايدن متحمسة لاحتمال الحرب مع حزب الله، فضلًا عن حرب إقليمية أوسع بكثير. فالحرب مع حزب الله وفتح الجبهة الشمالية سيفتح عدة جبهات. لن يكون هناك حرب على جبهتين، بل ستصبح حربًا متعددة الجبهات، والمجموعات المنخرطة الآن في هذه الحرب، أنصار الله في اليمن والمقاومة الإسلامية في العراق ومجموعات في سوريا، كل هذه المجموعات ستنخرط بشكل أوسع وأعمق بكثير، وهذا دون الحديث عن إيران. 

بالتالي، هذا سيطال الوجود الأميركي في سوريا والعراق.

بالضبط. وهذا ما يمثل عقب أخيل. في الحقيقة، هم أهداف مكشوفة. بالتالي، الوجود الأمريكي في المنطقة يجعل من التدخل الأمريكي أصعب بكثير. وقد تعهد العراقيون بالفعل بإخراج القوات الأمريكية، حتى رئيس الوزراء قال إنهم يريدون ذلك، وهم يعدون استراتيجية بغرض ذلك. وقد أرسل حزب الله ممثله الشيخ محمد كوثراني، المسؤول عن ملف العراق، إلى العراق مجددًا للتنسيق بين القوى المختلفة التي تشكل الحشد الشعبي في هجماتها ضد الولايات المتحدة، وأنا متأكدة من أنهم يفعلون الشيء نفسه في سوريا. نصر الله نفسه قال إن القوات الأمريكية لا يمكن أن تخرج من العراق فحسب، وإنما يجب أن تخرج من شرق الفرات كذلك. بالتالي، نحن لا نتحدث عن هجمات ضد «إسرائيل» وحدها بل ضد القوات الأمريكية في المنطقة، لذلك فالتردد الأمريكي إزاء الانخراط في الصراع مفهوم.

حول هذه النقطة، سمعنا تقارير عن أن الأمريكيين نقلوا لـ«إسرائيل» رسالة بأنهم سيحاربون إلى جانبها في حال تعرضها لهجوم من حزب الله دون استفزاز سابق، لكن إن بادرت «إسرائيل» للحرب على لبنان، فستكون وحدها. من الصعب تصديق أن الإدارة الأمريكية لن تفي بوعدها بالوقوف إلى جانب «إسرائيل» في السراء والضراء بغض النظر عن كيفية اندلاع هذا الصراع، لكن على كل الأحوال يبدو أن الحكومات الغربية ومن بينها الولايات المتحدة تعطي الأولوية لمنع الصراع الإقليمي وحصره في الإبادة الجارية في قطاع غزة. وبدلًا من الدفع باتجاه إيقاف الحرب الإسرائيلية في غزة، يبدو أنها تبنت الأجندة الإسرائيلية في إخراج حزب الله من جنوب الليطاني. هل هذه برأيك سياسة جدية أم أنه مسعى عقيم؟

لا أستطيع أن آخذ هذه السياسة على محمل الجد وأجدها صعبة التصديق. لقد أرسلوا مبعوث السياسة الخارجية الأوروبي [جوزيب بوريل] لهذا الغرض، الذي التقى رئيس الكتلة النيابية لحزب الله محمد رعد، والذي قال له لا تتحدثوا إلينا قبل أن يكون هناك وقف لإطلاق النار. إنه أمر مدهش حقًا أن هناك إبادة غير مسبوقة تحصل في غزة، وهم يتوقعون من حزب الله أن يجلس بصمت، بل يريدون منه تخفيض التصعيد والانسحاب بالشروط التي يضعونها، فيما «إسرائيل» في أكثر حالاتها عدوانية في تاريخها، وترتكب جرائم حرب. لطالما فعلت ذلك طبعًا، لكن ما يجري الآن هو إبادة جماعية وتطهير عرقي بكل معنى الكلمة، وهذا لا يرتبط باليوم فقط، بل بمستقبل فلسطين. إنه تهديد وجودي. وفلسطين هي حجر الزاوية في محور المقاومة. كلمة مقاومة موجودة في اسمه، أي أن سبب وجوده هو مقاومة «إسرائيل»؛ إن كف عن مقاومتها فهو يشكك بهويته. إن كف حزب الله عن كونه حزب الله فقط عندها سينسحب. لذا، نعم، أعتقد أنه مسعى عقيم.

بالعودة لمحور المقاومة، كثيرًا ما تشير وسائل الإعلام الغربية إلى هذا التحالف بوصفه سفينة تقودها إيران، فيما تعمل بقية التنظيمات التي ذكرتِها كأدوات إقليمية لإيران، تخضع لسيطرة وأجندة طهران. لكن بالنظر لهجوم حماس في السابع من أكتوبر والطريقة التي استجاب بها حزب الله وأعضاء آخرون في هذا التحالف للحرب على قطاع غزة، ما الذي تخبرنا به هذه التطورات حول طبيعة هذا التحالف والعلاقات بين أعضائه الأساسيين؟

بداية، مصطلح محور المقاومة ليس قديمًا. في الحقيقة، يمكن تتبعه إلى عام 2008، لكنه بات مستخدمًا أكثر في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الحرب في سوريا. لكنه كان دومًا ما يساء فهمه باعتقادي فيما يتعلق بالعلاقات بين الفاعلين المختلفين فيه. لدينا القوة الكبرى الإقليمية وهي إيران، وهي التي تقود المحور لأنها الأقوى بين أعضائه. ولدينا سوريا لكنها لا تقود بطبيعة الحال، فهي دولة لكنها ليست قوية بأي حال، فهي فاعل إقليمي وليست قوة إقليمية. والبقية هم ليسوا دولًا. بالطبع، أنصار الله باتوا دولة أمر واقع، لذا بات من الأسهل قول اليمن الآن، لكن من حيث المبدأ لدينا فاعون غير دولتيين. حزب الله ليس دولة، لكنني أعتقد بناء على دراستي أن حزب الله بات بذاته ما أصفه بقوة إقليمية فرعية. وهناك أسباب متعددة لذلك. أولها أن نصر الله نفسه أصبح قائدًا آخر لمحور المقاومة، لكنه أقرب للأرض، وينسق بين الفاعلين المختلفين. وثانيًا لأن إيران فارسية وليست عربية، لذا من المنطقي أكثر أن يكون لحزب الله علاقات أقرب مع بقية الأعضاء. ولأنه كذلك ليس دولة مثله مثل البقية. وهذا هو الحال منذ عدد من السنوات. 

لا يمكن فهم العلاقة بين هذه الأطراف باستخدام قالب غربي، حيث أحد الأعضاء هو دولة راعية والبقية هم أذرع أو أدوات. الأمور لا تسير على هذا النحو. علينا أن ننظر إلى الأمر بعدسة مختلفة. فهؤلاء مجموعات وفاعلون مصطفون أيديولوجيًا، وهذا أمر لا نجده دومًا في تحالفات أخرى. هم مصطفون استراتيجيًا فيما يتعلق بـ«إسرائيل»، وليس من الضروري حتى أن يكونوا مصطفين على أساس الأيديولوجيا الدينية، فبعضهم سنة وبعضهم شيعة، لكنهم مصطفون من حيث الأيديولوجيا السياسية، وهذا ما يجعلهم تحالفًا أكثر عضوية.

ولديهم أجندة مشتركة في معارضة الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية على المنطقة.

صحيح. ولديهم تاريخ مشترك، وعلاقات ثقافية مشتركة لا توجد في تحالفات أخرى. لذلك فهو نموذج مختلف جدًا من التحالفات. وأعتقد أن محور المقاومة يجب أن يدفع نحو المزيد من البحث في حقل العلاقات الدولية، لأننا حتى الآن ما زلنا نستخدم نفس النموذج الغربي، وهذا هو السبب الذي يجعل الكثيرين يفشلون في فهمه. لذلك، حين جاء السابع من أكتوبر، كان التعليق الأول لكثير من المحليين وحتى السياسيين هو الإشارة لإيران. 

وصدرت الكثير من التقارير المفصلة في النيويورك تايمز والغارديان على ما أعتقد لتشرح كيف جرى كل ذلك بالتحكم عن بعد.

وهذا مهين للغاية، لأنه يعني أن هؤلاء الأطراف المختلفين في دول مختلفة ليسوا فاعلين أحرارًا، وليست لهم مظالم محقة، وليست لديهم الفاعلية أو الأهلية. هم لديهم الأهلية لكن بالطبع هناك تنسيق. إن أردت أن أتوخى الموضوعية، أعتقد أنه من الصعب تخيل سيناريو حيث لم يكن لدى إيران أو حزب الله أي علم بوجود استراتيجية دفاع هجومي من هذا النوع. أعتقد أن هذا الاستراتيجية هي استراتيجية تبناها كل أعضاء المحور. فحماس هي من بادرت للهجوم، وكذلك حزب الله، وهذا أمر جديدًا نسبيًا. في حالة حماس كان هجومًا شجاعًا ومذهلًا، وهم من بادروا إليه. لذا، لا بد أنه كان جزءًا من استراتيجية إقليمية أوسع، ولا بد أنه كان هناك نقاش ما حوله في السنوات الماضية. لكن ذلك لا يعني أنهم علموا بالأمر في الأيام أو الأسابيع أو حتى الأشهر التي سبقت. وإنما أن هناك اتفاقًا عامًا على استراتيجية دفاع هجومي. وأنا متأكدة أن قلة قليلة في كتائب القسام عرفت بالأمر، وأن معظم مسؤولي حماس لم يعلموا. بصراحة لا أعتقد أن إسماعيل هنية علم بالأمر. ولن أتفاجأ إن كان الأمر شبيهًا في حالة حزب الله، حيث معظم المسؤولين لا يعلمون أي شيء عن الهجمات والاستراتيجيات العسكرية. لذا، من المستبعد جدًا أن يكونوا قد علموا بالهجوم ذاته، لكنهم يعلمون على مستوى الاستراتيجية.

«إسرائيل» تحضر منذ سنوات لتفادي هجوم من هذا النوع، لكن من قبل حزب الله. كانوا يخشون أن يحدث عبور من الحدود الشمالية، أي أن الاستراتيجية كانت موجودة، ولا بد أن حزب الله ساهم بالإعداد لها. 

بالنظر لكل هذه التطورات والتفسيرات المختلفة للأحداث، ما هو تقييمك للوجهة التي نتجه نحوها، بالأخص فيما يتعلق بما يبدو أنه احتمال متزايد للتصعيد الإقليمي الشامل؟

من الصعب الجزم. أنا أغير رأيي باستمرار بشأن الاتجاه الذي نسير فيه، خاصة لأنه في الأيام الأخيرة هناك اغتيال جديد كل يوم، لذا فالأمر مقلق للغاية. وأعتقد أن رأيي تغير إلى حد ما في الأسابيع الماضية. أعتقد أن كثيرين مثلي كانوا يعتقدون أن «إسرائيل» لن تجرؤ [على مهاجمة لبنان]، والآن بتنا نعتقد أنها تريد فعلًا أن تجر الولايات المتحدة. هذا ما تبدو عليه الأمور بشكل متزايد. 

أعتقد أن الأمر يعتمد على ما إذا كانت إدارة بايدن راغبة في خوض حرب إقليمية، لأنهم سيخوضونها إن كانوا مستعدين لها. في الوقت نفسه، أرى أنه من الصعب جدًا أن يتجنبوها لأن «إسرائيل» لم تحقق شيئًا، وهذا مخيف للغاية. إنهم لا يستطيعون تقديم حتى نصر رمزي. حاولوا تقديم اغتيال العاروري على أنه إنجاز كبير، لكنه بصراحة كان هدفًا سهلًا، فقد كان يتنقل بالسيارات وكان موجودًا في أحد مكاتب حماس في بيروت، ولم يكن الأمر إنجازًا على المستوى الاستخباري. أنا أعرف المنطقة وقد قابلت مسؤولين من حماس فيها في السابق، وهم في مبان معروفة محاطة بالجيران والدكاكين. ليس من الصعب استهداف هؤلاء المسؤولين. لذا الأمر مخيف لأن «إسرائيل» لم تحقق شيئًا، وستستمر في محاولة تقديم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بوصفه إنجازًا لجمهورها المتعطش للحرب. وكذلك لأن نتنياهو وغيره يحتاجون لذريعة يختبئون خلفها لتجنب المحاسبة. هناك العديد من العوامل المؤثرة في هذه المسألة، وأنا لا أرى أن «إسرائيل» تتجه إلى أي نصر. ومن هذا المنطلق، سيبدو التهديد وجوديًا بالنسبة للولايات المتحدة وهي تنظر إلى أقرب حلفائها في المنطقة بينما يقول كثيرون أن أيامه باتت معدودة. هذا ليس شعارًا، فالكثيرون يشككون اليوم ببقاء «إسرائيل» كدولة تفوق عرقي، وهذه فعلًا مسألة وجودية. وحين يتحدث البعض عن حل الدولتين، لا أحد يأخذ ذلك على محمل الجد اليوم.

لذا، فنحن نرى انقلابًا مفاهيميًا حقيقيًا بعد السابع من أكتوبر، وليس فقط بالنسبة لـ«إسرائيل» وإنما للولايات المتحدة أيضًا، فيما يتعلق بالرأي العام وأشياء أخرى كثيرة. لم نر من قبل تحالفًا من الفاعلين غير الدولتيين يخوضون حربًا كهذه. ومن المثير للاهتمام أنهم خلقوا نموذجًا خاصًا بهم من التزام مسؤولية الحماية

وكشفوا هشاشة «إسرائيل». لكن لعل الطرف الآخر لهذه المعادلة هو أن الولايات المتحدة تحتاج انتصارًا إسرائيليًا بقدر ما تحتاجه «إسرائيل». 

بالطبع، وهذا تهديد وجودي. طبعًا ليس تهديدًا لوجود الولايات المتحدة بذاتها، بل لوجودها في المنطقة. فقوتها الإقليمية تقلصت بشكل كبير عبر السنوات، لكن ذلك تعمق الآن. لم يعد لديها أي قوة ناعمة على الإطلاق، وأنا أشك أنه كان لديها قوة ناعمة في المنطقة في السابق، لكنها انتهت على أي حال. وكذلك قوتها الصلبة تتراجع، و«إسرائيل» جزء من هذه القوة الصلبة، وقد تبين أنها حليف ضعيف. هذا ما يجعل الأمر انقلابًا مفاهيميًا. للدقة، عام 2006 تمكن حزب الله من تحطيم أسطورة «إسرائيل» التي لا تقهر، لكن منعة «إسرائيل» كدولة صهيونية تتحطم الآن كذلك. ما فعله حزب الله هو تحطيم أسطورة الجيش، لكن باعتقادي ما نجحت فيه حماس والجهاد الإسلامي، وتدعمه الآن كل هذه الأطراف الأخرى، هو تحدي فكرة إمكانية بقاء «إسرائيل» في صورتها الحالية، لأن هذا النظام الصهيوني توسعي من حيث الجوهر، وطالما بقيت هذه الهوية والعقيدة السياسية قائمة، سواء كانت الحكومة يمينية أو يسارية لا فرق، فهل ستتمكن من البقاء على المدى البعيد؟

لذلك، فالمسألة وجودية بالنسبة لـ«إسرائيل»، وهي تحتاج صورة نصر، وهي غير قادرة على تحقيق شيء باستثناء قتل آلاف الفلسطينيين وتطهيرهم عرقيًا. هل هناك نهاية في الأفق؟ في البداية أذكر أنني وكثيرين غيري كنا نقول أن الأمر سيمتد لبضعة أسابيع، لكننا بلغنا نقطة يبدو فيها أن الأمر سيستمر لشهور طويلة.  

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية