جسر الملك حسين: هل الإجراءات الأردنية الجديدة كافية؟

الإثنين 03 تشرين الأول 2022
جسر اللنبي
جسر الملك حسين بين الأردن والضفة الغربية. تصوير خليل مزرعاوي. أ ف ب.

حاول فادي طاهر (52 عامًا)، أواسط آب الماضي عدة مرات حجز تذاكر الباص للسفر عبر جسر الملك حسين، من الأردن إلى الضفة الغربية، من خلال تطبيق (JETT-KHB) الذي أطلقته شركة جِت لنقل الركاب أواخر تموز الماضي بهدف تسهيل آلية الحجز المسبق للسفر عبر الجسر. وفي كل محاولة كانت تظهر لطاهر رسالة مفادها عدم نجاح عملية الدفع دون توضيحٍ للأسباب، ثم علم أن بإمكانه شراء التذاكر مباشرة من مكتب الشركة على الجسر، فتوجه مع عائلته المكونة من 10 أفراد إلى الجسر مباشرةً دون حجز مسبق.

كانت محاولات طاهر هذه التزامًا منه بقرار وزير الداخلية مازن الفراية، أوائل آب الماضي، اعتماد آلية الحجز المسبق «لتسهيل حركة المغادرة على جسر الملك حسين باتجاه أراضي الضفة الغربية، بما يضمن الحيلولة دون حدوث الاكتظاظ والازدحام»، وهو قرارٌ صدر بعدما شهد الجسر حالات ازدحام شديدة في حزيران وتموز الماضيين.

طاهر واحدٌ من آلاف الفلسطينيين الذي يواجهون صعوباتٍ عدة خلال سفرهم إلى الضفة الغربية عبر الجسر، ناتجة بشكل أساسي عن الاحتلال وعرقلته لحركة المرور وعدم تمديد ساعات العمل استجابةً لتزايد أعداد المسافرين الواصلين إلى معبر «اللنبي»[1] الذي تشغّله شركات إسرائيلية خاصة، والذي يستوعب نحو أربعة آلاف مسافرٍ يوميًا، مقسمين على 80 حافلة عليها أن تعبر «اللنبي» بين الثامنة صباحًا والتاسعة مساءً من الأحد إلى الخميس، وعلى نصف هذا العدد تقريبًا أن يعبر بين الثامنة صباحًا والثانية عشر ظهرًا يومي الجمعة والسبت، وهذه مواعيد لا يلتزم بها الاحتلال بل يغيّرها باستمرار.

في بعض الأيام خلال الأشهر بين حزيران وآب الماضي، وصل عدد المسافرين الفلسطينيين إلى سبعة آلاف تقريبًا، وعادةً ما تشهد هذه الفترة من العام ازدحاماتٍ على الجسر حيث تتزامن مع عودة الحجاج وانتهاء عطل المدارس، أضيف إليها هذا العام إقبال أكثر على السفر بعد جائحة كورونا. استغل الاحتلال هذه الظروف وزاد في تعقيد إجراءات السفر عبر الجسر في إطار الترويج لـ«إجراءات مسهّلة» لسفر الفلسطينيين عبر مطار رامون.

تسبّب هذا الحال باكتظاظ المسافرين أمام الجسر حتى اضطر بعضهم للنوم هناك بضع ليالٍ قبل تمكنهم من العبور، فيما بات آخرون في الفنادق أو في بيوت أقاربهم في المحافظات الأردنية. من جهته، استجاب الأردن لهذه الازدحامات عبر إجراءاتٍ بعضها سريع ومباشر، وبعضها الآخر سيستغرق إنجازها وقتًا أطول.

الاستجابة الأردنية: تسهيلات إجرائية ومشروع جديد

كان اعتماد آلية الحجز المسبق أول القرارات المتخذة استجابةً للازدحامات التي شهدها الجسر في حزيران وتموز الماضيين، وكان الهدف من هذه الآلية تحديد أعداد المسافرين وأوقات سفرهم، عبر مراجعة أحد مكاتب شركة جِت التي تنقل المسافرين بين جانبي الجسر؛ الأردني و«الإسرائيلي»، أو عبر تطبيق الشركة المخصص للهواتف فقط.

واجه المسافرون عدة مشكلاتٍ في الحجز، فمنهم من لم يتمكن من الدفع إلكترونيًا، مثل طاهر وآخرين، ومنهم من دفع ثمن التذكرة مرتين؛ الأولى إلكترونيًا والثانية عند طباعة التذاكر. بينما لم يتمكن بعضهم من استخدام التطبيقات الإلكترونية، فلجأوا إلى مكاتب أو أفراد للقيام بالحجز مقابل مبالغ مالية. كما تعرض مسافرون لاحتيال من أشخاص ادّعوا أنهم وكلاء لشركة جت وباعوا التذاكر بأسعار أعلى من قيمتها. وفي كل الأحوال، كان على كل المسافرين مراجعة مكتب الشركة في الجسر لطباعة التذاكر ورقيًا وإلصاقها على الأمتعة وجوازات السفر لدواعٍ أمنية، وهو وقت وجهد كان يُفترض بالتطبيق توفيره على المسافرين.

وبحسب مهند الصباغ، مدير قسم تكنولوجيا المعلومات في شركة جت، فإن بعض المشاكل حدثت لأن التطبيق جديد ولم يكن كل الموظفين على دراية جيدة به، مشيرًا إلى أن الشركة تابعت المشكلة وحلّتها. عازيًا عدم إتمام الحجز بسبب الدفع الإلكتروني إلى أخطاء يرتكبها المسافرون عند إدخال معلومات البطاقات الإلكترونية. مضيفًا أن الشركة تعيد قيمة الحجز كاملًا لمن دفع مرتين خلال أسبوع إلى 14 يومًا بحسب شركات البطاقات الإلكترونية (فيزا وماستركارد)، وأنها خصصت طابعة تذاكر وقارئ ترميز (QR Code) لطباعة التذاكر ذاتيًا، كما وفّرت موظفًا لمساعدة من لا يعرف استخدام التطبيق أو فقدَ معلومات الحجز.

من شأن الإجراءات الحكومية الأخيرة أن تسهّل حركة المسافرين الفلسطينيين لكن المشكلة الرئيسية تكمن في الاحتلال الذي ينصب بوابات إلكترونية قبل معبر «اللنبي»، ويفتحها أو يغلقها دون التزام بالمواعيد المحددة لحركة الشحن والمسافرين.

يبدو أن كل ما سبق دفع باتجاه تجميد قرار الحجز المسبق دون إعلان رسمي عن ذلك. إلا أن إدارة أمن الجسور أعلنت، يوم 18 أيلول الماضي، للمسافرين القادمين إلى الأردن عبر الجسر، عن ضرورة الحجز المسبق على منصة (gateway2jordan) «لتجنّب تأخير المسافرين والحد من الأزمات الخانقة داخل الجسر»، وهو ما أربك المسافرين الذين تفاجأوا بالقرار الذي دخل حيز التنفيذ يوم الإعلان عنه.

ورغم الصعوبات التي واجهت بعض المسافرين في الحجز، يرى بعضهم أن تطبيق الشركة والمنصة الحكومية ساعدتهم على معرفة أرقام الحافلات ومواعيد مغادرتها، وهو ما كان سيجنّبهم الازدحامات ويوفّر أوقاتهم وجهودهم ويسهّل عليهم السفر عبر مطار الملكة علياء لو حلت المشاكل السابقة وكان هناك التزام بمواعيد حركة الحافلات.

وبالإضافة إلى الحجز المسبق، اعتمدت الحكومة تسهيلات إجرائية أخرى، فرفعت وزارة الداخلية وإدارة أمن الجسور عدد الشبابيك المخصصة لمعاملات المغادرة. كما ازداد عدد الحافلات وعمال نقل الأمتعة، والتي يشتكي مسافرون من تأخرها أو عدم نقلها أو تخزينها بطريقة غير منتظمة. يقول فادي طاهر، الذي غادر عبر الجسر أواسط آب الماضي، إن الأمن الأردني فحص وثائقهم وختم الخروج بسرعة غير مسبوقة، «خلال نص ساعة كنا مخلصين عند الأردن وطالعين». وقد كُلفت شركة خاصة بصيانة صالات الجسر بما في ذلك المرافق الصحية، ونُصبت خيامٌ مزودة بأنظمة تكييف، إضافة إلى مستشفى متنقل ومركبات إسعاف.

وفي السياق نفسه، كان وزير النقل وجيه عزايزة قد أعلن مطلع أيلول الماضي أن الحكومة تدرس تخفيض تكاليف السفر «للتخفيف على المسافر الفلسطيني»، وتتراوح تكلفة السفر عبر جسر الملك حسين في رحلتي الذهاب والعودة بين 100 دينارًا و120 دينارًا، منها 18 دينارًا إلى 27 دينارًا أجور مواصلات للمغادرين من الأردن، و29 دينارًا إلى 39 دينارًا أجور نقل ورسومٍ للقادمين إليه. من جهته، يأمل النائب خليل عطية أن تعيد الحكومة النظر في تكاليف السفر هذه، إلى جانب تكاليف تجديد جواز السفر الأردني المؤقت التي تبلغ 200 دينارًا، معتبرًا أن هذا المبلغ كبير. مشيرًا إلى أنه توجه بأسئلة للحكومة حول عدم السماح لمواطني فلسطين بالسفر إلى الأردن بسياراتهم الخاصة أسوة بمواطني بقية الدول العربية، معتبرًا أن هذا المنع «غير مبرر». ولم يتلقَ عطية إجابة من الحكومة على أسئلته بعد، رغم انتهاء المهلة الدستورية.

من جانب آخر، كانت الحكومة أوائل نيسان الماضي قد طرحت عطاءً لإنشاء مبانٍ وساحاتٍ جديدة للشحن والركاب لجسر الملك حسين على أرضٍ مساحتها 2000 دونم، تضم صالات انتظار ونقاط تفتيش وأسواق وأماكن للأمتعة ومواقف للسيارات والحافلات وساحاتٍ للشاحنات. ثم أعلنت وزارة النقل أواخر آب الماضي عن مساعيها للإسراع بطرح العطاء لتطوير الجسر بقيمة 150 مليون دينار، وقد منحته الحكومة مؤخرًا صفة الاستعجال.

وبحسب وزارة الأشغال، فإن العطاء «يلبي الاحتياجات المستقبلية والنمو المتسارع لحركة الركاب والشحن على المعبر، ويهدف إلى تسهيل حركة الركاب بين الأردن والضفة الغربية». ويفصل المشروع الجديد حركة الركاب عن الشحن التجاري بين الضفتين، علمًا بأن حركة الشحن كانت تمر قبل سنوات بشكل منفصلٍ عبر جسر «دامية»، لكن الاحتلال الإسرائيلي أغلق الجسر مع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، وحوّل حركة التبادل التجاري إلى جسر الملك حسين.

جاء الإعلان عن الإسراع بطرح العطاء لتطوير الجسر عقب اجتماع وزاري ضمّ وزيري النقل والداخلية الأردنيين، مع وزير النقل والمواصلات الفلسطيني عاصم سالم، وذلك بعدما أعلن الاحتلال عن تسيير أول رحلة جوية للفلسطينيين في الضفة الغربية من مطار رامون. وقال وزير النقل الفلسطيني بعد الاجتماع الوزاري أنه من المفترض أن يتم فتح معبر الكرامة على مدار الساعة ابتداءً من تشرين الأول الحالي، فيما أعلن الاحتلال عن فترة تجريبية لفتح المعبر طوال اليوم ابتداءً من يوم 24 من الشهر الحالي، وهو قرارٌ كان المسافرون الفلسطينيون بانتظاره منذ جائحة كورونا.

«إسرائيل» هي المشكلة

من شأن الإجراءات الحكومية الأخيرة أن تسهّل حركة المسافرين الفلسطينيين على الجانب الأردني (معبر الكرامة)، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في الاحتلال، الذي ينصب بوابات إلكترونية قبل معبر «اللنبي»، وهو يفتحها أو يغلقها دون التزام بالمواعيد المحددة لحركة الشحن والمسافرين. وهو ما يتفق معه النائب عطية، الذي يعزو الاكتظاظ إلى «غطرسة الطرف الآخر وتحكّمه بأوقات دوام الجسر».

اختار فادي طاهر السفر مساءً لأن الحركة حينها أقل بالمقارنة بالفترة الصباحية، بعد عبورهم معبر الكرامة، قضى طاهر وعائلته قرابة ساعتين في الحافلة المتوقفة أمام معبر «اللنبي»، «كان قدامنا خمسة باصات ومش عارف كم باص ورانا».

بعد السابعة مساءً، يستقبل الاحتلال المسافرين القادمين من الأردن في قاعة صغيرة مخصصة لأهل القدس والمسافرين من كبار الشخصيات (VIP) بدلًا من استقبالهم في القاعة المخصصة لأهالي الضفة الغربية، وهي أوسع وفيها شبابيك فحص أكثر. يقول طاهر إن المسافرين تكدسوا وأمتعتهم في هذه القاعة بانتظار تدقيق وثائقهم وتفتيش أمتعتهم بواسطة جهاز تفتيشٍ واحد فقط، وهو ما لا يكتفي به موظف جمارك الاحتلال أحيانًا، فيَعمدُ -بحسب مسافرين- إلى فتح الحقائب وتفتيشها يدويًا، الأمر الذي يؤخّر الرحلات.

بالإضافة إلى هذه العراقيل يقلّص الاحتلال عدد العاملين في التفتيش والتدقيق، ويمطر موظفو التدقيق المسافرَ بأسئلة حول عائلته ونشاطاته خلال السفر والبلد التي سافر إليها، وهو ما يعتبره مسافرون بلا هدفٍ سوى التضييق والتأخير وافتعال الأزمات. يضاف إلى ذلك احتجاز مسافرين لساعات للتحقيق معهم ومنع بعضهم من السفر.

أواخر آب الماضي، قضت ميسون (50 عامًا) برفقة ابنتها نحو خمس ساعات في الحافلة المتوقفة بين المعبرين بانتظار تعليمات الاحتلال بالمرور، الذي لا يسمح أحيانًا بعبور بعض الحافلات ويعيدها من حيث جاءت. تقول ميسون إن الحافلات المتوقفة كانت تقلّ حجاجًا ومعتمرين، «لو يعلنوا عن أيام مرور المعتمرين والحجاج كان ما بنسافر هذاك اليوم». مضيفةً أنهم خلال ساعات الانتظار احتاجوا إلى مياه الشرب واستخدام المراحيض، «علمك في أطفال وكبار سن وناس معهم سكري وضغط»، لكنها احتياجات لا يمكن تلبيتها لعدم توفر الخدمات في تلك المنطقة.

بعد الانتهاء من معبر «اللنبي»، ينتقل المسافرون بحافلات فلسطينية إلى الجهة الفلسطينية من معبر الكرامة، حيث يتم للمرة الثالثة تدقيق وثائقهم وتفتيش أمتعتهم، وهو ما يجري بوتيرة سريعة نسبيًا. يقول نظمي مهنا، مدير المعابر والحدود الفلسطينية، إن الحركة هذه الأيام سلسةٌ ولا يوجد أي ازدحامات، مضيفًا أن الاكتظاظ الذي حدث في الأشهر الأخيرة أمر طبيعي سببه توافد أعداد كبيرة من المسافرين إلى الجسر خلال أيام متتالية، خصوصًا بعد رفع إجراءات كورونا، حيث وصل عدد المسافرين في بعض الأيام، في الاتجاهين، إلى حوالي 16 ألف مسافر.

في رحلتها الأخيرة، غادرت ميسون عمّان في الرابعة مساءً، لتصل إلى منزلها في مدينة بيت لحم عند الواحدة ليلًا، «كان يوم من العمر. معاناة غير شكل». أما طاهر فيقول إن يوم السفر عبر الجسر يومٌ ضائع لا يمكن خلاله إنجاز أي أمر آخر، «يوم محروق، بتنزل وإنت مش عارف شو بده يصير معك، إنت وحظك».

  • الهوامش

    [1] التسمية الإسرائيلية للمعبر من الجهة التي يسيطر عليها الاحتلال.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية