الأخبار دون «فلتر»: الحرب عبر «تلغرام»

الأحد 05 تشرين الثاني 2023
المصدر: جيتي إيميجيز. منشورة على موقع Wired.

أن نستطيع متابعة الحروب من داخل أرض المعركة عبر هواتفنا الذكية؛ هذا ما لم يكن من الممكن أن يتخيله أي جيل سابق. مجموعة متنوعة وكبيرة من الحسابات المهتمة بكل النزاعات العسكرية الدائرة حولنا، من الحرب الروسية الأوكرانية، إلى العدوان الإسرائيلي على غزة، وغيرها من النزاعات المسلحة في كل بقعة من العالم، كل ذلك موجود ومسموح به عبر تطبيق «تلغرام». 

فتح «تلغرام» نافذة غير مسبوقة على تجارب الذين يعيشون في ظل الحروب أو يشاركون فيها؛ من الشوارع المزدحمة لمدينة مزقها القصف إلى الخطوط الأمامية لساحة المعركة، سمح التطبيق للناس برؤية ما لم يكن من الممكن أن تبثه أي وسيلة إعلامية: سمح لهم بمشاهدة الحرب عن قرب.

بُعيد انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأوّل الماضي لجأ المستخدمون في فلسطين وداخل كيان الاحتلال، ومن حول العالم، إلى منصتين لمتابعة الأحداث؛ منصة «X» (تويتر سابقًا) ومنصة «تلغرام»، وكان «تلغرام» التطبيق الأسرع والأكثر استخدامًا خلال الفترة الأولى بعد السابع من أكتوبر. بالنسبة للفلسطينيين ومناصري فلسطين وجمهور المقاومة، كان أمرًا مثيرًا فعلًا، حيث يتابع المستخدم حسابات رسمية للمقاومة الفلسطينية، ترسل عبرها المقاومة الفيديوهات والرسائل والصور حول عملياتها. أما بالنسبة للمستوطنين، فكان «تلغرام» الوسيلة الوحيدة لمتابعة ما يجري، في ظل غياب التقارير والتغطيات عن شاشات التلفزيون الإسرائيلية ووسائل الإعلام الرسمية عند بداية هجوم المقاومة.

تحول «تلغرام» منذ الحرب الروسية الأوكرانية إلى منصة دون «فلتر» للأخبار والتحديثات. ذلك أن قوانين استخدامه تختلف عن منافسه «واتساب» التابع لـ«ميتا». ويستخدمه حوالي 700 مليون شخص حول العالم. 

خلال كل هذه السنين من تصفح الويب ودهاليزه، نشأت معرفة وإحساس عن خلفية المواقع الالكترونية والتطبيقات من ناحية المستخدم. فبات يعلم ما يمكن نشره هنا وما لا يمكن نشره هناك. وأين يمكن إيجاد تلك الأمور المخفية في أقبية الويب. منذ بدايته عام 2014، تحول «تلغرام» سريعًا إلى ساحة افتراضية تقدم كل شيء؛ أشبه بأنفاق سرية تحت مدينة كبيرة. كان الأمر جليًا مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط 2022. وفي هذا الصدد، نشرت مجلة «تايم» تقريرًا في 21 آذار 2022 تحت عنوان «كيف أصبح تلغرام ساحة المعركة الرقمية في الحرب الروسية الأوكرانية». يتحدث التقرير بإسهاب عن صعود نجم «تلغرام» لدى الشعب الأوكراني، بحيث صار لا يمكنهم قضاء يومهم من دونه، إذ يقدم لهم سيلًا لا ينتهي من المعلومات والصور والفيديوهات الآتية من كاميرات الهواتف والتي تقدم لهم صورة واضحة عن مجريات الحرب. 

تحول «تلغرام» منذ الحرب الروسية الأوكرانية إلى منصة دون «فلتر» للأخبار والتحديثات. ذلك أن قوانين استخدامه تختلف عن منافسه «واتساب» التابع لـ«ميتا». ويستخدمه حوالي 700 مليون شخص حول العالم. 

نظريًا، يسمح «تلغرام» بنشر أي شيء ضمن حدود معقولة، لكن بطبيعة الحال، يحجب حسابات عندما تمارس عليه ضغوط سياسية. وهذا ما حصل أخيرًا مع حسابات «كتائب الشهيد عز الدين القسّام» الجناح العسكري لحركة «حماس». سمح «تلغرام» للقسام بنشر لقطات تم تصويرها وتحريرها في الوقت الفعلي لهجوم السابع من أكتوبر. وقد حصدت مقاطع الفيديو هذه، المصحوبة باستراتيجية إعلامية مواكبة للخوارزميات الجديدة، مئات الآلاف من المشاهدات لكل منها، ما وفر أداة قوية لتشكيل الرأي العام. وقدم سردًا للأحداث آتٍ من الحركة بشكل مباشر. حضور «حماس» على «تلغرام» كبير منذ سنوات، ووفقًا لتحليل أجراه مختبر الأبحاث الرقمي التابع للمجلس الأطلسي (DFRLab)، نمت قنوات «تلغرام» التابعة لـ«حماس» بسرعة في الأيام الخمسة الأولى بعد عملية «طوفان الأقصى»، وتضاعف حجم قناة «كتائب القسام» ثلاث مرات، من 205 آلاف متابع إلى حوالي 619 ألف متابع، إلى جانب زيادة بمقدار عشرة أضعاف في عدد المشاهدات لكل منشور. وفي تقرير نشرته الشبكة العالمية للتطرف والتكنولوجيا «GNET»، في 23 تشرين أول الماضي، أشار إلى أن قناة «تلغرام» التابعة لـ«حماس» أرسلت 1145 رسالة في السابع من تشرين الأول الماضي وحده. وأضافت «GNET» أن قنوات «تلغرام» التابعة للجماعات «الإرهابية» والقنوات التي يديرها أفراد مجهولون، تحظى بجماهير متزايدة مع تحول الناس عن المصادر التقليدية للصحافة المسؤولة.

تصاعدت الضغوط من أجل إغلاق حسابات «حماس» على «تلغرام». فأعلن مؤسس التطبيق والرئيس التنفيذي لشركة «تلغرام»، قطب التكنولوجيا الروسي المقيم الآن في دبي، بافيل دوروف، في 15 تشرين الأول الماضي، أنه لن يغلق تلك الحسابات، قائلًا في منشور عبر قناته في «تلغرام»: «نادرًا ما تكون معالجة التغطية المتعلقة بالحرب واضحة». وأشار إلى تهديد «حماس» بقصف عسقلان، قائلًا إن ذلك بمثابة تحذير للمدنيين. «هل سيساعد إغلاق قناتهم في إنقاذ الأرواح، أم أنه سيعرض المزيد من الأرواح للخطر؟» وأضاف أنه يعتقد أن قنوات «تلغرام» «لا تعمل على تضخيم الدعاية بشكل كبير» حيث يرى المستخدمون فقط المحتوى الذي يشتركون فيه على وجه التحديد. بالإضافة إلى ذلك، ذكر الرئيس التنفيذي لشركة «تلغرام» أن قنوات التطبيق «تعمل كمصدر فريد للمعلومات المباشرة للباحثين والصحفيين ومدققي الحقائق». و«في حين أنه سيكون من السهل بالنسبة لنا تدمير مصدر المعلومات هذا، فإن القيام بذلك يخاطر بتفاقم الوضع السيء بالفعل». مشيرًا إلى أن «مئات الآلاف» من المستخدمين الجدد من كيان الاحتلال وفلسطين انضموا إلى «تلغرام» منذ اندلاع الحرب.

في عالم ما بعد الحقيقة، الذي يتسم بالإغراق في المعلومات وتفشي الأخبار الخاطئة، يلجأ الناس إلى تطبيقات مثل «تلغرام» للحصول على الأخبار والمعلومات من المصدر مباشرة.

في نهاية الشهر الماضي، أغلق «تلغرام» عددًا من القنوات المرتبطة بحركة «حماس». وجاءت هذه الخطوة في أعقاب تعرض شركتي «آبل» و«غوغل» لضغوط من مجموعات خارجية لإجبار «تلغرام» على حظر القنوات التي تنتهك شروط خدمة عمالقة التكنولوجيا. ومن بين تلك المجموعات التي مارست الضغوط، معهد «زاخور» القانوني المؤيد لكيان الاحتلال، الذي أرسل إلى شركة «آبل» خطابًا يشير إلى سبعة حسابات لها صلات بـ«حماس» والتي كانت لا تزال متاحة على «تلغرام» لمستخدمي «آبل»، بينما أزالها «تلغرام» لأجهزة «أندرويد». وبعد أقل من 24 ساعة، حظر تطبيق «تلغرام» على أجهزة «آبل» أربعًا من القنوات السبع التي أبرزها معهد «زاخور» القانوني. لكن ثلاث قنوات أخرى مرتبطة بـ«حماس»، والتي تضم مجتمعة ما يقرب من مليون مشترك، لا تزال نشطة. والجدير ذكره أن القائمين على التطبيق قالوا في بيان إنه لا يزال من الممكن متابعة تلك الحسابات التي تم إغلاقها عبر استخدام التطبيق خارج نظامي التشغيل «iOS» و«آندرويد». أي ما يزال يمكن الوصول لحسابات القسام عبر نسخة الويب من «تلغرام» أو التحميل المباشر له على أندرويد كملف apk.

في عالم ما بعد الحقيقة، الذي يتسم بالإغراق في المعلومات وتفشي الأخبار الخاطئة، يلجأ الناس إلى تطبيقات مثل «تلغرام» للحصول على الأخبار والمعلومات من المصدر مباشرة. تكمن جاذبية منصات مثل «تلغرام» في قدرتها على توفير مجموعة متنوعة من مصادر الأخبار، من دون رقابة مفلترة وبعيدًا عن أعين حراس بوابة الإنترنت التقليديين. يمكن للمستخدمين تنظيم موجز الأخبار الخاص بهم والاشتراك في القنوات والمجموعات التي تتوافق مع معتقداتهم واهتماماتهم. بالإضافة إلى ذلك، يوفر التشفير الشامل في  «تلغرام» إحساسًا بالخصوصية والأمان (علمًا أنه ليس آمنًا إلى ذلك الحد)، ما يعزّز تلقي الأخبار دون خوف من الرقابة أو المراقبة. 

فقد الناس الثقة في وسائل الإعلام التقليدية منذ زمن، وأحد العوامل الرئيسية لذلك هو التحيز والإثارة في التقارير. فيشعر العديد من المتلقين أن وسائل الإعلام التقليدية تتأثر بالمصالح السياسية أو مصالح الشركات، ما يؤدي إلى تغطية إخبارية من جانب واحد. بالإضافة إلى ذلك، أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ومصادر الأخبار البديلة أو الإعلام البديل إلى تزويد الأشخاص بمعلومات ما كانت لتصلهم في السابق عمّا يحدث فعليًا. ونتيجة لذلك، تآكلت الثقة في وسائل الإعلام التقليدية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية