هل تقليص العطلة الصيفية مفيد للطلبة؟

الخميس 10 آب 2023
تصميم معاوية باجس.

يحنّ كثيرون إلى أيام الطفولة وعطلها الصيفية. خلافًا لأيام الإجازة السنوية المحدودة في 14 إلى 21 يومًا في الوظيفة، فإن أسابيع العطلة الصيفية المدرسية تمتد على ثلاثة أشهر، يتحرر فيها الأطفال من الدراسة والامتحانات والحاجة إلى الاستيقاظ باكرًا للذهاب إلى الدوام. 

أتذكر جيدًا الحماس اليومي للخروج واللعب مع الجيران عصرًا بعد مشاهدة أفلام الكرتون من «فقرة الأطفال» على المحطة التلفزيونية الوحيدة. ساعات من اللعب على الدراجات الهوائية والحَجلة وسبع حجار والغميضة، تتخللها رحلات إلى الدكان لشراء البوظة أو العصائر المنعشة. يرافق ذلك كله الشعور اللذيذ -الذي أفتقده الآن كبالغة- بالاسترخاء والاطمئنان أن مرح اليوم سيتكرر في اليوم التالي لأن العطلة الصيفية بدت لنا طويلة وكأنها ستمتد للأبد، ولا حاجة للقلق أن في اليوم التالي دوامًا والتزامًا.

هذا الشعور بأن أسابيع العطلة لا تنتهي، قد يختلف عند أطفال اليوم بعض الشيء، تحديدًا مع قرار وزارة التربية والتعليم بدء العام الدراسي 2023/2024 للطلبة في 20 آب. أي أن العطلة الصيفية ستكون أقصر بحوالي أسبوعين عن السنة الدراسية السابقة، ليصبح عدد أيام الدراسة الفعلية 217 بعد أن كان سابقًا 195 يومًا. حتى أيام العطلة الشتوية بين الفصلين قلّت من 33 يومًا إلى 13 يومًا للسنة الدراسية القادمة.  

لا شك أن إحساسنا بالعطل المدرسية وتفاعلنا معها يتفاوت حسب أعمارنا وأدوارنا العائلية، لكن من أين أتت فكرة العطلة الطويلة؟ وهل نحتاج إلى عطل بهذا الطول مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية؟ وما هو سبب التغيير الحكومي لمدة العطل؟

تاريخ العطلة الصيفية

خلال الحكم العثماني، لم يكن مفهوم الإجازات الصيفية المدرسية متعارفًا عليه كما هو موجودٌ الآن. تمثّلت المنظومة التعليمية بالكتاتيب وحلقات العلم والمدارس الدينية التي كانت مفتوحة على مدار العام. كان الطلاب يحضرون الدروس طوال السنة بما في ذلك أشهر الصيف، وكانت تعتمد التقويم الهجري القمري، مما يعني أن إجازاتها وأعيادها لم تتزامن مع فصول السنة. ومع ذلك، كانت بعض المدارس تعدّل جداولها الزمنية بما يتواءم مع المنطقة أو الإقليم الذي توجد فيه، لتتماشى مع المواسم الزراعية التي كان الأطفال يعملون خلالها مع عائلاتهم في الحقول.

مع بدء حركة التجديد في القرن التاسع عشر، بدأت الدولة العثمانية بإنشاء مدارس «حديثة» في عدة ولايات، اشتملت فيها المناهج على العلوم والحساب والتاريخ، بالإضافة إلى المعارف الدينية، كالمدارس الرشدية في إربد والكرك وغيرها. اعتمدت تلك المدارس التقويم الميلادي وتماشت مع نُظم المدارس الأوروبية، فكان لها إجازة صيفية من حزيران إلى أيلول.

عند الحديث عن أصل العطلة الصيفية، يُشاع حول العالم أنها ارتبطت بمواسم الحصاد. ورغم الانتشار الواسع لتلك الفرضية إلا أنها غير دقيقة. فمواسم الزراعة هي الربيع والخريف، ومواسم الحصاد غالبًا ما تكون خارج الصيف الحار، بدليل بعض العطل التي لا تزال موجودة في فلسطين، مثل عطلة الربيع في نيسان وعطلة الزيتون في تشرين التي تقدمها بعض الجهات والمدارس والجامعات للموظفين والطلاب للمشاركة في فعاليات قطف الزيتون.

يربط بعض المؤرخين العطلة الصيفية بالحالة الطبقية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، حيث كانت الأسر الميسورة تترك منازلها هربًا من حرارة الجو ورطوبته في المدن خلال الصيف وتذهب للاصطياف في أماكن أكثر برودة. وبالطبع كان أطفال المدارس يرافقونهم ويشاركونهم الأنشطة الترفيهية والثقافية. وبالمقابل، في السنوات ذاتها، كان الأطفال في المناطق الريفية يواجهون ضغطًا أكبر للعمل مع عائلاتهم ويرتادون المدارس بشكل غير منتظم على مدار العام. ومع انتشار إلزامية التعليم على مدار العام، توحّدت الأنظمة التعليمية في الريف والمدن واعتمدت العطلة الصيفية.

أمّا سبب اعتماد كونها العطلة الأطول حول العالم فمن المفاجئ تكرار سماع الخلفية التاريخية عن الاعتبارات الزراعية (غير الدقيقة) والفروق الطبقية. وكما تقول الصحفية البريطانية كوكو خان: «من غير المألوف اعتماد ممارسة تعليمية بالغة القدم وأصلها خرافة».

لكن، وبغض النظر عن سبب اختيار الصيف ليكون العطلة الأطول، يدافع البعض عن أن العطلة الصيفية ضرورية لحماية الأطفال والمعلمين من الإرهاق، وإعطائهم المجال للراحة من الصفوف المزدحمة والحارة. حتى وإن كانت بعض الصفوف حاليًا مهيئة بوجود المراوح أو المكيّفات. كما أن هنالك وجهة نظر أخرى ترى أن العطل تساعد على توفير المال وإتاحة الفرصة لأعمال الصيانة لمرافق المدرسة دون إزعاج الطلاب والتأثير على سير الدروس والأنشطة.

لكن ليس بالضرورة أن ترتبط العطل المدرسية الطويلة بدرجات الحرارة. ففي دولة استوائية مثل الصومال تكون العطلة في تموز وآب، رغم أن تلك الأشهر ليست الأشد حرًا في العام، حيث يعود توقيت العطلة إلى تأثير الاستعمارين الإيطالي والبريطاني.

في البرازيل، التي تقع على خط الاستواء، تستمر العطلة خلال شهور الصيف الجنوبي من كانون الأول حتى شباط، في الوقت الذي يكون الفصل شتاءً في القسم الشمالي من العالم. كذلك الأمر في أستراليا، وعلى بُعد بضع درجات شمال الاستواء في الفلبين، تمتد العطلة الطويلة طوال موسم الجفاف من بداية آذار إلى نهاية أيار.

وفي بعض المناطق الجبلية في أقصى شمال الهند، الإجازات الصيفية قصيرة جدًا، وبدلًا من ذلك تكون الإجازة المدرسية الأطول في الشتاء وتمتد إلى عشرة أسابيع.

إعادة النظر بأنظمة قائمة

في السنوات الأخيرة، ازدادت النقاشات حول اختيار الصيف لتكون فيه العطل الأطول. ولطالما كانت مدة الإجازة المثالية متنازعًا عليها حول العالم، حيث يناقش التربويون والأهالي وصناع القرار السلبيات والإيجابيات المرتبطة بها باستمرار. لكن هناك عوامل عدة -تختلف من بلد لآخر- يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لتأثيرها على الخيار الأنسب للطلاب مثل البنية التحتية للنظام التعليمي والموارد المادية والبشرية المتاحة، والبيئة الاجتماعية والثقافية.

يرى المؤيدون في دول مثل الولايات المتحدة والدول الاسكندنافية أن العطلة الصيفية فرصة للتعلم خارج البيئة الصفيّة من خلال الأنشطة اللامنهجية والعملية. فمن خلال البرامج التجريبية والرياضية والموسيقية وحتى الأنشطة الترفيهية، يمكن للأطفال اكتساب المهارات وتنمية قدراتهم الفكرية بتحفيز الاكتشاف وإثارة الفضول لتعلم أمور جديدة.

علاوة على ذلك، يمكن للعطل الصيفية أن تكون مساحة لتقوية الروابط العائلية، من خلال التفاعل مع الأسر النواة والممتدة وتعزيز التواصل مع أفرادها وبناء ذكريات دافئة لدى الأطفال، خصوصًا في دول المنطقة التي يأتي فيها المغتربون مع أطفالهم لقضاء الصيف، ودول البحر المتوسط مثل تركيا وإيطاليا وإسبانيا. بالإضافة إلى ذلك، تُقدم الإجازة فرصة للطلاب والمعلمين على حد سواء للاستراحة والاستجمام بعد فترة دراسية طويلة ومجهدة خصوصًا عقب فترة الامتحانات النهائية.

في المقابل، هناك الكثير من التحديات المرافقة للعطل الطويلة، حيث يمكن أن تعزز اللامساواة التعليمية والاجتماعية خصوصًا بين أبناء المهاجرين في دول أوروبية مثل المملكة المتحدة. ففي الوقت الذي يتاح فيه لأولاد الميسورين أن يحصلوا على فرص ترفيهية وتعليمية إضافية، يفتقد أبناء الطبقة العاملة تلك الفرص ويتسم صيفهم بالملل وحتى قلة التغذية لخسارتهم وجبات استراحة الغداء المجانية وقلة الرقابة والرعاية، خصوصًا إن كان الأهل ملتزمين بوظائف متطلبة، الأمر الذي يزيد الفجوات في المجتمع.

الجائحة والفاقد التعليمي

يعد الفاقد التعليمي من أبرز نقاط الخلاف في موضوع العطل الصيفية. يشير الفاقد التعليمي إلى تراجع مستوى تحصيل الطلاب خلال العطلة بسبب انقطاع التعلم النظامي، والذي يمكن أن يؤدي إلى فقدان بعض المهارات الأكاديمية والمعرفية عند عودة الطلاب إلى المدرسة في العام الدراسي التالي. ومن أبرز النقاط التي يُقيّم بها الأطفال المهارات القرائية والحساب.

أججت جائحة كوفيد السجال حول الفاقد التعليمي حول العالم. بحسب وزير التربية والتعليم عزمي محافظة، وبناء على دراسات مسحية قامت بها وكالات البنك الدولي في عدة دول حول العالم، زادت نسب الفاقد التعليمي بمعدل 10% إلى 20% عن المعدلات السابقة، لتصل في بعض دول المنطقة إلى 70% بسبب التعطيل الكلي أو الجزئي للمدارس. حتى في بعض الدول التي يطلق عليها «دول العالم الأول» كألمانيا، كان الفاقد التعليمي كبيرًا لعدم وجود منصات إلكترونية تعوّض الانقطاع المدرسي أثناء الإغلاقات.

يوضح الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم، أحمد المساعفة، أن قرار تقليص العطلة الصيفية جزءٌ من خطة ستمتد لثلاث سنوات قادمة وضعتها الوزارة لمعالجة الآثار المترتبة على الفاقد التعليمي الذي نتج عن الجائحة، فآليات التعلّم عن بُعد لم تكن ناجعة بالنسبة للعديد من الطلبة، ليس في الأردن فحسب، بل عالميًا.

تشمل الخطة العلاجية المدارس الحكومية ومدارس الثقافة العسكرية ومدارس وكالة الغوث، وتحتوي على 13 إجراء منها: تصميم مصادر وأوراق عمل كجزء من المنهاج الدراسي، وتدريب المعلمين على أساليب تعليم جديدة، بالإضافة إلى تقليص مدة العطل الصيفية والشتوية لزيادة عدد أيام الدراسة الفعلية خصوصًا وأن خيار زيادة عدد ساعات اليوم الدراسي غير متاحٍ، لا سيما في المدارس التي تحتوي على فترتين.

مع التأكيد على أهمية تعويض الفاقد التعليمي، يؤكد تربويون على أهمية العطلة الصيفية الطويلة، خصوصًا وأن هناك صعوبات اجتماعية وحياتية وسلوكية تواجه الطلاب في المدارس، مثل التنمر أو الإجهاد والتوتر بسبب الضغوط الدراسية.

وبغض النظر عن الخطة التصحيحية لوزارة التربية والتعليم، ترى أماني أبو راس، مديرة برنامج التعليم في المجلس النرويجي للاجئين، أنه من المفيد دائمًا إعادة النظر ومراجعة الأنظمة التعليمية القائمة لتتواءم مع متطلبات العصر. فالعطلة الصيفية الطويلة ليس بالضرورة أن تكون دائمًا في مصلحة الأطفال، خصوصًا إن كانت طبيعة عمل الوالدين تتطلب غيابهما معظم اليوم، وهو حال الكثير من الأسر في الوقت الحالي. ومع غياب القدرة المادية لتسجيل الأطفال في نوادٍ صيفية، فإن الأطفال سيقضون معظم اليوم بلا رقابة أو توجيه. «على الأقل المدرسة مساحة آمنة للأطفال ومن مصلحتهم قضاء أطول وقت ممكن فيها» تضيف أماني.

ديمة عثمان، أم لطفلين ومنسّقة في قسم الموارد البشرية، تقول: «ولادي ما عندهم عطلة صيفية. إذا مش بالمدرسة بيكونوا بالنادي الصيفي، أكيد ما بقدر أتركهم لأني موظفة ودوامي طويل».

بالمقابل، ترى صفاء الجندي، مديرة قسم التعليم المساند في إحدى المدارس الخاصة، أن مسؤولية الأهل لتخفيف الفاقد التعليمي لا تعني إمكانيات مادية كبيرة؛ «في الأسابيع الأولى للعام الدراسي، بقدر أميّز الاطفال يلي قضوا الصيف في نشاطات مفيدة  مثل القراءة واللعب في الحدائق العامة، من الأطفال اللي قضوها على الأيباد والبلايستيشن». صحيح أن بعض النوادي الصيفية تتضمن أنشطة تعليمية، لكن الأهم، بحسب صفاء، الأنشطة الاجتماعية والاندماج مع الأطفال الآخرين والمحافظة على المهارات القرائية وإن كانت بشكل بسيط ومتقطع خلال الصيف وليس بالضرورة أن تكون في نطاق النوادي الصيفية فقط.

مع التأكيد على أهمية تعويض الفاقد التعليمي، يؤكد تربويون مثل هبة أبو حليمة على أهمية العطلة الصيفية الطويلة كجزء مهم من حياة الطالب في مختلف المراحل العمرية، خصوصًا وأن هناك صعوبات اجتماعية وحياتية وسلوكية تواجه الطلاب في المدارس، مثل التنمر أو الإجهاد والتوتر بسبب الضغوط الدراسية.

توافق الجندي على ذلك مستشهدة بحالتين من المدرسة التي تعمل بها، حيث هناك أسر جاءت من دول أجنبية كبريطانيا وألمانيا لتستقر في الأردن، لكن الأمهات يشتكين من ضغط الدراسة والامتحانات مقارنة بالدول التي جاؤوا منها. وتضيف صفاء: «هناك أم ألمانية تعطّل ابنها على مسؤوليتها لأسبوع خلال الفصل لأنها ترى في الخطة الدراسية ضغطًا كبيرًا على طفل في عمره مقارنة مع أقرانه هناك».

يتفق بعض الأهل في حاجة الأطفال لعطل صيفية يقضونها في أنشطة غير منهجية تنمّي مهاراتهم وهواياتهم، والتي لا يكون لها وقتٌ كافٍ خلال السنة الدراسية، كالأنشطة الرياضية والشطرنج والفنون والموسيقى، أو حتى قضاء الوقت مع أقاربهم وأصدقائهم في اللعب.

بينما يشير عدد من الأهالي إلى أن وجود الأطفال في المدارس ينطوي عليه مصاريف مرافقة مثل المواصلات وارتفاع استهلاك المحروقات، الأمر الذي ينعكس مباشرة على الأزمات المرورية في الشوارع.

بدائل للعطلة الصيفية

ظهرت مؤخرًا خيارات بديلة للتعليم التقليدي تختلف فيها العطل الصيفية والشتوية. يعتبر «التعلم طوال العام» -مع استراحات منتظمة موزعة على مدار السنة- تجربة تعليمية مستمرة تهدف إلى الحد من الفاقد التعليمي بعد العطل الصيفية الطويلة. فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، اعتمدت بعض المدارس نظام التعليم طوال العام، والذي يوفر للطلاب فترات راحة أكثر تواترًا لاستعادة النشاط وفي الوقت ذاته الحفاظ على الزخم الأكاديمي واستمرارية التعلم.

من جهة أخرى، هناك نظام آخر منتشر يقسم العام الدراسي إلى ثلاث فترات متساوية مع فترات راحة أقصر بينها. بدلًا من إجازة صيفية طويلة، يكون لدى الطلاب عطل أقصر وأكثر تكرارًا على مدار العام. يهدف نظام الفصول الثلاثة لتقديم الخدمات التعليمية بوتيرة منتظمة، ويلقى هذا النهج ترحيبًا في بلدان مثل كوريا الجنوبية واليابان.

خيار بديل آخر هو نظام تعليم المونتيسوري الذي يولي أهمية للتعلم الفردي والتجارب العملية، مشجعًا الإبداع والاستقلالية. يمكن العثور على هذه المدارس في العديد من البلدان حول العالم، بما في ذلك إيطاليا، حيث بدأت هذه الطريقة، ودول أخرى اكتسبت فيه شهرة واسعة مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة والهند.

وأخيرًا هناك التعليم المنزلي. ورغم أنه ليس مسموحًا في بعض الدول إلا أنه يتيح للأهالي ضبط المناهج الدراسية بناءً على اهتمامات وسرعة تعلم أطفالهم، ويوفر رحلة تعليمية أكثر تخصيصًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية